السبت، 5 أبريل 2014

عن التحقيق بشأن وضع الإخوان في بريطانيا



عن التحقيق بشأن وضع الإخوان في بريطانيا
ياسر الزعاترة

فاجأ رئيس الوزراء البريطاني الأوساط السياسية المحلية، قبل الخارجية بإعلانه إجراء تحقيق حول وضع جماعة الإخوان في بريطانيا، الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة النطاق، كون بريطانيا هي الدولة الغربية الأولى التي تعلن إجراء مثل هذا التحقيق إثر قرار السلطات المصرية باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، والذي تلاه قرارمماثل كان واضحا أنه جاء استجابة للقرار المصري، وشكلا من أشكال الدعم للانقلاب الذي لم يستقر رغم شهوره الطويلة.
والحال أن آخر دولة كان يمكن للمراقبين أن يتوقعوا استجابة منها لدعوة اعتبار الإخوان جماعة إرهابية هي بريطانيا التي تتميز بأنها الملجأ الأهم للمعارضين السياسيين من كل صنف ولون، بمن فيهم أناس ينتمون أو ينظرون لجماعات تستخدم العنف سبيلا لتحقيق أهداف سياسية، بل إن بعضها يصنف في بعض الأوساط بأنه إرهابي بالفعل.
لهذا الوضع في بريطانيا صلة ببعدين، الأول ذلك المتعلق بالقضاء المستقل الذي يتفوق على أي بلد آخر، ومعه احترام حقوق الإنسان والتعددية الثقافية والإثنية، أما البعد الثاني فهو المتعلق بحقيقة أن سياسة الاستيعاب كانت ولا تزال العنصر الذي يمنح بريطانيا قوة سياسية «ناعمة» تتفوق على إمكاناتها الواقعية، كما أنها تجعل منها ملاذا آمنا للكثير من رؤوس الأموال، الأمر الذي يمنحها منافع اقتصادية كبيرة، بل كبيرة جدا.
والخلاصة أننا إزاء سياسة تشكل جزءا لا يتجزأ من متطلبات الأمن القومي البريطاني، ولا يمكن شطبها ببساطة من أجل ضغوط من هنا أو هناك، حتى لو كانت ضغوطا مهمة بحسابات المصالح، حيث أجمع المراقبون المحليون على أن التحقيق الذي أعلن كاميرون فتحه يتعلق بالاستجابة لطلب مباشر من الإمارات، لكن ذلك قد لا يكون بالنسبة لكثيرين سوى مجاملة لن تفضي إلى شيء عملي، بل إن القرار كان ينطوي على شيء من الرعونة، كما ذهبت «روز ماري هوليس»، أستاذة دراسات الشرق الأوسط بجامعة سيتي، والتي قالت إن كاميرون قد «صنع لنفسه مصيدة ووقع فيها، ففي حال وجد تحقيقه أرضية تستدعي تصنيف الإخوان كحركة إرهابية، فإنه سيهمش الملايين ممن لم يؤمنوا يوما بالعنف في المقام الأول. وإذا توصل التحقيق إلى أن قيم وفلسفة الإخوان المسلمين لا تمثل مشكلة، سيظهر التحقيق كمهزلة».
ما نحن متأكدون منه هو أن أي تحقيق نزيه تقوم به أية جهة بريطانية (شكك البعض في تلك النزاهة تبعا لواقع أن من سيقوم بها هو سفير بريطانيا في السعودية، والذي قد يجامل مضيفيه بهذا القدر أو ذاك)، أي تحقيق نزيه لن يفضي إلى اتهام الإخوان بالإرهاب، لاسيما أن الدولة التي رفعت اللافتة هي الأكثر سخفا في اتهامها، فمن تتهمهم بالإرهاب كانوا الحزب الأول في البلد حتى قبل شهور، وكان الرئيس منهم، ولم يكن هناك أي اتهام ضدهم، وهم جزء لا يتجزأ من العملية السياسية منذ عقود، وكانت جماعتهم تسمى «المحظورة»، وليس الإرهابية، بينما ينشط رجالها ونساؤها في كل الميادين.
أما على الأرض البريطانية، فالإخوان لا يتعدون مئات الأشخاص من كل الجنسيات، والمصريون بينهم قلة، ربما كانوا عشرات ازداد عددهم بعد لجوء البعض إثر الانقلاب، والنتيجة أن وجودهم في بريطانيا وجود رمزي.
ما أريد من هذه العملية بالضبط هو الضغط في اتجاه هذا القرار هو أولا بعده الرمزي من حيث الأمل في اتخاذ بريطانيا لقرار قد تحذو حذوه دول أوروبية أخرى، لكن الذي لا يقل أهمية هو ذلك المتعلق باستثمار الإخوان للنظام القضائي البريطاني، واستخدامه منصة للهجوم على الانقلاب ورفع قضايا ضد من قتلوا الناس في رابعة وسواها، وهو أمر أربك الانقلابيين كثيرا، ولعل ذلك هو ما دفعهم إلى مطالبة الإمارات والدول المساندة لها باستخدام ثقلها لدى الحكومة البريطانية من أجل لجم ذلك النشاط.
في كل الأحوال، سيكون بوسعنا القول إن التحقيق لن يفضي إلى شيء كما أشير من قبل، فلا أدبيات الإخوان خلال العقود الأخيرة تدعو إلى العنف، ولا ممارستهم في مصر تفعل ذلك، ولا حتى في أية دولة أخرى باستثناء دول اعتبر العالم أن شعوبها تخوض حربا مشروعة، كما هو حال سوريا وقبلها ليبيا، والنتيجة أن مسعى من دفعوا في اتجاه التحقيق سينتهي إلى لا شيء، وستكون الخيبة من نصيبهم على الأرجح، بل ربما المؤكد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق