الدين النصيحة
التناصح الواجب مع المجاهد القائد أبي أسامة الغزي حفظه الله ونصره
مضر أبو الهيجاء
كتب المجاهد البار أسامة الغزي رسالة عصماء في ميادين الجهاد والتي تدور رحاها الطاحنة على أرض غزة هاشم، وجعلها في أربعة عشر بندا وتوجيها.
وقد قرأت الرسالة التي قادتني للبكاء قلقا على اخواني المجاهدين الميامين، وحبا وكرامة واعتزازا بمن يسطرون شرف الأمة العربية والإسلامية على الأرض المباركة فلسطين، ولم أتوقف عن الدعاء والعين باكية أن يا رب ثبتهم وانصرهم على القوم الكافرين، واحفظهم حتى يكون لهم دور في صناعة تاريخ جديد مجيد في فلسطين والعالم العربي والإسلامي المقهور والمظلوم والمسكين.
أخي الحبيب والقائد الميداني المجاهد أسامة الغزي، لك من القلب كل تحية وإجلال وإكبار واعتزاز على ما يغبطك عليه الملايين، وعلى ثباتك في وجه المحتلين أنت واخوانك الميامين في كل فلسطين، وعلى الدماء التي تقدمونها في طريق تحرير أقصى المسلمين وإقامة العدل والدين، وجزاؤكم العظيم هو أن يتقبل الله أعمالكم ويكتبكم من المكرمين -وإيانا وجميع المسلمين- في جنات النعيم.
ويشهد الله كم أثلج صدري فهمك الذي ميزته الشمولية والعمق والنقاء ومعنى الولاء الحق وكأنك سليل مدرسة قطب، ولشعوري بصدقك وتجردك وعظمة كلماتك وجدتني مندفعا نحوك للتناصح الواجب بين المسلمين في كل وقت وحين، كما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين أجاب عن سؤال الصحابة لمن النصيحة فقال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ومن باب النصح الواجب أقول لك يا أخي المجاهد المكرم: إن لي ملاحظات حول ما طرحته في مسألة إيران الشائكة والعويصة التي لوثت قضيتنا الفلسطينية المباركة.
أولا: إن موقفكم الشرعي والسياسي تجاه إيران ومشروعها المعادي وملاليها وأذرعها المجرمة هو موقف نقي تقي يفتخر به ويدرس للأجيال.
ثانيا: لابد من الإشارة إلى أن موقفكم كمجاهدين موقف مختلف عن موقف القيادة السياسية -على وجه الخصوص الحالية- تجاه إيران سواء في مقالها أو واقع حالها وهو عين موقف قيادة حركة الجهاد!
ثالثا: إن الموقف العالي الذي تتبناه تجاه إيران هو من بركات الدماء الزكية والقلوب المخلصة في معركة طوفان الأقصى المشرفة، ولك أن تتخيل لو قدر الله دخول إيران في معركة تشكل فرصة ذهبية لتجسيد سردية الثورة الإيرانية، والتي امتطت فلسطين لصالح مشاريعها التوسعية، فتخيل يا رعاك الله لو أن إيران أطلقت مائتي صاروخ نوعي وشلت كل المراكز الحيوية في تل أبيب، فكيف سيكون موقف قيادة حماس السياسية وهي التي لا تزال حتى اللحظة رغم غدر إيران بالمقاومة تعلي من شأنها وترتبط بها وتعذرها فيما ذهبت إليه!
رابعا: إن حديثك الجيد عن حرمة موالاة أعداء الله ووعيد الله لهم، لا ينبغي أن يتوقف عند الأنظمة العربية! بل هو في حق الإسلاميين الذين والوا إيران وعادوا لسفاح الشام أشد بؤسا وضلالا باعتبارهم حملة رسالة الدين، وباعتبار أثر مقولاتهم في تضليل المسلمين!
خامسا: لا يجوز في ديننا يا أخي المجاهد والحبيب أن نقبل انفصالا بين المقال وواقع الحال عند القيادة التي ترسم المنهج والطريق، فكلاهما دين، بل إن القول أكثر دلالة وبيانا للدين من العمل، الأمر الذي جعل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على عمله عند الأصوليين، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
سادسا: إن إشارتك الضمنية لحركة الجهاد الإسلامي وعلاقتها الآثمة بإيران غير منصفة، فقيادة حماس الحالية لا تختلف في الموقف السياسي الواسع والعريض عن قيادة حركة الجهاد، فكلاهما موغل بالإثم في تحالفه مع إيران، بل إن قيادة حماس أكثر إثما باعتبارها الأكثر شعبية ومصداقية عند الشعوب العربية والإسلامية، وباعتبار انتمائها التاريخي لتنظيم الإخوان المسلمين، الأمر الذي أحدث فتنة في عموم حركات المسلمين تجاه إيران، وذلك منذ أن ارتبطت بها حماس وليس منذ ارتباط حركة الجهاد، ومما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن الشيخ فتحي الشقاقي بعد خروجه من الاخوان وتشكيله لحركة الجهاد الإسلامي لأجل إقامة الفريضة الغائبة، كان قد ذهب لإيران حين كانت ثورة الخميني حديثة العهد، ولم يكن حينها يعرف حقيقتها معظم العلماء والقادة، والذين زاروا طهران حتى تكشف لهم الأمر ففارقوها تباعا، إلا قيادة حركة حماس فقد ذهبت لإيران بعد أن عرفت كفرها وعاينت عداءها وبعد أن شهرت بحركة الجهاد الإسلامي ومؤسسها الأول بسبب علاقته بإيران، مع أن الشقاقي لم يمض على علاقته بإيران عقد حتى إذا انكشفت له وضع خطته للابتعاد والانفصال عنها، فحبسته شهرا في بيت معزول خارج طهران ثم تركته يرحل واصطادته وأسلمته للموساد في مالطا، تماما كما أسلمت بالأمس القريب الشيخ صالح العاروري في ضاحية بيروت المعقل والمربع الأمني للشيعة وفرع إيران!
سابعا: إن الحديث الذي يقفز سريعا عن موقف قيادة الحركة الخاطئ في حلفها مع إيران العدو للأمة والدين، تارة باعتبار الضرورة، وتارة باعتبار أن موقف القيادة العميق موقف أصيل، هو حديث لا يستقيم مع هدي النبيين! فلو سلمنا بالضرورة التي تجيز أكل لحم الخنزير، فإن جواز أكل لحمه لا يجيز تغيير اسمه ولا وصفه، وهو التضليل الذي مارسته بعض القيادات في توصيف ورسم صورة إيران وملاليها، وأما الحجة القائلة والرائجة بأن موقف القيادة القلبي مختلف عن واقع حالها فهذا باب في فساد الدين!
ألا ترى معي بأن كتائب شهداء الأقصى في غزة وجنين مجاهدون صادقون يخالفون المسار السياسي لقيادة حركة فتح في قبولها باتفاق أوسلو اللعين، ثم من قال إن الموقف القلبي الحقيقي لياسر عرفات أو حتى محمود عباس هو متطابق مع واقعه في التنسيق مع الاسرائيليين؟ ألم يكونا أعداء لإسرائيل؟ ألم يقاتل عرفات وخليل الوزير وابو إياد اسرائيل، التي قتلتهم جميعا رحمهم الله وكل المسلمين؟ فلماذا إذن نشير إلى فساد منهج حركة فتح السياسي رغم تباين القناعات العقلية والمشاعر القلبية مع الخطوات السياسية وواقع الحال؟ أعود وأكرر إن هذا الفصام النكد مفسد للدين.
ثامنا: إن موقفكم الصادع بالحق اليوم هو موقف أبلج يجب أن يعلو خطاب السياسيين قبل المجاهدين، فالحق أحق أن يتبع، لاسيما وهو طرح شمولي يعبر عن رؤية خالصة وكأن البنا وقطب والمودودي قد بعثوا من جديد، وهذا من فضل الله وبركة دماء الشهداء، وصبر أهلنا القابضين على الجمر في القدس وغزة والضفة وفلسطين 48.
تاسعا: إن موقفكم المعلن والمشروح بوضوح يشكل بداية راشدة مباركة لخطوة التصويب الواجبة تجاه قيادة حركة حماس وقيادة حركة الجهاد وغيرهما من الفصائل والحركات دون تفريق يجعل من دماء البعض ومقولاتهم وجهودهم تكوينا ساميا، فيما يبقى الآخرين من الحركات والفصائل الأخرى في دائرة الشك والاتهام والتعريض والانتقاص، فهذا ليس من التجرد لله ولا هو من الدين، لاسيما وجميعنا من رحم واحدة، ومن ثقافة واحدة، ومن أرض وبيئة كلها شبرين ونص، ولسنا من أصقاع متباعدة ولا ثقافات مغايرة! والنصيحة واجبة لعموم المسلمين، كما أن الانتماء الحزبي لا يعطي صاحبه كرتا أبيضا لدخول الجنة، ولا نجمة مميزة توضع على الجبين!
عاشرا: إن الواجب تجاه قيادة حركة حماس السياسية -باعتباركم جناحها العسكري ومن أعضائها- هو أن تأطروها للحق أطرا، مهما كلفكم من جهد وسعي فهذا شرط من شروط النصر، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل أي فساد في العمل الذي يرجو وجهه، ولأن النصر من عند الله فإن الله سبحانه يهبه لعباده المتقين الثابتين على الحق بعد أن يمتحنهم، وإن الفرصة سانحة اليوم أمام قيادة حماس السياسية لتتوب إلى الله وتؤوب للحق وتفك حلفها مع مشروع إيران المعادي للأمة حتى لو كان غير شيعي بل سني كما هو حال الأنظمة العربية الفاسدة والمعادية للأمة ودينها .
أعود فأقول إن توبة حماس كقيادة سياسية متاحة ما لم تغرغر، وإن غرغرتها هي إخراجها سياسيا من غزة، حينها -لا سمح الله- ستفقد قيمتها وفاعليتها في إحداث أي تغيير وتصويب أي مسار.
أخيرا وليس آخرا يا أخي الحبيب المجاهد أبو أسامة الغزي، اعلم وتيقن أننا نحبك في الله كما كل المجاهدين المرابطين على الثغور، وندعو لكم آناء الليل وأطراف النهار بالحفظ والتسديد والنصر المبين، واعلم أن مجموع الأمة معكم، وكما أنكم مطالبون بتصحيح الأوضاع داخل فلسطين، فإن مجموع الأمة مطالبة بتصحيح الأوضاع السياسية الخاطئة المحيطة بفلسطين.
أعاننا الله وإياكم وثبتنا على الصراط المستقيم وجعلنا خدما صادقين للأمة والدين حتى نلقى الله ونحن موحدين على ملة إبراهيم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أخوكم ومحبكم في الله: مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 11/1/2024
ملاحظة:
إن تناصحي معكم واستماعي لنصحكم الطيب هو انطلاقا من الانتماء لهذا الدين والانحياز لعموم المسلمين، وليس لي أي انتماء لفصيل سياسي في فلسطين أو خارجها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق