مجازر مغول العصر.. قتل.. تدمير وتجريف
كانت وصايا جنكيز خان وأحفاده من حكام المغول للقادة والجنود في جيوشهم “لا تتركوا أحدًا.. اقتلوا الرجال والنساء، الأطفال والشيوخ، أحرقوا البيوت والأشجار، لا تدعوا أحدًا حيًا في القرى والمدن، أبيدوا الحياة”، ثم يبدو كما في الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية وهم يحتسون أقداح الدم مسلمًا كان أو عربيًا.
ها هي دائرة الزمن تدور وتخرج صور التاريخ حية في القرن الحادي والعشرين، لتظهر حقيقة الكيان الصهيوني الذي تخفى كثيرًا تحت رداء واحة الديمقراطية -التي تغتصب الأرض العربية-، ولكنها تعيش بين الثعالب العربية والإرهاب العربي، ليكتشف العالم قبح الوجه والجوهر، لتهتز ضمائر الإنسانية أمام ما تفعله القوات الصهيونية في غزة وفي كل أرض فلسطين.
إذ نحن أمام مغول جديد، ارتدى ملابس العصر الأمريكانية والإنجليزية والفرنسية، وتسلح بأحدث ما تنتجه مصانع السلاح في بلاد الحضارة الغربية من طائرات مسيّرة ومدرعات وجرافات وقنابل فوسفورية، لتقتل بها الحياة في غزة وفلسطين في تجارب متطورة لمذابح المغول في العصور الوسطى، و”بروفة” تهديد للعالم من أي مقاومة قادمة ضد الهيمنة الأمريكية الصهيونية، وإلا ما الداعي لكل هذه الأسلحة المستخدمة في حرب على مليونين ونصف المليون إنسان لا يملكون الآن شربة ماء ولا كسرة خبز؟ بعد أن حرمهم العالم من الوقود والماء والغذاء، نحن أمام مجزرة بشرية لسكان فلسطين.
مجزرة المدارس
لم تنتهِ بعد آلام مجزرة مستشفى الشفاء والرنتيسي، والأردن، ناصر، والمستشفى التركي، بعد أن أخلت قوات جيش الدفاع الصهيوني مستشفى الشفاء، وتركوا أعدادًا قليلة من الأطفال والمرضى، والمصابين بلا أي مصدر للحياة أو الدواء، وبعد النجاح الكبير في عزل الكهرباء عن مراكز العناية المركزة وغرف الولادة، وامتلأت ساحة المستشفى بجثث الشهداء الذين قتلتهم الأيدي الغادرة، حتى بدأت عصابات الكيان الصهيوني في مجازر جديدة.
استهدف العدوان الصهيوني المدارس التي يلجأ إليها أهالي غزة من المدنيين، فكانت مجزرة مدرسة الفاخورة، التي راح ضحيتها ما يقارب الـ200 شهيد حتى كتابة هذه السطور، والأعداد في ازدياد في المدرستين، قتلوا معظم قاطني المدرسة، وأصابوا الباقي، الأطفال والفتيات، السيدات العجائز، والشيوخ، سيدات حوامل بأطفالها الأجنة، إنهم يقتلون الحياة الآن وفي المستقبل، ويتغذون على لحمنا العربي، ويشربون دماءنا في نشوة تليق بالمجرمين القتلة عشاق الموت.
تظهر على السطح الإعلامي للعالم تلك المجازر التي ترتفع فيها لأعداد القتلى إلى مئات عدة، ونتداولها كحدث كبير بين أحداث القتل اليومية، ولا نلقي اهتمامًا لمجازر أُخر يصل فيها أعداد القتلى إلى العشرات تلك المجازر التي تتم باستهداف المنازل والأحياء، وقد وصلت تلك المجازر إلى أكثر من 1300 مجزرة خلال 43 يومًا من الحرب على غزة.
هذه الحرب التي أعلنها الكيان الصهيوني من أجل القضاء على المقاومة و”حماس”، وإذا بها حرب لإبادة شعب فلسطين، ولم تقتصر مجازرهم على شعبنا في فلسطين على غزة فقط، بل امتدت إلى أحياء ومنازل في الضفة الغربية، ومناطق في الأرض المحتلة، تقصف إسرائيل المنازل والأحياء تحت حجة البحث عن المقاومين والقبض عليهم من فصائل وكتائب المقاومة، ولكن الحقيقة أن الكيان الصهيوني يهدف إلى قتل مظاهر الحياة كلها في غزة وفلسطين وإبادتها، سعيًا إلى الهدف الموهوم بترحيل أهل غزة إلى صحراء سيناء، في عملية إجبار على التهجير.
تاريخ المجازر الصهيونية
منذ بداية الثورة الفلسطينية بقيادة أمين الحسيني في عام 1936 ضد العصابات الصهيونية، وفي ظل الانتداب البريطاني لم تتوقف المجازر الصهيونية على مدار التاريخ من مجزرة حيفا والقدس عام 1937، 1938، إلى مجازر بلدة الشيخ وحيفا 1939، حتى مجازر عام النكبة والعام الذي سبقه في القدس، العباسية، الخصاص، باب العمود، الشيخ بريك، يافا، وحيفا، ودير ياسين، مرورًا بمجزرة القدس عام 1967، وحتى مجازر صبرا وشاتيلا 1987، وما تلا ذلك من مجازر شهدها العالم منذ ذلك التاريخ حتى الآن.
طوال تلك السنوات وخلال تلك المجازر التي فقد فيها الآلاف من الشباب والأطفال، والنساء والسيدات لم يتزحزح إيمان الشعب الفلسطيني بوطنه وأرضه وحقه الأبدي في أرض فلسطين كلها من البحر إلى النهر، لم تكن أعداد الشهداء عبر 75 عامًا من الحرب والدمار والقتل عاملًا في الهجرة والرحيل عن أرض فلسطين.
لم يكن سريان نهر الدماء الزكية الطاهرة إلا نبتًا في الأرض الخصبة للوطن وأبطال جدد، يكفي أن نقول إن 10% من شباب فلسطين قد استشهدوا في انتفاضة عام 1936، وهو ما يقارب 40 ألفًا من الشهداء، ولم يتزحزح إيمان الشعب الفلسطيني بحقه.
إذن لم ولن يحقق الكيان الصهيوني أي هدف من أهدافه المعلنة سواء في القضاء على المقاومة و”حماس” مهما تعاون معه الشركاء والعملاء في هذا الهدف، وهو الهدف الذي فشل في تحقيق أي نسبة منه حتى الآن.
إن نسبة نجاحه في ذلك صفر، فلم يستطع الوصول إلى مقاوم واحد حتى هذه اللحظة، ولم يعلن أسر مقاوم، ولا تدمير موقع أو آلية تنسب للمقاومة، فهي حركة تحرر لا تمتلك آليات، ولا يساندها سوى قلوب شبابها وسواعدهم التي يكبدون بها العدو خسائر فادحة حتى هذه اللحظة.
أما الهدف الثاني فهو تهجير أهل غزة من الشمال إلى الجنوب، ومن ثم إلى سيناء، وحتى الآن لا يزال أكثر من 800 ألف فلسطيني يعيشون في شمال غزة، وها هم أطفال غزة يمرحون ويلعبون وسط القصف الصهيوني، ويعطون الأمل في المستقبل.
لن يفيد الكيان الغاصب حرق المنازل ولا تدميرها ولا تجريف الشوارع بحثًا عن مقار، وأبطال المقاومة تحت “أسفلت” شوارع غزة والضفة الغربية، فهؤلاء يقيمون فقط في قلوب أمتهم العربية والإسلامية، وقلوب أحرار العالم، وليزين علم فلسطين بيوت الأحرار كلها، ولتزدان معالم العالم أجمعها بصورة أبو عبيدة (الملثم)، وما هو إلا صبر ساعة ليتحقق النصر، ألا إن نصر الله قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق