مرتكزات أساسية عاجلة للانتصار
يومًا بعد يوم يتّضح صحة ما ذهبنا إليه مبكرًا في هذه المقالات حول سيناريو المخطط الصهيو- أميركي الذي يهدف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه وضمّه لدولة الكيان الصهيوني، دون أن يلقي بالًا للقرارات والتوصيات والاعتراضات والمطالبات والمناشدات الرسمية والأممية والنقابية والشعبية، ودون أن يكترث للمآسي الإنسانية المترتبة على عملية الإبادة الجماعية التي يقوم بها على مدار الساعة؛ لإجبار المواطنين على النزوح باتجاه جنوب قطاع غزة، حيث يتعرضون إلى كافة أصناف الإذلال والاضطهاد، والرعب والمعاناة البدنية والنفسية.
وفي ظل العجز المخزي؛ العربي والإسلامي والدولي والأممي، وتزايد أعداد النازحين ومعاناتهم وانسداد الآفاق في وجوههم، ما سيضطرهم إلى القبول بأي حلول عاجلة تؤمّن لهم لقمة العيش وشربة الماء والمأوى بعيدًا عن أنياب الموت الذي يتربص بهم في كل مكان، حتى لو كان هذا المأوى في عالم الشتات واللجوء؛ في ظل هذا وغيره، ماذا سيفعل الشعب الفلسطيني للانتصار في هذه المعركة المصيرية، وإفشال المخطط الصهيو-أميركي الذي استعرضنا مبرراته ومراحله واحتمالاته في المقالات الثلاثة السابقة؟
على المقاومة الفلسطينية الانتقال بمستوى المعركة؛ من معركة تكتيكية ذات أهداف محدودة إلى معركة مصيرية شاملة من أجل تحرير فلسطين، وتوسيع دائرة المشاركة في هذه المعركة لتشمل جميع الفلسطينيين والمتضامنين معهم في جميع أنحاء العالم
إن هذه المسؤولية التاريخية تقع بشكل كامل على فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة (حماس)، وهي مطالبة بالتحرك العاجل ضمن رؤية متقدمة، وديناميكية متنامية، يتم فيها إعادة بلورة مرتكزات المعركة في المرحلة القادمة، وتوجيه الحراك السياسي والعسكري وَفقًا لها، بما يساعدها في النهاية على إفشال المخطط الصهيو-أميركي وتحقيق الانتصار، قبل أن تزداد الأمور تعقيدًا على المستويين: العسكري والإنساني. وفي مقدمة هذه المرتكزات:
رفع مستوى المعركة
الانتقال بمستوى المعركة من معركة تكتيكية ذات أهداف محدودة خاصة بتبادل الأسرى ورفع الحصار عن قطاع غزة وتحسين شروط التفاوض، إلى معركة مصيرية شاملة من أجل تحرير فلسطين، وتوسيع دائرة المشاركة في هذه المعركة لتشمل جميع الفلسطينيين والمتضامنين معهم في جميع أنحاء العالم، وتحديد أهدافها القريبة، وتحديد سقفها الزمني، وجبهاتها، ومجالاتها، وأدواتها.
توحيد راية المعركة
التشديد على أن هذه المعركة معركة وطنية لكل أطياف الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين المحتلة وخارجها، يرفرف عليها العلم الفلسطيني فقط، وأن هذه المعركة هي لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيونيّ، وليست لإقامة دولة إسلامية في فلسطين، وهذا لا يتعارض مع راية حركة (حماس) الإسلامية، وجهادها في سبيل الله، كما أنها معركة ليست ضد (حماس) على نحو ما قام به التحالف الصهيو-أميركي منذ اليوم الأول، عندما ضلّل العالم بجعل الهدف الرئيسي للمعركة؛ القضاء على (حماس).
وإنه لمن المؤسف والمؤلم جدًا أنه في الوقت الذي يعلن فيه الكيان الصهيوني منذ اليوم الأول لمعركة (طوفان الأقصى) أن هذه الحرب هي حرب مصيرية؛ نجد العديد من الأوساط الفلسطينية والعربية -الرسمية والنخبوية- تعتبرها حربًا ضد حركة (حماس)، وليس ضد الشعب الفلسطيني، تماهيًا مع الموقف الصهيو-أميركي، وتترقب بسذاجة شديدة لحظة القضاء عليها والتخلّص منها، والجري وراء قادة الكيان الصهيوني لمعرفة ما سيكون عليه الوضع بعد (حماس)، هذا الكيان الذي أطاحت المقاومة الفلسطينية وحدها؛ بهيبته، وحطّمت أصنامه، ومرّغت أنفه في القاذورات، وكشفت للعالم أجمع حجم الخداع الذي يداري خلفه وجهه البربري الإجرامي العنصري.
توحيد الصف الوطني
انطلاقًا من المرتكزين السابقين، ولضمان الانتصار في هذه المعركة؛ لابدّ من توحيد الصف الوطني الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية، والقيام بالتحركات اللازمة لإزالة المعوقات التي تقف أمام الانطلاق الكامل لثورة الضفة الغربية، وعلى رأسها المعوقات التي تضعها السلطة الفلسطينية بقيادة "أبو مازن"، والذي حان أوان الإطاحة به وبها. وهذه مسألة على درجة بالغة من الأهمية، فالسلطة الفلسطينية ورئيسها تستمد شرعيتها من الاحتلال والتحالف الصهيو-أميركي، وليست على مستوى المرحلة ولا المسؤولية الوطنية التاريخية التي تفرضها عليها معركة التحرير القائمة.
ويعتبر استمرار هيمنة سلطة الاحتلال الفلسطينية على مقاليد الأمور في الضفة الغربية أحد أكبر عوامل هزيمة المقاومة الفلسطينية في معركتها المصيرية الراهنة ضد الاحتلال الصهيوني، وينبغي على شرفاء حركة التحرير الوطني (فتح) والنخب الوطنية الشريفة التحرك العاجل للتخلص من هذا السرطان الخبيث، وتعطيل كافة أنشطة الحياة للتفرغ التام لمعركة التحرير المصيرية ومقاومة الاحتلال، والالتحام الكامل مع شعب قطاع غزة.
إن الثمن الذي قدّمه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يتطلب من قيادة المقاومة رفع سقف المطالب السياسية، إلى المطالبة بتحرير فلسطين كاملة من الاحتلال الصهيوني، وإسقاط حل الدولتين، لأنه حل وهمي لا تتوفر له أدنى مقومات النجاح، والتشديد على إقامة دولة واحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي
كشف المستور
تواترت المعلومات التي توضح أن (حماس) لم يكن لها علاقة بالانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون من سكان مستوطنات غلاف غزة يوم (الطوفان)، وأن كتائب عزالدين القسام كانت تستهدف قوات الجيش والأمن، وأن طائرات الأباتشي والدبابات الصهيونية قتلت عددًا كبيرًا من المستوطنين وقصفت عددًا من المنازل والعربات، وخاصة عربات المشاركين في المهرجان الموسيقي، أثناء اشتباكها مع عناصر المقاومة. وقد اعترف الكيان الصهيوني مؤخرًا أن 200 جثة متفحمة تبين أنها ترجع لمقاتلين فلسطينيين، ولطالما عرض الكيان الصهيوني للإعلام الدولي هذه الصور والسيارات المتفحمة بركابها والبيوت المدمرة والمحترقة على أنها جرائم ارتكبتها (حماس) ضد المدنيين.
كما تواترت المعلومات عن استغلال حكومة الكيان الصهيوني ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هجوم (القسام) من أجل شيطنة (حماس) و(دعشنتها)؛ كسبًا للتأييد الغربي والدولي لردة الفعل الصهيونية على هجوم (حماس)، هذا الهجوم الذي أفادت المعلومات المتواترة كذلك أن الولايات المتحدة -وليس فقط الكيان الصهيوني- كانت على علم مسبق به وبتفاصيل ردود الفعل الصهيو-أميركي عليه، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة.
نشرت الوسائل الإعلامية الصهيونية والأميركية، الكثير من المعلومات والشهادات حول هذه المجريات، وما زالت رواية (حماس) غائبة حول حقيقة ما حدث. هذه الرواية ينبغي ألا تتأخر أكثر من ذلك، لما سيكون لها من تأثير على الشارع الصهيوني ومناهضته للحكومة وللحرب، وعلى المواقف الدولية والرأي العام العالمي.
توازن الرعب وبث الفوضى
العمل على نشر الرعب والفزع في دولة الكيان الصهيوني وإرباكها عبر الإعلان عن تحويلها إلى أهداف عسكرية للمقاومة في كافة المجالات والميادين والجبهات، بدءًا بالقادة السياسيين والعسكريين، ومرورًا بالمؤسسات المدنية، والبنى التحتية والمساكن، تماما كما يفعل العدو. مع الإفصاح عن الذخائر والمقذوفات التي لم تستخدمها المقاومة بعد، والتي يمكن أن توقع عددًا هائلًا من القتلى في صفوف الجيش والمدنيين؛ لإجبار قيادة الكيان الصهيوني على إعادة حساباتها الخاصة بالمعركة. ويدخل ضمن هذا التوازن؛ إثارة الفوضى والإرباك في الكيان الصهيوني والعالم في كافة المجالات والمستويات المتاحة، للضغط على القيادات السياسية من أجل إيقاف الحرب، والعودة إلى الحلول السياسية.
رفع سقف المطالب السياسية
إن الثمن الذي قدّمه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والصمود البطولي منقطع النظير، والالتفاف الشديد حول المقاومة مطالبًا بمواصلة معركة التحرير، يتطلب ذلك من قيادة المقاومة رفع سقف المطالب السياسية، والكف عن المطالبة بإيقاف الحرب وتبادل الأسرى، وأول هذه المطالب وآخرها تحرير فلسطين كاملة من الاحتلال الصهيوني، وإسقاط حل الدولتين؛ لأنه حل وهمي لا تتوفر له أدنى مقومات النجاح، والتشديد على إقامة دولة واحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي على قدم المساواة، دولة لا تهدد استقرارها العنصرية الصهيونية المتطرفة، ولا تهددها وحشيتها الهمجية ولا ترسانتها النووية، تضع حدًّا لأعمال المقاومة المتواصلة التي لن تتوقف مادام الفلسطينيون محرومين من حقوقهم التاريخية المشروعة. مع التشديد على أن العالم والمنطقة العربية والمشروعات التطويرية للمنطقة لن تقوم لها قائمة ما لم تقم هذه الدولة.
لقد انكشف الوجه الإجرامي العنصري المتغطرس للكيان الصهيوني أمام العالم أجمع، بعد أن داس على الإنسانية وانتهك كافة مواثيقها وقوانينها، وانكشف حجم الكذب والخداع الكامن وراء دعاوى المظلومية ومعاداة السامية، وأصبح العالم مستعدًا -شعبيًا على الأقل- لدعم هذا الحل، باعتباره الحل الوحيد الذي من شأنه تحقيق السلام للشعبين، وتحقيق الاستقرار للمنطقة ومشروعاتها التنموية والاستثمارية.
هذه بعض المرتكزات التي تتطلب من المقاومة الفلسطينية وحركة حماس القيام بمراجعة سريعة لخطط التحرك السياسي والعسكري والإنساني والإعلامي الراهنة، والقيام بما يلزم لإعادة توجيهها الوجهة الصحيحة التي تساعد على إسقاط المخطط الصهيو-أميركي وتحقيق الانتصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق