الأحد، 11 يونيو 2017

المحبة... بالصور!

المحبة... بالصور!
أ. د. زينب عبد العزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية



في حواره الاستفزازي الشهير، تحدث القس مكاري يونان عن المحبة.. وفي خضم اتهامه للإسلام والمسلمين، أكد وكرر قائلا: "إن المسيحية لا تعرف القتل ولا تعرف الدماء.. المسيحية لم تعرف إلا المحبة"..

وحين تصل المغالطة الى مثل هذا الحد وزعم ان "المحبة" هي عماد المسيحية، وان المسيحية لا ولم تعرف سواها، فقد آثرت أن أشير الي هذه "المحبة" بنبذة صغيرة، مدعمة بالصور، ليتأكد سيادته مما يقوله ويعتّم به على ذهن الأتباع.. فإن كان الغرب يعاني من انحسار المسيحية بعد ان تبينت له حقيقة وقائع تكوينها، فهو يقوم في نفس الوقت بلم شمل أشتاتها وتوحيد صفوفها ليصوب الضربة التي يريدها القاضية علي الإسلام والمسلمين..

ويبدو أن سيادة القس مكاري يونان قد نسى ان المأساة التي يعاني منها العالم حاليا، وألصق بتهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، نسى ان الغرب الصليبي المتعصب هو الذي ابتدع الإرهاب ومارسه منذ بداية تكوين مسيحيته. 

فالتاريخ يؤكد أنها تولدت وسط المعارك والصراعات الطاحنة منذ ان استتب لها الأمر في القرن الرابع بقرار قسطنطين إباحة ممارستها سنة 313، أسوة بالعبادات الوثنية السائدة آنذاك.. وفي محاولة مزيد من ترسيخها وفصلها عن اليهودية التي وُلدت في رحابها، قامت الكنيسة بتأليه السيد المسيح سنة 325 واختلاق الثالوث سنة 381 لفرضه على كل الإمبراطورية الرومانية.. ومن الثابت أن تكوينها وتعديلها وسط المعارك والخلافات يتواصل حتى يومنا هذا بمحاولات لتوحيدها من أجل توجيه طوفان يريدونه قاضيا على الإسلام والمسلمين.. وهو ما يتم محاولة فرضه حاليا.

وإن كان الإرهاب المسيحي المتعصب قد تأصل ووصل الى ذروته في القرن الواحد والعشرين بمسرحية الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي صنعتها الأيادي المتعصبة في الولايات المتحدة، وذلك باعتراف كبار مسئوليها في مختلف وسائل الإعلام، وقاموا بتكوين ما يطلقون عليه "داعش" و"آيزس" وغيرها، وتضافرت جهود ذلك الغرب الإجرامي العتيد بتقديم الأموال والتدريبات والعتاد اللامع البرّاق، الخارج لتوه من المصانع، فالصور فاضحة لا تخطئها عين، وذلك من أجل اقتلاع الإسلام والمسلمين.. إذ يكفي ان نعدد ملايين المسلمين الذين تم اغتيالهم منذ 9/11 في أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، دون ان ننسى فلسطين واقتلاع شعبها..

ومن الثابت ان الإرهاب قد تولد على ايدي رجال الكنيسة وسط كمّ الهرطقات التي اعترت طريق تكوينها. وتكفي الإشارة الى كتاب يوحنا الدمشقي، في القرن الثامن، الذي تناول فيه مائة وواحد هرطقة اعترت طريق المسيحية في تكوينها، وكانت "الهرطقة" الواحد بعد المائة التي تناولها الكاتب، هي الإسلام في نظره، وذلك لقربه من مذهب الأريوسية، الرافض لتأليه السيد المسيح.. وعندما تبينت الكنيسة إن الإسلام ليس بهرطقة وإنما هو دين اُنزله المولي عز وجل مصوبا وكاشفا لما تم من تحريف لرسالة التوحيد في البلاغين السابقين، بدأت قرارات محاصرته لاقتلاعه تدرس وتُتخذ في المجامع ليتم تطبيقها.

وإن كانت الخلافات والضرب والقتل أو ما شابهها يمكن نسيانه مع الوقت أو التعتيم عليه، فإن هناك أحداثا في التاريخ لا يمكن إغفالها أو حتى نسيانها، وذلك لطول ممارستها ولوجود الأدلة التي تثبت تفاصيلها، حتى وإن لم تكن آنذاك وسائل التسجيل متاحة مثلما في أيامنا.. فبخلاف الأرشيف الخاص بكل مؤسسة، فالفضل يرجع للفنانين من كتّاب ورسامين ونحاتين، بحيث أصبح هناك سجلات في المكتبات والمتاحف، تشهد على عصور من المجازر الكنسية الطاحنة رغم كل محاولات التعتيم وتزييف التاريخ التي تتواصل حتى يومنا هذا..

ومن هذه المعارك محاربة الكنيسة للكنائس الأخرى المتولدة من الصراعات اللاهوتية حتى وصل عددها حاليا الى 349 كنيسة منشقة عقائديا، وهي ما تكون "مجلس الكنائس العالمي"، وذلك بخلاف الفاتيكان. إضافة الى محاربة العلماء، ومحاربة المرأة تحت مسمي "محاربة الساحرات"، ومحاكم التفتيش، والحروب الصليبية، واقتلاع شعوب الهنود الحمر بأمريكا الشمالية، والتدخل في الشئون الداخلية لمعظم الدول، إضافة الى المعارك ضد الأديان والعقائد الأخرى وصولا لما يدور حاليا بكل جبروت لاقتلاع الإسلام. وفيما يلي بعض التفاصيل:

ريكاريد الأول، ملك الڤيزيجوت، اول ملك كاثوليكي حكم اسبانيا من 586 ـ 601. وبعد ان اعتنق الكاثوليكية في مجمع توليدو سنة 589، قرر حرق كافة الكتب والمخطوطات المتعلقة بأريوس والأريوسية في مملكته.

وما عُرف باسم "محاكم التفتيش" هي محكمة كنسية قائمة للتصدي لما يطلقون عليه الهرطقات. وقد بدأها البابا إنوسنت الثالث سنة 1199، وعلى أيدي "قداسته" تم حرق شعوب الكاثار والبوجوميل والڤودوَا التابعين للأريوسيه لرفضهم تأليه المسيح وتمسكهم بوحدانية الله.. وفي فبراير 1231 أصدر البابا جريجوار التاسع بيانا ينص على حرق الذين تثبت إدانتهم، أما من لم تثبت ادانته فكان يتم سجنه مدي الحياة..

ورؤساء محاكم التفتيش هم بوليس تابع للبابوية وعليهم التعاون مع الاساقفة للتصدي للهراطقة. وكانت هناك مراكز تتجمع فيها المحاكم والاستجوابات في جنوب فرنسا على سبيل المثال، كمدينة تولوز أو كاركاسون، التي أقيم فيها متحفا بنفس اسم المدينة، يضم مختلف أدوات التعذيب التي تم تصميمها خصيصا لكل نوع من أنواع العقاب المطلوب.. والرسومات التسجيلية التي كانت وسيلة التسجيل الأساسية تكشف بوضوح لا لبس فيه ما كان يتم على أيدي القساوسة.. ويعود إنشاء هذه المحاكم في إيطاليا الي فرانسيس الأسيزي، الذي استوحى البابا الحالي اسمه منه.. فقد حصدوا ملايين وملايين من البشر لفرض عقيدة نسجوها، ولا يزالوا..

وفي 15 مايو 1252 قام البابا إنوسنت الرابع بإصدار وثيقة "من أجل الانتزاع" (Ad extirpanda)، وهي الوثيقة التي تبيح استخدام التعذيب حتى اسالة الدماء لانتزاع الاعترافات.. ويا لها من محبة!

وهناك حرب المائة عام من 1337 ـ 1453 بين فرنس وانجلترا. وفي فرنسا يطلقون عبارة "الحروب الدينية" على سلسلة من ثمانية حروب اجتاحت البلاد سنة 1520 بين الكاثوليك والبروتستانت لكنها استمرت حتى 1787. وفى القرن الخامس عشر ظهرت هذه المحاكم في اسبانيا والبرتغال، وتم تغيير اسمها الى "المكتب المقدس".. وفي مجمع الفاتيكان الثاني (1965) تم تغيير الاسم مرة أخرى ليصبح "لجنة عقيدة الإيمان"، أى ان محاكم التفتيش لا تزال تعمل لكن تحت مسمى آخر، وقد يكون بوسائل أخرى..

وهناك مقال يحتوي على مزيد من التفاصيل للأخت الكاتبة إحسان الفقيه بعنوان: "لم نجرم المسيحية ولم نصفها باﻹرهاب"، به كشف بجرائم ذلك الغرب، إذ انني في هذا المقال المحدود والمعتمد على الصور أساسا، آثرت تقديم البراهين والأدلة التي ليست بحاجة الى مزيد من العبارات، فالصورة أكثر مباشرة ..

وفيما يلي الصور، وهي عبارة عن مجموعتين: مجموعة حرق الناس أحياء، ويبدو فيها حرق النساء والرجال، ورجال الدين، بل وفرسان المعبد، وعلماء اللاهوت، واذكر منهم ميشيل سرفيه أو جبروت التعصب الكنسي.. أما المجموعة الثانية فهي من متحف مدينة كاركاسون، الذي يضم أدوات التعذيب المستخدمة وبعض رسومات توضيحية لكيفية استخدام الآلة..

فإلى بعض نماذج من هذه الصور التي هي أكبر دليل على "المحبة" التي تحدث عنها القس مكاري يونان..



زينب عبد العزيز
6 يونيو 2017




ميشيل سرڤيه أو جبروت التعصب الكنسي








































































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق