الدور على سيناء!
سليم عزوز
لم تنته مهمة عبد الفتاح السيسي، بإنجاز عملية التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"، فقد كانت أمامه ثلاث مهمات، لم ينجز منها سوى واحدة، فهناك مهمة التفريط في سيناء، أما المهمة الثانية فهي توصيل مياه النيل إلى إسرائيل، وهو أمر كاشف عن أنه سيبقي في موقعه إلى حين إتمامها بنجاح!
فلم يعد سراً أن السيسي أخذ على عاتقه الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وقد اعترف بهذا "بعظمة لسانه"، وكان الهدف مما أسماه قناة السويس الجديدة، يدخل في هذا السياق، فالجنين في بطن أمه يعلم أن المانع المائي كان يقف حائلاً دون الحفاظ على سيناء وتحريرها بعد احتلالها في يونيو 1967، وسميت حرب أكتوبر بـ "حرب العبور"، فعبور القناة مثل وحده إنجازاً عظيماً للقوات المسلحة المصرية، بغض النظر عن النتيجة، فلم تسترد الأراضي المحتلة بالحرب، التي قال السادات أنها حرب تحريك لا حرب تحرير، وقد دفعت إلى المستهدف بها وهى المفاوضات واللجوء إلى التحكيم فعادت سيناء منزوعة السيادة، ولم تعد أم الرشراش، أو "إيلات" مع أنها أرض مصرية، جرى التواطؤ على استمرارها تحت السيادة الإسرائيلية، ولم يحدث هذا في عهد السادات أو مبارك فقط، فالتجاهل بدأ في عهد عبد الناصر، وكأنه قدرنا أن يتم التفريط في التراب الوطني، على يد العسكر، الذين بُنيت سمعتهم على أنهم حماة الأرض، ومن يدافعون عن حدود الأوطان!
قال السيسي في خطابه إنه بحاجة (100) مليون جنيه لإنشاء مشروع تحلية مياه الصرف، ولأن "الزفة" كانت قد نصبت فلم ينتبه أحد لهذا الطلب العجيب، ومصر تعتمد طوال تاريخها على مياه النيل، ولم يكن أحد يدرك أنه انتوى التنازل عن حصتها! |
فإذا كانت قناة السويس تمثل عائقا كبيراً، حتى أصبح عبورها انتصاراً في حد ذاته، فقد تقدم عبد الفتاح السيسي خطوة في اتجاه الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، فحفر قناة جديدة، ليعيق حركة العبور مستقبلاً، وبلغ الإجرام حد أنه مول مشروع الخيانة هذا من جيوب المصريين، وسط "زفة إعلامية" حول تحقيق الرخاء بانتهاء الحفر، وبعد أن أنفض السامر فقد أعترف بأنه لا جدوى اقتصادية من هذا المشروع، فالهدف منه -بحسب كلامه- هو رفع الروح المعنوية للمصريين، فقد عرفنا الهدف من شق القناة الجديدة، وعرفنا لماذا لم يستمع لوجهة نظر الخبراء، والإجماع منعقد على أنها لا تمثل قيمة اقتصادية مضافة، فهناك تراجع في حركة السفن من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، وليس هناك تزاحم في قناة السويس، ليمكن تجاوزه بقناة جديدة، وها هي الأنباء تأتي بأن إسرائيل ستشق قناة بديلة، على نحو قد يجعل القناتين: الجديدة، والقديمة، موقعاً مناسباً لتربية البط!
وفي ذات اللحظة التي كان فيها السيسي يقدم "عربون محبة" لإسرائيل، بالإقدام على حفر "القناة الجديدة" لتعميق المانع المائي، كان قد ذهب إلى سيناء ليجعلها ساحة حرب، وقام بتهجير أهالي رفح، ثم أنه يعمل في الخطوة الحالية على تهجير سيناء من كل سكانها، واللافت أنه دخل حرباً مفتوحة، لم يحدد سقفاً زمانياً للانتهاء منها، وبدت سيناء مختطفة، فليس مسموحاً لوسائل الإعلام بدخولها للوقوف على حقيقة ما يجري، وإلى الآن لم يتم القبض على من ينتمون لتنظيم داعش، لنعرف بمحاكمتهم حقيقة الأمر، وهل يوجد داعشيون في سيناء فعلاً؟!.. ثم ما هي أخبار أربعة آلاف جندي ينتمون للأمن الوقائي التابع لمحمد دحلان، وقد هربوا إلى سيناء عندما قررت حكومة حماس التصدي لخيانتهم، وبعد وصولهم لسيناء لا حس عنهم ولا خبر، وكأنهم "فص ملح وذاب"!
فلا نسمع إلا عن أخبار التصفية الجسدية لمن يقال أنهم داعشيون، في حين أن المهارة الأمنية تحتم الحفاظ عليهم على قيد الحياة للوصول إلى حقيقية التنظيم وحدود مخططه، فما نعلمه أن سيناء كانت خالية من الإرهاب، كشأن مصر كلها، والدليل أنه عندما طلب السيسي تفويضاً من الشعب المصري، قال ليواجه به الإرهاب المحتمل، الذي صار واقعاً على يديه!
وبعيداً عن كل هذا فقد أصبح معروفاً أن هناك مخططا وضعه الانقلاب العسكري، تصبح سيناء بمقتضاها جزءاً من صفقة القرن، كوطن بديل للفلسطينيين، ولابد من حمل السكان على ترك أرضهم لتكون صالحة للمرحلة الجديدة!
وفي الوقت الذي بدأ فيه السيسي حربه في سيناء، انطلق جنوباً فوقع اتفاق المبادئ مع الجانب الأثيوبي، أعطى بمقتضاه شرعية لبناء سد النهضة، ولم ينص الاتفاق على حصة مصر التاريخية من مياه النيل، ولم يتضمن ضمان وصول نقطة مياه واحدة إلى مصر، وعندما كان الإعلام المصري ينشر عن لقاء بينه وبين الرئيس السوداني، لمناقشة قضية السد، فإنه لم يكن يتطرق لهذا أبداً، فكل ما كان يشغله في المباحثات، هو كيف انفصل جنوب السودان عن شماله، وما هي المخاطر التي ترتبت على ذلك، وما هي دوافع أهل الجنوب للانفصال؟، على نحو يجعل من يستمع له يرتاب في أهدافه، فالمعنى في كل هذه الأسئلة في "بطن السيسي"!
ولم يعد سراً أن الهدف في التفريط في حصة مصر التاريخية من ماء النيل، وعدم النص على السماح بسريان المياه إلى مصر كشرط للموافقة على بناء سد النهضة، يأتي للوصول إلى تعطيش مصر عندما يتم الانتهاء من بناء السد، الذي يتسع لحصتي مصر والسودان معاً، فلا يكون أمام البلاد من سبيل إلا أن تطلب وساطة إسرائيل، عندئذ يكون الواجب على العسكر هو تحقيق حلم القادة المؤسسين للدولة العبرية، بتوصيل مياه النيل إليها.
والسيسي لم يكن "مغمى عليه" وهو يوقع على اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة فقد كان مدركاً لما يفعل، وعاد من هناك ليتحدث عن المشروع القومي لتحلية مياه المجاري لتكون صالحة للاستخدام الآدمي. وفي الحقيقة، فقد كان هذا تفكيره قبل هذا، ففي اليوم الذي أعلن فيه عن مشروع قناة السويس الجديدة أو "التفريعة"، وفي ذات الخطاب قال إنه بحاجة (100) مليون جنيه لإنشاء مشروع تحلية مياه الصرف، ولأن "الزفة" كانت قد نصبت فلم ينتبه أحد لهذا الطلب العجيب، ومصر تعتمد طوال تاريخها على مياه النيل، ولم يكن أحد يدرك أنه انتوى التنازل عن حصتها!
إن كنت أرى أن يوليو وإن كانت قضت على الاستعمار، بجلاء الإنجليز عن مصر، فقد أبقت على أعوانه! نعم ثوار يوليو هم أعوانه، وما السيسي إلا النسخة الأوضح من دولة العسكر التي تأسست في سنة 1952! |
ربما يتأخر الفقر المائي، إلى ثلاث سنوات، ومن هنا فالمهمة الثانية ستكون عملية التفريط في سيناء، وقد بدأ العزف على نغمة، أنها لم تكن مملوكة لمصر! فالجنرال متقاعد حمدي بخيت، عضو البرلمان، والأستاذ المعلم لعبد الفتاح السيسي، بادر قبل عدة أشهر بإعلان أن سيناء لم تكن كلها ملكنا، ومؤخراً أعلنت الحكومة عبر مركز دعم القرار التابع لها، أن سيناء لم تكن تابعة لمصر حتى سنة 1800، حيث كانت سيناء كلها تابعة للجزيرة العربية، ما عدا الجزء الشمالي حتى غزة والحدود مع السودان، وعندما قرر محمد علي إعلان الحرب على الجزيرة العربية ضم جزءاً كبيراً من أرض الجزيرة إلى مصر!
إن باب الخيانة قد فتح، وعدم الحسم الجماهيري لمعركة "تيران وصنافير" سيكون مغرياً لعبد الفتاح السيسي، فلن يتوقف عند حد، إلا إذا تحرك الشعب المصري، ليس على قاعدة معارضة في مواجهة سلطة، أو ثورة في مواجهة الثورة المضادة، ولكن على أرضية وطن يقاوم الخيانة! فليكن شعارنا، هو أحد المبادئ الستة لثورة يوليو 1952 الذي لم يتحقق إلى الآن وهو "القضاء على الاستعمار وأعوانه"!
وإن كنت أرى أن يوليو وإن كانت قضت على الاستعمار، بجلاء الإنجليز عن مصر، فقد أبقت على أعوانه! نعم ثوار يوليو هم أعوانه، وقد أدخلوا على الشعب المصري الغش والتدليس بتقديمهم أنفسهم على أنهم حركة تحرر وطني، وما السيسي إلا النسخة الأوضح من دولة العسكر التي تأسست في سنة 1952!
لابد من القضاء على الاستعمار وأعوانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق