العريفي والقرني وبقية عنادل القفص الذهبي
أحمد عمر
هي بشرة خير..
عائض القرني غرّد الساعة، حول أحداث الساعة، بالحديث النبوي: "إن في الجنة باباً يُدعى الريّان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أُغلق فلا يدخل أحد غيرهم" جعلنا الله وإياكم منهم.
قولوا: آمين.
مذهب أهل نجد والحجاز، هو مذهب ابن حنبل مع بعض التعديلات، لكني أخشى أن يتحول إلى مذهب ابن عربي، الذي كان قلبه قابلاً كلَّ صورة، فمَرْعًى لغِزْلاَنٍ وديرٌ لرُهْبانِ، وكعبةُ طائفٍ، وبَيْتٌ لأوثانٍ... ابن عربي لم يكن مبالياً بالاجتياح المغولي للأمة.
حتى التغريد له زكاة وله صدقة، ودوام الحال من المحال.
ها هي عربة البوعزيزي، والتي أحرق صاحبها نفسه، تصل الخليج أخيراً، ومن غير حصان، تدفعها أرواح آلاف الشهداء، لعلها "بشرة خير" إماراتية، وهي أغنية غنّاها عندليب الثورة المضادة، وصلت بشارتها إلى الخليج، وبكرا تشوفوا الخليج أد الدنيا، كما شفتم مصر.. السيسي صار معلِّما في فن الحصار والحرق الصحيح للأحياء، على الهواء مباشرة، إن لم يكن بالرصاص والنيران فبالافتراء والبهتان.
الحقيقة أنَّ أحداً من ملوك المسلمين وفقهائهم لم يبع حتى الآن صكوك غفران كما فعلت الكنيسة، سوى الشيخ الصوفي الحبيب الجفري شيخ الثورة المضادة في مؤتمره بغروزني، الذي أخرج نصف الأمة أو أكثرها من الإسلام، ومن قبله الخميني، الذي وزع شققاً في الجنة إبان حرب الخليج ضد البعث العراقي، مقابل الشهادة.
قرأنا أنّ السعودية هددت دولاً أفريقية بمنعها من تأشيرات الحج لشراء موقفها من حصار الشعب القطري المسلم الشقيق، والحجّ يبيّض الذنوب، ويعيد الحاج طاهراً كيوم ولدته أمه، وهذا يعني صداً عن المسجد الحرام ومنعاً من زيارة الرحمن في بيته، والرسول الكريم في قبره، وتحصيل الغفران من غير صك. جمهورية مصر العبرانية الجديدة كانت تكرم بعض العجائز بزيارة على حساب الدولة، وحكامها أكثروا من زيارة الكعبة، تطهراً من مجزرة رابعة، والحقيقة أنّ معظم الدول العربية تبيع صكوك الكفران، فهي تكافح الإرهاب، تهمة الإرهاب صك كفران وطني.
من أخلاق عباد الرحمن أنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وقد خاطب مسلمون محاصَرون العريفي، وغيره من الدعاة، وطرقوا أبوابهم بكل يد مضرّجة سائلين عن فتوى حصار أمة مسلمة، لكن العريفي سكت، عملاً بالحكمة القائلة: إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب.
وليس عملاً بوصية النبي عليه الصلاة والسلام: ومن لم يهتم بشؤون المسلمين، فليس منهم.
ثم قرأنا أن صاحب عاصفة حزم سيعتكف، في العشر الأواخر من رمضان في مكة، فتذكرت الحديث الشريف: "لأن أسعى في حاجة أخي أحبُّ إليّ من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً"، والأمة كلها تنظر بأمل إلى الحازم في الأخ، لا في العدو: في فلسطين المهدّدة بنقل السفارة إلى داخل العمارة، وفي سوريا، وقد بات لبشار والرياض عدو واحد هو قطر، وشعوب باكستان وبنغلاديش، فالأمة جائعة، ومكلومة، وتذبح بالسكاكين في أراكان، وبتحرق بالبراميل في سوريا.. إلى أن فاض كيل وزير خارجية الحزم والعرضة من قطر، بسبب دعمها لحماس، وليس لحزب الله، وللإخوان المسلمين، وليس للإخوان العبرانيين، وكان كيل صاحب الكيل الفائض قد فاض على أغنى وأقوى دولة في العالم بـ 500 مليار دولار، عملاً بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)!
لكنّ العريفي غرّد أخيراً، وردَّ على السؤال، فأباح الحصار، وليته سكت.. السكوت أحياناً من ذهب، وأحياناً الكلام من ذهب.
وسمعتُ مقابلة لعائض القرني، الذي يقضي يومه يدعو المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، للاستغفار والتسبيح، يقول فيها متباهياً، أو مستبرئاً: إنه لم يذكر الجهاد يوماً، بل إنه يتمنى على الله أن يموت في فراشه، فلا نامت أعين الجبناء.
كل الدعاة في نجد والحجاز على قلب رجل واحد، ويقولون: طاعة، والآية القرآنية تقول: وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم.. لكنهم يبدو أنهم يسبِّقون طاعة الملك على طاعة الله، فأبشروا بالنصر المبين.
الفرق كبير في شدة البطش بين نظام البعث ونظام الربع الخالي، فالبعث كان يحلل المعتقلين حسابياً وعضوياً إلى عواملهم الأولية، ورغم هذا وجدنا شيوخاً شجعاناً من الشام، بواسل، أمثال أسامة الرفاعي، وكريم راجح..
وقف راجح في خطبة جمعة في الشهور الأولى للثورة، واقتصرها على آية واحدة، وكانت السلطات تصدُّ الناس عن صلاة الجمعة خوفاً من المظاهرات، فقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ووجدنا أسامة الرفاعي يضُرب على رأسه في رمضان، في المسجد، وهو معتكف، ثم يُسعَف، ويرسل له القصر الجمهوري من يعتذر منه، فيرفض الاعتذار، فليس رأسه هو الذي كسر، لن يقبل إلا باعتذار النظام من الشعب السوري كله، وجدنا الشيخ الصياصنة يضحي بولده وماله، ويفر بدينه، وهو يتلمس بعكازته طريق الهجرة..
والشيوخ الثلاثة ليس لهم صفحات يغردون فيها، وهم غير معروفين سوى في أحيائهم، وليس عليهم زكاة وصدقات كالتي في ذمة العريفي والقرني وسواهم، وليسوا في أطهر بقاع الأرض، لكن حتى الآن لم نقرأ تغريدة واحدة، تنكر ما وقع من حصار دولة هي قبلة المسلمين، لدولة مسلمة جارة، بالإيحاء أو الإيماء أو الإشارة، بالتبرؤ، ببيت شعر، بالحديث رمزاً عن ثمود، وعن عاد، عن الأحقاف وأهل الرس، بآيات الاعتصام بحبل الله، وليس بحبل إيفانكا، ولا تغريدة تندد بحصار غزة، ولا برابعة، ولا بأراكان.. وهم في سباق رياضي ألف متر قفزاً إلى باب الريان؟
وأمر آخر: تجنّب النظام السوري الفاجر الإساءة إلى اثنين من هؤلاء الثلاثة، بتهمة، أو بشتيمة حسب معرفتي، سكت وبعض السكوت من ذهب، وأحياناً الكلام من ذهب.
وقرأنا للداعية عمرو خالد تغريدة يقول فيها: إنه يقف مع حكومة بلده بالمقاطعة، فذكّرني هو وأصحابه من شيوخ عاصفة الحزم بقول الشاعر دريد بن الصمة:
ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ..
والحصار حصار حقيقي، فقطر دولة غنية بأهلها وبالجزيرة، لكنها صغيرة، ففي اليوم الأول قفز سعر السلعة إلى أربعة أضعاف، فهي صحراء وتستورد أغذيتها، ولم يكتف المحاصرون، بل صاروا يحذّرون الجيران والإخوة من تناولها الزبادي التركي لعدم مناسبتها للمعدة القطرية! فأبقار تركيا سافرات، مكشوفات النحور!
انطبق على المحاصرين، في شهر الرحمة والرحمات، المثل الشعبي الذي يقول: ضربني وبكى وسبقني واشتكى. وكان إمام المسلمين ترامب قد جاء ومعه الحسناء ابنته، فقدّموا لها الهدايا، ثم رأوا أن يكونوا من أولئك الذين "يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" فسولت لهم أنفسهم ذبح أخيهم، وكذلك يفعلون.
وصار سيف الإسلام القذفي الذي كان يكيد للسعودية كيداً شديداً، متهماً بريئاً على فضائيات العربية وسكاي نيوز.
وجاء في أخبار نشرة بشرة خير، خبر عن إنشاء سكك حديدية، لربط إيلات على البحر الأحمر مع أشدود على البحر المتوسط، بعد هدية ديلفري هي تيران وصنافير، ربطاً لثالث الحرمين بأولى القبلتين: ففي الاتحاد قوة واعتصام بحبل الله المتين.
بعض أنفال هذا الموسم، هو أنّ السعودية صارت أكثر عزلاً للفاتيكان من الدين عن الدولة، فالفاتيكان بين الحين والآخر تدعو للسلام، وتحضُّ على العفو، ورأينا ملوك الغرب يحضون المحاصرين على تخفيفه، وقد بات الحصار موضة عربية اقتداء بالسيسي وسنتّه الشريفة.
"إذا سَادَ القَبيلَ فاسِقُهُمْ، وكان زعيمَ القومِ أرذَلُهم، وأُكْرِمَ الرجل اتِّقاءَ شرِّه؛ فانتظروا البلاء".
الرز أبيض..
هي بشرة خير...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق