الدول الإسلامية والعربية لم تمتلك أي دولة منهم الجرأة والشجاعة والنخوة ما إمتلكته دولة جنوب إفريقيا
تقرير بقلم رئيس المنظمة
سمير يوسف*
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”
رفعت دولة جنوب إفريقيا دعوة أمام محكمة العدل الدولية؛ تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ضد الفلسطينيين.
ولدولة جنوب إفريقيا، وشعبها بمختلف مكوناته، تاريخ طويل من النضال ضد الاستبداد والفصل العنصري، ولها تجربة سياسية ملهمة، للتحول السياسي والاجتماعي، ولعل تجربتها مع الفصل العنصري هي العنصر الأساسي لها، لتكون أول دولة تلجأ إلى محكمة العدل الدولية، ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي.
محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي التابع للأمم المتحدة، لكنها مثل غيرها من آليات الأمم المتحدة، التي لا يمكن الاعتماد عليها لإنجاز حكم منصف؛ لأسباب كثيرة، تدور في غالبها على طريقة تركيب النظام الدولي، بطريقة تضمن حكم العالم بالقوة والغلبة، لا بالعدل والإنصاف.
وبالرغم من كل ما قد يقال عن المحكمة وصلاحياتها، ومدى إلزامية أحكامها، إلا أن مجرد الإشارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي على مستوى دولي بأنها مسؤولة عن جرائم إبادة موثقة، هو عمل يجب النظر إليه بإيجابية، والاستفادة منه، ضمن عمليات محاولة إنصاف القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يتم عبر عمل تراكمي، لا مجرد انفعالات لحظية وبيانات عابرة.
إن الاحتلال الإسرائيلي يعاني من هذه المعركة، منذ حرب عام 2014م على غزة، التي قتل فيها أكثر من 2800 فلسطيني، وكانت هناك محاولات لفتح تحقيق في محكمة الجنايات الدولية ضد جرائم حرب ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة”.
هذه المحاولات كلها أُعيد تجديدها بعدما أصبحت فلسطين عضوا في محكمة الجنايات الدولية، ثم بعد ذلك في عام 2021، حيث كانت أول الملفات، التي أخذت لمحكمة الجنايات الدولية”.
إسرائيل ظلت تخشى هذه الملفات على مدار سنوات سابقة، لكن الجديد في الأمر هذه المرة أن دولة مثل جنوب افريقيا، التي عانت من الاستعمار لسنوات طويلة، وهي دولة كاملة السيادة، وعضو في محكمة العدل الدولية، وعانت من التمييز العنصري حسب اللون، هي من تقدمت بطلب رسمي للمرة الأولى بحق الاحتلال الإسرائيلي.
محكمة العدل الدولية تختص بالدول، وتتعلق بها كدولة وليس بالكيانات والأشخاص، ومحكمة الجنايات الدولية تتعلق بمحاكمة الأفراد والكيانات، وكانت هناك محاولات سابقاً أثرت على المسار السياسي لدى الدبلوماسية الإسرائيلية، وعُطل جزء منها فيما يتعلق ببعض القضايا، التي رُفعت في محكمة الجنايات الدولية، خصوصا بعدما أصبحت فلسطين عضوا فيها.
ستكون هناك مبادرة بموافقة الكثير من الدول، أمريكا اللاتينية، الدول العربية والإسلامية، وقد دعت بعض الدول كـ بنجلاديش وبوليفيا، وحتى دول أمريكا اللاتينية؛ مثل فنزويلا وكوبا، قالت نحن نضم صوتنا لصوت الجزائر، التي طلبت رفع دعوات لمحكمة الجنايات الدولية.
اليوم هناك معركة دبلوماسية جديدة؛ لأن النظام العالمي يريد أن يفهم أن كل دولة، وكل كيان يمارس بدون ضوابط قانونية، وبدون السياسات الخارجية الدفاعية، أو الهجومية، وهذا ما يعد هو الضابط الأساسي.
هدف إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التدخل لوقف الحرب
إنه تم إنشاء محكمة العدل الدولية لهدفين أساسيين: الهدف الأول هو فض النزاعات والخلافات بين الدول، فيما الهدف الثاني هو تفسير منهجي للاتفاقيات الدولية، وإلزام الدول بهذه الاتفاقيات.
كما إن منع جريمة الإبادة الجماعية اعتمدت عام 1948، ودخلت حيز التنفيذ في يناير 1951، وكانت إسرائيل من أوائل من صادق على هذه الاتفاقية.
إن التحرك اليوم من جانب دولة جنوب إفريقيا بتقديم شكوى لعدم التزام إسرائيل ببنود اتفاقية مناهضة منع الإبادة الجماعية، وتطالب المحكمة باتخاذ التدابير الاحترازية، وبعد ذلك قد يكون هنالك حكم صادر من المحكمة، لكن التدابير المؤقتة التي تصدر من قطاعات التحقيق، ويتم التصويت عليها على حسب الإجماع والأغلبية، قد يكون هنالك تدخل إيجابي لوقف الحرب، ومحاسبة إسرائيل.
النقطة الأساسية بعد تقديم جنوب إفريقيا لهذه الشكوى هناك 15 قاضي تحقيق موجودون في محكمة العدل الدولية، ولديهم فِرق تحقيق خاصة بفحص الاتفاقية الدولية، وفحص الانتهاكات مع الأدلة، التي ستقدمها جنوب أفريقيا، وعندهم الإمكانية والصلاحية بالبحث عن الأدلة.
ليس هناك حاجة لقبول إسرائيل اختصاص المحكمة بفض هذا النزاع؛ لأنه اليوم هناك دولة تشتكي عليها لعدم التزامها بالاتفاقيات الدولية، وحتى لو رفضت إسرائيل المثول أمام المحكمة، فإنها ستتخذ إجراءاتها بفرض التدابير المؤقتة لحماية المدنيين، ووقف الحرب، ووقف انتهاك الالتزامات من الدولة بهذه الاتفاقية.
أعتقد إن لدينا الكثير من الاحتمالات المهمة، التي يمكن أن تطرح كاملة لدعم جنوب أفريقيا، ويمكن أنها هي من تقترحها على المحكمة، وبعدها تقوم المحكمة بعملية الفحص.
خطوة موجعة معتد أثيم
إن كان هناك من دولة يجب أن توجه إليها الشكر والإمتنان في مجال القيام بما يجب لأجل محاسبة إسرائيل على التطهير العرقي، وعلى الإبادة الجماعية في غزة، فهي دولة جنوب أفريقيا.
إن كان من دولة يحق لأهل غزة أن يفخروا بصداقتها، بإنصافها، بجرأتها، فهي دولة واحدة لا غير، وهي دولة جنوب أفريقيا.
الحديث هنا عن ثلاثة شهور من الإبادة الجماعية في غزة ناهيك عن 17 سنة من الحصار سواء من مصر والأردن أو من المحتل الإسرائيلى، 153 دولة مصادقة على المعاهدة، معاهدة منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ولم تتحرك أي دولة، لم تمتلك أي دولة الشجاعة والجرأة الكافية للقيام بهذه الخطوة التاريخية.
نتحدث عن العديد من ملوك ورؤساء الدول العربية، العديد من الدول الإسلامية المصادقة على هذه المعاهدة، التي لم تمتلك أي دولة منهم الجرأة والشجاعة والكرامة والنخوة للقيام بهذه الخطوة التاريخية؛ رغم مرور ثلاثة أشهر من بدء الإبادة الجماعية.
إن دولة جنوب أفريقيا كانت هي الدولة الوحيدة غير العربية وغير المسلمة، لكن الإنسانية لدى صناع القرار في هذه الدولة جعلتهم يقدمون على مثل هذه الخطوة.
عشرات الآلاف من الأطفال والنساء يقتلون أمام أعين العالم كل يوم، المستشفيات، المخابز، المطاحن وآبار المياه تقصف، ولم تتحرك نخوة وكرامة أو ضمير “زعيم عربي أو مسلم واحد” لتقديم طلب لدى محكمة العدل الدولية، لكن جنوب أفريقيا في بداية الحرب قدمت إحالة لدى المحكمة الجنائية الدولية، والآن، وبعد مرور شهرين ونصف على الحرب، هي تقدم طلبا جديدا لدى العدل الدولية.
هذه الخطوة ستكون موجعة ومزعجة للكيان الصهيوني.
كما إن هناك ضغط مهول تتعرض له جنوب أفريقيا من قِبل اللوبي اليهودي في أمريكا، ومن قِبل أمريكا نفسها لسحب هذا الطلب؛ لذلك على الدول العربية والإسلامية المصادقة على المعاهدة، ومساندة جنوب أفريقيا، والتقدم بطلب الانضمام لهذه الدعوة بشكل رسمي لدى محكمة العدل الدولية”.
و”كما وجدت أوكرانيا من يساندها وينضم لهذه الدعوة يجب على هذه الدول أن تنضم إلى الدعوة التي رفعتها جنوب أفريقيا”.
منذ أن وقَّعت إسرائيل على معاهدة منع الإبادة الجماعية المُعاقب عليها فهي أصبحت ملزمة بكل المواد القانونية الموجودة ضمن هذه المعاهدة، وأهم المواد هي المادة التاسعة، التي تعطي لمحكمة العدل موضوع الولاية القضائية، بمعنى أن أي خلاف يأتي في إطار هذه المعاهدة بين الدول المصادقة لها يمكن لإحدى هذه الدول أن تتقدم بموجب المادة التاسعة للمحكمة.
أن المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية تسمح لأي دولة طرف فيها التقدم بدعوى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية دون اشتراط رضا الدولة المرتكبة للجريمة.
سمير يوسف*
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”
Leiter der Organisation
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق