متلازمة تيران وصنافير: لذة الخيانة
افرض، جدلاً، أن تيران وصنافير طفلتان، خطفتهما أسرة مصرية، أو انتزعتهما، بالقوة والغصب، من ذويهما، أو حتى أخذتهما لتربيتهما، بنظام التبني، حتى أصبحتا فتاتين ناضجتين، ثم جاء من أصدر حكماً ملزماً برد الطفلتين إلى أهلهما.
افرض، أيضاً، أن الطفلتين اللتين صارتا فتاتين، عاشتا عمرهما كله لا تعرفان بيتاً إلا الذي عاشتا ونشأتا فيه، ولا أهلا إلا سكانه، وأن سكان البيت لا يعرفون عنهما سوى أنهما جزء من هذا البيت، تشبعتا برائحته وانحفرت على وجهيهما ملامحه وسماته، ثم جاء الخبر الصاعق: جاء وقت إنهاء العلاقة بين البيت والأسرة والطفلتين اللتين صارتا كبيرتين.. ماذا سيكون رد فعل الأسرة في هذه اللحظة؟!
بكل المعايير الإنسانية والوجودية سيشعر أولياء الأمر في هذه الأسرة بالحزن والغم وسيحاولون مقاومة كابوس انتزاع الطفلتين منهم، وسيفعلون المستحيل للاحتفاظ بهما، وإن لم يستطيعوا فلا شك أن الألم سوف يعتصرهم ويفتك بهم على الفراق.
أظن أنه في عالم عصابات خطف الأطفال هناك مشاعر من هذا النوع، ربما تكون قد عالجتها الدراما والأدب، أن يتعلق وجدان الخاطف بالمخطوف، بعد فترة من الخطف، حتى ينسى الطرفان كل شيء، إلا أنهما نسيج واحد، فإن جاء وقت الفراق كان هناك ألم ونحيب للفقد.
دعك من الفرضيات الآن وتأمل معي في حالة البهجة والسعادة التي انتابت نواب ما يسمى برلمان شعب عبد الفتاح السيسي، وهم يعلنون الموافقة على التنازل، أو التفريط، أو التخلي، أو بيع طفلتين، أقصد قطعتين من لحم الوطن.
فإذا أضفت إلى ذلك أن تيران وصنافير لم تكونا طفلتين خطفتهما مصر، أو انتزعتهما من أحد، بل كانتا ابنتين ثابتة بنوّتهما بالدم والملامح وشهادات الميلاد الموثقة، فإنك تكون أمام حالة شاذة في مفهوم المشاعر الإنسانية، لا مثيل لها، حتى في خيال الأدباء وصناع الدراما.
سيتوقف علم النفس، وعلم الأخلاق، طويلاً جداً أمام هذه الظاهرة، غير المسبوقة في التاريخ، والتي يمكن تسميتها "متلازمة تيران وصنافير"، ويتوقع أن تدخل التاريخ، منافساً كبيراً لما عرفه علم النفس السياسي باسم "متلازمة ستوكهولم" تجسيداً لحالة تعاطف الضحية مع الجلاد، أو استعذاب المغتصبة المقهورة لفعل القهر والاغتصاب، بعد فقدان الرغبة في المقاومة.
غير أن الأكثر إثارة من تدافع النواب للتعبير عن السعادة باقتطاع جزيرتين من لحم مصر وتسليمهما للسعودية، هي حالة النشوة والرضا والحماس التي انتابت القيادات العسكرية، التي انبرت للدفاع عن سعودية الجزيرتين، والاستبسال في إثبات أن "الجزيرتين" ليستا ابنتي مصر، التي لم تسقط منها نقطة دم واحدة على أرضهما، وهو ما ناضل حضرات السادة الجنرالات تحت قبة البرلمان لتوكيده.
يحيلك هذا المشهد، مباشرة، إلى لحظة إبريل/ نيسان 1982 يوم انتزاع طابا من العدو الصهيوني، وإعادتها إلى مصر، وما وقع فيه من تحول إسرائيل كلها، جنرالات وسياسيين ومستعمرين وحاخامات، إلى حائط مبكى طويل وشاهق، حزنا على التخلي عما اختطفوه وسرقوه واعتبروه ملكاً لهم، من دون أي سند تاريخي أو قانوني أو أخلاقي.
من حقك أن تقارن بين الموقفين وتسأل جنرالات عبد الفتاح السيسي: هل عجزتم عن أن تكونوا مثل جنرالات الكيان الصهيوني في التشبّث بأرض، هي حق لكم، كما تشبثوا هم بأرض يعرفون أنها مسروقة ومغتصبة؟!
من أي مادة صنعت عيون النواب والجنرالات، حتى تستعصي على ذرف دمعة واحدة، بمناسبة استئصال قطعتين من كبد مصر؟!
من أي طينة خلق هؤلاء؟!
أقرأ ايضا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق