السنين الخَدَّاعة...!
د.عبدالعزيز كامل
رغم وقائع الرعب المفجعة وما يصاحبها من مشاهد إرهاب وإرعاب محزنة مفزعة ، كتلك التي تحدث ضد المسلمين في بورما على يد عباد بوذا المنبوذين ؛ فإن ما يحدث هناك يتكرر مثله أو أشنع منه في بلدان ومدن حولنا، دون أن تتأثر أو تأبه به الغالبية العظمى من المسلمين، كما هو حالهم مع أقلية الروهينجا المستباحة..!
فما يدور في المدن السورية ضد المسلمين المدنيين السُّنة على يد الروس والمجوس، وما حدث ولايزال يحدث ضدهم في العراق منذ غزو الأمريكيين الصليبيين، من بطش وإرهاب وتعذيب وتهجير على أيديهم وأيدي شيعة الشيطان الدمويين، وكذلك ما يواجهه العُز في مدن اليمن وليبيا ومالي وسيناء بدعوى محاربة الإرهاب.. كل ذلك لا يقل في معظمه – لو تأملنا – عما يحدث في بورما، من تهجير وتشبيح وفتك وتذبيح..
غاية ما هنالك أن أعداءنا قد أذنوا لنا أن نُطلق الآهات ونسكب العبرات على مَنْ هم هناك ولم يسمحوا لنا بها على من هم هنا...وأنهم يقبلون بنقل الوقائع إعلاميا بتفاصيلها عن المآسي البعيدة.. ويحاصرون نشرها بتفاصيلها في المخازي القريبة ، وفوق هذا وذاك – وهو الأنكى والأبكى – أنهم يتركوننا نصرخ مما يحدث بعيدًا عنا، ولا يدعونا نفصح ونصرح عما يحدث على مقربة منا.. بدليل أن الأقلام بوسائل التواصل والإعلام قد جُيشت – وهو حق وواجب – ضد ما يحدث في بورما، ولكن غابت أو غُيبت عما يحدث في الموصل وأخواتها، والرقة وجاراتها..!
فكم من الإسلاميين – فضلًا عن غيرهم – تناول ما حدث ولايزال؛ في مدن العراق الُّسنية التي تدك وتباد ؛ على يد تحالف الأوغاد - الغربي العربي - واحدة بعد الأخرى ..؟! و من تناول ما يُتداول عن ما تتعرض له المدن السورية التي تسوى بالأرض بطوفان الدمار المنهمر كالأنهار..؟!
هل نحن بحاجة أن ننبه إلى " بدهية " أن المسلمين يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم؟ وأن دماء كل المسلمين وأموالهم وأعراضهم هي كنفس واحدة ماداموا على أصل التوحيد.. ؟! وأنهم كلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد..؟ أم أن في وسعنا بحسب شرع ربنا أن نصفع ونبصق في وجه من يبطش بالموحدين هناك؛ و نصفر ونصفق لمن يبيدهم هنا..؟!...
مواقف أكثر المسلمين – بل الإسلاميين – مما حدث ولا يزال يحدث في مدن الشام والعراق وليبيا وغيرها؛ لم ترْقَ بعدُ إلى مستوى الحساسية العاطفية ، فضلًا عن المسؤولية الدينية الاعتقادية والشرعية ، وهو ما يفسر لنا كثيرًا من أسباب تأخر النصر وبُعد البوْن عن التمكين..
حتى لا يزايد مزايد أو يفتري مفترٍ، فأنا لا أدافع عن غلو مهما كانت مسوغاته، ولا أرى شرعية شق صفوف المسلمين والمجاهدين مهما تنوعت علله ومبرراته ..ولكن أتساءل : هل بلغت هيمنة أعدائنا من الكفار ومواليهم من المنافقين أن يحددوا لنا مواقفنا من أهلنا - أهل السنة - تبعًا لأهوائهم ومصالحهم.. ؟ وأن يتحكموا من خلال سفهاء أحلامهم وأبواق إعلامهم في موازين الولاء والبراء عندنا ومقادير الحب والبغض لدينا ، بعد عبثهم بمعايير القبول وعدم القبول لحقائق الواجبات والمحرمات والمصطلحات والتوصيفات، وتنزيلها على الواقع دون سابق تكييف شرعي أو تقدير واقعي – مفترض ومطلوب – من علمائنا وأهل الرأي فينا..؟!
إن أخطر من مجازر الروهينجا.. وأبعد من تهجير أهل السنة في العراق والشام على المدى البعيد.. أن يفقد المسلمون بُوصلة الولاء والبراء على أسسها العلمية، ومقاييسها الاعتقادية، ويُحلوا محلها معايير الحب والبغض على أصول حزبية.. أو دعايات دجل إعلامية..أو تفاهات التحليلات الضحلة السطحية، التي لا تتخطى الخطوط الحُمْر؛ الرسمية والأمنية.. !نحن نعيش زمن اختلاط مكاييل الحق والباطل، واختلال موزاين الصواب والخطأ..
وحقًا ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة " قيل: وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال: " السفيه يتكلم في أمر العامة ". أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح ( 2/ 291).
وهذا وإن كان أمرًا قدريًا نرى أثره، فإن الحكم الشرعي لايسوغ الرضوخ له،بل يُوجب مدافعته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق