الأحد، 6 أبريل 2014

أمريكا إذ تبيع العرب وتشتري الأفارقة


أمريكا إذ تبيع العرب وتشتري الأفارقة

لم تشغل القارة الأفريقية لسنوات طويلة حيزا كبيرا من اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية ، ولم تكن على سلم أولوياتها الإستراتيجية لوقت قريب ، فالنفوذ الإنجليزي والفرنسي في القارة ضمن سلامة الجبهة الأفريقية من التهديدات الرئيسية التي كان الشرق الأوسط في الذهنية الأمريكية هو المعقل والمصدر الأساسي لها . ورغم هذه النظرة الأمريكية للقارة الأفريقية مثّل " القرن الأفريقي " استثناءاً من هذه القاعدة ، نظرا لأهميته الكبيرة في التحكم في حركة التجارة العالمية بسبب موقعه الجغرافي الفريد والذي رشحه لئن يكون أحد البقاع السحرية في العالم ، مما جعل الأمريكان يضعون هذه المنطقة ضمن نطاق القيادة العسكرية الوسطى وهي القيادة العسكرية الأهم في السياسة الأمريكية ، إذ أنها المسئولة عن الأمن في المنطقة الواقعة من كازاخستان شمالا وكينيا جنوبا ومن باكستان شرقا حتى مصر غربا ، وهي المنطقة الأهم في أولويات الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية ، إذ أنها تضم أربع مناطق حساسة وهي : شبه الجزيرة العربية والعراق ، شمال البحر الأحمر وتضم مصر والأردن ، القرن الأفريقي ويضم جيبوتي وأثيوبيا وإريتريا والصومال وكينيا والسودان وجزر سيشل ، جنوب ووسط أسيا ويضم أفغانستان وإيران وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية .
أمريكا كانت تنتهج إستراتيجية عسكرية خاصة بهذه المنطقة قائمة على ثلاثة نقاط رئيسية وهي : القتال لحماية وتنشيط مصالح واشنطن في هذه المنطقة لاحتواء أي تدفق غير منضبط لمصادر الطاقة بها ، وفي مقدمتها النفط ، والمحافظة على استقرار المنطقة . ومنها التدخل العسكري للحفاظ على شكل وبنية التحالفات القائمة ، وتطوير شبكات المعلومات الاستخباراتية بإخضاع الأجهزة الداخلية لدول هذه المنطقة للتبعية الاستخباراتية الأمريكية ، وذلك في مجالات محددة أهمها نشاط الحركات الإسلامية الرافضة للوجود والتبعية الأمريكية في المنطقة ، وحركة أسلحة الدمار الشامل . ومنها دعم الأنظمة القائمة في هذه الدول والحفاظ على علاقات متينة مع القادة السياسيين والعسكريين بها لضمان تبعيتهم للتوجهات الأمريكية إقليميا ودوليا .
ومن خلال السياسة الجديدة التي بدأت مع ولاية أوباما الثانية والتي تقوم على فكرة إعادة صياغة التوازنات الإستراتيجية وتغيير بنية الأحلاف التقليدية بدأ الأمريكان في تقدير موقف إستراتيجي جديد خاص بالقرن الأفريقي يقوم في الأساس على دمج هذه المنطقة في الاقتصاد العالمي ، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في هذه المنطقة لتكون نقطة انطلاق وتحكم في الحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية ، ولاسيما الاعتبارات الأمنية ، لذلك أخذت أمريكا في الشروع في نقل القيادة العسكرية الأفريقية الموحدة المعروفة باسم " أفريكوم "  إلى جيبوتي من أجل مواجهة الخطر المحتمل من تنامي نشاط تنظيم القاعدة في الصحراء الكبرى والقرن الأفريقي ، وحرمان التنظيم من ملاذ آمن في المنطقة ، ومن أجل تخفيف الضغط على قوات " كينتكوم " و " إيوكوم " نتيجة الحرب في أفغانستان والعراق ، والأهم من ذلك كله مواجهة العملاق الصيني الذي طوّر كثيرا من علاقاته الاقتصادية مع دول القارة الأفريقية بحيث أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري مع أفريقيا بعد أمريكا وفرنسا ، وذلك في أقل من عشرين سنة ، كما أن الصين تحصل على 25% من نفطها من أفريقيا ، والعلاقات الصينية مع السودان وكينيا أقلقت أمريكا كثيرا ، خاصة وأن الصين قد اصبح أكبر شريك تجاري مع الصين ،  وكان نقل قاعدة " أفريكوم " بمثابة نقلة نوعية كبرى في خريطة البنتاجون الدولية على نحو اعتبره كثير من المراقبين أنه بمثابة تخلي أمريكا عن سياساتها التقليدية إزاء منطقة الشرق الأوسط لصالح شراكة جديدة مع دول القرن الأفريقي .
أمريكا تحتفظ بعلاقات متينة وتاريخية مع معظم الدول العربية تبدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وعملت خلال هذه العقود المتتابعة على ترسيخ وجودها إقليميا برؤية إستراتيجية شبه ثابتة حرصت عليها الإدارات الأمريكية المختلفة ، مع حرص على اعتماد سياسة الثنائية في التعامل مع دول المنطقة ، ورفض التعامل مع جامعة الدول العربية ، أو التعامل مع أي دولة عربية على أنها الزعيمة أو القائدة لدول المنطقة . غير أن أمريكا قد فوجئت بثورات الربيع العربي ، والتدافع الكبير الذي وقع بين الشعوب والأنظمة الموالية لأمريكا ، وبين الشعوب والأنظمة التي تهب على شعوبها رياح التغيير ، وكثرت مشاكل المنطقة ، وجاءت الثورة السورية لتشعل بؤرة صراع أممية عالمية في قلب منطقة هي الأخطر في العالم ، وكل ذلك في غضون تراجع أمريكي لافت داخليا وخارجيا بدت مؤشراته رأي عين المواطن العادي ناهيك عن الساسة وصناع القرار ، مما جعل الأمريكان يفكرون كثيرا في إعادة صياغة تحالفاتهم إقليميا وعلى مستوى بؤرة الصراع الأوسع والتي أشرنا إليها في مقدمة الكلام من باكستان شرقا إلى مصر غربا ومن كينيا جنوبا إلى كازخستان شمالا .
العرب من وجهة النظر الأمريكية اليوم وخاصة دول الخليج قد أصبحوا حمولة زائدة ترهق السائق الأمريكي الذي يحاول جاهدا ضبط دفة عجلة القيادة في منطقة غدت مليئة بالألغام والمنافسين بعد تنامي الدور الروسي والإيراني والصيني .العرب خلافاتهم الصغيرة كثيرة وممجوجة ، وخرجت مؤخرا عن طور العقلانية إلى مقارعة الأهواء والرغبات ،وقد تجسد هذا الصراع في الآونة الأخيرة مما حدا بأوباما لئن يلغي اجتماعه مع قادة دول الخليج معللا ذلك بخلافات القادة الجانبية . أمريكا منذ قرابة العام وردا على تطورات المشهد السوري بدأت محادثات جانبية مع إيران برعاية عمانية من أجل إنشاء علاقات ثنائية ترقى لمستوى الشراكة والتحالف ، بعد أن وصلت قناعة مفاداها إن إيران هي الطرف الأقوى والأكثر استقرارا وانسجاما مع المخططات الأمريكية تجاه العالم الإسلامي ، في حين أن العرب صديق غير عاقل ، مشاكله كثيرة ، ومطالبه أكثر ، وصداقته مكلفة جدا ، لذلك يجب التخلص تدريجيا من هذه الشراكة الثقيلة لصالح تحالفات أخرى أكثر مواءمة مع الإستراتيجيات والأهداف الأمريكية الجديدة .
إن أخطر شيء في ما تقدم عليه أمريكا اليوم من تخليها ولو جزئيا لشراكتها مع المنطقة العربية لصالح القرن الأفريقي ، أن الاهتمام الأمريكي بالقرن يتماهى بشدة مع الاهتمام الصهيوني بها ، مما يمثل خطرا شديدا على العالم الإسلامي ، فإسرائيل متغلغلة في قلب القرن الأفريقي منذ الستينيات ، بفضل علاقاتها الوثيقة والمتينة مع النظام الأثيوبي ، وإسرائيل تعتبر العمق الأفريقي هو أهم موقع إستراتيجي أمني لها في مواجهة العالم الإسلامي ، وهي تهتم بأثيوبيا على وجه الخصوص لاعتبارات تاريخية وجغرافية خطيرة ، ورغم علاقاتهم المتينة مع أثيوبيا احتفظت إسرائيل بعلاقات أمتن وأوثق مع خصمها اللدود إريتريا ، بعد سهلّت الاعتراف بها أمميا بمنع أي فيتو ضد قيامها ، وإسرائيل تستغل وجودها في القرن الأفريقي  من أجل تأجيج الصراعات العرقية والطائفية ، وهو ما ظهرت تداعياته وآثاره في أثيوبيا قديما وأفريقيا الوسطى حديثا ، فهي تعمل على استغلال كل الثغرات المتاحة حتى يبقى قادة الأقلية الحاكمة في المنطقة مرتبطين بالكيان الصهيوني .
إن تزايد الوجود الأمريكي والصهيوني في القرن الأفريقي مع تراجع الدور الأوروبي ينطوي على مخاطر جمة بالنسبة إلى منظومة الأمن القومي العربي والإسلامي ، إذ لم يعد التأثير الصهيوني على السياسة الأمريكية قاصرا على القضية الفلسطينية ، بل تجاوز إلى حد دفع الأمريكان لإعادة ترتيب خريطة التوازنات الإقليمية في المنطقة بما يخدم المصالح المشتركة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق