الجمعة، 30 يونيو 2017

"ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون"


"ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون"


في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا يجب على الدعاة والعلماء بثّ روح الصبر واليقين بموعود الله لهذه الأمة بالبقاء والتمكين والنصر مهما اشتدت الخطوب وتكالب الأعداء وتكاثروا من الداخل والخارج.

نعم؛ واقعنا صعب وأعداؤنا كثر وخبثاء، وفينا ضعف وفينا خونة وفينا منافقون، وفينا من يبذل جهده لنصرة الحق والإسلام في المكان الخطأ!

ولكن برغم هذا كله فإن التاريخ يخبرنا جميعا أن أمتنا تعرضت لأكثر من هذا وانتصرت، وذاقت هزيمة أشد من هذه ثم نهضت وتغلبت على خصومها وأصبحت قائدة للدنيا قرونا عديدة، ومن جهة أخرى فإن شدة العداوة التي تواجهها أمة الإسلام اليوم هي بسبب تزايد قوتها مما أخاف الأعداء.

فأمة الإسلام اليوم تشهد قوة إيمانية تسري في جنباتها في كل مكان، وها هو رمضان يظهر ذلك من امتلاء المساجد في أنحاء العالم وتوافد الملايين للكعبة مركز الإسلام، واحتفاء الكبار والصغار بالصيام وقراءة القرآن، وانتشار الحجاب، والإعراض عن الربا وبنوكِه، والإقبال على تعلم الشريعة، والتلاحم الرائع بين شعوب المسلمين على اختلاف لغاتهم وعرقياتهم، وعلوّ روح الفداء والبطولة في الجهاد والمقاومة ضد المحتل والمغتصب والظالم والمتجبر، والصبر على الآلام والجراح مع الثبات على الحق برغم التشريد والنزوح واليتم والترمل.

ومع هذه القوة المعنوية فإن بلاد المسلمين شهدت نهضة تعليمية بعد عقود من الأمية والجهل والتخلف، وشهدت تقدما اقتصاديا وعمرانيا بعد عقود من الفقر والعازة، وأصبح هناك نماذج تفوّق عالمية كماليزيا وتركيا ودول الخليج.

وأصبح عباقرة المسلمين وأذكياؤهم جزءا رئيسا من نهضة العالم والمدنية، سواء في بلاد المهجر أو في بلادهم حين تتوفر لهم الأسباب.

ولكل ما سبق فإن حركة الدخول في الإسلام من كل بلدان العالم وأديانه بمختلف شرائحهم ومستوياتهم الثقافية والاقتصادية أصبحت ظاهرة معلنة برغم كل حملات التشويه والتضليل ضد الإسلام والمسلمين، وأيضا فإن كل المؤشرات العالمية تصرّح بهيمنة الإسلام والمسلمين بعد عقود قريبة على سكان الكوكب، مما أفزع الأعداء الذين يلمسون انقراضهم بسبب مفاهيمهم المنحرفة تجاه الأسرة والمتعة واللذة.

إن إدراك هذه المعالم من قوة المسلمين اليوم مفتاح مهم لفهم سبب تلاحق المؤامرات والخيانات التي تصب على المسلمين لتفتيت صفّهم وإشعال الخلافات والصراعات بينهم وعرقلة كل الجهود المخلصة لتمتين قوتهم والقضاء على أعدائهم.

فالاحتلال اليهودي لفلسطين والأقصى يتم تجاهله عالميا، وتجاهل كل جرائمه وإرهابه وعنصريته طوال عقود طويلة ويتم وأد كل محاولة لإدانته دولياً ورسمياً وشعبياً ليبقى المسلمون في حالة حيرة واتهامات داخلية.

والطاغية المجرم بشار، ما الذي يبقيه لليوم موجودا إلا مكر الأعداء وخبثهم لعرقلة تحرر مسلمي سوريا من ربقة الظلم والطغيان مما يعرقل مطامعهم في خيرات سوريا من الغاز والبترول، أو الخشية من إقلاق اليهود في جبهة الجولان النائمة منذ عقود باسم الممانعة والمقاومة!

والغزو الإيراني الطائفي المباشر وعبر الوكلاء والفرقاء دون الدولاتي للدول العربية والإسلامية ما الذي يضفي عليه غطاء المشروعية سوى أنه يشغل المسلمين عن نهضتهم بالصراعات الداخلية والحروب الأهلية مع تدمير كل المكتسبات والبنى التحتية مما يحقق كل الأهداف الاستراتيجية للأعداء شرقا وغربا.

وما السكوت عن داعش وأخواتها ودعمها من قِبل العديد من الاستخبارات العالمية والإقليمية والمحلية إلا لتشويه صورة الإسلام في العالم وبين عامة المسلمين وحرف الصراع بين المسلمين وأعدائهم للصراع بين المسلمين وأبنائهم المخدوعين.

ولماذا قضايا الإسلام يدخلونها في دوامة المفاوضات لعقود وعقود دون نتيجة بينما قضايا غير المسلمين تبت بسرعة كفصل تيمور الشرقية عن أندونيسيا، أو فصل جنوب السودان، سوى الفزع من قوة الإسلام والخشية من المارد القوي أن يستيقظ بالكامل.

فمعرفة مواطن قوة الإسلام والمسلمين ومكائد خصوم الإسلام هي نقطة الأساس لفهم الدور المطلوب من المسلم اليوم ليكون في مربع نصرة الإسلام ويتجنب المكائد التي يدفعون لها المسلمين للإرهاب والتطرف أو الصدام الداخلي مما يفتت القوة الإسلامية والصف الإسلامي.

إن الفرد المسلم قد لا يمكنه أن يتدخل في سير القضايا الكبيرة بشكل مباشر لكنه يمكنه فعل ذلك بشكل غير مباشر من خلال الوعي بدوره ومن خلال الوعي بالأدوار التي تسلط عليه.

فوعي الفرد المسلم اليوم بدوره الحقيقي وهو الثبات على الحق ولزوم أمة الإسلام كخطوة أولى "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك"، حيث يبقى الإسلام وشعائره وأحكامه هي الحكم والفيصل في الآراء والمواقف التي يلتزم بها من جهة، والحفاظ على البقاء مع الأمة المسلمة في همومها ومصالحها.

والخطوة الثانية التواصي بالحق والصبر بالحكمة والموعظة الحسنة بما لا يَنتج عنه مفاسد عليه أو على الأمة، إذ في هذه المرحلة من تاريخ الأمة لا يوجد في كثير من القضايا والمواقف السياسية والعامة حق صاف دائماً بل هو حق يشتمل على شيء من الباطل، فلذلك يلزم الحكمة في تأييد الحق وإنكار الباطل بما لا يضر بالمصلحة العامة.

ولنتذكر حوار الخليفة القدوة عمر بن عبد العزيز مع ولده عبد الملك حين قال لأبيه الخليفة الصالح: "يا أبتِ، مالك لا تنفذ في الأمور، فو الله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. قال له عمر: لا تعجل يا بنيّ، فإن الله تعالى ذمّ الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه وتكون فتنة".

واليوم نحن مطالبون بنصرة الحق والدفاع عن الإسلام والمسلمين وردّ عادية الأعداء بحسب الوسع والإمكان، ولكن نحن لا يمكننا أن نفعل كل المطلوب معاً، وهذا باب تختلف فيه الأنظار، فالواجب علينا أن نجتهد في ذلك ما أمكننا، ولا يعرقل بعضنا بعضا إذا لم نتفق على أجندة موحدة، بل ينشغل كل منا بثغرة من ثغور الإسلام، ولا نزيد الفرقة فرقة والخلاف خلافا.

وما يقع من خلاف وتصادم بين المسلمين إذا لم يمكننا الإصلاح وتسوية الخلاف وتعديل الأخطاء فلا نكون طرفا في الخصومة ونشعل نارها، ولنتجنب في هذه الفتن الإشاعات والأكاذيب والأراجيف التي يقف خلفها السفهاء والخبثاء، ولنحذر من الدعايات المنمقة والشعارات المزخرفة، فقد تميل بنا عن الحق والصدق، وكم عانت أمتنا من خداع الشيعة وأذنابهم بشعارات الممانعة والمقاومة وتحدي الشيطان الأكبر فإذا هم حلفاؤه وشركاؤه، فلنحذر من أمثال هذه الشعارات في صراعنا مع ملالي طهران الطائفيين، فإنهم يجيدون شق الصف وبناء شراكات تهدم الصف، ولنحذر من التساهل مع الغلاة والإرهابيين فهم خنجر في الظهر دوما، لقابليتهم للاختراق والتوظيف.

الخلاصة: لتكن بوصلتنا دوما مصلحة الإسلام، ولنراعِ قوتنا وضعفنا، ولا نهدم صفنا بعلاج خطأ بخطأ أكبر منه، وإذا اختلفنا في قضية فلنحذر أن نهدم بقية قضايانا المشتركة الأخرى، ولنتجنب فخاخ الإرهاب وردة الفعل المتهورة التي يدفعنا إليها الأعداء، ولنحرص على أن نبقى دوماً في خدمة الإسلام، وهذه المحنة لن تدوم وسرعان ما تزول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق