العدل والنزاهة في العقلية الأوروبية
الدكتور عزت السيد أحمد
كاتب ومفكر
حقيقة من النَّادر ما أقف حائراً من أبن أبدأ الكلام في موضوعي الذي أتناوله. مهما تزاحمت الأفكار في مخيلتي حول الموضوع الذي أريد الكلام فيه، ومهما تداعت الأفكار المناسبة أو اللازمة له، فيه لا أجد أبداً أي حيرة أو ترد في الاستهلال بما يناسبه، عَلىٰ الأقل من وجهة نظري.
فقط في الموضوعات الكوميديَّة السُّوداء ذات الطَّابع العبثي والسِّريالي أحار من أين أبدأ. وموضوعنا الآن من هٰذا القبيل؛ كوميديا سواد عبثيَّة سرياليَّة من الطراز المربك من الدرجة فوق الأولىٰ.
سأستعين بمفهوم القصة في عرض هٰذا الموضوع؛ المقدِّمة أو التَّمهيد والعقدة والحل الذي هو بمنزلة الخاتمة. وأمهِّد بهٰذا التمهيد لضرورة المتابعة وأهميتها وإن كان من الضروري أن تتحقق معادلة الجذب في النص من دون تنبيه إضافي خارج النص.
موضوعنا ومشكلتنا الآن هي محيطات إحالة إسرائيل إلىٰ محاكمة الجنايات الدُّوليَّة والإحالة بذاتها أيضاً، والبدء بالمحاكمة عمليًّا اليوم الخميس الواقع في 11/1/2024م.
صدمة كبيرة يعيشها الكيان الصهيوني بدت في الحالة الانفعاليَّة والجنونيَّة التي خطب بها رئيس وزراء الكيان نتن ياهو ردًّا عَلىٰ بدء المحاكمة. رُبَّما لا تبدو هَٰذه الصَّدمة ظاهرة خارجيًّا بما يعادلها من هلع في قلوبهم. ولٰكنَّهَا صدمة كبيرة، فهَٰذه هي المرَّة الأولىٰ منذ نشأة الكيان الصهيوني التي تقبل محكمة الجنايات الدُّوليَّة محاكمتهم عَلىٰ جرائمهم. الأمر ليس بسيطاً بحال من الأحوال، فهم دائماً يتعاملون عَلىٰ أنَّهُم فوق القداسة، وفوق المحاسبة، وما قاموا ويقومون به من مجازر في غزة اليوم، منذ أكثر من مئة يوم، لا يختلف كثيراً عمَّا كانوا يقومون به من مجازر منذ ثمانين عاماً… وعبر هَٰذه السِّنين كان الكيان الصهيوني فوق المحاسبة وحَتَّىٰ فوق السؤال، وفجأة ينفتح ملف محاكمتهم.
النَّتيجة الأولىٰ هي أنَّهُ ولأول ينكسر العنق الأوروبي والأمريكي ويجد نفسها عاجزاً عن منع محاكمة إسرائيل. لا أعوِّل أي نتائج إيجابيَّة عَلىٰ هَٰذه المحاكمة ولا أنتظر تنفيذ ما قد يصدر عن المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة من أحكام ضدَّ إسرائيل، بل لا أنتظر إصدار أي أحكام ضدَّها لأني أتوقع إجهاض المحاكمة ومنعها من إصدار أي أحكام، وإن صدر أي حكم فلن يكون قابلاً للتّنفيذ في ظلِّ الوضع الدُّولي الرَّاهن. ولٰكنَّ الذي يعنيني هو بدء انكسار العنق الأوروبي والأمريكي في شأن القدرة عَلىٰ حماية الكيان الصهيوني في المحافل الدوليَّة. وأكرِّر لا أنتظر أي عدالة مما يسمَّىٰ المجتمع الدُّولي، إذا لم يستطع الفلسطينيون والعرب القصاص لحقوقهم فلا قيمة لأي حقوق تستردُّها لهم أوروبا أو أمريكا أو غيرهما.
المؤلم، قبل الدُّخول في الموضوع، أنَّهُ في حين بدأ يتكسَّر العنق الأوروبي في شأن القدرة عَلىٰ حماية إسرائيل فيما يسمَّىٰ المحافل الدُّوليَّة فإنَّ الأنظمة العربيَّة قاطبة ومن دون استثناء تقف إلىٰ جانب إسرائيل وبعضها يضغط عَلىٰ إسرائيل لإبادة الفلسطينيين وتهجير من سائر فلسطين وليس من غزة فقط. بل إن بعض الدُّول العربيَّة تقدِّم الأسلحة والتَّمويل لإسرائيل في حربها الوحشيَّة ضد غزة منذ أكثر من ثلاث أشهر.
ولذَٰلكَ لا تعجب إن علمت أنَّهُ باستثناء تركيا وماليزيا، لا توجد دولة ولا عربيَّة ولا مسلمة قبلت الانضمام إلىٰ جنوب إفريقيا في الادعاء عَلىٰ الكيان الصهيوني، بل لا توجد دولة عربيَّة ولا مسلمة تدعم ملف محاكمة إسرائيل. دولة جنوب إفريقيا المسيحيَّة هي التي رفعت الدَّعوىٰ وطالبت بمحاكمة إسرائيل وتولت الدِّفاع عن الحقوق الفلسطينيَّة وتقديم الأدلة عَلىٰ إدانة الكيان الصهيوني. لقد قدَّمت جنوب إفريقيا ملفاً مدهشاً بإحكامه وتنظيمه ولغته، زلا تساندها أي دولة عربيَّة في ذَٰلكَ… حَتَّىٰ السلطة الفلسطينيَّة لا تقف مع الدَّعوىٰ ولا مع محاكمة إسرائيل.
ترافع عدد من المحامين من فريق الادعاء الجنوب إفريقي، كل واحد سلط الأضواء بلغة راقية ومدهشة عَلىٰ مسألة من جوانب الدَّعوىٰ والاتهامات. يستحقون جميعاً أجل الشكر والتقدير احتراماً لهم.
كل جلسات محاكمات الجنائيَّة الدوليَّة، الأولىٰ خاصَّة، كانت تنقلها سائر التلفزيونات الأوروبيَّة والأمريكيَّة عَلىٰ الهواء مباشرة، ورُبَّما من دون استثناء. هَٰذه هي المرة الأولىٰ التي لم يتم نقل مرافعة المدعي، جنوب إفريقيا، عَلىٰ الهواء مباشر وبعضها لم ينقل حَتَّىٰ مجتزءات من المرافعة، وبعضها لم ينقل الخبر ذاته.
وهنا جوهر موضوعنا.
لماذا لم يتم نقل المرافعة ضد إسرائيل؟ وماذا يعني ذَٰلكَ؟
أن يكون الأمر لا يعنيهم فهٰذا هبل عَلىٰ خبل ومحال.
هم إذن يعرفون الحقيقة، ولا يوجد سوء فهم، ولا توجد معلومات مبتورة أو ناقصة أو مشوهة عما يحدث في فلسطين…
هم يعرفون الظلم والاحتلال والمجازر، بل هم شركاء فيها.
وهم لا يريدون أن يطَّلع الشَّباب الأوروبي والأمريكي عَلىٰ الحقيقة.
أن يدعموا إسرائيل فهٰذا حقهم ولا أعترض عليه، وأن يدعموا إسرائيل فهٰذا حقهم ولا أعترض عليه… إسرائيل تخدم مصالحهم ومن واجبهم أن يحموها ويدعموها ولا أعترض عَلىٰ ذَٰلكَ.
ومع ذَٰلكَ فإنَّ السُّؤال الذي يفرض ذاته بقوة هنا:
طالما أنتم تخفون الحقيقة، وتزوِّرون الحقيقة، وتعكسون الحقائق أفلا يعني ذَٰلكَ أنَّهُم عَلىٰ باطل ويعرفون أنَّهُم عَلىٰ باطل، وأنَّهُم يناصرون الباطل ويدافعون عن الخطأ وهم يعلمون أنَّهُم يفعلون ذَٰلكَ؟!
من حق أي دولة بل من واجبها أن تدافع عن حقوقها ومصالحها الاقتصاديَّة والسياسيَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة ولا خلاف في ذَٰلكَ ولا عليه. ولٰكن أن تكذب وتنسب الكذبة إلىٰ خصمك أو عدوك وتحاربه عَلىٰ أساس كذبتك فهٰذا ما لا يجعلك عرضة لانتقام ساحق ماحق في أي فرصة تتاح لخصمك أو عدوك. وهٰذا يعني أنَّك عَلىٰ باطل وتعرف أنَّك عَلىٰ باطل، وتدافع عن الباطل وأنت تعرف ذَٰلكَ كله.
أنا أفهم وأتفهم، بغض النظر عن مسألة التقبل أو عدمه، أن دولة تحقق مصالحها وتدافع عن مصالحها بالقوَّة والعنف والإكراه كما فعل كفار قريش مثلاً. كانوا يعرفون ويقرون ويقولون إنَّ محمداً ﷺ صادق وأمين ووفي وخلوق ولٰكنَّهُم يرفضون الإيمان بالله ولذَٰلكَ حاربوه.
وقوم لوط عندما حاربوا لوطاً عليه السَّلام قالوا إنَّهُ طاهر وأنَّهُم هم الفاجرون…
أفهم وأتفهم أن تقول أمريكا مثلاً إن النَّظام العراقي لا يناسب مصالحها ولذَٰلكَ قصت عليه… ولٰكن أن تقول كذباً أنَّهُ فعل وهو لم يفعل وتعرف ذَٰلكَ وذَٰلكَ واضح فذَٰلكَ عار يلحق بها مدىٰ الدهر.
لا أريد أن أقول إنَّ ذَٰلكَ يعكس مدىٰ ضحالتهم أو سطحتيهم أو ضعفهم فقد لا يستقيم ذَٰلكَ مع الحقيقة. ولٰكنَّ ذَٰلكَ بالتأكيد يعكس مدىٰ إيمانهم بالضَّلال ويقينهم بأنَّهُم عَلىٰ ضلال، ويقينهم بأنَّهُم يناصرون الضَّلال ويحاربون الحق ويعلمون يقين العلم أنَّهُم يحاربون الحق.
عدم إذاعة مرافعة فريق الادعاء الجنوب إفريقي ضدَّ إسرائيل في محكمة الجنايات الدوليَّة ليس جديداً في المبدأ فهم منذ عشرات السنين تقوم فلسفتهم عَلىٰ حصر تفكير المواطن بما يريدون، وإجبار الشعب عَلىٰ الاقتناع بما يريدون.
الشعب الأوروبي والأمريكي شعب سطحي إلىٰ أبعد الحدود، شعب ذو بعد واحد… وقولهم وقول دساتيرهم وقوانينهم بأنَّهُم يحمون مصالح شعوبهم أو يحققون مصالح شعوبهم أكبر أكذوبة في تاريخ البشريَّة. عندما تجعل من شعبك كائناً أجادي البعد فأنت تدمر شعبك وتقضي عليه… وتلكم القضيَّة الكبرىٰ في السياسة الغربيَّة منذ مطالع القرن العشرين.
يشعر المهتمون والمتابعون والعارفون أنَّهُ لا يوجد نظام حكم خاص في أي دولة من دول العالم الغربي عَلىٰ نحو الخصوص وإنَّما هناك نظام يدير الجميع بفلسفة واحدة وأهداف واحدة، ويريد الوصول بهم جميعاً إلىٰ نتائج واحدة… وقد أفلحوا في كل شيء تقريباً حَتَّىٰ وصلت هَٰذه المجتمعات عَلىٰ ما بينها من تناقضات واختلافات إلىٰ بنية واحدة؛ الاستعباد الجوهري بحريَّة ظاهريَّة، القضاء عَلىٰ الأسرة، القضاء عَلىٰ الأخلاق، عَلىٰ البنية الاجتماعيَّة… وغير ذَٰلكَ مما لا أطيل فيه.
إذن السلطة في العالم الغربي لا يعنيها أبداً المواطن، ولا تفكر فيه، عَلىٰ عكس ما يزعمون. كل الديمقراطيَّة والحريَّة التي يعيشها المواطن الغربي وهم وخرافة وخدعة كبرىٰ. كل ما يقال عن احترام المواطن من قبل السلطة في العالم الغربي وهم وخداع وتضليل لا أساس له من الصحة. الحريَّة التي يعيشونها هي الحريَّة الجنسيَّة وحسب، وما خلال ذَٰلكَ لا توجد أي حريَّة سِوىٰ حريَّة أن تفعل ما لا يتعارض مع ما تريده مافيا النظام العالمي.
وفي هٰذا السِّياق فإنَّ تقديس إسرائيل ليس حبًّا ولا احتراماً ولا انخداعاً؛ تخيل أنَّك في أمريكا وأي دولة أوروبيَّة تستطيع أن تحتقر رئيس الدولة وأيَّ مسؤول أو نجم أو علم… تستطيع أن تحتقره كل أنواع الاحتقار، توجه له ما شئت من التهم، وحَتَّىٰ أن تفتري عليه، وتعترض عَلىٰ سياسة الدولة كما شئت… وأكثر من ذَٰلكَ.
وتسمح للك السلطة والقوانين بذلك، ولٰكنَّ السلطة ذاتها والقوانين ذاتها لا تسمح لك بقول نكتة عَلىٰ إسرائيل التي تعتاش عَلىٰ موال دولتك!!!
أيعقل أن إسرائيل تتحكم بهذه الدول كلها؟!
بعضهم يعتقد ذَٰلكَ وذَٰلكَ وهم.
إسرائيل تقدم لهم من الخدمات أكثر بكثير جدًّا مما يدفعونه لها. وهٰذا التقديس لإسرائيل ليس لأنَّهَا تتحكم بهم، وهو يسرون من اعتقاد الناس بذلك، وإنَّما لأنَّ ذَٰلكَ ينسجم مع مصالحهم. ولا أطيل في تفاصيل ذَٰلكَ حَتَّىٰ نبتعد أكثر عن الموضوع.
هَٰذه السِّياسة الإعلاميَّة مبنيَّة عَلىٰ وعي وتخطيط، ولذَٰلكَ عندما وسَّع إيلوك ماسك مساحة حرِّيَّة النَّشر عَلىٰ منصَّة تويتر التي صار اسمها إكس فيما يخصُّ القضيَّة الفلسطينيَّة والحرب عَلىٰ غزة حاربته الأنظمة الغربيَّة وتوقفت الشركات الكبرىٰ المنخرطة مع النِّظام العالمي عن نشر إعلاناتها عنده.
ولأنَّ منصَّة التيك توك لم تضع قيوداً عَلىٰ نشر الموضوعات المتعلِّقة بالقضيَّة الفلسطينيَّة وكان لها الأثر البالع في تفكيك عقول الشَّباب الأوروبي والأمريكي فقد طالبت برلمانيَّة أوروبيَّة، مع الأسف نسيت توثيقها ولٰكنَّهَا موجودة عَلىٰ مواقع التواصل الاجتماعي يمكن العثور عليها، تطالب بحجب التيك توك في العالم الأوروبي بزعم أنَّهَا تفسد عقول الشَّباب.
ومن إفساد عقول الشَّباب نعود إلىٰ الأصل، نعود إلىٰ سقراط. سقراط جاء إلىٰ المجتمع اليوناني بفلسفة جديدة تحارب الفساد السِّياسي والإداري والأخلاقي والإيماني ودعا إلىٰ أخلاق نبيلة وإلىٰ عدالة حقيقي، وصحح للناس مفهومهم عن الألوهيَّة وقال بإله واحد سيحام الظالمين جميعاً وينتصف للمظلومين يوم ينتصب ميزان العدل الإِلَٰهي… فألقي القبض عليه، ووجهت له تهمة إفساد عقول الشباب وحكم عليه بالإعلام وتم إعدامه.
عقليَّة الافتراء والكذب والتَّضليل الأوروبيَّة ليست جديدة ولا طارئة ولا أحدثتها الظُّروف الرَّاهنة، إنَّهَا عقليَّة متأصلة ترجع إلىٰ أجدادهم الأوائل. لم يتغير عدوهم ولم تتغير فلسفتهم في محاربة العدو… وكأَنَّهَا صبغيات بيولوجيَّة تنتقل من جيل إلىٰ جيل بالوراثة البيولوجيَّة لا التربويَّة.
وهنا يبرز السُّؤال الأصعب والأشد تعقيداً: إذا تابعناً تاريخ الفلسفة الأخلاقيَّة وجدنا تسعين بالمئة من فلاسفة الأخلاق أوروبيون وأمريكيون، إذا تابعناً تاريخ الفلسفة التربويَّة وجدنا تسعين بالمئة من فلسفات التربية صادرة عن فلاسفة أوروبيين… فلسفة الحضارة، نظريات الحضارة، فلسفة الحريَّة، نظريات الحريَّة، الفلسفات الإنسانيَّة…
ذَٰلكَ كله وغيره من أشباهه تتناقله شعوب العالم عن الأوروبيين الذين أوهمنا بما يتوهمون به وهو أنَّهُم هم العالم، وأنَّ كل ما يصدر عنهم فهو عالمي…
لا شكَّ في أنك ستجد من غيرهم من هم أهم بكثير من علمائهم وفلاسفتهم ولٰكنَّ البشريَّة بحكم الهيمنة الأوروبيَّة في القرنيين السابقين اقتنعت بأنَّ العالمي هو الأوروبي والأمريكي وكل ما خلا ذَٰلكَ فهو محليٌّ، شعبيٌّ، سطحيٌّ… منعدم القيمة…
وهنا، من جديد، سيبرز سؤالٌ جديد بناء عَلىٰ هٰذا الوهم الذي لا يعترفون بغيره: عقليتهم تعرف أنَّهَا عَلىٰ باطل وتعرف أنَّهَا تدافع عن الباطل وتعرف أنَّهَا تريد فرض الباطل عَلىٰ أنَّهُ الحق والصواب فأي عقيدة يعتقدون؟ وماذا يريدون؟ وإلىٰ أين يقودون أنفسهم والبشريَّة؟! إلىٰ أين يريدون الذهاب بأنفسهم وبالبشريَّة؟
حَتَّىٰ ولو كانت عقيدتهم وثنيَّة من أي نوع من الأنواع، حَتَّىٰ لو كانت عقيدتهم الكفر والإلحاد من أي نوع من الأنواع، يبقىٰ التَّناقض قائماً ولا يمكن إزاحته أو تجاوزه أو تجاهله حَتَّىٰ في المنام… حَتَّىٰ في السرياليَّة التي اخترعوها، حَتَّىٰ في العبثيَّة التي ابتدعوها… لا يمكن أن يزول أو يزال هٰذا التَّناقض الصَّارخ المرعب في معرفة أنَّهُم يعرفون أنَّهُم يؤمنون بالخطأ ويعتقدون الباطل وغير الصَّحيح، ويعرفون أنَّهُم يدافعون عن ذَٰلكَ، ويعرفون أنَّهُم يحاربون الحقَّ والصَّواب والعدل… فلماذا؟؟؟
أمر لا يمكن تصديقه ولا حَتَّىٰ محاولة تخيل أنَّهُ يمكن أن يكون.
أعود إلىٰ مغالطة نفسي ومغالطة المنطق وأحاول الدِّفاع عنهم أو عَلىٰ الأقل محاولة تفهم هَٰذه السرياليَّة العبثيَّة فلا أجد مدخلاً يمكن أن يسمح لي بذَٰلكَ.
يعني عَلىٰ سبيل المثال، أن يقتنع أحد بباطل ويؤمن به وهو باطل صريح ولٰكنَّهُ لا يعرف أنَّهُ باطل ولا يقتنع بأنَّهُ باطل فذا أمر وارد بكثرة في سلوك الإنسان، ويمكن أن تجد له أكثر من تخريجة، ولٰكنَّك لا يمكن أن تحوِّل الباطل إلىٰ حقٍّ. مهما تفهَّمت إيمان أحد بالباطل الفاسد الخاطئٰ فلن تستطيع الوصول إلىٰ نقطة جعل الباطل حقًّا أو الخطأ صواباً… ستظنُّ أنَّك فعلت ولٰكنَّك لن تفعل.
حَتَّىٰ مع هٰذا الاعتبار فإن حال الأوروبيين والأمريكيين الذي يخفف من مصيبتهم فإنَّهُم أبعد ما يكون عنه فيما يتعلق بالتضليل المقصود والتعتيم المقصود عَلىٰ الحقيقة وخاصة فيما يتعلق بالعالم العربي والإسلامي والين الإسلامي ذاته.
هم لا يعتقدون باطلاً يحسبونه صواباً أو لا يعرفون أنَّهُ باطل، إنَّهُم يعتقدون باطلاً يعرفون أنَّهُ باطل ويحاربون الحق ويعرفون أنَّهُ الحق: عندما تتجاهل التَّلفزات الأوروبيَّة والأمريكيَّة نقل مرافعة الوفد الجنوبي إفريقي في عرض أدلة إدانة إسرائيل فهٰذا يعني أنَّهُم يعرفون أن إسرائيل مدانة وأنَّ الوفد الجنوب إفريقي يقول الحقيقة، وهم لا يريد أن تعرف شعوبهم الحقيقة… هم يعرفون أنَّهُم يدافعون عن مجرم، عن باطل، ويساعدونه في عدوانه وحربه عَلىٰ الحق واصحاب الحق.
المسألة التي تكلمت فيها تبدو مرتبطة هنا بفلسطين والكيان الصهيوني ولٰكنَّهَا ليست كذَٰلكَ إنَّهَا مرتبطة بالعقليَّة الغربيَّة وبنيتها التي لاحظنا بدايتها مع إعدام سقراط…
واستمرت طيلة ما بعد ذَٰلكَ في الحرب عَلىٰ الإسلام وافتراء الكذب عَلىٰ الإسلام والمسلمين ونسبه للإسلام والمسلمين ومحاربة الإسلام والمسلمين بناء عَلىٰ الكذب الذي صنعوه بأنفسهم. وكان ظاهرة الإسلاموفوبيا الموجودة منذ القرون الوسطىٰ وليس بفعل الإعلام الغربي المعاصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق