الأحد، 3 مارس 2024

بث مباشر لانتحار إسرائيل

 بث مباشر لانتحار إسرائيل

حلمي الأسمر


قليلة هي الأصوات "العاقلة" في كيان العدو، حالة هستيرية تتملك "أزعر الحارة" الذي نكل به فتى حسبه يافعا مهزوما وغير قادر على فعل شيء، وإذ به يمسكه من رقبته ويطرحه أرضا ويدوس على رأسه؛ استغرق الأمر بعض الوقت كي يفيق "الأزعر"، وحينما استوعب الصدمة هاج وماج وبدأ بفتح النار على كل من يصادفه في وجهه، وفي كل طلقة يطلقها على أحد ترتد فتصيب عضوا فيه، إنه يقتل ويقتل بدون توقف، بحثا عما يشفي الغليل، وبدلا من ذلك يزداد تعطشا للدم.

قليلون جدا من "يغردون" خارج سرب القتلة والمنادين بالثأر والمزيد من الدم، في كيان العدو، وبدلا من الاستماع إليهم يتهمهم المهووسون بالدم بالخيانة أو التخاذل، أو قصر النظر.. أصدقاء "الأزعر" باتوا محرجين منه، فقد نفدت ذخيرتهم في بعث الحياة بفرية "الدفاع عن النفس"، وهي أصلا لا وجود لها في القانون الدولي، فالاحتلال عليه واجبات وليس له حقوق، ومن واجباته توفير سبل العيش للشعب الذي يحتله، لا قتله وتشريده وهدم كل مقومات الحياة في البيئة التي يعيشها.

قليلون جدا من "يغردون" خارج سرب القتلة والمنادين بالثأر والمزيد من الدم، في كيان العدو، وبدلا من الاستماع إليهم يتهمهم المهووسون بالدم بالخيانة أو التخاذل، أو قصر النظر


يقول أحد أكثر الصحفيين الاستقصائيين "نجاحا" في الكيان، في مقال نادر بصحيفة هآرتس (21 شباط/ فبراير): في أحد الاجتماعات في ميونيخ، قال لي زعيم أوروبي مهم ومعروف، وهو أحد كبار المتعاطفين مع إسرائيل: "أنا حقا إلى جانبكم، ومن المهم جدا أن تهزموا حماس، لكن نفدت مني كل ما أملك من أعذار.. كيف أستطيع أن أحميكم وكبار المسؤولين في حكومتكم يريدون العودة إلى المستوطنات في غزة، ويطالبون بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وحذف كل ما على الأرض في غزة؟"..

الكاتب هو رونين بيرجمان، صاحب كتاب "قم واقتل أولا" (RISE AND KILL FIRST)، وهو أحد أشهر الكتب الأكثر مبيعا في الغرب، يتحدث عن "بطولات الموساد في حرب الاغتيالات التي شنها صد الرموز والقادة الفلسطينيين، وحتى الأفراد العاديين. وعنوان الكتاب مستوحى مما ورد في التلمود الذي يقول "إذا جاء شخص ما ليقتلك، قم واقتله أولا".

إن هذه الغريزة المتمثلة في اتخاذ كافة التدابير، حتى الأكثر عدوانية، للدفاع عن الشعب اليهودي -وفق تعريف الكتاب- متأصلة في الحمض النووي لإسرائيل، منذ بداية "قيام الدولة" في عام 1948. صاحب هذا الكتاب بالذات، وصف بعبارات لا تقبل التأويل، كيفية قيام الكيان بعملية انتحار على البث المباشر، ففي مقاله المذكور في "هآرتس" يصف صورة الكيان كيف تحطمت وتهشمت، وغدت منبوذة على نحو لم يسبق أن حدث من قبل..

يقول: "مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، ومطلع على قوانين العالم، رأى بالفعل شيئا أو اثنين، ويعتبر دائما معتدلا في ردود أفعاله، ويعلم أن ما يبدو للكثيرين أزمة خطيرة أو حدثا لا عودة عنه ستكون مختلفة مع مرور الوقت، وسوف تتآكل وتُنسى. انظر ماذا يحدث هذا العام في مؤتمر الأمن في ميونيخ بالنسبة لإسرائيل. كان الرجل مرعوبا، واستذكر الجملة المنسوبة إلى وزير المالية يهوشوع رابينوفيتش، والتي نسبها البعض إلى حاكم زائير موبوتو سيساكو، ومفادها "قبل عام وقفنا على حافة الهاوية ومنذ ذلك الحين تقدمنا خطوة كبيرة إلى الأمام". قال الرجل مستغرقا في التفكير: "أنا قلق، لأن العمليات التي نراها هنا هي بالطبع تجليات محلية، في سلسلة من الأحداث طوال المؤتمر وعبره، وهذا التآكل في الطريقة التي يُنظر إلينا بها، وتدهور الصورة الذهنية لنا". إن وقوفنا أمام فم الهاوية، في ظل انهيار مكانة إسرائيل الدولية، سوف يصبح سقوطا حرا. هكذا الأمر مع الهوة؛ ترى حافة الهاوية، وتبذل الكثير من الجهود لوقف أو على الأقل تأخير الوصول إلى هناك، متشبثا بكل حجر أو كومة تراب، حتى الحافة الأخيرة، ولكن إذا لم تتمكن من التوقف وتم جرك على طول الطريق إلى هناك، فإن السقوط الحر من هناك سيكون للأسفل"!

الجرائم الفظيعة التي نشاهدها يوميا في غزة والضفة الغربية سواء في الإعلام التقليدي أو الشعبي، كلها أو جلها تعكس صورة كيان مجرم يعيد إنتاج جرائم النازيين وربما على نحو أكثر وحشية وبشاعة، بسبب وجود وسائل حديثة تسجل كل جريمة، وتبثها إلى أركان الدنيا الأربعة، ولا يبدو في الأفق ما يشي بأن ثمة أملا في عملية توقف ذاتي له، فلم يعد لدى الكيان أي كوابح تمنعه من الانحدار نحو ارتكاب مزيد من الجرائم،

يبدو أن رحلة الوصول إلى هذه اللحظة قد بدأت فعلا، ويبدو أن الكيان نفسه -في رحلة الانتحار الذاتي- بات يسرع الوصول إلى هذه اللحظة على نحو مجنون، تحت تأثير حالة الشعور بالإهانة والغضب والسقوط الوشيك في تلك الهاوية التي تحدث عنها رونين بيرجمان، الذي يبدو أنه لن يجد من يستمع إليه

 فالجمهور والساسة جلهم أو كلهم ينادون بالثأر والمزيد منه، ولا يبدو في الأفق أي أمل في الوصول إلى نقطة "الإشباع"؛ والسبب ذلك الصمود الملحمي للمقاومة، التي حرمت القاتل من "لذة" الشعور بنصر بات مستحيلا، وحتى ولو تحققت كل صوره، فالهزيمة وقعت، ليس يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر فقط، بل فيما تلاها أيضا من سلسلة "هزائم" على صعيد صورة الكيان في المخيال العالمي، وعلى صعيد تهشيم صورة الوحدة الكاذبة داخله.

يقول علم النفس إن إيذاء النفس أو أذية الذات، هو نمط سلوكي مضطرب، يتعمد فيه الشخص إلحاق الأذى بنفسه بشكل متعمد ومتكرر، دون قصد الانتحار، ويلجأ البعض إلى إيذاء النفس لتفريغ مشاعر قوية جدا لا يستطيع التعامل معها مثل: الغضب العارم، أو القهر، أو الخواء الداخلي، أو الإحساس العميق بالوحدة، ويبدو أن ما ينطبق على الأفراد العاديين ينطبق على الدول، فهذا ما يعيشه الكيان اليوم.

سئل الباحث الفذ عبد الوهاب المسيري: متى تنتهي إسرائيل؟ فقال: حين تتخلى عنها الولايات المتحدة. ويبدو أن رحلة الوصول إلى هذه اللحظة قد بدأت فعلا، ويبدو أن الكيان نفسه -في رحلة الانتحار الذاتي- بات يسرع الوصول إلى هذه اللحظة على نحو مجنون، تحت تأثير حالة الشعور بالإهانة والغضب والسقوط الوشيك في تلك الهاوية التي تحدث عنها رونين بيرجمان، الذي يبدو أنه لن يجد من يستمع إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق