أردوجان.. والحرب العالمية الباردة!!
(ما إن تفتح صناديق الاقتراع فلن يكون الباقي سوى حواشٍ للتاريخ).
تلك هي العبارة التي ألهم الله تعالى رجب طيب أردوجان، أن يطلقها ردّاً على تحشد خصومه الكثر والأقوياء،الخارجيين والداخليين.
قبل أن ينجلي غبار معركة الانتخابات البلدية عن فوز تاريخي لحزب العدالة والتنمية، وهي المعركة التي أصر أعداء الحزب على جعلها معركة كسر عظمٍ وتحديد مصير!!
ولذلك عمد أردوجان إلى الهجوم باعتباره أفضل سبيل للدفاع، فأعلن في وقت مبكر تحديه للخصوم مؤكداً عزمه على الانسحاب من الحياة السياسية إذا لم يتصدر حزبه الانتخابات البلدية..
ووقعت الصاعقة على رؤوس القوم، إذ فاز حزب العدالة بنسبة 46% من الأصوات،متفوقاً على نفسه حيث نال في مثيلتها السابقة 39%، يوم لم يكن لديه هذا الحشد من الأعداء، الذين اجتمعوا متناسين خلافاتهم وداسوا على شعاراتهم،لكي يتخلصوا من مالئ دنياهم وشاغل ناسهم!! إلى غير رجعة..
لكن الذي ذهب إلى حواشي التاريخ-بحسب المصطلح الأردوجاني المهذب- هو المعارضة التغريبية المتغطرسة بزعامة حزب الطاغية أتاتورك " حزب الشعب الجمهوري" المعارض الرئيسي لحزب العدالة والتنمية أردوغان، الذي لم يقدم للشعب التركي برنامجاً انتخابياً ولو كان متواضعاً، وإنما اكتفى بلغة شبيحة الطغاة العرب وشتم أردوجان ووصفه بأنه دكتاتور فاسد، وأنه مستعد للتشبث بالسلطة بأي وسيلة. وأن فوزه بالعاصمة أنقرة أو إسطنبول سيتيح له إعلان شكلٍ ما من الانتصار!!
وفشل كذلك الحلف العالمي الخبيث الذي ساند الأتاتوركيين بكل ما أوتي من قوة،بدءاً من نتنياهو إلى الغرب المتآمر من وراء ستار،إلى ملالي قم وعميليهم في دمشق وبغداد،وشريكها الحاقد منذ أيام العثمانيين: روسيا الصليبية المتطرفة!!
لم تنجح الأموال المتدفقة ولا الدعاية التضليلية الضخمة ولا تأجيج نصيرية تركيا الموتورين من وقفة أردوجان ضد بشار.. كل ذلك لم ينجح في مخادعة الشعب التركي فبقي وعيه عصياً على التزييف والأراجيف وحكايات الفساد الملفقة .. وفي الوقت ذاته أخفق الحلف المدنس في استغلال جحور الدولة العميقة للقيام بانقلاب غير مباشر، يتخذ من السلطة القضائية مخلباً للإجهاز على التجربة الفريدة لهذا الحزب، الذي قلب جميع المعادلات السياسية والاقتصادية في تركيا.
ويكفي ما سربته مصادر نتنياهو للإذاعة العبرية قبيل ساعات من إعلان الفوز التاريخي لحزب العدالة والتنمية،من مدى اضطرابه وشعوره بالقلق المسبق من نتائج الانتخابات البلدية ،لأنه يتطلع لفشل أردوجان وانتهاء حقبته!!
لكن العدو العاقل تمثل في الكاتب الصهيوني بوعاز بسموت -المعلق في صحيفة "يسرائيل هيوم"- الذي حذر رهطه من الرهان على سقوط أردوجان في الانتخابات، وقال:
(على الرغم من الصراع الشرس بينه وبين جماعة جولن، فإن الأتراك يذكرون لأردوجان حقيقة أنه المسؤول عن النمو الاقتصادي الكبير الذي حققته تركيا بين العامين 2002 و2012، حيث فاقت معدلات النمو التركية معدلات النمو لأية دولة من دول منظمة التعاون والتنمية "OECD").
وأوضح بسموت أن أردوجان يحظى بدعم قطاع واسع من الشعب التركي، ولا سيما في أوساط الطبقات الضعيفة التي ترفض فصل الدين عن السياسة، معتبراً أن أهم مصادر قوته تكمن في أن المعارضة العلمانية ضعيفة ولا تملك برنامجا يضاهي البرنامج الذي يطرحه حزب العدالة والتنمية.
وأما العدو البليد فيعبر عن نفسه في أبواق التضليل لدى الطغاة العرب، حتى إن بعضهم زعم أن انتصار العدالة والتنمية هامشي ولا يعتبر ذا أهمية في رسم خريطة الانتخابات الرئاسية ثم النيابية في الصيف المقبل!!
حتى إن إحدى الكويتبات أضحكت القراء عليها عندما استنتجت أن حصول أردوجان على 46% من أصوات الأتراك في هذه الانتخابات، يعني أن أكثر من نصف الشعب التركي يناوئونه وأنهم قد صوّتوا ضده!!
فالذين اعتادوا على صناديق مزيفة تملؤها أجهزة الاستخبارات بنتائج جاهزة ( 99،99%) يستحيل عليهم أن يستوعبوا كيف تحتسب نتائج الانتخابات في المجتمعات الحرة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق