الرجل الـ (25-30)
هل كان الذين يراهنون على قدرة برلمان عبد الفتاح السيسي، أو رغبته، في تعطيل اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، يصدّقون أنفسهم، وهم يحبسون أنفاسهم، والاتفاقية تمرق من لجنة برلمانية إلى أخرى، بسرعة البرق؟
لا أظن أن صاحب عقلٍ أو ضميرٍ يمكن أن يرى في برلمانٍ كهذا طوق نجاةٍ من عار سياسي وتشريعي، أو جداراً صلباً تتكسّر عليه نزوات سلطة مجنونة، يسوقها هوس التفريط في أي شيءٍ لتبقى.
يأخذنا ذلك إلى ما يسمى"تحالف نواب 25-30" تحت قبة البرلمان، والذي لا يزال يمارس مواءً اصطناعياً داخل غرف البرلمان، غير راغبٍ في الاعتراف بالحقيقة، وغير مستعد لتحمل كلفة الاستقالة من هذا العار الذي يطاله، كما يطال نواب البيع الأقحاح الواضحين.
يتحدث هؤلاء عن أملهم في أن يستجيب لهم جنرال صفقة الجزيرتين، ولا يصدّق على الاتفاقية بعد تمريرها من البرلمان. وهنا حالة نصب سياسي زاعقة، إذ يدرك السادة الـ 25-30 أن هذا البرلمان لم يتم تشكيله إلا ليكون الملاءة التشريعية التي يلفّها النظام على كوارث وفضائح سياسية، ترقى إلى مستوى الجرائم، وبالتالي هم واعون، منذ البداية، بأنهم يؤدون دوراً، رسمه النظام، على خشبة مسرح، بناه النظام، ولا يعنيه رأي النقاد أو رضا الجمهور، بأي شكل.
صيغة 25-30 بذاتها تصلح عنوانا للعبث السياسي، والتدليس الثوري، ذلك أن أصحابها لا يزالون متشبثين بذلك الوهم الذي اشترته مصر بأثمانٍ باهظةٍ من الدماء والحريات والوزن الحضاري، والذي يتأسس على المزاوجة الحرام بين ثورة يناير 2011 والانقلاب الذي ولد في يونيو/ حزيران 2013، وهي الكذبة التي تورّط فيها الجميع، ووضعوا فيها كل أرصدتهم السابقة للاستثمار والربح السريع، والنتيجة أن كل الأرباح والعوائد والفوائد آلت إلى شخصٍ واحد، هو عبد الفتاح السيسي، يوزّع منها، بمقدار، على الأقربين من مليشيا تحكم مصر بالحديد والنار.
تصلح حالة محمد البرادعي نموذجاً صارخاً على وهم الـ 25-30، فالرجل كان أول من دعا إلى تلك المزاوجة القاتلة بين الثورة والثورة المضادة، حين أعلن، قبل الانقلاب بشهور، وفي ذروة اشتعال الكيد السياسي في الخصومة، أن فلول حزب حسني مبارك مرحبٌ بهم في الحزب الذي كان وكيل مؤسسيه، باعتباره حزباً للثورة.
هذا الطرح الثوري الكاذب، المشتمل على تناقض منطقي وأخلاقي، كان أساس بناء كارثة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 التي اشتغل فيها البرادعي وآخرون من السياسيين والمثقفين على تسويق وهم أنها المكملة لثورة يناير 2011، وأنها الموجة الثانية منها، وأنها طريق مصر إلى الديمقراطية والحرية والكرامة، إلى آخر هذا الأكاذيب الفاخرة.
يمكنك أن تقيس على حالة محمد البرادعي، لكي تختبر الجدارة الأخلاقية والمنطقية لبضاعة 25-30 وتسأل نفسك: أين محمد البرادعي الآن؟ ولماذا لم يكمل مسيرته النضالية في مشروع (ثورة 30 يونيو العظيمة) ولماذا ألقت به في عراء النفي والتخوين والاتهام بالعمالة والتآمر والتخابر؟!
الشاهد أنه لا يمكن الجمع بين الشيء ونقيضه، كما يستحيل المزاوجة بين الانتماء لفكرة والعمل على تكريس فكرة مضادّة لها، وأظن أنه، بعد أربع سنوات من الهوان الثوري، لم يعد ثمّة من يجادل في أن 25 طريق، و30 يونيو طريق آخر، إلا من تأخذهم العزة بالإثم، ويصرّون على مواصلة التعلق بالوهم.
في العام الماضي، وفي مثل هذه الأيام، ولمناسبة مرور ثلاث سنوات، وقف مجموعة من الشباب والشابات، بشجاعةٍ، في سلسلة، يصفع كل واحد فيها الواقف بجانبه، ندما على الوقوع في هذه "الخطيئة الثورية"، وقلت وقتها إن هذا جيد وإنساني ومحترم، وتساءلت: متى تقف الرموز الكبيرة التي استدرجت هؤلاء إلى الجحيم، أمام المرايا، وتتصفح وجوهها، وتمتلك القدرة على الاعتراف والاعتذار عما فعلوه بثورتنا اليتيمة؟
وفي العام الرابع لا يزال السؤال قائماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق