مشكلة حماس
فهمي هويدي
3/2/2009
" منذ برز دور التيارات الإسلامية فى انتفاضة عام ١٩٨٧، بدا أن هناك متغيرا جديدا فى الساحة الفلسطينة يمكن أن ينافس حضور " |
ذلك أنني انتقدت الخطاب الدعوي في البرنامج المعلن، الذى اعتبر فلسطين وقفا إسلاميا يتعين الدفاع عنه لاستعادة الهوية الإسلامية للبلد، التي طمسها الاحتلال الإسرائيلي. كنت أعلم أن حماس لها جذورها الإخوانية التي تمتد إلى منتصف الثلاثينيات (في القرن الماضي بطبيعة الحال) وأن البناء التنظيمي للحركة ظهر عام ١٩٤٦، واشتد عوده بعد مشاركة حركة الإخوان في حرب عام ١٩٤٨. وخلال الفترة منذ عام ٤٨ إلى عام ٦٧ الذي تم فيه احتلال إسرائيل لما تبقى من أرض فلسطين، ظل جهد الإخوان محصورا في الدعوة والتربية.
وحين أدى الاحتلال إلى قطع صلاتهم بالإخوان في مصر، فإنهم أسسوا عام ١٩٧٣ ما سمي "المجمع الإسلامي" الذي ظل ملتزماً بنهج التربية والدعوة، الأمر الذي كان محل انتقاد من جانب الرموز الفتحاوية. وانصب النقد وقتذاك على عزوف عناصر المجمع عن المشاركة في مواجهة الاحتلال بدعوى انتظار الوقت المناسب، رغم سعة انتشارهم في القطاع.
بالتالى فإن الحديث عن فلسطين الإسلامية فى بلد يرزح تحت الاحتلال يُعد استباقا غير مبرر، فضلا عن أنه قد يثير خ
لافا يشتت الجهد بما قد يصرف الناس عن هدف المرحلة المتمثل في التحرير حيث المطلب الملح هو حشد الجهود وليس بعثرتها." الحديث عن فلسطين الإسلامية في بلد يرزح تحت الاحتلال يُعد استباقا غير مبرر فضلا عن أنه قد يثير خلافا يشتت الجهد بما قد يصرف الناس عن هدف المرحلة المتمثل في التحرير " |
منذ برز دور التيارات الإسلامية بانتفاضة عام ١٩٨٧، بدا أن هناك متغيرا جديدا في الساحة الفلسطينية يمكن أن ينافس حضور حركة فتح وهيمنتها. وثمة إجماع بين المحللين على أن هذا المتغير كان له دوره في الإسراع بإجراء مفاوضات أوسلو التي انتهت بتوقيع الاتفاق الذي تم في البيت الأبيض وحضره كل من ياسر عرفات وإسحق رابين فى سبتمبر/ أيلول ١٩٩٣ ورعاه الرئيس كلينتون. ونقل عن أحد القادة الإسرائيليين آنذاك أنهم حين وجدوا أنفسهم مخيرين بين التعامل مع أبو عمار أو مع حماس فإنهم فضلوا الأول باعتباره "أهون الشرين".
ولأن الاحتلال كان لا يزال قائما، فإن حماس والجهاد بموقفهما المقاوم بدآ في كسب الشارع الفلسطينى، وتعاظم ذلك الكسب بمضي الوقت بفعل عدة عوامل منها استمرار تحديها للعدو الإسرائيلي بعمليات تمت داخل إسرائيل ذاتها، وشعور الفلسطينيين بالإحباط حين أدركوا أنهم لم يجنوا شيئا من اتفاقيات أوسلو، وفشل المحادثات التي أجراها في كامب ديفد عام 2000 الرئيس الفلسطيني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك بحضور الرئيس كلينتون.
وهي الخلفية التي فجرت انتفاضة عام 2000 التي اشترك فيها مختلف الفصائل الفلسطينية، وانتهى المشهد بعيد ذلك بحصار الرئيس عرفات في رام الله، وتسميمه هناك ثم وفاته عام 2004.
لذلك فإن فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006 بدا أمرًا مفهومًا (حصلت على 74 من 132 مقعدًا بالمجلس التشريعي) وهذا الفوز نقل التنافس بين أبو مازن وجماعة السلطة المحيطين به وبين حكومة حماس إلى مستوى الصراع، خصوصًا أن السلطة كانت ماضية في مسلسل التسوية السياسية إلى حد كان مثيرًا لقلق قوى المقاومة وحماس في المقدمة منها.
ولكي تمضي عجلة التسوية كما كان مخططًا ومرسومًا، كان لا مفر من إزالة عقبة حماس وما تمثله، وبات معروفا الآن ما كان للأميركيين من دور في محاولة إقصاء حماس وحكومتها وإخراجها من المسرح السياسي. وهي المحاولة التي أجهضتها حكومة حماس باستعادتها زمام الأمور ومن ثم سيطرتها على القطاع صيف عام 2007، الأمر الذي شكل تحديًا آخر لها هناك.
" مساندة سوريا وإيران لحماس أصبحت تهمة تجرح بسببها، فى حين أن الطرف الآخر المخاصم لها مؤيد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والرباعية الدولية " |
والذين يروجون لذلك الادعاء لا يعرفون أن بين حماس وإيران نقاط اتفاق وأخرى للاختلاف، وأنهم شأنهم في ذلك شأن أي حلفاء، على اتفاق في بعض الأهداف المرحلية دون الأهداف النهائية، وللعلم فإن "الأجندة" الأخرى المقابلة التي نرى آثارها على الأرض ليست مما يطمأن إليه. على الأقل فالأجندة الأولى إن وجدت فهي ظنية بالأساس، أما الثانية فهي قطعية ولا مجال للشك فيها، وما حدث في التعامل مع العدوان الإسرائيلي الأخير في غزة خير شاهد على ذلك.
" المشكلة الكبرى التي تواجه حماس في مسيرتها السياسية أنها رغم أنها طورت أفكارها وأصبحت أكثر التصاقا بالعمل الوطني، لم تتخلص بعد من إطار وثقافة الفصيل، لذلك فإنها لم تنجح في تحالفاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية لتتبنى مشروع الدولة " |
المشكلة الكبرى التي تواجه حماس في مسيرتها السياسية أنها رغم انها طورت أفكارها وأصبحت أكثر التصاقا بالعمل الوطنى، فلم تتخلص بعد من إطار وثقافة "الفصيل". لذلك فإنها لم تنجح في تحالفاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية لتتبنى مشروع الدولة. وهو داء أصاب الكثير من الحركة ذات الأصول الإسلامية. صحيح أن هناك أطرافا يهمها إفشال مثل هذه التحالفات، إلا أن الساحة الفلسطينية أصبحت لا تحتمل استمرار انفراط عقد الصف الوطني، علمًا بأن المجلس الوطني الفلسطيني لم ينعقد منذ عشرين عاما منذ التأم آخر اجتماع له بالجزائر عام ١٩٨٨.
وكانت النتيجة أن الشعب الفلسطيني لم تعد له مرجعية يطمئن إليها، فى الوقت الذي تتعرض فيه القضية لخطر التصفية، وفي حدود علمي فإن المثقفين الفلسطينيين الوطنيين المقيمين بالخارج يتداولون هذا الأمر فيما بينهم الآن، وأن هناك تيارًا قويًا بينهم يدعو إلى تشكيل جبهة للمقاومة والتحرير، ينتظر أن تعلن في دمشق خلال مارس/ آذار المقبل.
وهو تطور مُهم لا ريب لأن الأمل بات معلقا على استمرار الصمود والمقاومة، في ظل التئام الشمل الفلسطينى تحت أي راية تتبنى الحلم المؤجل، وتتمسك بثوابت القضية دونما عبث أو تفريط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق