السبت، 17 يونيو 2017

وردة على قبر أختي "الشهيدة جو"

وردة على قبر أختي "الشهيدة جو"


 وائل قنديل
عام مرّ على واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
عام على اغتيال البريطانية "جو كوكس" أختي جو، كما تشرفت بتسميتها في مقال قبل عام.
دعني أذكرك بها أولاً: امرأة ناصعة الضمير، مدافعةٌ عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه، تطرق على ضمير أوروبا والعالم من أجل موقفٍ أكثر إنسانيةً وتحضراً من مأساة الشتات السوري.

لم تكن قد أتمت بعد 41 عاما من عمرها، أمّ لطفلتين صغيرتين، لقيت حتفها، أثناء توجهها لعقد اجتماع مقرر في دائرتها الانتخابية على يد يميني عنصري متطرف، قتلها رمياً بالرصاص، وطعناً بالسكين، في حادثةٍ إرهابية، أبشع كثيراً من حادث الهجوم على مقر "شارلي إيبدو".

جو كوكس نائبة حزب العمال البريطاني التي سفك دمها ذلك اليميني المهووس، المسكون بالتطرّف، في ذروة الاستقطاب الحاد حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فكانت في اعتقادي "شهيدة البريكست". 


لكنها قبل ذلك اشتهرت بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، كونها عضو مجموعة أصدقاء فلسطين في البرلمان البريطاني عن حزب العمال، والمناهضة للدكتاتوريات العربية التي تسفك دماء شعوبها.

لو كنت في بريطانيا هذه الأيام لوضعت وردة على قبر جو ودعوت الله لها بالرحمة، وبمكان في الجنة، وأن يعوض البشرية عن فقدها خيراً، فبمثل جو كوكس، يحفظ الله للعالم إنسانيته، ويجعله أكثر تحضراً وعدلاً ورقياً.

حين كتبت عن رحيلها في العام الماضي صدمتني تعليقات لمصريين وعرب يعيشون في أميركا وأوروبا، تستكثر عليّٓ وعليها أن أدعو لها بالرحمة والجنة، وأنا أناديها "أختي جو" في مقابل ذلك أسعدتني تعليقات أخرى من مصريين، داخل مصر، تقول إن الله وحده يعلم ما إذا كان لها، ولنا، موضع في الجنة أم لا، وإن الدعاء لها ليس عيباً، ورداً على الاشتباك قلت: لماذا لا أعتبرها أختاً لي، وبكل فخر؟

ماذا يضير لو اعتبرتها شهيدة للإنسانية وللعدالة وللحق، وتمنيت أن يكافئها الله، بعد موتها، لانحيازها للإنسان، ورفضها الظلم وانتصارها للمظلومين؟

تستحق، عن جدارةٍ، أن تكون أختاً في إنسانيتنا، تماماً كما أن والدة جوليو ريجيني جديرة بأن تكون في مكانة الأم للمعتقلين والمعذبين والمختفين قسرياً، والشهداء، من ضحايا ماكينة القتل والاستبداد والقمع التي تعمل بأقصى طاقتها في مصر.

تستحق جو كوكس، بل تشرّفنا أخوّتها، فقد كانت قطعةً من ضمير يتذكّر فلسطيننا المحتلة، وتناهض السطو الصهيوني على الأرض والتاريخ، أو هي رجع صوت السياسي والإعلامي البريطاني الراحل، جوزيف جيفريز، مؤلف السفر الضخم "فلسطين .. إليكم الحقيقة"، والذي وثّق فيه جريمة اغتصاب فلسطين وسرقتها من أهلها الشرعيين، بعد أن زارها بين عامي 1915 و1922 للوقوف على الحقيقة، والنضال من أجلها حتى الممات في بريطانيا. 


وأكرر أن جو أقرب لنا من "الليكوديين العرب" الذين يحكموننا بالحديد والنار، ولا يدّخرون جهداً في النضال من أجل مصالح محتلٍّ غاصب، ويهدرون آدميتنا ويسفكون دماء معارضيهم ويصادرون حق الناس في العدل وفي الحياة وفي الاختلاف.

جو كوكس أكثر إنسانية وأرقى قيمة من أولئك الملفقين الذين يفرضون حصار تجويع على شعوب شقيقة، ويمنعون الماء والدواء والغذاء عن أشقاء لهم في قطر وفي فلسطين، ويخوضون حرباً بالنيابة عن عدو كريه يحتل الأرض، ويمنعون أخوة لهم من الوصول إلى بيت الله الحرام.

جو أقرب لنا من طغاة يحولون منصات العدالة إلى مقاصل إعدام تحصد أرواح الناس، من دون محاكمات عادلة، ومن دون أدلة وقرائن.

جو أقرب إلى الله وأوثق صلة بالقيم والمعاني السامية التي جاء بها الأنبياء والرسل، من قاضٍ وضع ضميره في خدمة حاكم مستبد، ومن مثقف حرض على تصفية مخالفيه وإهدار دمائهم، ومن حاكم يصنع عرشه من جماجم وأشلاء ضحاياه.

اللهم ارحم أختي جو وتقبلها من الشهداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق