الأربعاء، 14 يونيو 2017

نحن أمة هي والعدم سواء

نحن أمة هي والعدم سواء


 وائل قنديل

إذن، فقد مرّر البرلمان في مصر اتفاقية العار، يا سيد حمدين صباحي، فماذا أنت فاعل في صيحة النضال الزاعقة التي أطلقتها قبل يومين "سوف ندعو للتظاهر في التحرير، لو مرّروا اتفاقية العار"؟
السؤال الآن: هل سينفذ حمدين صباحي وقوى المعارضة الوعد الذي قطعوه على أنفسهم، بالاحتشاد في ميدان التحرير؟
أم أنهم ارتضوا بأن يكونوا "هم والعدم سواء"، كما حسم رئيس برلمان شبه دولة عبد الفتاح السيسي الأمر مبكراً: كل الأحكام القضائية الصادرة ضد رغبة النظام في بيع جزيرتي تيران وصنافير هي والعدم سواء.

يؤسفني أن أقول لك إنكم  لو كنتم جادين، حقاً، في التصدّي لخيانات هذا النظام، لكنتم قد أعلنتم التظاهر واحتشدتم لمنع وقوع الكارثة، فالموقف المحترم كان يقتضي ألا تنتظر حتى يمرّر البرلمان الاتفاقية، وتتحوّل الخيانة أمراً واقعاً، يباهي به رئيس البرلمان، وهو يصرخ بكل خيلاء وثقة "هي والعدم سواء"، وهو يتقمص دور مرتضى منصور، ويهدّد كل من يعترض على سعودة الجزيرتين بفتح ملفاته، ويتهمه بالخيانة.

هي تلك اللحظة التي يسطو فيها النظام على أدوار ومهام "المواطنين والمواطنات الشرفاء" الذين شحنهم، قبل أكثر من عام، لمحاصرة نقابة الصحافيين بالأعلام السعودية، والتعدّي على أعضائها بفاحش الشتائم وسفيه التحرشات باليد.
لم تعد ثمة حاجة بالنظام للاستعانة بالمواطنين الشرفاء، بعد أن قرّر هو، من أول رئيسه مروره ببرلمانه وجنرالاته، أن يتحوّل إلى "مواطن شريف" في خدمة السعودية وإسرائيل، ويلعب الدور على أحسن ما يكون، في الداخل والخارج.

خارجياً، وفي الحصار الخليجي الثلاثي على قطر، تحولت مصر "الكبيرة" إلى نموذج لتلك المواطنة الشريفة، والتي طالعت صورها عندما حاصرت سلطة عبد الفتاح السيسي مقر نقابة الصحافيين، لإسكات هتافها بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، فجاءوا بها ترقص وتشتم وتسب وتهتف، بالأجر، ضد من يرفضون الإذعان للرغبة السعودية.

فات رئيس ما يسمى "البرلمان" أن يفتح القوس على آخره، ويعلن أنها ليست أحكام القضاء فقط هي والعدم سواء، بل إننا بصدد أمةٍ كاملةٍ هي والعدم سواء، فمظاهر العدم  ترتسم على كل شبر منها، وعلامات العبث تتبدّى في تصرفات (وأقوال) من يتحكمون فيها، والذين هم بدورهم يقومون بالدور ذاته الذي يلعبه "المواطنون الشرفاء" خدمة لإسرائيل، واستجابةً لتعاليم المرجع الأعلى دونالد ترامب.
وهل هناك عدم وعبث أكثر من أن يسير العرب على خطى بنيامين نتنياهو؟
حسناً، لا تغضب، إليك صيغة أخرى: هل هناك عدمية أوضح من أن تتطابق الأقوال والأفعال الصادرة من محاصري قطر، مع أقوال الكيان الصهيوني وأفعاله، تطابقاً تاماً، يشبه حالة وقوع الحافر على الحافر، كما كانت العرب قديماً تصف التماثل بين الأشياء؟
أرادت  إسرائيل  حركة حماس إرهابية، فقرّر عرب الحصار على قطر، وعلى غزة، أن "حماس" ومن يدعمها أو يتعاطف معها على لائحة الإرهاب.
قرّر عرب الحصار اعتبار قناة الجزيرة عدواً وخطراً داهماً، فوقع حافر نتنياهو فوق حافرهم، وأعلن اعتزامه إغلاق مكتب القناة في القدس المحتلة.
وهل غير العدم والهشاشة والتفاهة شيء أبلغ من أن تصاب عواصم عربية بالذعر من استقبال بث قناة رياضية، هي الأكثر رواجاً، وتقرّر حظر مشاهدتها خوفاً على الأمن القومي؟
أي دولٍ، وأي أنظمةٍ هذه التي تخشى السقوط والانهيار بفعل قناةٍ تلفزيونيةٍ، سياسية أو رياضية، أو بتأثير مواقع صحافية إلكترونية، كما يفعل عرب الحصار الآن؟.
ماذا يمكن أن يقول هؤلاء لشعوبهم، عن عار إعلان "حرب الحليب" ضد الشعب القطري، تلك الحرب الفاشلة التي أسقطت كل ما سطّره كتاب التاريخ العربي عن الرجولة والنخوة والشهامة والعدل والإنصاف؟ 
ماذا سيقول التاريخ، لاحقاً، عن تلك الفترة؟

ربما سيكتب في التاريخ القادم أنه عندما يكون رئيس أكبر دولة في العالم قاطع طريق، لا تستغرب ممارسات قطاع الطرق الصغار من تابعيه بإسفاف وترخص.
سيكتب عن أمةٍ قرّرت أن تكون هي والعدم سواء، تحت قيادة نتنياهو بكل فخر وسرور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق