فؤاد حجازي وأحمد الخميسي شهادة مقاتل في ذكرى يونيو الحزين لا شك أننا كعرب وكمسلمين طلاب سلام، من واقع ثقافتنا الروحية وتجربتنا التاريخية، لكن ماذا نفعل إزاء خصم يثبت يوما بعد يوم أنه مبرمج على قتلنا، وبلا رحمة أو ذرة من إنسانية أو حضارة؟ فأخيرًا بثت القناة الأولى التابعة للتلفزيون الحكومي الإسرائيلي مساء 25 فبراير الماضي فيلمًا وثائقيًا باسم «روح شاكيد» أخرجه دان أليست، وفيه عرض لمشاهد قتل الأسرى المصريين العزل الذين اضطروا للانسحاب غير المنظم من سيناء بعد هزيمة 1967. وتضمن الفيلم حوارا مع بنيامين بن إليعازر وزير البنية التحتية في دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليا وقائد كتيبة «روح شاكيد» التي نفذت العملية حينذاك. وجدد عرض الفيلم غضب المجتمع المصري، وهو غضب ترددت أصداؤه في عالمنا العربي كله، فقد اتضح بعد نحو أربعين عاما من الجريمة أن الدماء التي أريقت على الرمال ذات يوم لاتجف، وأنها مازالت تجري في صمت. ولم يكن هناك أفضل من فؤاد حجازي، الكاتب المبدع، وشاهد العيان، للجلوس معه وجها لوجه للتعرف على حقيقة ذلك كله. ويمثل فؤاد حجازي، الكاتب والإنسان، حالة خاصة جدا من الإبداع والوجود. فبينما جرت العادة أن ينزح الأدباء من قراهم إلى القاهرة العاصمة، قام هو برحلة عكسية فترك القاهرة عام 1962 وهو صحفي في مجلة آخر ساعة، وعاد إلي بلده المنصورة، ولم يفارقها. وبينما اتجه كتاب كثيرون من الأدب إلى المقاومة، قام هو برحلة عكسية فكانت المقاومة نقطة انطلاقه إلى الأدب، باحثًا على حد قوله عن « معنى النصر»، وعن « بطولة الإنسان» سواء في الحرب، أو في مواجهة مشاق الحياة اليومية الاعتيادية. خلال العدوان الثلاثي عام 1956 تطوع فؤاد حجازي في كتائب المقاومة الشعبية، ثم شارك في حرب 1967جنديا مقاتلا، ثم عرف تجربة الأسر في معسكر عتليت الإسرائيلي قرابة تسعة أشهر، ثم عانى الاعتقال السياسي نحو خمس سنوات، وخرج من كل ذلك « كاتبًا مصريًا لم ترغمه الهزائم على البكاء» كما وصفه الناقد عبدالفتاح الجمل. وفي روايته الشهيرة «الأسرى يقيمون المتاريس» الصادرة عام 1976 تقدم بأوراق دفاعه الأدبي والسياسي والوثائقي عن الأسرى، فطبعت الرواية ست طبعات وترجمت إلي العديد من لغات العالم وظلت شاهدًا على جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لم تتوقف. قام بإجراء هذا الحوار الصحفي المصري الدكتور أحمد الخميسي وتابعته عدسة المصور محمد أبو ذكرى.
- كنت في معسكرات الأسرى من 6 يونيو 67 حتى أول يناير 68، أي أنني قضيت أكثر من ثمانية أشهر أسيرا في معسكر عتليت بالقرب من حيفا . وخلال وجودي في الأسر كنت أكتب القصص على ورق (شكاير) أجولة الأسمنت الذي كان الإسرائيليون يستخدمونه في البناء، ثم أنشرها في مجلة حائط سرية داخل معسكر عتليت، مجلة كنا نحررها ونقوم بتهريبها من تحت الأسلاك من مربع إلى آخر لتصل للأسرى جميعا . فيما بعد صدرت تلك القصص في نوفمبر 69 مجموعة باسم «سلامات»، تسجل سطورها بطولات الجنود المصريين على الجبهة عام 67بالرغم من النكسة أو الهزيمة.
- خبأتها في علبة كرتونة، فككت طيات العلبة ووضعت القصص بينها ثم أعدت لصقها بفتات خبز، فلم تنتبه إليها لا المخابرات الإسرائيلية ولا المصرية ! وعام 1969 التقيت في الزقازيق في أول مؤتمر للأدباء الشباب بالصحفي الروسي أناتولي أجارتشيف مراسل «كمسمولسكايا برافدا» فطلب مني تلك الأصول لحفظها في متحف بموسكو خاص بإبداع الأسرى . وما زالت الأصول هناك على ورق شكائر الأسمنت! لماذا لم تنشر روايتك «الأسرى يقيمون المتاريس» إلا عام 1976 بالرغم من أنك كتبتها بالفعل سنة 1968؟ - في حينه كان الكلام عن حرب 76 ممنوعًا منعًا نهائيًا. فرفضت الجهات الأمنية نشر الرواية، بالرغم من أنها أول وثيقة تسجل أدبيا وسياسيا الجرائم، التي ارتكبت في حق الأسرى. والآن أحس بشيء من الدهشة عندما يتحدثون فجأة - بعد عرض الفيلم - عن اكتشافهم لتلك المجازر ! ذلك أنه بعد عودة أي جندي من الأسر - وهو ما حدث للجميع بمن فيهم أنا - يعقدون له مجلسا للتحقيق معه في الظروف التي أدت به إلى التخلي عن سلاحه، وكيف وقع ذلك، وما الذي شاهده، بل ويمكن محاكمة الأسير العائد ومعاقبته إذا كان الإهمال هو الذي قاده إلى الأسر. وفي حينه تم وضع تقرير مفصل عن حالة الأسرى ونقلت منه صورة لوزير الدفاع ونسخة لوزارة الخارجية ونسخة للجامعة العربية. في التحقيق معنا قلنا كل ما شاهدناه، وقلنا كيف كان الأسير يقتل عند أي كلمة لا تعجب المحقق الإسرائيلي . وما الذي فاجأ المجتمع المصري في فيلم « روح شاكيد» ؟ لقد سبقت الفيلم اعترافات واضحة لمساعدي رابين، وشارون، وغيرهما. المسألة أخطر من ذلك . هناك مقابر جماعية في سيناء تم الكشف عنها في سبتمبر 1995 تضم رفات جنود مصريين أكد شهود عيان أنهم قتلوا وهم عزل، وعلى بعد 27 كيلومترا من العريش كشف البدو عن موقع أكدوا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قتلت فيه ثلاثين أسير حرب مصريًا أعزل . وهناك تقارير عن الذين ماتوا خلال الأسر وصلت إلينا عن طريق الصليب الأحمر الدولي . ثم لماذا نتحدث فقط عن القتل ؟ لقد مر الأسرى بعمليات تعذيب وحشية، لقد عشنا في الأسر فقط على نصف كوب ماء خلال اليوم بأكمله، ولم يكن هناك استحمام، ولم يكن هناك أي دواء أو علاج، أما الطعام فلم يزد عن كسرة من الخبز أو قطعة من الطماطم على مدى أربع وعشرين ساعة ! لقد تقرحت أبداننا داخل المعسكر، وسرت الحشرات في ملابسنا، وتوفي البعض خلال ذلك، أليس هذا قتلا؟ . أدلة قتل الأسرى لعل صدمة الفيلم المعروض أخيرا سببها انكشاف مزاعم السلام الإسرائيلية، خاصة وقد شهد شاهد من أهلها مما يوفر إثباتا يصعب إنكاره؟- لكنْ لدينا بالفعل إثبات بقتل الأسرى، لدينا التقارير عن كل ذلك وهي موجودة في مقر منظمة الصليب الأحمر الدولية، وفي حينه طالب محمود رياض وزير الخارجية المصري بفتح التحقيق حول الأسرى على أساس تلك التقارير، وأرسل بطلبه إلى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان فلم يرد بحرف . لدينا أيضا كشف بأسماء كل من استشهد في سيناء، وشهادات الأسرى العائدين، واعترافات القادة الإسرائيليين أنفسهم وهي كثيرة. وأي إثبات أكبر من المقابر الموجودة في العريش إلي اليوم؟ لقد جمع الإسرائيليون المصريين المدنيين هناك وداسوا عليهم بالدبابات . بعد الهزيمة قامت وحدة آرييل شارون في سيناء بإعدام عمال بجلابيب كانوا يعملون في المحاجر في شرم الشيخ، مجرد عمال بسطاء لاعلاقة لهم بالحرب أو الجيش. اسحاق رابين نفسه مجرم حرب، قامت وحدته بقتل المدنيين، وكل ذلك معروف من 1968، وموثق. في تقديرك كيف يمكن حماية حقوق الأسرى الشهداء؟ - هناك أكثر من طريق لذلك، الأول أن نتقدم لمحكمة العدل الدولية بلاهاي نقول فيه إن لدينا وقائع، ولدي الجانب الإسرائيلي وقائع، ونحن نطلب مندوبين للتحقيق . وحينئذ يأتينا مندوب ويرفع تقريرا عما لدينا من وثائق في مواجهة وثائق الطرف الإسرائيلي، وبناء عليه تتخذ المحكمة قرارا بعقد محاكمة. وقد قامت هذه المحكمة من قبل بالحكم في قضية الجدار العازل وحكمت لمصلحة الفلسطينيين بإزالة الجدار. الطريق الآخر أن نتوجه لمجلس الأمن الدولي بطلب عقد محكمة خاصة، فإذا استخدمت دولة كبرى حق النقض ضد طلبنا، نتقدم بالطلب ذاته للجمعية العامة للأمم المتحدة، فإذا لم نحصل على موافقة نقوم كل عام بتجديد طلبنا، لأن هذه قضيتنا ويجب ألا نغفل عنها . ثالثا يمكننا التوجه إلى منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ونعرض عليها القضية . وهناك علاوة على كل ذلك دور الجامعة العربية التي تحتفظ بتقرير عن الأسرى منذ 1968، علما بأن هذه القضية من صميم أعمال الجامعة لأن هناك أسرى أردنيين وسوريين وفلسطينيين ارتكبت بحقهم جرائم مماثلة في 1967. لماذا لاتثير الجامعة العربية القضية كل عام؟ وتضعها في جدول أعمالها؟ لعل الإعلان الإسرائيلي الصريح عن تلك الجريمة هو الذي ضاعف من غضب الناس خاصة مع استمرار عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين بالسلاح الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ - يتصور الكثيرون أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي التي أعلنت. أما الحقيقة فهي أننا نحن أول من أعلن عن تلك الجرائم . في 1956 كان الدكتور أحمد الفنجري يعمل طبيبا في غزة، ووقع في الأسر، وعاد وكتب تجربته، وقدم كتابه للنشر فرفضت الرقابة نشره، فقام بطباعته في السويد عام 1960 تحت عنوان « تجربتي في الأسر الإسرائيلي»، ثم أعاد نشر الكتاب في مصر عام 1995 بعد السماح بذلك. بعد ذلك يأتي كتابي «الأسرى يقيمون المتاريس». أيضا هناك توثيق آخر صدر حديثا لسيدة فلسطينية هي مروة جبر التي كانت تعيش في غزة، وخلال فترة مرضها رأت داخل المستشفى كيف كانوا يقتلون الأسرى المصريين الجرحى، كما سجلت لوحة أشد قسوة حين شاهدت الإسرائيليين وهم يرمون الأطباء المصريين من فوق سطح أحد المباني هناك! نزع الأعضاء قصة الأسرى في تقديرك أبعد وأعمق من الفيلم الوثائقي « روح شاكيد» وما أثاره من ردود أفعال؟ - بالطبع، أقول لك ما هو أكثر من ذلك. عام 1967 في المستشفيات المجاورة لنا حيث كنا في الأسر، كان الإسرائيليون ينزعون الأعضاء من الجرحى الأحياء المصريين ويبيعون تلك الأعضاء لمستشفيات في أوربا، ونشأت تجارة واسعة في هذا المجال واعترف أطباء اسرائيليون بذلك . عام 1995 ثارت ضجة مماثلة في مصر بشأن قضية الأسرى ثم هدأت . الآن، مع إثارة القضية مجددا ما الذي نريده ؟ هل هو مجرد انتزاع اعتراف بأن ماحدث جريمة حرب ؟ أم أن للأسرى الشهداء حقوقا محددة؟ - نريد هذا وذاك، أي محاكمة المسئولين الإسرائيليين كمجرمي حرب على غرار محاكمات النازية، ومن ناحية أخرى الحصول للأسرى على حقهم في التعويضات المالية عن القتل وعن التعذيب . ألم يحصل اليهود على تعويضات عن قتلاهم وأسراهم الذين عذبوا في معسكرات النازي؟ ـ ألم يسبق للرأي العام أن طرح هذه القضية بقوة وسعى من أجلها؟ هناك بعض جمعيات حقوق الإنسان أثرت واغتنت على حساب هذه القضية دون أن تفعل شيئا حقيقيا سوى إثارة القضية حين تكون مثارة والسكوت عنها حين يصاب الناس باليأس من التوصل لنتيجة. أنت شخصيا هل حاولت القيام بشئ؟ - نعم لقد قمت شخصيا بتجميع زملائنا من المحاربين الأسرى القدامى ووثقنا كل ما نعرفه وعناوين كل من وقع في الأسر وأرقام بطاقاتهم، وتحمست الفنانة نادية لطفي مشكورة فجاءت وسجلت كل شيء في حلقات وصورنا كل ذلك مع نادية لطفي على شريط فيديو مازال عندي، وفي طرابلس على هامش اجتماعات اتحاد الكتاب العرب تحدثت إلي الأمين العام للاتحاد حينذاك على عرسان، وقدمت له ملفا بكل ذلك، وقال إنهم يريدون إجراء محاكمة شعبية لمجرمي الحرب، ولم يحدث شيء مع الأسف، وكان الشيء الوحيد الممكن أمامي أن أطبع ذلك الملف، فقمت بذلك ونشرته في كتاب بعنوان «إنهم يقتلون الأسرى» عام 2003. أدب المعركة تركت الحرب أثرها في أعمال أدباء كبار، فقد كتب ليف تولستوي «الحرب والسلام»، وكتب همنجواي «وداعا للسلاح»، وترك لويجي بيرانديللو قصصا رائعة عن الحرب، وكانت رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ تصويرا لأصداء الحرب العالمية الثانية في داخل مصر، هل تعتبر أن رواياتك «الأسرى يقيمون المتاريس»، و«رجال وجبال ورصاص» وهي عن حرب اليمن، و«المحاصرون» عن حرب الاستنزاف، هل تعتبرها روايات عن الحرب أم أنها من أدب المعركة ؟ أم هي من أدب المقاومة بالمعنى العام الأشمل؟- أنا أعتبر «الأسرى يقيمون المتاريس» من أدب المقاومة، لأن الجنود في حرب 1967 كانوا من الفلاحين والعمال ومختلف المهن الصغيرة، وحين وقعوا في الأسر أظهروا شعورًا رائعًا بالكرامة وعزة النفس. على سبيل المثال كان أحد الأسرى بجواري داخل معسكر عتليت فلاحًا بسيطًا، وفوجئت به يسألني: «هي إسرائيل دي فين؟»! لقد حط علي الذهول من حقيقة أن فلاحا قطع كل تلك المسافات ليحارب عدوا لا يدري أين هو؟! . دفعني ذلك للاجتماع مع أصدقائي وقررنا أن نقوم بحملة توعية عامة بين الجنود الأسرى عن تاريخ فلسطين وتاريخ مصر والمقاومة. قمنا بإصدار مجلة حائط وكنا نقوم بتهريبها من مربع إلي آخر من تحت الأسلاك الشائكة، أنشأنا فرقة تمثيل ونحن جوعى وعطشى ومرضى، وقدمنا عرض «الليلة الكبيرة» لكن بكلمات أخرى تسخر من دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن البطش والقسوة، واستخدمنا البطاطين كستارة مسرح، وصبغة اليود للمكياج! وكان الجنود الإسرائيليون يأتون فيشاهدوننا نقدم عرضًا تمثيليًا غنائيًا والأسرى جالسون يقهقهون، فينظرون إلينا بدهشة! كيف تواتينا هذه الروح المقاومة في تلك الظروف التعسة؟. كانت المقاومة هي أن نواصل الحياة، مجرد أن نحيا، كان ذلك نوعا من المقاومة، بالرغم من أن البعض منا كان يموت فجأة، البعض الآخر كان شعر رأسه يشيب ويصبح أبيض فجأة أمام أعيننا، آخرون كانوا يسقطون في لجة الكآبة واليأس الأسود، وكان الحفاظ على الحياة والاستمرار بها مقاومة. هل تعتقد أن ترجمة الكتب الخاصة بهذه القضية إلى لغات أخرى قد يخدم قضية الأسرى؟ هناك كتاب لمحمد بسيوني اسمه «حق الدم»، يشتمل على كل الوثائق الخاصة بالمقابر الجماعية في سيناء، صدر عام 1996. لماذا لا يترجم؟ هناك كتاب مروة جبر، وهي بالمناسبة تعمل في مكتب الجامعة العربية في الأمم المتحدة بنيويورك، كيف لا يترجمون كتابها وهي هناك ؟ ولماذا لا تترجم الروايات التي تناولت الموضوع؟ أو لماذا لا يحولونها إلي مسلسلات تلفزيونية ؟الأدب العربي ارتبط بفكرة العلاقة الوثيقة بين القلم والسيف، بين الشاعر والمحارب، فهل تعتبر أن الأدب لدينا عامة استطاع أن يعكس بطولات وتضحيات أبناء مصر في الحروب التي خاضتها؟ - بالنسبة للأسرى ليس هناك سوى روايتي، أماعن الحرب فهناك روايات، لكن أغلبها يصور أصداء الحرب من بعيد . أعتقد أن الأديب لايستطيع أن يصف ما لايعرفه بدقة وربما تصادف أن الجيش لم يكن يضم في صفوفه أديبًا جنديًا. أنت تعلم أن نجيب محفوظ لم يكتب حرفا عن الريف المصري، وحين سئل عن ذلك قال لم أتعرف إلي الريف فكيف أكتب عنه؟ الحرب والجبهة الداخلية هل قادك الشعور بأن الحرب وصفت من بعيد إلى التمسك بوصفها؟- لدينا عدد من الروايات غير قليل كتب عن الحرب، خاصة حرب أكتوبر 1973، لكنني كنت أقرأها وأتساءل : أين هي الحرب؟ كل الروايات تدور حول تأثير الحرب في الجبهة الداخلية، لكن الحرب ذاتها لم يكن لها وجود . أيضا كان ثمة سؤال آخر يشغلني : كيف يضحي الناس تلك التضحيات الهائلة، التي سجلتها لنا الصحف وهم يعلمون أنهم يضحون مقابل لاشيء! من أجل ماذا كان الناس يضحون؟ معظم الجنود أناس فقراء يعلمون تمام العلم أنهم بعد أن تنتهي الحرب لن يكسبوا شيئا، وسيعودون لحرفهم وأعمالهم البسيطة. ما الذي يدفعهم إلي البطولة؟ ما الذي دفع الجنود في حرب 73 لسد مدافع العدو بأبدانهم لكي يعبر زملاؤهم من فوقهم إلى الموقع الإسرائيلي؟ أية عظمة هذه ؟ وما سرها؟ . وقد تتعجب إن قلت لك أن قصة للأطفال عن النمل هي التي قادتني لمعرفة الحقيقة، فالنمل يسير في صف مستمر نحو هدفه، فإذا أسقطت منه نملة، فإنه لا يعبأ بذلك، ويواصل تقدمه، إن كل مايعنيه هنا هو الهدف الذي يسعى إليه. واكتشفت أن للإنسان المصري هدفًا، هو صيانة حضارته وتاريخه، وفي سبيل ذلك فإنه مستعد لبذل كل ما هو نفيس وغال، ومهما أسقطت من صفوفه فإنه يواصل تقدمه، أجيالاً بعد أجيال، ليس من المهم أن يبقى فؤاد حجازي أو فلان الفلاني، المهم أن يبقى الوطن والناس، هذا ليس شعارًا، لكنها الحقيقة، وهي سر بقاء مصر. كنت تقول إنك كنت تبحث في أعمالك عن معنى الانتصار، وقد قمت في رواياتك وقصصك بتغطية حرب 1956، وحرب 67، وحرب الاستنزاف، ثم حرب 73، فما الذي قادتك إليه تلك التغطية الأدبية والفكرية؟لقد استمعت إلى كثير من قصص جنودنا في حرب 1973، وأدركت أننا انتصرنا بالرغم من أي استخدام سياسي لنتائج الحرب. أما عن المحصلة النهائية أو خلاصة تلك التجربة الطويلة فهي أننا شعب عظيم قادر على حماية وطنه. في 1956 تم توزيع السلاح على الأهالي في المنصورة، وكانت صناديق السلاح مفتوحة داخل المدارس لكل من يريد سلاحا لصد العدوان، وتسلح الجميع من الصغير إلي الكبير، ومع أن السلاح كان في الشوارع فلم تقع حادثة سرقة أو إجرام واحدة . وبعد انتهاء العدوان سلم الأهالي الأسلحة ولم تبق بندقية واحدة مع أحد. - أنت شديد الارتباط بالمنصورة، لا تغادرها إلا مرغما؟المنصورة هي التي صدت غزوة لويس التاسع حين جاء على رأس قوات أوربية مشتركة إلى مصر عام 1250، وسارت سفنه من البحر الأبيض إلى النيل فاستولى على كل مدن مصر حتى وصل إلي المنصورة، فدمرت أسطوله، ووضعته في الأسر في دار ابن لقمان وظل هناك أسيرا من أبريل إلي مايو حتى افتدته زوجته الملكة. لويس التاسع قال في مدينة دمياط إنه سيدخل المنصورة رافع الرأس . وحين قام المصريون بأسره، أرغموه على المرور عبر باب منخفض إلي دار ابن لقمان ليذكروه بأنه دخل المنصورة وقد خفض رأسه . نعم أنا أحب المنصورة، ويكفيني أن أتمشى على شاطئ نيلها كل يوم وأرى على سطح موجه كل صور المقاومة التي أبداها الشعب المصري عبر تاريخه الطويل. أخوك الذي إنْ رِبتهُ قال إنَّما أَرَبْت وإنْ عاتبته لانَ جانبهْ إذا كُنت في كلِ الذنوبِ معاتباً صَديقَكَ لَمْ تَلْقَ الذي لاَ تُعَاتبُهْ فعش واحدًا أوْ صِل أخاك فإنه مُفَارقُ ذَنْبٍ مَرَّة ً وَمُجَانِبُهْ إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقذى ظَمِئْت وأيُّ الناسِ تصفو مشارِبهْ بشار بن برد المصدر: العربي |
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الأربعاء، 3 يناير 2024
فؤاد حجازي وأحمد الخميسي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق