كيف نبني المواقف الصحيحة من خلال المعلومات؟
أزمة العقل المسلم في زمن حروب المعلومات
المعلومة مهمة، وقديما قيل: الوصول إلى المعلومة وسيلة للمعرفة السليمة، فلا يمكن أن يعرف الإنسان الواقع إلا من خلال المعلومات، والمعلومة قد تكون صحيحة، وقد تكون غير صحيحة، بل قد تكون مشوهة، أو قد تكون مضللة، ولهذا فلا بد من السلوك للطرق اصحي لأجل الوصول إلى المعلومة كما هي، وهذه ليست سهلة، بل هي نوعا ما صعبة، وخاصة، ونحن نعيش في لحظات الصراع لصناعة العقل من خلال معلومات مشوشة، أو مشوهة.
إن المعلومة تصنع قبل أن تنتج، ولا تسوق إلى العالم إلا بعد فحصها من خلال بعض الخبراء، ومن هؤلاء الخبراء متخصصون في المجال الإعلامي، وفى مجالات التسويق، بل وفى التطبيقات النفسية، فهناك دراسات متقدمة حول كيفية نقل المعلومة إلي بلاد العرب والمسلمين، وهناك من يطبق القاعدة (اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب، حتى تصدق أنت الكذب)، فقبل أن تنقل المعلومة يجب بناء سردية، ولا بد من ربط المعلومات للسردية، وكل ذلك من خلال عملية دقيقة.
نحن نتعامل مع المعلومة كما هي، ونحسب أنها معلومة خرجت من رحمها بريئة، وهذا النوع من التفكير قاتل، لأنه سطحي، فالمعلومة ليست بريئة، وليست كذلك محايدة، بل هي تخرج بشكل مفصل حينا، وقد تخرج بشكل مجزأ حينا آخر، وربما تخرج بشكل مجمل، وكل ذلك يكون حسب متطلبات المرحلة.
كيف يجب نحن المسلمين قراءة المعلومات؟
هناك آية في كتاب الله لها معنى دقيق (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون).
وهناك آية أخرى لها معنى أدق (وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون)
وفي آية ثالثة معنى أكثر دقة (ثم سواه، ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون)
في هذه الآيات الثلاثة من سورة (المؤمنون) ومن سورة (النحل)، ومن سورة (السجدة) تفيد معاني دقيقة، فلا معني للإنسان بدون عقل، وبدون فكر، وبدون معرفة، فالرحلة الإنسانية تبدأ من الجهل، ولكن الجهل ينتهى بالمعرفة، وللمعرفة أدوات، ومن أهم أدوات المعرفة (السمع)، ومن خلاله يستفيد الإنسان النقل الصحيح، ومن هنا عرف بعلوم النقل (علوم السمع)، وهناك علوم العقل (الأفئدة)، وبين علوم العقل وعلوم السمع علوم التجربة (البصر)، ولكن هذه العلوم لا تكون مفيدة بدون مسؤولية أخلاقية (ولا تقف ما ليس لك به، إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا).
إن الإنسان الذي يملك ذاته، هو الذي نجح في استخدام أدوات المعرفة بشكل أخلاقي وعلمي، هناك من يستخدم أدوات المعرفة بشكل علمي، ولكنه لا ينجح في استخدام الأدوات بشكل أخلاقي، ومن هنا فهو راسب في المسألة الإنسانية، ولكنه قد يكون ناجحا في الحياة التقنية كما هو معلوم لدينا الآن في بعض الدول، وفي المسيرة الحضارة غير الأخلاقية.
لقد ربط الوحي حصول المعلومة بالأخلاق، وبالعلم معا، ومن هنا أنشأ المسلمون علم (الجرح والتعديل)، وهو علم أخلاقي من الدرجة الأولي، ولدينا علم (الرجال)، وهو علم مهم، ويكون علم الجرح والتعديل بابا منه، ولدينا علم دقيق، وهو علم (أصول الفقه)، وهذا العلم يفيد في فهم المعلومة بشكل أدق، فهذه العلوم الحضارية تنتمي إلي (السمع والبصر والفؤاد)، وهي محصلة نتيجة تراكمات معرفية فى قرون، ومن السذاجة أن نجد اليوم من يحاول العبث فيها، لأنه لا يمكن له الغوص في هذه المجالات الدقيقة، ولهذا فلا بد من فهم دقيق للمعلومة (النص)، ولا بد من فهم عميق لظروف المعلومة، وسبب ورودها، ومن أوردها؟ ولماذا؟ وما الهدف من الورود؟ وما علاقة المعلومة بغيرها، وسياقاتها؟ كل ذلك يحتاج إلى القيام بالخطوات التالية:
أولا: الرصد والمتابعة، فهذه هي الخطوة الأولي، وهي من أهم الخطوات، لأن كل شيء ينبني على هذه الخطوة، ولهذا فهي خطوة أكثر أهمية من غيرها، لأنها هي الأساس، فلا معلومة بدون رصد لها، ومتابعة دقيقة، ومن الرصد معرفة ما قيل، ومن قال، كما أن من المتابعة، كيف خرجت؟ ومن أي وعاء خرجت.
ثانيا: الجمع والتوثيق، وهذه مرحلة لا تقل أهمية من المرحلة الأولي، يجب آن نجمع المعلومات، ثم نوثقها، لأن المعلومة ليست لذاتها، بل هي لغيرها فالمعلومة وحدها لا تغنى، بل يجب أن نجمع المعلومات من مصادر موثقة، ومن المصادر غير الموثقة، ولكن يجب أن نتعلم كيف نصل إلى المعلومة، هناك معلومات منشورة في الكتب، وأخري منشورة في المقالات، وثالثة موجودة في وسائل الإعلام، ورابعة مستورة في الأراشيف، فلا بد من الاجتهاد في الحصول إلي المعلومة.
ثالثا: القراءة الموضوعية للمعلومات، ومن هنا نبدأ رحلة علمية لفهم المعلومة كما وكيفا، رواية ودراية، وصفا وتحليلا، فلا يجوز أن نكرر المعلومة كما هي، كما لا يجب أن نقرأ المعلومة من وجهة العدو، أو من وجهة الصديق، بل يجب قراءة المعلومة من كل الأوجه، ولهذا نجمع في قراءتنا الكم والكيف، أي تكون لدينا معلومات كثيفة، ولكن لا نتحول إلي ذئب معلوماتي كما يقول المسيري في بعض قراءته الرائعة، فلا بد من قراءة نوعية وعميقة للمعلومة حتى نصل إلي المراد.
رابعا: الفهم الدقيق للمعلومة وأهدافها، فهذه خطوة مهمة جدا، وهي خطوة الخبراء، والمحللين، ولا يمكن لنا فهم المعلومة بشكل دقيق إلا إذا نجحنا في التفسير والتوضيح، فلا يمكن فهم المعلومات الخطيرة المتعلقة بمصائر الأمم والشعوب إلا من خلال التفسير الموضوعي للمعلومة، ووضعها تحت مجهر البحث والدراسة.
خامسا: الاستفادة والتوجيه، وهذه هي المرحلة الأخيرة للمعلومة، فلا يمكن للمعلومة أن تستقر في الكتب، أو أن تبقي في رفوف المكتبات، بل لا بد من طرحها عند رجال التنفيذ من أهل السيف كما يقول فقهاء الحضارة الإسلامية، ولهذا تكون المعلومة ناجحة ومفيدة، وحينها يمكن لنا أن نستخدم الأدوات المعرفية بشكل فاعل.
قد يستفيد رجل الدعوة من المعلومات وهو المعني في الدفاع عن الدين من الشبهات، كما يمكن أن يستفيد ذلك رجال التجارة والمال، وهم المعنيون في ضرب الأرض للعمل في سبيل النهضة، ويستفيد ذلك رجال الدولة الذين يذودون عن حياض الأمة، ويبنون للأمة مجدا وكرامة، بل ومن المفيد أن تكون لنا أجهزة متخصصة للرصد والجمع والتوثيق، فلا تخرج معلومة من أي مكان إلا ونكون من وراءها مصطادون، ولا يمكن إخفاء معلومة في موقع من الدنيا إلا ونحن لها بالمرصاد، حينها نكون على شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق