الأحد، 6 أبريل 2014

المستشرق عبد الفتاح السيسي


المستشرق عبد الفتاح السيسي
 سليم عزوز

عندما طل علينا عبد الفتاح السيسي يمتطي دراجته، أيقنت أننا أمام مستشرق، هبط تواً على الأراضي المصرية من كوكب المريخ، لا يعرف شيئاً عن طباع أهلها وكيف يفكرون؟! 
صورة السيسي ظهرت في البداية على أحد المواقع، في إشارة من الموقع بأن هناك من التقطوا هذه الصورة للسيسي، وقاموا بـ "تشييرها" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على نحو يوحي بأن السيسي يمارس حياته بشكل طبيعي بركوب الدراجة، وأن عابر سبيل وجده فالتقط صورة له.
 ولم يكد يجن الليل حتى نصبت برامج "التوك شو" بفضائيات الثورة المضادة، " زفة بلدي"، وذهب فريق من مقدميها يبحث عن مدلول لهذه الرسالة التي أراد السيسي أن يرسلها، والدروس المستفادة من هذا الظهور.. وكانت ليلة ليلاء!.
أحد مقدمي البرامج في فضائيات الغبراء، قال إنه فهم رسالة السيسي بأنها تحث المصريين على ضرورة توفير الوقود، وتخفيف الضغط على المرور، والحد من تلوث الهواء، فكانت صورته بالدراجة، وقال إنه سيجعل من السيسي قدوته، ويحتذي به، وما أظنه فعل!.
وأظن أننا في مرحلة لاحقة، والسيسي يضرب الأمثال للناس، أنه سيظهر يمتطي ناقة، ليعود بنا إلى زمن الخيل والليل والبيداء تعرفني، لاسيما وأن هناك من يقدمه على أنه " عنترة بن شداد"، وهناك زحام نسائي للفوز بلقب " عبلة".
وإن كنت أعتقد أنه سيستقل " توك توك" كما فعل القذافي عقب خطابه الشهير: " بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة"
"الزفة المنصوبة" من قبل برامج "التوك شو" خدش عذريتها في هذه الليلة الليلاء، من استنكروا أن يبدو الشارع الذي خرج فيه السيسي خالياً من البشر والسيارات، وهو أمر لا يحدث بمصر. وفي اليوم التالي كانت صورة جديدة، حيث شاهدنا سيارات تشارك السيسي الشارع في هذه اللحظة التاريخية، من عمر الكرة الأرضية، وإذا بحافلة تقف في عرض الطريق، وبتدقيق النظر فيها كانت المفاجأة: لا يوجد فيها جنس بن أدم، لا راكب ولا سائق!. نحن أمام فيلم هابط إذن، وأظن أنه يرجع للاستعانة بالمخرج السينمائي خالد يوسف، الذي أنكر حمدين صباحي صديقه القديم، وأنحاز لعبد الفتاح السيسي. وقد يكون يوسف مخرجا سينمائياً متمكناً، لكن الحملات الانتخابية تحتاج إلى متخصصين فيها، وليس كون شخص يعمل طياراً، أنه يمكنه أن يقود دراجة بسهولة، فكل ميسر لما خلق له.
 لكن من الواضح أن السيسي ومن باب ضغط النفقات يستعين بمن ليست له سابقة أعمال في الدعاية الانتخابية، وفي الإخراج الخاص بنشاط فرد.
لم يهضم المصريون ما جري، لسبب بسيط، وهو أنهم يعلمون أن "المرشح الضرورة"، ليس هو بالرجل الذي يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق. فنحن لا نحفظ له سوى محاولتين فاشلتين لأن يكون وسط الناس!. الأولى عندما فاجأ جنازة ضابط شرطة قتل في الأحداث، بالهبوط مشيعاً، ولم يكد يتحرك خطوتين للإمام حتى هتف البعض: " ارحل ياسيسي"، فرحل في التو واللحظة، وشاهدنا كيف أن حراسه جذبوه بقوة، وقالوا: " يا فكيك". "الفكيك"، هنا من " الفكاكة"، وإن كان سياق الاستخدام للكلمة لا يؤدي إلى نفس المعنى، فالذين قالوا يا " فكيك" كان هذا تعبيراً عن الجري والهروب السريع، أما "الفكاكة" التي نطق بها السيسي في واحدة من التسريبات فتعني الفهلوة، عندما قال هذا علم وليس "فكاكة"، ولم نفهم ما الذي يقصده بالعلم، وقد تبين لنا أن حدود العلم عنده تتمثل في جهاز "الكفتة" المضاد للفيروسات، وللإيدز!. 
المحاولة الثانية كانت بذهاب السيسي الي ضريح جمال عبد الناصر في إحدى المناسبات، وهناك منحه عبد الحكيم نجل الزعيم الراحل "صك وراثة المرحوم"، فلم يكد يخرج من الضريح حتى استمع إلى نفس الهتاف: " ارحل يا سيسي" فأسرع في الاختفاء!. فالسيسي يعلم أن أمنه في خطر، فليس هو بالتالي الذي يغامر ويهبط للشارع ويقود دراجة، ويقف ليتحدث مع عموم الناس، في مشهد تمثيلي ينتمي إلى عهد من قبل "سينما الكارتون".
ولهذا الإحساس فإن السيسي تحدث عن أنه لن تكون له حملة انتخابية تقليدية، وأوب معه محمد حسنين هيكل عندما قال في حديثه مع لميس الحديدي إن السيسي لا يحتاج الى حملة تقليدية. والهدف هو طلب الإعفاء من مواجهة الجماهير!. نسيت أن ألفت الانتباه إلى أن صورة السيسي بالدراجة في اليوم الأول كان هو صاحب الدراجة الوحيدة، في حين أن صورته في اليوم التالي ظهر معه من يعتلي دراجة أخرى، وكأننا في سباق "العجل"، ولمن لا يعلم، فإن "العجلة" هي نفسها "الدراجة" وعلى أيامنا كان اسمها " البسكلته".
لم أركز في دراجة الرجل الذي ظهر مع السيسي في صورة اليوم التالي لا أعرف ما إذا كان يمتلك نفس نوع " عجلة" السيسي، ونفس الماركة، فبينما ركز البعض في نوع دراجته ليكتشف أنها " بيجو"، والبعض ركز في حركة الشارع، فقد أثار انتباهي مقاس نعل السيسي، فإذا هو صغير جداً، والملابس الرياضية أظهرت حجمه الطبيعي، ليثار هنا سؤال: كيف تم قبوله في واحدة من الكليات العسكرية التي لا تجامل في اشتراطات الطول والوزن؟! ما علينا، فالصورة مفتعلة، فالسيسي لا يمكنه أن يخرج للجماهير، وقد وقف الجميع على أن الصورة مفتعلة ومثل افتعالها فضيحة يتغني بها الركبان، وقد وقف هؤلاء الركبان على أن ثمن " العجلة"، (40 ألف جنيه مصري)، وهو ثمن سيارة بأربع "عجلات"، فبدا واضحاً أن موقع " بيجو" الفرنسي، قسم الدراجات، كان على اتفاق مع السيسي وحملته الانتخابية، ففي اللحظة التي ظهر فيها بالعجلة، كانت الصورة منشورة على الموقع ومعلن ثمن العجلة باليورو، وكأننا أمام ممثل إعلانات، على نحو ذكرني بالصورة التي بثت له بالملابس المدنية، وهو في طريقه لموسكو، وكانت الأقرب إلى إعلانات محلات الملابس الكبرى عن بضاعتها وقد علقت على صفحتي بالفيس بوك تحت الصورة: " محلات "بي تي ام" للملابس الجاهزة في انتظاركم دائماً". كل هذا "كوم" والرسالة التي وصلت للمتلقي المصري " كوماً آخراً". فالسيسي توجه بهذه الرسالة للمتلقي في بلاد الفرنجة، أما في مصر فهيبة المرشح الرئاسي تمثل جزءاً من أهليته لتولي هذا المنصب المهم، وما أظن أن صورة السيسي بالعجلة، سيتقبلها المتلقي المصري كما يتقبلها الخواجة.
بالمناسبة فقد عثرت على أغنية، لخالد الذكر سعد الصغير وهو يغني للعجلة، وهو صاحب الأغنية الشهيرة " بحبك يا حمار". وهذا ليس موضوعنا، فما يهمنا هنا، أن نؤكد أن السيسي أخطأ في الرسالة باعتباره حديث عهد بالسياسة على نحو انطلق به لأن يبدو مستشرقاً.
 ومشكلته في أن الفريق المحيط به ينتمي للقوى السياسية الفاشلة بتنويعاتها، التي لم تستطع أن تصل للجماهير بخطابها، فلجأت للإستعانة بالجيش من أجل وقف المسار الديمقراطي لأنها تعلم أنها غريبة عن الجماهير، وبالتالي لا يمكنها أن تنتظر موقعاً في صدارة المشهد عبر الاحتكام للإرادة الشعبية.
 وأظن أن هؤلاء هم الذين نصحوا السيسي بالظهور بالعجلة، ليبدو قريباً من الناس، فإذا به يزداد ابتعاداً، ويثبت أنه مستشرق منبت الصلة بالمجتمع المصري. هالو يا خواجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق