الجمعة، 29 سبتمبر 2017

الصورة المقلوبة

الصورة المقلوبة

***

أمريكا: جيش مجرم لشعب مجرم برئيس مجرم..

***

لماذا لا يستشهد العلماء الآن ؟؟!!

***

مطلوب فتوى عاجلة: إرسال جنود مسلمين إلى العراق كفر مخرج من الملة يشمل الجنود ويوجب الخروج على الحاكم..

***

إذا كان رأس الحكم في القوم داعرا...

فشيمة أهل الحكم كلهمو العهر..

***

بقلم د محمد عباس


هل كان الصحابة – رضوان الله عليهم -  من الخوارج؟!..
معاذ الله..
لكن..
ألم يخرجوا على دين أبي لهب و أبي جهل..؟!..
فلماذا إذن لم نحكم عليهم ولم يحكم التاريخ عليهم بأنهم خوارج؟!
وهل كل خروج على الحاكم خروج على دين الله؟
أم أن للأمر ضوابط أخرى غير ما يفتريه حكامنا وفقهاؤهم..
و أن  من هذه الضوابط أن  مثل  هذا الاتهام  يستلزم شرطا ضروريا.. وهو أن يكون ذلك الخروج خروجا على حاكم يقيم شرع الله.. فإن كان الأمر غير ذلك.. وكان الأمر يتعلق بحاكم لا يقيم شرع الله  فإن توجيه  هذا الاتهام إلى المجاهدين أو حتى  للمعارضين ليس سوي وقاحة جريئة فاجرة.
أقول أن الشرط اللازم اللازب أن يكون الحاكم مقيما لشرع الله.. فإن لم يكن يقيمه  فللفقهاء تفصيل في ذلك قد يبيح في النهاية في أحد أحكام الفقه  ليس الخروج على هذا الحاكم فقط .. بل وقتاله أيضا..
نعم..
في أقصى الشروط يبيح الفقه كل الوسائل لمقاومة  الحاكم الذي يستحل الحكم بغير ما أنزل الله و أن يظهر منه كفر بواح..
وبرغم الغنى الهائل في الفقه الإسلامي للدرجة التي  لم يكد فيها   يترك قضية كبيرة أو صغيرة  أو حتى احتمالا عقليا مجردا في الخيال إلا ووضع ضوابطه و أحكامه.. إلا أن هناك وضعا لم يتطرق له..
فالوضع الذي نعيشه الآن .. والبلوى التي ترزح على قلوبنا وتكتم أنفاسنا وتزهق أرواحنا لم يتصورها الفقه ولم يضع لها حلولا..
لم يتصور فكر الفقهاء – فيما أعلم و أنتظر تصحيح القراء-  أن يكون هناك وضع يدعي فيه الحاكم الإيمان ويبطن الكفر.. فيصلى الصلاة جامعة لأوقاتها ثم يستحل المعصية بأنواعها – ولاحظوا أنني أقول يستحل ولا أقول يرتكب و إلا اتهمت أنا أيضا أنني من الخوارج- و أن تشترك النخبة كلها أو جلها مع الحاكم في هذا الوضع فلا يقتصرون على الظلم معه بل ويتجاوزون ذلك إلى شهادة الزور له بأنه أمير المؤمنين. بينما هم إذا ذكر اسم الله اشمأزت قلوبهم.. ولا يكفون أبدا عن السخرية بالدين والازدراء بمعتنقيه.
لم يتصور الفقه أن يتواطأ  مائة ألف مثلا على التظاهر بالإيمان وهم يبطنون الكفر..
ولم يتصور أنهم يملكون مفاتيح ثغرات  ويستغلونها لحماية أنفسهم و للتدليس على الأمة..
كما أن الأمر لا يقتصر على مجرد التظاهر بالإيمان و إبطان الكفر..
لأنهم ينضمون فعلا إلى أعداء الله  فيحاربون الإسلام والمسلمين في صفوف الصهاينة والصليبيين.. ينضمون فعلا.. ليس بالقلب أو اللسان.. بل بالطائرات والصواريخ والممرات المائية وسعر البترول والتجسس الذي يسمونه خدمات لوجستية.
***
في الحرب الأخيرة على العراق كانت إحدى الحكومات العربية لا تكف عن الادعاء بأنها لم و لن تشترك أبدا في الهجوم على بلد مسلم  ولو حتى  تحت راية الأمم المتحدة.. وكان بعض القراء من ذلك البلد يجأرون بالصراخ في رسائلهم لي .. لأنهم يقطنون بجوار قواعد عسكرية لا يتوقف النشاط فيها أبدا في اشتراك فعلى كامل في الحرب على العراق.. حيث لا يكف إطلاق الصواريخ و إقلاع الطائرات المغيرة وتقديم الخدمات لها وللقوات البرية..
كانوا يسألونني الفتوى في هؤلاء: هل الأمر هو الكفر البواح الذي يوجب الخروج على الحاكم أيا كانت النتائج أم أن الأمر دون ذلك..
وأنا يا قراء لا أجرؤ على الفتوى أبدا ولو في دم بعوضة.. فلست عالما ولا فقيها.. إنما أنا واحد من عامة المسلمين أستشعر ما يستشعرون و أستصرخ  العلماء والفقهاء : إن لم تتقدموا الصفوف الآن فمتى؟.. أفتوا بما أنزل الله.. أفتوا ونالوا الشهادة.. لماذا تخافون الموت في سبيل الله.. إن كنتم مؤمنين حقا لماذا تخافون الاستشهاد في سبيل الله؟.. إن الأمة والتاريخ والدين في حاجة إلى دمائكم لتونع بها شجرة الدين وتورق وتثمر..
أعلم أن الحاكم الفاسق أو الكافر يستطيع أن يقتل عالما وعشرة.. لكنه  حين يقتل مائة عالم ستخرج الأمة عليه وستقتله هو..
مجرد هذا الاحتمال هو الذي سيدفع أي حاكم إلى الحركة وإلى تغيير موقفه..
نعم.. لم يعد ما يحرك حاكما في عالمنا الإسلامي أو يمنعه من الحركة إلا خوفه من أن يقتل..
أو على الأقل أن يخلع ويقتل أبناؤه وتشرد أسرته ..
لست عالما.. ولا فقيها.. ولا أبيح لنفسي أن أفتي في دم بعوضة..
إلا أنني هنا أجلى الصورة أن المشكلة المطروحة لم تكن في اتهام المجاهدين  للحكام بالفسق أو تكفير مقترف الكبيرة.. لم يكن الأمر كذلك .. بل كانت أحكاما فقهية عن كفر من يعين الأمريكيين والصهاينة على المسلمين.. وهذا هو السبب الذي يتجاهل الحكام طيلة الوقت طرحه..
لست عالما.. ولو كنت لأمرت الجندي الذي يأمره قائده  أو حاكمه بقتال  المسلمين مظاهرة للكافرين.. لأمرته أن يستدير ليطلق رصاصه على من أمره حتى ولو كان ملكا أو رئيسا أو أميرا..
لست عالما .. ولو كنت لأفتيت  للمعاونة الأرضية أن تسقط أي طائرة و أن تغرق أي سفينة بدلا من أن توجهها وترشدها.. ولأمرت الطيار المسلم أن يسقط طائرات الأعداء حوله..و أن يرتد إلى الفاسق الذي أخرجه ليقصفه.. ثم لأمرت الطيار المسلم  الذي لا يقوم إلا بدور المضيفة في طائرات الأواكس التي تتجسس علينا لصالح أمريكا و إسرائيل.. والطائرات بأموالنا.. والطيارون على حسابنا.. والصور ندفع ثمنها لكننا لا نحصل عليها .. بل تحصل عليها أمريكا و إسرائيل..
لكنني لست عالما..
وليتني كنت.. إذن والله يا ناس.. لما خفت في الله لومة لائم.. ولما رضيت للكفار والمنافقين أن يسلبوا مني آخر سلاح أملكه في الدفاع عن الدين و أهله.. سلاح يقول أن من يقتل المسلمين لأنهم مسلمون قد خرج من الإسلام..
يا علماءنا لقد استهنتم حتى هان الناس.. وفرطتم حتى انفرط عقد الناس..
أنظر إليكم يا سادتي في ذهول..
لقد تركتم ناصية الدين ليمسك بها غير أهله.. حتي لقد تصدى الخنازير والكفار للفتوى وحرم منها علماء المسلمين الذين استكانوا إلى الصمت و كأنما أسقطت عنهم فريضة الجهاد ولو باللسان..
حتى المجرم بوش يعلمنا أن هذا من الإسلام وهذا ليس من الإسلام و أنتم يا حماة الدين صامتون صمت القبور وتركتم الرويبضات من علمانيين أشرار ويساريين أقذار وقوميين فرار ويمينيين فجار وعلماء أشباه رجال كفار  يفتون بما لم ينزل الله حتى اصطنعوا دينا ليس هو الإسلام.. وفي فتاواهم نفاجأ بدين ذليل مُذَل مهين مهان خاضع سلبي متسول إلهه ليس رب السماوات والأرض و إنما موظف صغير أو كبير في سفارة أمريكية حقيرة.. فما أمرتهم به السفارة عملوا به وما نهتهم عنه انتهوا..
دين غريب لا نعرفه..
دين غريب لا يطالبنا أن ندافع عنه  ولا يستحق منا أن نؤمن به.. بل دين يجرّم من يدافع عنه ويدينه ويمنح صكوك الغفران لمن يفسق فيه ويهينه..
دين يدفع الأوغاد والسفلة في سياق دفاعهم الظاهري عنه إلى التوسل إلى الكفار والمشركين أن يرعوا " ظروفنا الخاصة"..
ظروفنا الخاصة يا سفلة..
كما لو كنا معوقين أو مشوهين وأن الإسلام وصمة أُصبنا بها أو تشوها ولدنا به أو عاهة أصابتنا دون أن نملك حيلة للخلاص منها.. و أننا نتسول منهم مراعاة ظروفنا الخاصة..
ظروفنا الخاصة يا منافقين يا كفرة..
وكأنهم يعتذرون عن كوننا مسلمين.. و أقصى ما يتمنونه أن يُقبل اعتذارنا..
بل الإسلام هو الظرف العام.. هو السيد وهو السائد وهو الذي يقاس عليه ويُنسب إليه ويُنحرف عنه..
هو المقياس.. لا يُنسب بل يُنسب إليه..
نعم..
الإسلام  لا أقول عنه أنه أعظم الأديان تسامحا .. لا أقول ذلك  لأنه لا يجوز استعمال أفعل التفضيل معه.. وعندنا  ليس ثمة دين سوى الإسلام  ( ولسوف ينبح علىّ ألف كلب  لم ينبح منهم كلب حين رفض القساوسة والرهبان في مؤتمر ما يسمى الحوار بين الأديان  أن يعترفوا بأن الإسلام دين سماوي)..
ليس عندنا فقط.. بل عند الله  فالدين عند الله الإسلام..
نعم  الإسلام يعلمنا  أعظم النماذج للتسامح في الدنيا لكنه يقدم أيضا أروع آيات الجهاد.. أعظم من علمنا الرحمة لكنه أيضا علمنا القوة.. ونبي الرحمة المهداة هو الذي عفى عمن أساء إلى ابنته وأجهضها.. وهو الذي عفى عمن استأجرت من يقتل عمه الحمزة رضي الله عنه .. ولم يكن الحمزة مجرد عم للرسول عليه السلام بل ردءا للدين وقلعة و أسدا لله. ولكن صاحب هذه الرحمة المهداة نفسه هو الذي أمر بقتل مشرك أساء إلى الدين و إن تعلق بأستار الكعبة.. وسيد البشر وخاتم النبيين الذي بلغ قصارى تهديده لجارية أنه لولا مخافة الله لأوجعها ضربا بالسواك!! لكنه هو  نفسه الذي قال للمشركين:
-          جئتكم  بالذبح..
الذبح الذي أناشد فقهاءنا أن يفتوا بأنه يجب أن يكون عقوبة كل من أتى إلى بلاد المسلمين غازيا مستهينا بالإسلام و أهله عازما على إخراجهم من دينهم...
***
المرتزقة.. النخبة السافلة المرتزقة.. تتأفف وتدين ذبح أمريكي غاصب مجرم محتل بسيف.. ثم تصمت صمت القبور عن  ذبح عشرات الآلاف بشظايا القنابل العنقودية.. أو عن تلاشي أجسادهم بسبب القنابل النيوترونية.. وهؤلاء المرتزقة.. النخبة السافلة المرتزقة.. يجلس  الواحد منهم على مقعده الوثير مدفوع  الثمن مدفوع القلم.. في الغرف المكيفة.. نصف ثمل بمشروب تقدمه له نصف سكرتيرة ونصف عاهرة من نصيرات تحرير المرأة.. يجلس هذا السافل المرتزق في مجلسه الفاجر ذاك يحدد للمقاومة البطلة في فلسطين والعراق و الشيشان و أفغانستان  ما هو صواب وما هو خطأ.. ولا يكتفي المرتزق السافل المنحط بذلك فيتجاوزه ليشرح للمقاومة ما هو حلال وما هو حرام .. وهو الذي لم يركع لله ركعة ولم يقرأ من كلامه آية..  يجلس وقد أحاطوه بهالات الهيبة المزيفة والوقار المصنع المزور وكأنه نبي مرسل وما هو إلا مسيلمة الكذاب بل هو أحط و أخس..
تتجاهل هذه النخبة الفاجرة أن المقاومة تؤدي عملها البطولي المعجز في ظروف لم تسبق في التاريخ .. نعم.. بيقين لم تسبق في التاريخ.. حيث الحصار شبه كامل وخيانة الأشقاء من كل جانب.. ثم .. ولأول مرة في التاريخ انفراد قوة بالعالم دون قطب مصارع.. في هذا الإطار المروع تتحرك المقاومة تحت أحدث أجهزة للرصد والقصف في التاريخ لتقوم بعمليات أشبه بالمعجزات  ليأتي هذا الوغد السفيه ليتحدث في كبرياء وازدراء رافضا هذا النوع من المقاومة أو ذاك ( لم يقل لنا أي خنزير منهم أي نوع من المقاومة يفضل.. إنه يرفض فقط.. يرفض لأن سادته يريدون منه أن يرفض و أن يثبط.. وهذا الخنزير ينظر في ازدراء :
-          أنتم تقتلون المدنيين الأبرياء..
أو في اشمئزاز وتأفف :
-          يا لها من بشاعة ووحشية .. ذبحوه بسكين..
يا خنزير .. لو أن لدينا الصواريخ والطائرات والقنابل – وحتما سنملكها بإذن الله يوما -  لقصفنا بها نيويورك وواشنطن ولندن وتل أبيب كما يقصفون بغداد والفلوجة والقدس ونابلس.. لكنهم بمعونة أمثالك يا خنزير .. وبمعونة ملوكك ورؤسائك و أمرائك حاصرونا فلم يبق منا سوى شراذم قليلة تجسدت فيها الكرامة والشرف والنخوة ولا إله إلا الله.. فلا يملكون رفاهية وقت يفكرون فيه.. ولا اختيارات يفضلون أحدها على الآخر.. ولا أجهزة مخابرات أو استطلاع تحدد لهم أي الخيارات يختارون  و أي الضربات لن تسفر عن مقتل الأبرياء إن كان منهم أبرياء .. هذه الفئة القليلة تذكرني دائما بتلك الفئة البطلة التي وقفت تدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد .. حينما لاحت ملامح الهزيمة وبدا كما لو أن الخاتمة أطبقت على كل شئ و أن نهاية الإيمان محتومة و أن الكفر ساد إلى الأبد..  ولكن هذه الفئة الطاهرة لم تستسلم وإنما  صمدت وراحت تدافع عن دينها ونبيها صلى الله عليه وسلم..
***
إنني أنصح القراء أن يعيدوا قراءة أحداث غزوة أحد فإنني والله لكأنني أري وجوه صناديدها في وجوها سادتنا المجاهدين في العراق وفي فلسطين و أفغانستان والشيشان و..و..و..
قبيل المعركة رأي الرسول صلى الله عليه وسلم  كتيبة حسنة التسليح منفردة عن سواد الجيش، فسأل عنها، فأخبر أنهم اليهود من حلفاء الخزرج يرغبون المساهمة في القتال ضد المشركين، فسأل‏:‏ ‏‏(‏هل أسلموا ‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏لا، فأبى أن يستعين بأهل الكفر على أهل الشرك‏.
***
الآن يستعين ولاة أمورنا بالمشركين والكفار جميعا لإبادة المسلمين وقهرهم و إذلالهم واغتصابهم وذبحهم وترويعهم وتسفيه دينهم..
***
في أحد ..  وبينما الكرب قد اشتد بالصحابة إذ سمعوا صائحاً يصيح‏:‏ إن محمداً قد قتل، فطارت بقية صوابهم، وانهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من أفرادها، فتوقف من توقف منهم عن القتال، وألقي بأسلحته مستكيناً ‏. ‏ومر بهؤلاء أنس بن النضر، وقد ألقوا ما بأيديهم فقال‏:‏ ما تنتظرون ‏؟‏ فقالوا‏:‏ قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ما تصنعون بالحياة بعده ‏؟‏ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال‏:‏ اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال‏:‏ أين يا أبا عمر ‏؟‏ فقال أنس‏:‏ واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضي فقاتل القوم حتى قتل، فما عرف حتى عرفته أخته ـ بعد نهاية المعركة ـببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم ‏.‏
***
والله يا قراء لكأنني  أرى ريح أنس بن النضر في المجاهدين في العراق وفلسطين وشتى بلاد المسلمين..
***
والله يا ناس لكأنني أرى في وجوه المجاهدين  ملامح ثابت بن الدَحْدَاح حين نادى  قومه فقال‏:‏ يا معشر الأنصار، إن كان محمد قد قتل، فإن الله حي لا يموت، قاتلوا على دينكم، فإن الله مظفركم وناصركم‏.‏ فنهض إليه نفر من الأنصار، فحمل بهم على كتيبة فرسان خالد فما زال يقاتلهم حتى قتله خالد بالرمح، وقتل أصحابه ‏.‏
***
يا معشر العراقيين .. يا أهل فلسطين .. يا سادتنا في أفغانستان والشيشان :  إن كان سيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم  قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ، فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا على دينكم، فإن الله مظفركم وناصركم..
***
بمثل هذا الاستبسال والشجاعة كان الصحابة رضوان الله عليهم يقاتلون في سبيل الله..
و بمثل هذا الاستبسال والشجاعة أرى المجاهدين  المعاصرين رضوان الله عليهم يقاتلون في سبيل الله..
بمثل هذا الاستبسال كانوا يقاتلون في سبيل الله وقد انتهي أملهم في الدنيا ولم يعد في عالم الشهادة ما يدفعهم لقتال وبقي عالم الغيب  فقاتلوا كما لم يقاتل في الدنيا أحد.. ولو لم يقاتلوا كذلك لتغير وجه الدنيا ولساد الكفر إلى أبد الآبدين.. لم يكونوا يدافعون عن شخص ولو كان سيد البشر وخاتم النبيين فقد وقر في خاطرهم أنه قُتل ومع ذلك استمروا في القتال.. ولم يكونوا يقاتلون  في سبيل دنيا أني لهم بها وقد انقطعت أسبابها و إنما في سبيل الآخرة فأعطاهم الله الدنيا والآخرة..
يا أهلنا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان وفي كل بلاد المسلمين .. أنتم لا تقاتلون على دنيا ولا على مال ولا على وطن – ولو فعلتم ما شانكم -  و إنما أنتم يا فلذة الكبد وقرة العين  وسويداء القلب تقاتلون من أجل آخرتكم ومن أجل أمتكم ومن أجل دينكم رضى الله عنكم و أرضاكم.
رضى الله عنكم و أرضاكم. .. ما أقل عددكم لكنكم عند الله بإذن الله كثر.. وفي أحد  لما بدأ المشركون  تطويق جيش المسلمين  لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة نفر، فلما نادي المسلمين‏:‏ ‏‏(‏هلموا إلي، أنا رسول الله‏)‏، سمع صوته المشركون وعرفوه، فكروا إليه وهاجموه، ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش المسلمين، فجري بين المشركين وبين هؤلاء النفر التسعة من الصحابة عراك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولة‏.‏
وكان هؤلاء التسعة بصمودهم هم الذين غيروا مجرى التاريخ إلى أبد الآبدين.. فما أشبهكم بهم..
ما أقلكم..
بل ما أكثركم..
من التسعة الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم  استشهد سبعة.. وبقي اثنان.. طلحة ابن عبيد الله وسعد ـ بن أبي وقاص رضى الله عنهما..  هما اللذان غيرا بصمودهما بعد استشهاد السبعة مجرى التاريخ.. هما الاثنان  يا أسامة بن لادن ويا أيمن الظواهري ويا.. ويا.. ويا..
***
يا أهلنا المجاهدين..
كلما تمزق قلبي إشفاقا على قلة عددكم وخزيا من خذلاننا لكم  فإنني أتعزى بما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم  حين  سقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها، فجُحِشَتْ ركبته، وأخذه على بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى استوي قائماً..[1] ‏.‏ . فهل يعزيكم ذلك رضى الله عنكم و أرضاكم؟؟..
***
إلا أنني أناشد كل مسلم على ظهر هذه الأرض أن يفعل كل ما يستطيع لتخفيف الضغط على المجاهدين في ميادين القتال.. وليس لدي اقتراحات محددة.. ولكنني فقط أعيد تذكيركم بأننا فلول أمة خان حكامها وهان شيوخها وانضمت جيوشها وشرطتها إلى الأعداء.. و أن عليهم التصرف على هذا الأساس مدركين أن هلاك المسلمين جميعا إلا واحدا لا يسقط فروض الدين عن هذا الواحد الذي بقي.. و إن بصري يرنو بشكل خاص إلى الخليج كي يقدم اعتذاره التاريخي  وتكفيره عن خيانة حكامه.. بل و أيضا إنقاذا لأجيالهم القادمة.. لأنني أرى عمق الورطة وضخامة الكارثة التي دفع حكام الكويت شعبها إليها.. ذلك أن قوات الاحتلال الأمريكي سوف تنسحب ذات يوم من المنطقة .. و أغلب الظن أنه لن يكون انسحابا بل فرارا .. وأنه لن يكون علينا انتظار مائة عام بل بإذن الله عاما وبعض عام.. وساعتئذ سيدفع الشعب الكويتي دينه الثقيل الباهظ .. ليس بالذهب أو البترول و إنما بالدم.. سيدفع فيما أظن وجوده كله.. ويقال أن الكويتيين يدركون ذلك جيدا .. و أن فقراءهم لا يملكون للكارثة حلا.. أما أغنياؤهم فينقسمون إلى قسمين: القسم الذي ما زال على إسلامه وذلك يشترى البيوت في السعودية.. وقسم العلمانيين والنخبة المثقفة القذرة و أولئك يشترون المنازل في لندن.
***
أعود إلى مناشدة المسلمين في شتى أنحاء العالم أن يفعلوا ما يخففوا به الضغط عن إخوانهم في ميادين القتال.. أن يشتتوا جهد العدو الكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــافـــــــــــــــــر.. و أن يجعلوه يفهم أن كل شهيد سيخلف من بعده مجاهديْن مكانه..وكل شهيدين سيخلفوا ثمانية وكل ثمانية سيخلفوا مائة..
شتتوا اهتمام العدو في شتى أرجاء الأرض..
نعم.. إلا تفعلوه  يكن إثم كبير..
إن إخوانكم اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ  و أثبتوا للعالم أننا أبناء دين يستطيع الدفاع عن نفسه ويستطيع أن يقيم العدل والسلام و إلا فإنه يستطيع أن يسحق أعداءه ويذلهم إذا لزم الأمر.. يستطيع أيضا أن يعاقبهم بمثل ما عاقبوه به..
يستطيع حين يذبحون منا عشرات الآلاف بشظايا القنابل العنقودية أن يرد الصاع لهم ولو بالخناجر..
بل ويستطيع أن يهدد كل المحتلين بالذبح إن لم ينكصوا على أعقابهم.
ومن هذا المنطلق نظرت إلى ذبح الأمريكي الأخير..
ولابد أن أقول هنا أنني لا أستبعد أي احتمال في الواقع المعين لذبح الأمريكي الأخير والذي ترى جهات عديدة أن الأمريكيين والصهاينة وراءه لتخفيف الضغط على الخنازير بوش وبلير وشارون بعد فضيحة الصور.. بل إن فضيحة أخرى بدأت تتكشف عبر اتهامات أمريكية لذلك الذي ذبح بأنه كان على علاقة بالقاعدة.. وبالتحديد زكريا موسوي.. و إن صح ذلك فإن الأمريكيين دون سواهم هم الذين قتلوه..
 ولكنني برغم ذلك أعود إلى أصل القضية.. إذا قام الأمريكيون والبريطانيون و اليهود بذبحنا فعلينا ذبحهم ..
***
 ( اللهم غفرانك وعفوك.. غفرانك وعفوك.. غفرانك وعفوك.. لقد توقفت عند حديث " جئتكم بالذبح" ورحت أسائل نفسي عن المواءمة في الاستشهاد به في مثل حالنا – مجرد المواءمة وليس الاستنكار كما فعل حزب الله في بيان منكر وصم فيه بعض المجاهدين بالانتساب للإسلام زورا- فكرت في المواءمة .. فغفرانك اللهم.. غفرانك.. واخجلي منك يوم العرض.. نعم.. وا خجلتاه.. واخجلتاه  و إن غفرت )..
يا فقهاءنا: بذلكم ذللنا.. وبخنوعكم خنعنا.. وباستسلامكم استسلمنا .. وتكاد الأمة تضيع..
يا فقهاءنا لا تكتموا الشهادة.. وانطقوا بالحق وحددوا حدود الإسلام والكفر التي لم يعد يخط حدودها سوى كافر أو منافق أو ضابط أمن دولة..
لا تكتموها..
وثمة فتوى عاجلة أناشدكم المسارعة بها..
وحاشاى أن أتجاوز قدري أمام علمكم فأبتدع من الفتاوى ما يوافق رأيي  أو يعضد هواي.. أعلم أنني لست أهلا للفتوى.. و أعلم أن الأمر حكم فقهي لا رأي عقلي.. كما أن الأمر ليس مشاعا لاقتراحات حسني النية والهواة..
لذلك لن أبتدع فتوى .. و إنما أتوسل إليكم أن تصدروا فتوى مماثلة للفتوى التي أصدرها علماؤنا في الباكستان.. فتوى تقضي بأن الجندي الذي يموت وهو يقاتل المسلمين قد خرج من الإسلام ولايجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين.. وهذا حكم بالكفر تترتب عليه كل تداعيات الخروج على الإسلام.. تداعيات تلزم أهل بيته وتتحدد بها المواريث.. بل وتلزم الأمة بقتل الحاكم الذي أظهر كفرا بواحا بموالاة العدو الكافر.
أناشدكم يا علماءنا أن تسارعوا إلى إصدار هذه الفتوي قبل أن يتورط الخونة والمنافقون من حكامنا في إرسال جيوش من بلاد إسلامية تقتل إخوتنا في العراق..
أناشدكم أن تمنعوا الكارثة..
من يرسل هذه القوات كافر.. ومن يؤيده كافر.. والميت فيها كافر لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين..
وهؤلاء ليسوا مجرد خوارج..
إنهم كفار ومشركون ومنافقون..
***
ليس كل خروج على الحاكم إذن خروجا على الدين..
بل قد تكون موالاة هذا الحاكم على ظلمه واستحلاله موالاة أعداء الله على المسلمين هي الخروج من الدين والمروق من الإيمان..
نعم .. ليس كل خروج على الحاكم إذن خروجا على الدين.. إلا إذا كان هذا الحاكم يقيم شرع الله ويحكم بمقتضاه أو على الأقل لديه من المعاذير ما لا يبيح له ذلك..
أما إن كان الأمر على العكس.. على العكس تماما ..  على العكس لدرجة أن يكون  سفير أبي جهل  وابن أبي لهب أقرب إلى قيصر الروم ( بوش ) من خلصائه بل ومن وزرائه..  نعم.. هم أقرب إليه من أخلص خلصائه حتى أنه – عليه اللعنة-  كشف لهما خطته لغزو بلاد المسلمين قبل أن يعرفها وزير خارجيته أو أي من خلصائه الكفار والمشركين.... أقول عندما يصل الأمر إلى هذا الحد فهل يكون  الخروج عن طاعتهم وطاعة آبائهم خروج عن الإسلام أم عودة إليه و أوبة.. و يكون اتهام المعارضين بأنهم خوارج أكثر من أن تصفه كلمات، يكون أمرا يفوق  الوقاحة والجرأة والفجور، نعم يفوقها، ولا يجد الإنسان أي طريقة ليعبر بها ولا أي كلمات في القواميس تحيط بالمعنى المطلوب،  وهو وضع لا يصلح معه  استعمال صفات لوصف مثل هذا النظام العميل المجرم، بل  ولا سبيل للتعامل معه إلا بالخروج عليه،   بل إن عدم الخروج عليه ليس مجرد إثم بل كبيرة من الكبائر..
اتهام المعارضين إذن بأنهم خوارج صورة مقلوبة..
ونحن نستعمل وصف " الصور المقلوبة"  هنا مجازا.. لأن استعماله دون مجاز قد يقضي بأن الحكام هم الخوارج لأنهم هم الذين يخرجون عن شرع الله.. والأمر ليس كذلك.. الأمر أسوأ بكثير .. بل إن رأس أي حاكم لا يطاول قدم أي خارجي..  لأن الخوارج حين خرجوا إنما كانوا يطلبون الحق فأخطئوه.. أما حكامنا..  فهم من البداية يطلبون الباطل فيصيبونه عبر مسالك لا أول لها ولا آخر من الكذب والخسة والخيانة والادعاء والتآمر..
***
سفير أبي جهل  وابن أبي لهب أقرب إلى قيصر الروم ( بوش ) من خلصائه بل ومن وزرائه..
بيت الشعر القديم لم يعد يكفي إذن ولابد أن يلحقه التغيير..
لم يعد الأمر أمر ضارب دف أو راقص.. بل هو العهر الكامل دون أن أي نقصان أو تجمل..
العهر الكامل..
و إلا فماذا تسمون أن يعرف بعض المسئولين العرب بأخبار غزو العراق قبل أن يعرف بها وزير الخارجية الأمريكي نفسه..
قلت لنفسي لا بأس..
لا بأس فالداعرة تعرف من الرجل ما لا تعرفه منه امرأته..
والغلام يعلم من سيده ما لا يبوح به لصديقه أو أخيه.
فلنغير البيت إذن:
إذا كان رأس الحكم في القوم داعرا...
فشيمة أهل الحكم كلهمو العهر..
***
في هذا الإطار تأتى الدعاوى لاتهام المجاهدين بالإرهاب لتثير الكثير من الريب..
سوف أطيع فتاواك أيها الطاغوت، وسوف أحكم على الخارجين عليك بالإرهاب وحتى بالكفر .. لكن بشرط واحد.. وهو أن تكون صادقا.. و ألا تكون مجرد منفذ فاسق لترديد اتهامات صيغت في كواليس المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية..
سوف أطبق فتاواك ..
لكنني لن أحكم لمفقوءة عينه قبل أن أسمع خصمه فقد تكون مفقوءة عيناه..
سوف أضع افتراضين:
أولهما – وما ينبغي له أن يكون الأول – أنك صادق في اتهاماتك..
سوف أحكم معك عليهم بالخروج من الدين كله.. وبمحاكمتهم.. وبقتلهم – بعد المحاكمة لا قبلها-.
لو أنك كنت صادقا فإنني أوافقك على كل ادعاءاتك و أحكامك..
لكن اللازم أن نناقش الفرضية الثانية..
أن نتساءل: وماذا إن كانوا هم الصادقين..
أعدك أيها الطاغوت أنني سأستمع إلى شهادة أحبابك و أوليائك قبل أن أسمع شهادة من تتهمهم بالخروج عليك..
سأستمع إلى شهادة من  اسوشييتد برس تقريرا خاصا نقلت فيه تصريحات مسؤولين من مراجع سياسية عليا  عن حجم  الدعم الذي وفرته دولة الطواغيت وطواغيت الدول   للحرب ضد العراق حيث يعترف المسؤولون بأن القوات الأمريكية أدارت الحرب الجوية من قاعدة (...)  واستخدموا قاعدة (...)  و(...)  لإرسال آلاف العناصر لتنفيذ المهمات الخاصة كما اعترفوا بتحريك ما يصل إلى 300 طائرة في طلعات مختلفة من قواعدكم  الجوية. وخلال الحرب زودت حكومتكم  القوات الأمريكية بالمحروقات بقيمة مخفضة جدا كما ضمنت لأمريكا تعويض أي نقص في النفط العراقي يوميا لتهدئة سوق النفط التي ساد فيها الذعر خوفا من تفجير آبار النفط العراقية.
ماذا يحدث أيها الطاغوت  إن كانت حقيقة الأمر – طبقا لشهادات من واليتهم – أن الجزء الأساسي من توجيه المعركة الجوية ضد العراق قد تمت من أراضيكم  حيث قام عدد من القادة العسكريين بإدارة مركز للسيطرة والقيادة لإطلاق طلعات إف 16 وطلعات إعادة تعبئة وقود وطلعات خاصة للاستخبارات العسكرية..
ماذا يحدث أيها العاهل إذا ما صدقنا أولياءك و أصدقاءك حين يشهدون عليك.. ويشهدون بأنه  تم الإبقاء على معظم المعلومات المتعلقة بهذا التعاون طي الكتمان من قبل السلطات في البلدين خوفا من أن يؤدي إلى زعزعة استقرار حكمكم .
ماذا أيها العاهل لو صدقت الاسوشييتد برس حين قالت أن  حكومتكم قد سمحت بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ولكنهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خوفا من حساسية القضية.. و أنه بينما انطلقت القوات البرية من الكويت فقد قام الآلاف من القوات الخاصة بالانطلاق من أراضيكم بعدما رفضت تركيا السماح لأمريكا باستخدام أراضيها لنفس الهدف..
إن  صدق أصدقاؤك أيها العاهل.. فمن هو الخارج على الإسلام ومن هو الذي يجب قتاله وقتله..
ثم..
و أنت تأمر فقهاءك أن يحكموا بالكفر على من يخالفك أو يقاتل حلفاءك الذين أتوا يسفكون دماء المسلمين ويغتصبوا نساءهم ويحتلوا وينجسوا مقدساتهم  .. فهلا سألتهم أن يبينوا للناس حكم من أعطاهم العهد والميثاق .. حكمك أنت أيها العاهل..
وحتى لو كان لك الحق في أن تعطيهم عهد أمان – وليس لك الحق في ذلك- أفلم يرتكبوا ما ينقض ميثاقك لهم، وما ينقض هذا الميثاق هو ما يسمى بالكليات الخمس.. ومنها الإعانة على قتال المسلمين – مجرد الإعانة فما بالك بالقاتل الأصلى- أو قطع الطريق عليهم  أو  إيواء الجواسيس  أو الزنا بالمسلمة  أو فتن المسلم عن دينه  أو سب الله أو النبي.
لم يتغير موقف المجاهدين.. تغير موقف الطواغيت لكن موقف المجاهدين ظل ثابتا.. فهلا أمرت فقهاءك أيها الملك الجبان  أن يشرحوا كيف كان قتال الروس جهادا في سبيل الله بينما يصبح قتال الأمريكان ومن والاهم خروجا من الإسلام؟..
هلا أمرت فقهاءك أيها الرئيس الخسيس أن يكفوا عن تجريح العمليات الاستشهادية..
نعم أيها الأمير الحقير لا يستوي الخارجون على من يحكم بشرع الله مع الخارجين على من يحكم بشرع الأمريكان والصهاينة فمنع حتى القنوت عليهم..
ومن ينتظر من هذا الملك أو ذلك الرئيس أو ذاك الأمير  إعلان الجهاد ضد الصهاينة و الأمريكيين  ، فهو – على حد قول أحد علمائنا -  كمن ينتظر أذان "شارون" من على منبر الأقصى يدعو المسلمين لصلاة الجمعة في العشر الأواخر من رمضان بعد طول قيام وإتقان صيام !!..
بل إن حكامنا ونخبتنا أشد سوءا و أكثر خسة حتى من بوش بلير شارون، و إن جاز التشبيه فإن أولئك يمثلون جنود العدو الفاجر وقادته، ومهما كانت إدانتنا لفجورهم وخستهم ووحشيتهم، إلا أن إجرامهم – بغض النظر عن رأينا وقيمنا – يصب في مصلحة بلادهم، مثل اللص الذي يضع سرقاته بين يدي عصابته، أقول أنهم أقل إجراما من حكامنا  ..  حكامنا الذين يقومون بدور المرتزقة.. بل أشد سوءا حتى من المرتزقة..  لأن المرتزقة يبيعون إجرامهم لمن يدفع لهم ثمن هذا الإجرام الذي يمارسونه ضد أناس لا يعرفونهم.. أما حكامنا ونخبنا فإنهم يبيعون إجرامهم بأبخس ثمن وضد أهلهم و أمتهم وعقيدتهم.
لم تصب آفة الضمير بعد  أي خنزير من نخبتنا.. ولم يملك هؤلاء الطواغيت ونخبهم من الخنازير ما امتلكته الشرطة المقدونية  حين اعترفت بقتل 7 باكستانيين أبرياء على أنهم إرهابيون.. وجاء في تفاصيل الخبر:
صحيفة الشرق الأوسط 1-5-2004 - : اعترفت الشرطة المقدونية أمس بأنها قتلت 7 باكستانيين قبل عامين باعتبارهم ارهابيين، وذلك للتقرب من الولايات المتحدة، في حين انهم كانوا مجرد لاجئين ليست لهم علاقة بالإرهاب. وقالت المتحدثة باسم الشرطة ميرجانا تونتيسكا ان 5 رجال شرطة ورجل أعمال اتهموا في هذه الجريمة التي وصفتها بأنها «جريمة عقل مريض». وكانت الشرطة المقدونية أعلنت في مارس (آذار) عام 2002 ان وحدة خاصة صفت مجموعة إرهابية كانت تخطط لمهاجمة سفارات أجنبية في مقدونيا. وقالت المتحدثة أن الباكستانيين السبعة كانوا في الحقيقة مهاجرين غير شرعيين جرى تهريبهم إلى مقدونيا بوعد انهم سيتمكنون من دخول أوروبا الغربية. وكانت وحدة خاصة من الشرطة قد حاصرت السبعة في مكان على بعد 5 كيلومترات شمال شرقي العاصمة، وأطلقت عليهم الرصاص وقتلتهم.
***
انتهي ما قالته الصحيفة..
انتهى بعد أن ذكرني بعشرات الأخبار المماثلة عن الإجرام المتأصل في أجهزة الأمن في بلادنا.. ذكرني على سبيل المثال بما نشرته صحيفة شيوعية من أن الأمن في بلد من بلادنا العربية كان يعتقل المجاهدين، ويعذبهم تعذيبا شديدا لإجبارهم على الاعتراف بما يريد الجهاز الخائن المجرم الباطش الجبار الاعتراف به.. ثم يأخذهم مقيدين إلى مزارع القصب أو الصحراء.. ويطلقون عليهم النار ثم يضعون إلى جوار جثة كل شهيد بندقية للإيهام بأنه قتل في اشتباك مع رجال الأمن.
.. اعترف مسئول الشرطة المقدونية بجريمة لم يرتكبها سوى مرة واحدة .. هذه الجريمة مستمرة في بلادنا منذ عقود  دون أن يعترف أي مرتزق خسيس أنه إنما يفعل ذلك مجاملة لسيده ومولاه وشيطانه الرجيم بوش..
غامت عيناي..
وراحت الحروف تتراقص والكلمات تتبدل ورحت أقرأ الخبر : اعترفت الشرطة المصرية أو الأردنية أو السعودية.. أو .. أو.. أو...
غامت عيناي وناء بالألم قلبي و أنا أقول أن مثل هذا الخيال الدامي بالنسبة لنا أمل نحلم به..
نعم..
نحلم أن يعترف أحد ولاة أمورنا أو شرطتنا ذات يوم بجرائمه..
غامت عيناي و أنا أقول لنفسي أن المجاهدين كما أثبت لنا التاريخ لا يكذبون.. وكيف يكذب من يتوقع أن يلقى الله في أي لحظة..
المجاهدون لا يكذبون..
السلطة هي التي تكذب.. ووزراء الداخلية هم الذين يختلقون الأكاذيب كي يتمكنوا تنفيذ السيناريو الصليبي اليهودي..
أمامي الآن كتاب بعنوان : فساد الكبار.. للصحفية كريمة كمال  عن دار    ويتحدث الكتاب عن شجار نشب بين وزيرين مصريين للداخلية هما عبد الحليم موسى وزكي بدر.. وراح كل منهما يتهم الآخر باتهامات مشينة ليس أكبرها السرقة والابتزاز والتربح.. واتهم زكى بدر عبد الحليم موسى بالسرقة.. فرد عليه باتهامه بتجارة السلاح للإرهابيين..
رحت أردد لنفسي:
-          صق وهو كذوب..
وعندما سمعت بيانات وزير الداخلية السعودية رحت أسائل نفسي:
-          أي نوع من الوزراء هو؟..
***
في السعودية جل الصور مقلوبة و أنت لا تكاد تعرف الحقيقة إلا بمفهوم الضد وجميع ما يعلن يقصد عكسه.. ولنتناول مثلين على ذلك.. فليس منطقيا أن أقول لكم الحكاية كلها فأسرد على مسامعكم مليون مثل..
المثل الأول يتعلق بقرار سعودي أخير بإمكانية الحصول على الجنسية السعودية بعد إقامة عشرة أعوام..
إن الصورة المقلوبة تظهر أن ذلك فضل كبير من المملكة .. فوق أنه تخلص من نزعة التكبر القطري المقيتة النتنة.. كما أنه يظهر التواد والتراحم والأخوة ( دعنا الآن من تصريحات ولى العهد بأنه سيظل يطارد الإرهابيين – كما سماهم  أما نحن فنحسبهم ونحتسبهم مجاهدين يجاهدون ويجتهدون فيصيبون ويخطئون- دعنا من تصريحاته بأنه لن يكف عن مطاردتهم أبدا و أنه سيعتبر من يصمت في هذه المعركة إرهابيا .. دعنا من ذلك.. فهي ترجمة حرفية لما يقوله بوش.. ويلزمنا كثير من علوم النفس ونظرياته كي نحلل كيفية تماهي المظلوم بالظالم والضعيف بالقوي والعبد بالسيد.. لكن ذلك ليس موضوعنا الآن .. فلنعد إلى موضوع التجنس-.
الصورة الحقيقية لقرار التجنس هي استجابة لأمر مباشر من بوش:
-    " لقد حرمت الفلسطينيين من حق العودة إلى فلسطين  فامنحوا الفلسطينيين عندكم الجنسية " .. كي يكفوا عن المطالبة بالعودة من ناحية وكي تتكفل الشرطة السعودية بقسوتها الأسطورية والقضاء بظلمه التاريخي – واسألوا د محسن العواجي-  بهم إذا ما حادوا عن الصراط.. صراط المغضوب عليهم .. والضالين.. صراط الأمريكيين والصهاينة .. وعبيدهم.
الصورة المقلوبة الثانية هي قضية سعودة الوظائف خاصة السائقين..
فجأة تنفجر الأحداث في الصحف التي وصفها الشهيد سيد قطب.. صحف العمالة والمخابرات.. تنتشر الفضائح عن مغازلة سائق أجنبي لمحصنة سعودية أو اعتدائه عليها.. ويتناول العلمانيون العملاء القضية فلا يكفون عن النفخ فيها و إشعالها حتى لكأنما أصبحت كل امرأة في الجزيرة مهددة بالاغتصاب وكأنما كل سائق ما أتى إلا ليغتصب سيدته .. وتظل حثالة الغرب من العملاء العلمانيين عن الإثارة  حتى تستجيب الحكومة الراشدة للضغط الشعبي فتلغي استقدام السائقين من الخارج وتعلن سعودة وظيفة السائق..
تنطلق آهات الإعجاب بالحكومة الراشدة الرشيدة التي غارت على مكارم الأخلاق وحمت المحصنات من عبث العابثين.. فياله من شرف ويا لها من نخوة..
لكن الأمر غير ذلك تماما.. والصورة مقلوبة..
أما الصورة الحقيقية فهي أن تعليمات قد صدرت من أمريكا تهدف إلى خلخلة قيم المجتمع السعودي ( يصب في ذلك أيضا قرار التجنيس الذي سيتكفل بالتخطيط المسبق بتغيير منظومة القيم).. والصورة المثالية لذلك هو تحويل العلاقة الإسلامية المبهرة بين الرجل والمرأة.. علاقة المودة والرحمة والمسئولية وصلة الرحم والعطف والبر والتكافل واللباس إلى علاقة صراع وشهوة و إثم.. بغض النظر عن التفاصيل.. إنه استلاك لطاقة الرجل والمرأة في الصراع بينهما بدلا من التكامل الذي شرعه الإسلام – بغض النظر عن التفاصيل ومع الحرص على عدم خلط العادة بالعبادة أو العرف بالشرع)..
صدرت التعليمات.. ولكن تنفيذها صعب.. والمجتمع السعودي المحافظ سيرفض أي خطوة في هذا الاتجاه.. علينا إذن الاقتراب غير المباشر ( تذكروا ليدل هارت وكلاوفتز) .. وبهذا النوع من الاقتراب سنجعل أكثر الناس رفضا لقيادة المرأة للسيارة هو الذي يأتي ليتوسل أن يسمح لها بالقيادة.. لكن ذلك  يستلزم خطة..
سنطلق أحد كلاب الصيد: أعني كتاب السلطة ليتحدث عن حادثة الاغتصاب المريعة وعن التهديد الجسيم لعرض المرأة السعودية.. ليصلوا في النهاية إلى قانون سعودة وظيفة السائق..ولنترك التفاصيل مثل أن السائق السعودي لن يكون أقل غريزة بل سيكون أكثر جرأة إن لم يعتصم بدينه.. ذلك لا يهم.. ولا هو مقصود.. المقصود أن تحدث أزمة حادة في السائقين.. وهي وظيفة يأنف السعوديون  من اتخاذها مهنة.. سترتفع أجورهم إلى درجة تثقل ميزانية الأسرة.. وحتى لو وافقت الأسرة على دفع المبلغ الباهظ  فإنها لن تجده.. عندئذ سيضطر كل رجل إلى اقتطاع جزء مهم من وقته لتوصيل أبنائه إلى المدارس و إعادتهم منها.. كذلك زوجته وشقيقته و أمه وبناته.. فضلا عن الذهاب إلى السوق وشراء الخضروات و.. و.. و..  باختصار سيجد الرجل نفسه يقوم بوظيفة السائق كاملة بالإضافة إلى أعماله ومشاغله.. قد يحتمل شهرا أو شهرين.. لكن من المؤكد أن أكثر الرجال محافظة سوف يذهب بعد ستة شهور يتوسل لى أولي الأمر أن يسمحوا للنساء بقيادة السيارات..
كانت هذه هي الخطة
***
ولعله يكون مناسبا الآن أن نعرض إلى مصنع  يوضح لنا كيف تتم صناعة الصور المقلوبة .. ثم نعود بعد ذلك إلى الصور المقلوبة مرة أخرى.
***
هذا المصنع موجود  في بروتوكولات حكماء  صهيون – ترجمة محمد خليفة التونسي- .. وتحديدا بالبروتوكول العاشر حيث يقول بالنص:
حكمنا سيبدأ في اللحظة ذاتها حين يصرخ الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذبوا تحت افلاس حكامهم (وهذا ما سيكون مدبراً على أيدينا) فيصرخون هاتفين: "اخلعوهم، واعطونا حاكماً عالمياً واحداً يستطيع أن يوحدنا، ويمحق كل أسباب الخلاف، وهي الحدود والقوميات والأديان والديون الدولية ونحوها..حاكماً يستطيع أن يمنحنا السلام والراحة اللذين لا يمكن أن يوجدوا في ظل حكومة رؤسائنا وملوكنا وممثلينا" .
ولكنكم تعلمون علماً دقيقاً وفياً أنه، لكي يصرخ الجمهور بمثل هذا الرجاء، لابد أن يستمر في كل البلاد اضطراب العلاقات القائمة بين الشعوب والحكومات، فتستمر العدوات والحروب، والكراهية، والموت استشهاداً أيضاً، هذا مع الجوع والفقر، ومع تفشي الأمراض وكل ذلك سيمتد إلى حد أن لا يرى الأمميون (غير اليهود) أي مخرج لهم من متاعبهم غير أن يلجأوا إلى الاحتماء بأموالنا وسلطتنا الكاملة .
***
الصور مقلوبة..
نحن لسنا إرهابيين.. وليتنا كنا..
نحن شراذم أمة مهزومة..
بل شراذم شراذم..
جاءنا الأعداء من كل جانب وجاسوا خلال الديار..
والكارثة..
الكارثة العمياء والداهية الدهياء.. أننا في هذا الموقف الذي لا تداني خطورته خطورة.. في هذا الموقف الذي نحتاج فيه إلى كل ملك ورئيس و أمير وقائد وضابط وجندي وصحافي ومفكر.. يحيطون بنا إحاطة السوار بالمعصم.. يخوضون بنا بحور الدم – دمنا – فنخوض معهم دفاعا عن لا إله إلا الله..
دفاعا عن مسلم تفوق حرمة دمه حرمة الكعبة..
مسلم واحد..
الآن.. ليس واحدا.. بل ملايين.. يسفك دمهم  وينتهك عرضهم وتسرق أموالهم وتسلب أموالهم وخنازير النخبة لاهون ليس منهم منجد ولا مغيث بل منهم من يفخرون لأن كل هذه الكوارث وكل هذه البحور من الدم إنما هي أروع العهود وأنصع العهود..
وحكامنا الذين  انتظرناهم  دروعا لنا كانوا دروعا للأعداء..
حكامنا وقادتنا وجيوشنا ومفكرونا وصحفيونا .. جل أولئك انضموا إلى أعدائنا..
وتلك صورة مقلوبة..
***
نحن أمة مهزومة هرب جيشنا لينضم إلى جيش الأعداء.. أما شرطتنا ومباحثنا التي كان المأمول منها أن تكشف تسلل جواسيس العدو إلينا واختراقه لنا.. شرطتنا تلك ومباحثنا أصبحت هي الأداة الأولي للاختراق والوسيلة المثلى للتجسس على الأمة لصالح أعدائها..
أما النخبة المفكرة السافلة فقد انحازت بكليتها إلى الأعداء.. تبريرا وتزويرا وتلفبقا وكذبا.. وتولوا هم التفسير والتأويل ومنعوا أهله منه فكان الأمر أشبه  بأن يتصدى  المشركون لتفسير القرآن والكافرون لتأويل الأحاديث .. ليحددوا ما هو جهاد في سبيل الله وما هو خروج..
نعم..
يُمنع الصحابة والتابعون و إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الاجتهاد  ويقتصر ذلك على أعداء الله و أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم..
يمنع  أبو بكر وعمر و أبو حنيفة والبخاري  وابن تيمية وسيد قطب و أسامة بن لادن  ويتقدم الحارث بن قيس بن عدي، و الوليد بن المغيرة، و أمية بن خلف وأخيه أبي  وأبو قيس بن الفاكه والعاص بن وائل، و النضر بن الحارث، و أبو الحكم بن هشام، و ابن سبأ، و نبيه وأخاه منبه و زهير بن أبي أمية و عقبة بن أبي معيط و مطعم بن عدي، و زكي بدر..  وتركي الحمد وشيخ الأزهر وعايض القرني وصلاح عيسى.. وجمال الغيطانى.. وجابر عصفور ..و أدونيس.. والنبوي إسماعيل.. ونايف و..و.. و..
***
نعم..
تموت الأسد في الغابات جوعا.. ولحم الضأن تأكله الكلاب..
نعم..
يُمنع الأهل والصحاب ويُسمح للخنازير والكلاب..
***
أحد المنافقين أعداء الله لم يخجل من لحيته ولا من الناس ولا من الله فراح يفسر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم  عن إخراج المشركين من جزيرة العرب فأخذ  يقلص من مساحة جزيرة العرب حتى اقتصرت على الحجاز فقط.. ثم راح يقلص الحجاز حتى اقتصرت على مكة والمدينة..
وحتى لو كانت كلمة حق فالمراد بها باطل..
كان الشيخ من الجزيرة العربية.. وكان ينافق سيده ومولاه..
ولم يعتمد في تفسيره على ابن كثير أو السيوطي أو الجلالين أو الصابوني أو الظلال.. بل أظنه اعتمد على رامسيفيلد وبوش وشارون و آخر تفسير عصري لفريدمان..
عليه لعنة الله..
عليه لعنة الله..
عليه وعلى كل آبق منافق مثله لعنة الله..
وتلك أيضا كانت صورة مقلوبة..
***
أقول أننا أمة مهزومة استسلمت حين كان يجب أن تقاتل.. وفوجئت بحكامها وبجيوشها و كل نخبتها تتركها عارية مكشوفة وتنضم إلى الأعداء.. واستكانت الأمة الراكعة الخاضعة الخانعة المستذلة التي استنامت واستدامت على الركوع والسجود لغير الله.. استكانت واستسلمت .. وبقيت شراذم شراذم.. من كل ألف واحد.. بل أقل و أقل و أقل.. ربما من كل مائة ألف خانع مستسلم خرج واحد فقط أبي أن يستسلم فراح يجاهد.. فانطلق خنازير المثقفين وفقهاء السلاطين يرمون هذه الآحاد الذين أبوا الدنية في دينهم واسترخصوا حياتهم في سبيل الله فراحوا يتسابقون على الاستشهاد .. أقول  راح خنازير المثقفين وفقهاء السلاطين يرمونهم بالإرهاب ويصفونهم بالخوارج..
كان على الأمة كلها أن تقاتل في صفهم.. لكن لم يقاتل إلا هم ..
وتلك صورة مقلوبة..
***
كانت الصورة مقلوبة أيضا عندما امتلكنا من الخسة قدرا  جعلنا نستنجز حماس وعدها بالثأر للشهيد الشيخ أحمد ياسين..
كانت مقلوبة..
وكنا نرتل:
-          إذهبي يا حماس أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..
نستنجزهم الوعد وكأنما القضية ليست قضيتنا والدم ليس دمنا.. ولا العرض عرضنا ولا الشرف شرفنا ولا الدين ديننا..
شوتني النار..
لفحتني..
كنت كأنما أسمع لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً..
أنقض  الصمت ظهري..
وكنت غارقا في الصمت أعلك الألم و أنادم الغضب  وأتلظى في بحر من النار أو في لجة في ظلمات البحر  حتى قطع ذلك الصمت المؤلم أنين قلبي الملتاع :
-          لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ..
وبين النار اللافحة وموج كالجبال من الألم كنت أختنق..
-          لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إنا لله و إنا إليه راجعون..
كنت واحدا من الأمة الملهوفة على الرد على جريمة شيخنا الشهيد..
أمة خانعة وملهوفة في نفس الوقت على الثأر..
أمة مشلولة..
***
لم يكن الأمر كما صوره  الدكتور يوسف القرضاوي في أنواع العذاب التي يلقاها الشهداء في سجون الجبابرة:
".. أن الإنسان قد يصبر على الضرب الأول وإن اشتد وطال. ولكن أقسى الضرب وأوجعه هو الضرب الثاني، أي الضرب والجسم مجروح ومشرَّح من آثار الضرب السابق، فهنا يكون الضرب شيئا لا يطاق.
***
لم يكن الأمر كذلك في تلك المرة و أنا مع القاعدين أتلو:
-  إذهبي يا حماس أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..
وكان الألم على الألم والجرح على الجرح والسوط على السوط.. فذلك هو ما يحدث لي مع كل نشرة أخبار..
***
ذلك اليوم لم يكن الأمر كذلك..
كان أجل و أفظع..
وكنت أراقب شريط الأخبار على التلفاز عندما جاء خبر عاجل عن قصف سيارة في غزة فأزّ الصمت  صرخ الصمت  فزع الصمت  جزع الصمت  أنّ الصمت صاح الصمت  ضج الصمت عَلِزَ  الصمت  وعز الصمت وناء الصمت وباخ الصمت  وعجز الصمت وصمت العجز  وهتف القلب المذبوح:
-          الدكتور الرنتيسي..
احتواني شرر كالقصر وسمعت للنار التي تلفح قلبي  تميزا وزفيرا.. وهتفت:
-          يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارب.
تجسد لي ذي النون فدعوت دعاءه..
تذكرت أبا الأنبياء فدعوت الله أن تكون النار بردا وسلاما..
تذكرت حبيبي ومولاي وسيدي محمد صلى الله عليه وسلم  يهتف عندما لاحت نذر الهزيمة:
-          أنا النبي لا كذب.. أنا بن عبد المطلب..
ولاحت لمخيلتي آلام الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه قائلا:
-          فلماذا نرضى الدنية في ديننا..
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إنا لله و إنا إليه راجعون..
وكنت كمن يتعلق بإيمانه وهو يهوي من حالق ولم يخذلني الإيمان فاستحالت النار بردا وسلاما.. ليس بذهاب الألم فالألم باق ولكن باستقرار اليقين حين صرخت نفسي وهي تطير شعاعا:
-    اثبت يا مسكين فإن وعد الله حق.. اثبت فإن ما فعله الخنزير شارون  لم يحدث خارج نطاق القدرة والمشيئة بل بالمشيئة والقدرة حدث.. اثبت يا مسكين.. إنه الابتلاء و إنها الفتنة .. اثبت يا مسكين فكل ما يحدث يحدث بإرادة الله وما دام يحدث بإرادة الله فعليك أن تكون السبيكة الصعبة التي تمزج الرضا بالصبر بالجهاد.. استشهاد الرنتيسي لم يحدث إلا بأمر الله و إلا  فهل تري أنه يُعصي قسرا.. فافهم.. واعلم أنه لا يحدث في الوجود حدث إلا بمشيئته وقدره  لكن حكمته تخفي علي مثلك يا مسكين .. اثبت يا مسكين وادع من حولك للثبات لأن الله  لا يكلفهم ما لا طاقة لهم به.. إنما يكلفهم ما استطاعوا.. اثبت يا مسكين فإن الشيطان وعبيده غير معجزى الله.. اثبت لأنه سبحانه لو شاء لأفناهم قبل أن يرتد إليك طرفك.. و لأهلكهم قبل أن يرتد إليك بصرك.. اثبت يا مسكين فإنه قادر على أن يفنيهم بحجر تائه في الفضاء.. مجرد حجر يضربهم فيصبحوا كأن لم يكونوا أبدا..
وكنت أرقب المشهد.. وما زلت أهتف:
- لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إنا لله و إنا إليه راجعون..
 كان الزحام هائلا.. ولم يكونوا قد أعلنوا بعد عن أسماء الشهداء لكن قلبي أدرك.. وكنت أرى شبابا على مبعدة من السيارة المنسوفة المقصوفة يحملون "كشافات" صغيرة و آلات معدنية صغيرة يكشطون بها شيئا يبحثون عنه.. والتقط واحد منهم شيئا فعرضه أمام كاميرا فضائية.. كان قطعة صغيرة جدا من اللحم.. مزقة لا تتجاوز جراما أو جرامين من لحم بشرى متهتك تناثر حول السيارة المنسوفة..
وكنت ألهث بين الفضائيات لأستوثق من شخصيات الشهداء و لأرصد رد الفعل العربي..
وثبت في النهاية ما كنت أخشاه..
كان الشهيد هو الدكتور عبد العزيز الرنتيسي..
وكما حدث مع الشهيد أحمد يسن.. كان نصفي يتفجر من الفخر ونصفي الآخر يتفجر من القهر..
وعلى شاشة إحداها كان فخامة سمو معالي جلالته يخطب..
وكانت تعلو رأسه صورة نسر أو صقر..
شملنى الدوار وغامت عيناي واهتزت صورة الصقر والنسر فلم أعد أدري هل ظلت كما هي أن تحولت إلى بومة ناعقة منذرة بالخراب الذي اكتمل على يدي سمو معالي فخامة جلالته.. وقلت لنفسي أن الأولي أن تعلو رأسه صورة أرنب مذعور أو جرذ قذر أو صرصار في مرحاض..
تمنيت أن أرى جبهة سمو معالي فخامة جلالته مخترقة برصاصة..
 وتمنيت أن أرى أشلاء سمو معالي فخامة جلالته تكشط من الأرض..
تمنيت ألا تجد هذه الأشلاء من يجمعها فتصير إلى طعام للكلاب الضالة وخماص الطير..
تمنيت أن أرى أجساد سمو معالي فخامات جلالاتهم مكومة كما كوم الأمريكان – سادتهم- إخوتنا الأبرياء في العراق في كومة ذل مسحوقة..
وقلت لنفسي أن الذل لم يلحق إخوتنا الأبرياء بل لحق بهؤلاء الطواغيت الأوغاد ونخبهم..
وقلت أن الدنس لم يلحق بالمغتصبات.. بل لحق بهؤلاء الطواغيت..
هم الذين تدنسوا..
وبعد أن تدنسوا راحوا يكيلون لنا التهم بالإرهاب مجاملة لسادتهم..
واستمر خنازير المثقفين وفقهاء السلاطين يتهمون أنبل من فينا بالخروج والإرهاب..
ولقد سمعت بأذني رأسي  ولي عهد – دعنا من استبدال بعض القراء للراء بالدال- وملكا ورئيسا  – يطالب العلماء  بإصدار فتاوى تتهم المجاهدين بالإرهاب والخروج من الإسلام ..
 مولاي أنا أوافقك..
وسوف أحكم لك على الفور.. وسوف أصدر لك من الفتاوى ما تشاء .. بشرط واحد.. هو أن تثبت لي أنك تعبد الله لا بوش.. يا عبد..
مولاي سوف أوافقك..
لكنني لا أحكم لمفقوءة عينه قبل أن أرى خصمه فقد يكون مفقوءة عيناه..
مولاي لقد رأيت هذا الفيلم أو المسلسل أو الرواية – سمها ما شئت – منذ خمسين عاما  أو يزيد..
واكتشفنا بعد خمسين عاما أن من اتهموا بالإرهاب كانوا هم الشهداء و أن الذين اتهموهم كانوا هو الفسقة والخونة والزنادقة..
والذي تستر بالدين واستكتب شيوخ الأزهر و استصدر منهم فتاوى بتكفير المجاهدين.. هذا الكافر نفسه هو الذي قال للمجاهدين وهم في سجونه..
-          نادوا ربكم فإن نزل لينقذكم فسوف أحبسه معكم..
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
***
في ذلك الوقت .. منذ خمسين عاما كان الشهيد العظيم سيد قطب قد كشف الأمر و أدرك حقيقة الصور المقلوبة التي تضللنا لنري غير ما يحدث.. لنري الحقيقة مقلوبة والصدق كذبا والكذب صدقا..
أدرك سيد قطب على سبيل المثال حقيقة صحافتنا ودور المخابرات الأجنبية في تمويلها وتوجيها فقال:
-    " إن الصحف المصرية- إلا النادر القليل- مؤسسات دولية لا مصرية ولا عربية! مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأميركية والفرنسية والمصرية والعربية أخيرا!! مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلام المخابرات هذه لتروج دعايتها في أوساط الجماهير. مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم قضايا الشعوب العربية وتخدم الاستعمار الخارجي والجهات الحاكمة قبل أن تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب. لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية، وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق، لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلاد العربية جميعا[2] "..
والآن .. هل يختلف الأمر.. إلا في ضرورة إضافة الفضائيات والمؤتمرات وجميع وسائل الدعاية والإعلام لينطبق عليها نفس الأمر.
وكانت هذه صورة مقلوبة.. فصحافتنا تعمل لصالح أعدائنا.. وكان سيد قطب ذا بصيرة نافذة كشفت أمامه الحجب ليرى بنور الله وليقول أحد أخوات قبل اعتقاله بأسابيع:
-    " لقد وقفت على مدى تغلغل الأصابع اليهودية بعد بحث وطول وعناء، واليهود إذا علموا أنني أحيط لذلك فلا بد إن أقتل !!!."
كان سيد قطب قد توصل منذ خمسين عاما إلى مفتاح الشفرة التي تمكنه من فهم الأحداث على وجهها الصحيح لا المقلوب..
فهم سيد قطب على سبيل المثال  ما لم نفهمه من الوحدة بين مصر وسوريا .. ذلك أن سوريا كادت أن تصبح شيوعية، فدبروا لها الوحدة مع أنها تتنافى مع المخطط الصهيوني في المنطقة العربية. فتمت الوحدة بين مصر وسوريا لغرض معين وهو القضاء على الشيوعية، وانتهت بمجرد أدائها الغرض  ..
من أجل هذا الفهم كان لا بد لسيد قطب أن يقتل كما قتل حسن البنا..
وبعد أربعين عاما كانت كلية دار العلوم تحتفل بمرور مائة عام على تأسيسها.. وطبعت كتابا يحتوي على أسماء خريجيها.. لكن الكتاب أغفل تماما ومحا بالكامل كل ما يتعلق  باسم أهم اثنين من خريجيها في القرن الماضي كله وربما في القرون اللاحقة أيضا.. اثنين كان كل واحد منهما أمة في رجل..
اثنين لم يطاول قامة أي منهما أحد..
اثنين كان كل واحد منهما الأول على دفعته..
وكان هذان الإثنين هما:
حسن البنا..
وسيد قطب..!!!
فانظروا يا ناس إلى درجة الفجور في قلب الصورة.
***
الصورة مقلوبة..
ونحن لا نرى الواقع الذي  يجب أن نراه.. بل نرى ما يراد لنا أن نراه..
لا نري الحقيقة بل الكذب..
نرى الصورة المقلوبة..
نحن ضحايا لمؤامرة الصور المقلوبة تلك منذ قرنين على الأقل.. تقدم إلينا المعلومات لتخفي الحقيقة لا لتكشفها .. إن هذه الطريقة في الخداع جزء من الحرب..  جزء يسميه  الخبير العسكري البريطاني الأشهر ليدل هارت:  نظرية الهجوم بالاقتراب غير المباشر وتتضمن هذه النظرية عدم التقرب في مجابهة الخصم تقريباً مباشراً لاختبار القوة بل وإخلال توازن الخصم بتقرب غير متوقع من قبل. يقسم الكاتب البريطاني العسكري (ليدل هارت) الهجوم الاستراتيجي غير المباشر لقسمين أحدهما مادي يستهدف القوات المعادية والآخر معنوي موجه نحو مركز تفكير العدو وجهازه العصبي وذلك لشل عمله ومنعه من التفكير والتخطيط.. والأساس الفكري للخداع في كليهما واحد..
ويقرر الخبير العسكري الألماني الشهير  (كلاوزفيتز) أن القوى المعنوية تلعب في المواجهة دوراً أساسياً فتقوية المعنويات ورعايتها من المهمات السياسية القومية العليا في كل بلد، ويمكن للقوى المعنوية كالقوى المادية أن تتلاشى  مع الزمن بسبب خطأ  ترتكبه الحكومة أو القيادة بحق المواطنين ( مالم يذكره كلاوزفيتز أو يتخيله أن ذلك يمكن أن يحدث ليس بسبب خطأ في التقدير بل بسبب خيانة الحاكم وتواطؤه مع أعداء أمته ودينه.. وهذا بالضبط ما حدث في بلادنا) ..
***
ما أريد أن أقوله الآن.. و أن أنبه القارئ إليه هو أن الوسائل التي يستمد منها معلوماته ويبني على أساسها مواقفه هي وسائل صنعت خصيصا لخداعه لا لإرشاده إلى الصواب.
عد أيها القارئ إلى حرب رمضان 73..
كان من ضمن الأداء الرائع فيها خطوات الخداع الاستراتيجي التي ابتدعها الفكر الإسلامي المبدع لخداع إسرائيل..
ولقد صدقت إسرائيل جزءا من هذا الخداع.. وكان يمكن – لولا اعتبارات عديدة – أن يكون هلاكها في تصديقها للخداع..
أريد أن أقول للقارئ أن هذه المرة كانت المرة الأولي والأخيرة – خلال القرنين الماضيين – التي نستعمل فيها وسائل الخداع لخداع أعدائنا..
بقية القرنين كنا – وما زلنا – نستعمل وسائل الخداع لخداع أمتنا ..
هذه قضية هامة جدا..
في تصديق الآلة الإعلامية الضخمة هلاكنا.. وهي لا تقدم لنا سوي الكذب – إلا من عصم الله- .
***
والآن دعوني أضرب لكم مثلا شخصيا يظهر لكم كيف وكم خدعت في موقف للملك حسين عليه من الله ما يستحق..
طيلة عمري كانت نظرتي للملك حسين شديدة العدائية.. وكانت مفعمة بالريب والشكوك.. بل باليقين.. واستمر الوضع هكذا حتى عام 1990 حيث بدا لي أنه يتنكر لماضيه كله ويتبنى أشجع و أجرأ المواقف لمنع التدخل الأمريكي في المنطقة.. بدا لي الأمر مذهلا  وهو لا يكف عن السعي والنداء والمحاولة حتى اتهمه يهود العرب أنه عميل صدام حسين..  بدا عروبيا أكثر من أي عروبي آخر وبطلا أكثر من أي بطل آخر و أشد تمسكا بالإسلام من كل الشيوخ .. وكان ما يذهلني أنه يقامر بعلاقته بأمريكا.. ومعنى هذه المقامرة أنه يقامر بعرشه بل بالأردن كله.. فالأردن كيان هش أنشئ لحماية إسرائيل ( قبل وجود إسرائيل بربع قرن!! كي يعزل بينها وبين السعودية من ناحية – حيث خطر الزخم الديني – وبين العراق من ناحية أخرى حيث الكثافة البشرية.. لكن ذلك كله موضوع آخر) .. أقول أن الأمر بدا لي أيامها أنه يناطح أمريكا و أنه مقضي عليه لا محالة..
ولست أنكر أنني امتلأت إعجابا به أيامها.. وقلت لنفسي ربما أنني ظلمته فيما سبق وربما أنه يخلط عملا صالحا بعمل غير صالح..
بعد الحرب على العراق عام 91 عاد الملك حسين كما كان.. لكنني لم أستعد الجرأة السابقة على إدانته..
وظل الأمر كذلك حتى مات.. وعملا بـ:" اذكروا محاسن موتاكم " رحت أشيد بموقفه عامي 90 و 91.. وفوجئت بمسئول عربي  على درجة عالية من الأهمية يطلب لقائي ليشرح لي الأمر.. ولأكتشف عن طريقه كيف وكم خُدعت..
قال لي المسئول أن موقف الملك حسين ذاك الذي أشيد به صناعة أمريكية مائة في المائة.. ولما رأى الرجل ذهولي فسر لي الأمر..
-    نعم .. خططت أمريكا الأمر كله.. وكان على الملك حسين أن يبدو عدوا لأمريكا بل و أن يكون قائد المواجهة ضدها.. ولم يكن أمامه إلا أن يفعل ذلك.. ذلك أن 60% من الشعب الأردني من الفلسطينيين.. والـ40% الباقية أبناء عمومتهم ويتعاطفون معهم.. هؤلاء جميعا كانت مشاعرهم مشتعلة ضد أمريكا.. كانوا على وشك الانفجار.. وكان رعب أمريكا من انفجار ثورة شعبية  أو انقلاب عسكري ضد الملك حسين.. وهو أمر إن تم كان كفيلا بإفساد المخطط الأمريكي كله.. فإسرائيل من ناحية لن ترضى بالقضاء على حكم واحد من أوفى أصدقائها.. لذلك لابد لها أن تتدخل ضد الانقلاب.. وهذا التدخل لم يكن ليمر دون تدخل مضاد من سوريا والعراق.. وكانت الأمور ستسفر عن أمر من ثلاثة: استيلاء إسرائيل على الأردن.. أو استيلاء العراق عليه.. أما التصور الثالث فقد كان اشتعال حرب طويلة تكون ساحتها الأردن.. وفي الاحتمالات الثلاثة كان الهدف الرئيسي من إنشاء الأردن وخلقها ككيان سوف يُدمّر.. كان الحاجز الواقي لإسرائيل سينهار لتتصل حدودها بالزخم الديني في الجنوب والزخم البشري في الشرق.. وفي هذا خطر هائل على إسرائل كما أنه من ناحية أخرى كان يمكن أن يشكل عاملا قويا لتوحد العرب والمسلمين ونسيان خلافاتهم ..
أي تخاذل من الملك حسين إذن في الهجوم على أمريكا  كان سيتسبب في انقلاب شعبي أو عسكري على حكمه .. وكان سيترتب على ذلك  معركة عربية إسرائيلية .. معركة قد ينضم لها آخرون لكن المؤكد أنها كانت ستقضي قضاء مبرما ونهائيا على التحالف الذي تبنيه أمريكا في الجنوب.. ولم يكن معقولا تحت أي ظرف من الظروف – على سبيل المثال- أن تقاتل القوات السورية إلى جانب القوات العراقية في الشمال في نفس الوقت الذي تهاجمها فيه من الجنوب.. كما لم يكن متصورا بأي صورة أن تكون العراق مشتبكة مع إسرائيل في الشمال بينما يهاجمها العرب من الجنوب.
كانت أمريكا مرعوبة من هذا التطور للأحداث، ولم يكن لديها أي وسيلة لمنع تداعياته إن حدث.. وكان العلاج الوحيد وقائيا.. أن يمنع حدوثه.. ولم يكن من سبيل إلى ذلك إلا بأن يزايد الملك حسين على الجميع حتى لا يترك أي ثغرة لأي واحد يمكن عتابه من خلالها..
كان عليه أن يكون أكثر تطرفا وتشدا وحماسا من أي فرد من أفراد شعبه.. كان عليه ألا يترك أي فرصة لغبره كي يزايد عليه..  وكان هذا هو السبيل الوحيد لتوفير الجو المناسب لأمريكي كي تبني تحالفها في الجنوب..
موقف الملك حسين كان إذن موقفا أمريكيا مائة في المائة.. ولولاه لانهار التحالف..
فهل رأيت أيها القارئ كيف وكم أمكن خداعك وخداعي؟!..
***
واقعة أخرى تتعلق بالملك حسين أيضا.. وهي واقعة لا أكاد أصدقها.. أو على الأحرى لو أننا في ظروف طبيعية لأنكرتها على الفور.. لكننا في حال البين بين.. لا نستطيع أن نصدق بثقة ولا أن نكذب بيقين.. والواقعة تتعلق بموته.. حيث تقول القصة الرسمية أن جلالته استعاد صحته فجأة بعد مرض طويل ميئوس من شفائه ( سرطان) و أنه عاد إلى الأردن مفعما بالعافية فسجد على أرض المطار فور وصوله ثم استقل سيارة مكشوفة طاف بها عمان وسط مشاعر حافة من أفراد شعبه وظل مدة طويلة واقفا يلوح للناس.. ثم انتقل إلى قصره فحكوا له ما حدث أثناء غيابه حين ظن الناس أنه هالك لا محالة فانكشف المستور وظهر ولي العهد – شقيقه  الأمير الحسن-  على حقيقته مما دفع بالملك إلى نزع ولاية العهد منه لصالح ابنه .. وابنه هذا أمه انجليزية وزوجته إنجليزية وينطق العربية بصعوبه.. وما أن أدي جلالة الملك مهمته المقدسة حتى ساءت صحته فجأة فعاد مرة أخرى إلى المستشفى الأمريكية التي كان يعالج فيها.. حيث وافاه الأجل المحتوم..
كانت هذه هي القصة الرسمية..
ولم أكن أجد فيها ما يزلزل ثقتي فيها حتى لقيت مسئولا عربيا على اتصال وثيق بأعلى مراكز الحكم – وكان قريبا جدا من الملك حسين أثناء صحوة الموت -  والرجل يقدم قصة خرافية لا أصدقها حتى الآن..
وخلاصة القصة أن حكاية صحوة الموت هذه كلها كذبة أمريكية.. وكان الملك حسين قد توفي قبلها بأيام.. ورأت أمريكا أن وجود الأمير الحسن على رأس الحكم في الأردن قد يعرقل خططها.. فضلا عن احتياجها إليه كملك للعراق فيما بعد.. كان الملك حسن قد مات فعلا.. ولكن لم يسقط في يد الأمريكيين.. فالشخص الذي عاد إلى الأردن لم يكن هو الملك حسين بل شبيه له يلبس قناعا أعد لوجه الملك في المستشفى بعد موته.
ويقول ذلك المسئول أن طريقة سجدة ذلك الشبيه على أرض المطار لا يمكن أن يفعلها مسلم، طريقة السجدة نفسها، و أن وجهه لم يكن موجها للقبلة كما أنه سجد سجدة واحدة..
وقلت للمسئول أن تلك كلها قرائن لكنها واهية جدا ولا تصلح لإثبات أمر خطير كهذا.. فإذا به يقول أن الأمر كان متاحا لعدة أفراد على قمة السلطة في الأردن.. لكنه في كواليس المخابرات الأمريكية كان منتشرا أكثر خاصة عندما تسببت مستشفى البحرية الأمريكية التي مات فيها في أزمة كبري. فقد أصدرت المستشفى شهادة وفاة للملك حسين الحقيقي  عند موته.. لكن المخابرات الأمريكية عادت لتطلب شهادة أخري بتاريخ آخر بعد الأول بأسبوعين كي يتوافق ذلك مع تاريخ عودة الشبيه من الأردن. وقد رفضت المستشفى بإصرار أن تعطي هذه الشهادة المزورة.
***
إنني أنبه القارئ هنا إلى أشهر تعريفات الحداثة.. إنها القطيعة المعرفية مع الماضي.. وككل التعبيرات الشريرة فإن المعني يبدو مراوغا ويقبل للتفسيرات المختلفة.. كما أن بعض الحداثيين تكفل بتقديم  تطبيق عملي نقوم فيه بإعادة كتابة التاريخ لنغفل ما فعله الغرب بنا في حروبه الصليبية والاستعمارية.. و أن ننسى بالطبع أصل مشكلة إسرائيل.. و أنها لم تكن لتوجد على الإطلاق لو أن عصابات المجرمين الصهاينة لم تأت بناء على وعد المجرمين البريطانيين.. كما أنها لم تكن لتستمر لولا مساعدة المجرمين الأمريكيين..
ما أريد أن أقوله أن الحداثة مناسبة جدا بالنسبة للّصوص لأنه تسقط عنهم كل ديونهم المعنوية والمادية بآلية لم تحدث من قبل في التاريخ قط.. آلية النسيان. انس حقوقك عندي.. ولنبدأ من جديد.. تلك هي الخلاصة النهائية الحقيقية للحداثة.. بيد أن هذه البداية الجديدة لا تحمل أي ضمان.. فبعد عشرة أعوام أو مائة عام.. عندما تتراكم حقوقنا المسلوبة لديهم من جديد ستجد من يقول لك: انس حقوقك عندي.. ولنبدأ من جديد.
هذه هي المستحقات الحالية للحداثة.. أما المستحقات السابقة فقد عبر عنها كلب كأدونيس بقوله بأن "الحداثة هي ظاهرة تتمثل في تجاوز القديم العربي لتصهره في قديم أشمل يوناني، مسيحي، كوني".. وخنزير كسلامة موسى بقوله : «فلنولِّ وجهنا شطر أوروبا.. ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها ونؤلف عائلاتنا على غرار عائلاتها" وفاسق  كفرج فودة  في قوله: «إن هوية مصر فرعونية، قبطية، إسلامية، متوسطية» وهي نفس مقولات  طه حسين من قبل في «مستقبل الثقافة في مصر» والشعر الجاهلى ومقولات علي عبد الرازق في "الإسلام و أصول الحكم".  ولتقرأ أيضا كلمات هشام شرابي: «التراث الذي ينبغي دراسته والحفاظ على إنجازاته هو التراث الذي صنعته الأجيال الثلاثة أو الأربعة الماضية"..
والأمر كما هو واضح يستعمل الماضي كعبارة مراوغة غامضة.. لكنها مع التمحيص لا تعني سوى التخلص من الإسلام.. هو المطلوب أن ننساه و أن نهجره و أن ننكره..
***
صل ما بين النقاط أيها القارئ..
صل ما بينها.. وستجد أن الخط الذي يبدأ بلويس التاسع سيمر بمحمد على  والخديوي توفيق وكمال أتاتورك وجمال عبد الناصر وحسني مبارك..
صل ما بين النقاط.. فالخط الذي يبدأ بأوربان الثاني سيمر بهنري كوريل لينتهي برفعت السعيد بل وبشيوخ من الأزهر..
صل ما بين النقاط.. ستجد أن الطهطاوي وطه حسين وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول كانوا هم المفارز الأمامية لفريدمان ورامسيفيلد  ومأمون فندي..
صل ما بين النقاط.. فالخط الذي يمر بقسطنطين زريق  يمر أيضا بلويس عوض وحسين عبد الرازق وصلاح عيسى وجمال الغيطاني..
صل ما بين النقاط وستجد أن مطالبة الصليبيين بنشر اللغة العامية على حساب الفصحى تبدأ بمهندس ري بريطاني صليبي ثم تمتد عبر خنازير كسلامة موسى ومغفلين كعبد العزيز فهمي إلى العلمانيين الأشرار واليساريين الأقذار لتصل في النهاية إلى تمجيد العامية في مصر وطلب الخنازير المؤسسين لحزب مصر الفرعونية بترك العربية إلى الهيروغليفية أو القبطية و إشادة نقاد اليسار الحقراء بالأعمال الأدبية التي تكتب بالعامية – أشهر نقادهم: د محمد مندور نشر فصلا عن شعر سيد قطب في كتابه: " الشعر المصري بعد شوقي".. لكنه حذف هذا الفصل من الطبعات التالية عندما غضب العسكر على الشهيد العظيم.. فانظروا كيف كان شرف وشجاعة أكبر نقادهم.. وبنفس هذا النمط من الشرف جرت المحاولات المسعورة لتحطيم الفصحى وتمجيد العامية.. وما انتشار – بل النشر المصطنع الخائن – الشعر النبطي في أرض الجزيرة العربية إلا جزءا من مثال.
نعم..
صل ما بين النقاط  أيها القارئ فالكفر كله ملة واحدة..
في هذا الإطار للنسيان – أقصد الحداثة – علينا أن نتخلص من كل الأفكار المسبقة عن الجامعة العربية و أن تظل أمامنا كضوء باهر يعمي أكثر مما يضيء.. إياك أن تفكر في ماضيها أو ظروف نشأتها فذلك قد يدفعك إلى اكتشاف حقيقتها.. و أنها لم تكن سوى مسخ خلقه الانجليز كبديل عن الجامعة الإسلامية وكحائط لمحاربة الشيوعية.. وقد أدت وظيفتها بكفاءة كاملة واستمرت مطلوبة حتى عام 90: انهيار الاتحاد السوفيتي من ناحية وسقوط آخر أوكار القومية من ناحية أخري.. وانتهت وظيفة الجامعة العربية فتركوها تموت في مكانها تزكم بعفنها الأنوف دون أن يجرؤ على دفنها أحد.
***
الأمر منظومة واحدة متسلسلة متكاملة والغرب يبني طابقا بعد طابق وفكرة بعد فكرة وهجوم بعد هجوم ومؤامرة بعد مؤامرة منذ أكثر من ألف عام ونحن لا نفعل إلا النظر إلى أرنبة أنوفنا.
في هذه المنظومة الشيطانية فإن كل ما يسيء إلى الإسلام حضاري ومستنير وتقدمي وحداثي وعظيم.. أما كل ما يقرب من الإسلام فهو همجي ووحشي ومتخلف و إرهابي.
لا ينال المديح إلا من كان ضد الدين والأمة والوطن بمعناه الحقيقي..
لا تسلط الأضواء إلا على الخونة أنصار الأجنبي..
لا ينال الحكم لا الخونة والجواسيس والعملاء..
***
في كتاب من أهم الكتب التي تكشف لنا الصور المقلوبة يقول محمود الشاذلي[3]:
وأعلن البابا أن كل من يشترك في هذه الحملات ( الصليبية)  تغفر له ذنوبه، ويدخل في  حماية الكنيسة. ومن ثم ملكوت السماء. مغفورة خطاياه. وعلى الذين يضعون " صليبا" من القماش الأحمر على ملابسهم من ناحية الكتف أن يتجهوا إلى الشرق  والرمز المقدس يعلن مشاركتهم في الحرب. أما إذا ترددوا وتقاعسو! فإن  عقوبتهم الطرد من الكنيسة حتى الحرمان.
كل من يشترك في هذه الحملات ( الصليبية)  تغفر له ذنوبه ..
بنفس هذا المرسوم البابوي غفر لصلاح عيسي وجابر عصفور ولويس عوض وسلامة موسى وقاسم أحمد أمين ونوال السعداوي ومحمد سعيد العشماوي وخليل عبد الكريم وسيد القمني.. و آلاف و آلاف من مجتمع النخبة المدنس المدان.
كل من أساء لإسلام تغفر له ذنوبه..
***
ارفع اسم البابا وضع اسم الخنزير بوش وسيستقيم الأمر..
***
حتى في التفاصيل سيستقيم الأمر.. ولنقرأ معا ما قاله مؤلف الكتاب:
وقد كان غل الصليبيين طافحأ في كل معاركهم الخسيسة. ومن ذلك ما ارتكبوه في أنطاكية وبيت المقدس.
ففي أنطاكية مثل حملة الصليب بأهلها أشنع تمثيل فقتلوا عشرة آلات مسلم من الآمنين في المنازل والمساجد والطرقات.
أما في بيت المقدس فقد قاموا بمذبحة وحشية رهيبة. فاستباحوا دم الرجال والنساء والأطفال وأجهزوا على من احتمى بالمسجد الأقصى وخاض جنود الصليبيين –في شوارع القدس- حتى سيقانهم في بحر من الدماء.
***
هل تجد أي فرق أيها القارئ بين ما يحدث منذ شهور وما حدث منذ قرون..
اقرأ .. ستجد نفس الهمجية والتوحش ونفس الخسة.. وهي خسة لا تفلت من أمتهم أحدا.. لا تلت الناس ولا العلماء ولا القساوسة ولا الحكام..
اقرأ وستجد أن الأمر لم يختلف في أوروبا المجرمة عنها في أمريكا المجرمة..
اقرأ كلبا من كلابهم يتحدث عن الجحيم التي قدرت على المسلمين في القدس وقارنه بالخنزير الأمريكي الذي طلب أن يكون سجن أبي غريب " جهنم" لمن فيه:
ويشهد المبشر  "استيفان نيل " في:  "تاريخ الإرساليات المسيحية- لندن 1971) حيث إنه قد قدرت الجحيم بخصوص " الكفار" (نحن المسلمين) فإن الصليبيين يعتقدون أن سحقهم أمر ضرووي وخلقي أيضأ (!) وأما من يسمح له بالحياة منهم، فإلى عبودية دائمة، بمعنى ما يقومون به من خدمات للمؤمنين (المسيحيين)!! وحيث إن المسلمين- ببساطة- كفار، فليس لهم الحق في الوجود، فلا عهد معهم، وينبغي أن يذبحوا بلا رحمة أو شفقة تمجيدا لإله المسيحية" (ص 113).
فهل يختلف هذا عما يقوم به خنازير الصهاينة في فلسطين أو خنازير الأمريكان في العراق و أفغانستان أو خنازير الروس في الشيشان؟!..
وينقل عن "أولدينبرج " من كتابه "تاريخ الحروب الصليبية" قوله: "إن البابا كان على علم بالفظائع التي ارتكبها الصليبيون حيث نقل إليه ممثله هناك - غداة دخولهم القدس- بصراحة مبهرة، أن ما يقرب من عشرين ألفا من هؤلاء الناس (أي المسلمين) قد أعمل فيهم السيف دون النظر إلى العمر أو الجنس " (1)!! (ص ه 11).
ومع ذلك يوافق الكاتب "القسيس نيل) على  ما حدث ويباركه بقوله: "وعلى أية حال فإن المسلمين. لا يظهر أنهم أتباع أمير السلام (المسيح) إ! ومن ثم استحقوا ذلك.. " (ص 114).
البابا المتوحش الهمجي كان على علم..
بوش المتوحش الهمجي أيضا كان على علم..
شبه الرجل بلير أيضا على علم..
والمسخ البشري شارون على علم..
والحرب التي بدأت منذ ألف عام هي نفس الحرب التي ما زالت مشتعلة.
والأمر لا يقتصر إذن على ملك مجرم أو وزير متوحش.. و إنما إجرام توارثته الأجيال عبر القرون ليتركز أكثر ما تركز في أمريكا حيث الشعب مجرم والنخبة مجرمة والرئيس مجرم وتاريخهم كله مجرم.
هذه هي الصورة الصحيحة..
أما الصورة المقلوبة فقد كانت في الادعاءات الفاجرة الكاذبة عن إنسانية هؤلاء الناس وموضوعيتهم و إنسانيتهم..
***
ليس في التاريخ سوى الصور المقلوبة!!..
وعندما أقول التاريخ فإنني أقصد التاريخ الرسمي، التاريخ الذي يُكتب في الكتب والمدارس والجامعات، التاريخ الذي تنشره الصحف وتروجه الفضائيات، وهذا التاريخ في الغالب الأعم هو عكس ما حدث تماما، و إنما يوظف لخدمة أفكار معينة، تماما كما وظفت نظرية التطور لخدمة قضية الإلحاد.
وقد يتساءل القارئ إذا كان التاريخ كله مزيفا هكذا فكيف نميز بين الخطأ والصواب..
والإجابة – على عكس الموقع – سهلة..
ذلك أن نظام  الصور المقلوبة ذلك يجعل كل ما نواجهه في الدنيا غيبا لعالم الشهادة..
ولا سبيل أمامنا لمواجهته إلا غيب عالم الغيب..
و أهم ما في ذلك هو الولاء والبراء..
هو كما يقول الشهيد العظيم سيد قطب في المعالم أرضى الله قائله ولعن قاتله:
أن توحيد الألوهية وإفراد الله - سبحانه - بها ، معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام ، وردّه كله إلى الله .. السلطان على الضمائر ، والسلطان على الشعائر ، والسلطان على واقعيات الحياة ، والسلطان في المال ، والسلطان في القضاء ، والسلطان في الأرواح والأبدان .. كانوا يعلمون أن " لا إله إلا الله " ثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية ، وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب ، وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله ..
و:
إن الله - سبحانه - لا يريد أن يُعَنِّت رسوله والمؤمنين معه . إنما هو -سبحانه - يعلم أن ليس هذا هو الطريق ، ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي ، إلى يد طاغوت عربي . فالطاغوت كله طاغوت ! إن الأرض لله ، ويجب أن تخلص لله . ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية : " لا إله إلا الله " . وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي ، إلى طاغوت عربي . فالطاغوت كله طاغوت ! أن النـاس عبيد لله وحده ، ولا يكونون عبيداً لله وحده إلا أن ترتفع راية : " لا إله إلا الله " - لا إله إلا الله كما يدركهـا العربي العارف بمدلولات لغته ، : لا حاكمية إلا الله ، ولا شريعة إلا من الله ، ولا سلطان لأحد على أحد ، لأن السلطان كله لله ، ولأن " الجنسية " التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة ، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله.
وهذا هو الطريق ..
نعم..
هذا هو الطريق للتخلص من فخ الصور المقلوبة..
***
سوف نخطئ خطأ فادحا إذا ظننا أن الصور المقلوبة توجد في عصر ويبرأ منها غيره..
إن الأمر يشبه الوباء.. لن نقضي عليه أبدا إذا ما اقتصرنا على مكافحته في حي من أحياء المدينة وتجاهلناه في الأحياء الأخرى..
يجب أن نكافحه في المدينة كلها.. ويجب أن يكون تداعي الأمة شاملا..
لقد جرونا في القرنين الأخيرين على الأقل لمثل هذا.. كنا نكافح في حي ونترك بقية الأحياء.. وغرقنا في الثنائيات.. القومية أم القطرية.. الطورانية أم العربية.. جمال عبد الناصر  أم آل سعود.. سعد زغلول أم اسماعيل صدقي.. طه حسين أم زكي مبارك..
قضوا العمر في الانتصار لهذا أو ذاك .. وقد كانوا جميعا سواء..
بل أريد أن أنبه القراء أن تاريخنا الحديث كله أشبه بنص تمثيلي واحد يمثله ممثلون مختلفون على مسارح متعددة..
من المؤكد أن شخوص الممثلين وتغير مكان العرض سيضعان بصماتهما على النص.. لكن النص سيبقى هو نفس النص دون فرق في النتائج والمآلات والنهايات.. وفي هذا الإطار لن نجد أي فرق بين جمال عبد الناصر وعبد العزيز آل سعود وكمال أتاتورك ومحمد على..
لن نجد فارقا حقيقيا أيضا بين جمال عبد الناصر وبين معمر القذافي..
ولا بين أنور السادات والخديوي اسماعيل.. ولا بين حسني مبارك والخديوي توفيق.. ولا بين الأمير عبد الله ولي عهد السعودية والملك عبد الله الجد ملك الأردن الأسبق..
ليس هناك أي فرق جوهري..

***
ولننظر سريعا إلى عصر محمد علي.. ولنتجاوز الآن عن علاقته بالقنصل الفرنسي الذي أنقذ حياته في اليونان قبل مجيئه إلى مصر بعشرين عاما.. ولنتجاوز أيضا عن لقاء نابليون بالقنصل الفرنسي في الإسكندرية قبل هروبه من مصر، حيث حثه للبحث عن فرد لمساندته وتعضيده حتى يصل إلى مركز هام في الحكم، سوف نتغاضى عن هذا وذاك، وسنتناول طريقة التقديس التي تناول التاريخ بها محمد علي، إن محمد علي في هذا التاريخ هو باني مصر الحديثة، وهو رائد النهضة والتحديث، وهو محرر مصر ، وهو قاهر الدولة العثمانية، وهو.. وهو..وهو..
والكارثة المنهجية أن وجهة النظر تلك تعامل – كما تعامل أمثالها -  بنوع من القداسة الوثنية التي  لا يناقش من يرفضها، بل يؤثم ويقصى ويدان وينبذ، بل ويمنع من نشر رأيه، أو تُصادر الصحف التي يكتب فيها. هذه الكارثة المنهجية كانت وليدة سيطرة العلمانيين الأشرار واليساريين الأقذار على منابر الإعلام والإعلان.
من الصعب جدا أن تجد بحثا كذلك الذي أعده عبد الوهاب محمود المصري بعنوان: " تجربة محمد علي   من منظور مختلف".. حيث يرى أن  تجربة محمد علي  كانت  تغريباً في الثقافة، واستبداداً في السياسة، واحتكاراً في الاقتصاد، وإذلالاً في الجيش، وتبعية في التقانة أو التكنولوجيا، وإذا كان البعض يعتبر تجربة محمد علي "مشروعاً نهضوياً عربياً"، فإننا نرى أنها لم تكن مشروعاً، ولم تكن نهضة، ولم تكن عربية!!! ونتساءل أخيراً: هل يحق لنا أن ننتظر شيئاً أفضل، من رجل كان أمياً جاهلاً(37) ، وكان مصاباً بجنون العظمة، وكان ميكيافيلياً أكثر من ميكيافيلي نفسه، وكان كارهاً للعروبة والإسلام، وكان ألباني الأصل، تركي الجنسية، وفرنسي الهوى؟!؟...‏
ولم تكن تجربة محمد علي في التحليل الأخير، كما يرى المفكر الدكتور برهان غليون، إلا "نهضة البعض واختناق الآخرين"..
حتى الميثاق الذي قدمه الرئيس عبد الناصر إلى المؤتمر الوطني لقوى الشعبية عام 1962م، يقرر أن "محمد علي لم يؤمن بالحركة الشعبية التي مهدت له حكم مصر إلا بوصفها نقطة وثوب إلى مطامعه، ولقد ساق مصر وراءه إلى مغامرات عقيمة استهدفت مصالح الفرد بتجاهله مصالح الشعب"‏ .. والغريب أن جمال عبد الناصر غفل عن حقيقة هامة جدا.. وهي أنه كان يصف نفسه أيضا..
يرى الباحث أن أسباب هزيمة مشروع محمد على مقابل نجاح المشروع الياباني تتلخص في أن  هاجس  تجربة محمد علي كان "مجد الحاكم"، بينما كان الهاجس الأول في التجربة اليابانية كان "نهضة الأمة"..‏
بل إن محمد علي يتحمل  بعضاً من المسؤولية عن جرائم الصهاينة في فلسطين المحتلة... فقد  كان النشاط التبشيري في فلسطين محاصرا بمعارضة الحكومة العثمانية. غير أن تمرد  محمد علي على الدولة الأم بمساعدة الغرب ، خلق المناخ المناسب لنمو الإرساليات التبشيرية وتزايدها، ورفع القيود عن المسيحيين واليهود المقيمين. وإذ سمح للإنجليز بافتتاح قنصلية لهم في القدس، بادرت هذه القنصلية بوضع اليهود تحت حمايتها، علماً بأن اليهود في بريطانيا نفسها لم يتمتعوا بالحقوق السياسية والمدنية إلا في عام 1890م)ـ أي بعد أكثر من خمسين عاماً من تمتعهم بتلك الحقوق في فلسطين أيام حكم محمد علي)!..‏
وبعد أن سرق محمد على أكاليل نصر الشعب على الإنجليز  في رشيد عام 1807 استدار للقضاء على رؤوس المماليك في مذبحة القلعة، ثم  لمواجهة المشايخ الذين اختاروه للحكم، وساعدوه على خصومه، ومن بعد على تثبيته. فأثبت بذلك أنه كان واعياً لدرس ماكيافيلي القائل بأن على الحاكم تحطيم أولئك الذين رفعوه إلى الحكم)، بدون قراءة ماكيافيلي.. إذ قال محمد علي لوزيره آرتين الذي كان يترجم له كتاب "الأمير" بمعدل عشر صفحات في اليوم، بعد اليوم الثالث: "إني أرى بوضوح أنه ليس لدى ماكيافيلي ما يمكنني أن أتعلمه منه، فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف، فلا داعي للاستمرار في ترجمته".
ولقد كانت القسوة البالغة التي استعملها ابنه وقائد جيوشه إبراهيم باشا ضد المسلمين في الشام سببا في انتشار للفكر القومي على أيدي نصارى الشام.
من النادر أن تقرأ الأجيال المتعاقبة من يتحدث عن إجرام محمد على أو ابنه، وبرغم أنه لم يكن مصريا ولا عربيا إلا أنه يظفر بتقديس القوميين و أنصار الوطنية المصرية، لسبب واحد، هو حجم إساءته للإسلام.
***
كان محمد على صبي فرنسا في الشرق، ولقد شجعته طالما كان شوكة في جنب الإسلام فلما تجرأ على المسيحية في اليونان خانت وتحالفت مع خصومه وحطمته تحطيما. لقد كان بصورة أو بأخرى امتدادا لنابليون، الذي لم تسعفه الأحوال لتنفيذ أحلامه في مصر، لكن محمد علي تكفل بذلك.
قام محمد علي بتنفيذ أوامر نابليون التي لم يتسع الوقت لتنفيذها ومنها أمره إلى تابعه كليبر::" اجتهد في جمع 500 أو600 شخص من المماليك أو من العرب ومشايخ البلدان لنأخذهم إلى فرنسا فنحتجزهم فيها مدّة سنة أو سنتين يشاهدون فيها عظمة الأمَّة الفرنسية ويعتادون تقاليدنا ولغتنا، وعندما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب ينضم إليه غيرهم". ويمضي بونابرت في رسالته فيقول في موضع آخر:"كنت قد طلبت مراراً جوقة تمثيلية، وسأهتم اهتماماً خاصاً بإرسالها إليك، لأنَّها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد".
***
كانت البغايا اللائي صحبن جيش نابليون أيضا هم الرواد الحقيقيون لحركة تحرير المرأة ( أو على الأحرى تعهيرها).. ولم يكن هناك أي فرق في طرفي المعادلة .. بين بعثات محمد على إلى فرنسا من الرجال كي يعودوا وقد فقدوا الإيمان بدينهم و أمتهم وامتلئوا بالانبهار بفرنسا وبين المومسات اللائي استوردن..
كان رواد التنوير والمومسات هم قادة التغيير والتحرير!!..
***
سوف يدرك العملاق محمود شاكر كل هذا.. لكن محمود شاكر وكل إنتاجه البالغ الأهمية سيتم حصاره. يقول محمود شاكر مقدّمته لكتاب "المتنبي:
" "صار بيّناً عندي أننا نعيش في عالم منقسم انقساماً سافراً: عالم القوة والغنى، وعالم الضعف والفقر، أو عالم الغزاة الناهبين، وعالم المستضعفين المنهوبين. كان عالم الغزاة الممثل في الحضارة الأوروبية، يريد أن يحدث في عالم المستضعفين تحولاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً فهو صيد غزير يمد حضارتهم بجميع أسباب القوة والعلو والغنى والسلطان والغلبة. والطريق إلى هذا التحول عمل سياسي محض، لا غاية له إلا إخضاع هذا العالم "المتخلف" إخضاعاً تاماً لحاجات العالم "المتحضر" التي لا تنفد، ولسيطرته السياسية الكاملة أيضاً. ومع أن هذا العمل السياسي المحض المتشعب، قد بدأ تنفيذه منذ زمن في أجزاء متفرقة من عالمنا، إلا أنه بدأ عندنا في مصر، قلب العالم الإسلامي والعربي، مع الطلائع الأولى لعهد محمد علي، بسيطرة القناصل الأوروبية عليه وعلى دولته، وعلى بناء هذه الدولة كلها بالمشورة والتوجيه. ثم ارتفع إلى ذروته في عهد حفيده إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي الخديوي، حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في سنة 1882 وبمجيء سيطر الإنجليز سيطرة مباشرة على كل شيء، وعلى التعليم خاصة، إلى أن جاء "دنلوب" (في 17مارس 1897) ليضع للأمة نظام التعليم المدمر الذي لا نزال نسير عليه، مع الأسف، إلى يومنا هذا" .
ولقد تنبه محمود شاكر إلى خطورة التبشير عامة و إلى بند أساسي في هذا التبشير وهو القضاء على اللغة العربية إما بتدريس اللغة الأجنبية وترسيخها كلغة تعليم أو بالدعوة إلى العامية التي لم تزل تتردد بين عرب معجبين بالغرب "الطهطاوي" إلى مبشرين ثقافيين مثل "سبيلا" و "ويلككس" إلى سلامة موسى ولويس عوض وجابر عصفور.
وقد لاحظ محمود شاكر أن التبشير إذا كان بمعناه الضيق قد أخفق في البلاد الإسلامية إخفاقاً ذريعاً فإنه قد نجح بمعناه العام نجاحاً باهراً. وقد رأى ذلك "زويمر" فيما ينقله عنه محمود شاكر: "ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء" ("أباطيل و أسمار" ص254).
ولم يكف محمود شاكر عن التنبيه والتحذير ولم يكف الوسط الثقافي الملوث والمدان عن حصاره..يقول محمود شاكر:  " لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها (...) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون،بلا رقيب ولا حسيب ".
إن محمود شاكر يلتقي في اكتشافاته تلك بمقولات الشهيد سيد قطب التي أوردنا بعضها في صدر هذا المقال.
سوف تتجاهل الدولة محمود شاكر والشيخ مصطفي صبري والشهيد سيد قطب.. وكان هذا أمرا طبيعيا لنظم يسيطر عليها أحفاد مومسات نابليون نساء ورجالا.
***
وربما أكون قد أطلت في إبراز نماذج الصور المقلوبة.. لكنها ضرورية لا للحكم على الماضي بل لفهم الحاضر والتعامل معه.
ودعونا نتناول قضية محورية شديدة الأهمية شديدة التأثير..
في عام 1948، كان المطلوب أن تبدو الحقيقة المزورة للعالم على أن الجيوش المتوحشة لسبع دول عربية تهاجم تجمعات يهودية مسكينة تدافع عن وجودها. وكان المطلوب أن يبدو أن الفلسطينيين ق تركوا قراهم كي يتيحوا المجال لهذه الجيوش المتوحشة لسحق الشعب اليهودي المسكين. وبهذا يكونوا قد تركوا بلادهم بسبب العمليات الحربية، وهي الحجة الباطلة التي تعتمد عليها إسرائيل حتى الآن  لحرمان الفلسطينيين من حق العودة.
ما تتجاهله كل وسائل الإعلام – وما ظهر في وثائق أفرج عنها بعد عشرات الأعوام  وفي كتب عديدة منها كتاب" جلوب" "جندي في الصحراء" وهو الذي قاد المعركة في اخطر جبهاتها. ما ظهر هو أن بريطانيا هي التي أصرت على دخول الجيوش العربية وهي التي وضعت الخطة!!..
أحد القراء الطيبين، أو شيوعي فاجر، أو قومي مغفل سيحتج قائلا:
-    كيف تكون بريطانيا هي صاحبة وعد بلفور، وهي التي حرصت خلال فترة الانتداب على زرع بذرة الدولة اليهودية ورعايتها هي التي تطلب من الجيوش العربية التدخل للقضاء عليها..؟!!..
والإجابة سهلة.. سهلة تماما ومنطقية..
وباختصار شديد فقد بلغت الجيوش العربية عام 48 في أقصى تقدير لها  35.000 رجل ناقصي التدريب والسلاح لدرجة فادحة ( لم تتجاوز القوات المدربة فعلا سبعة آلاف جندي)  بينما بلغ تعداد القوات الإسرائيلية في أقل تقدير  60.000 جندي جلهم مدرب على أعلى مستوى للتدريب في الحرب العالمية الثانية  مع تدعيم عظيم في العتاد[4].
ومع ذلك يبقى السؤال:
-          ومع ذلك.. لماذا تعرض بريطانيا ربيبتها إسرائيل لهذه المحنة..
والإجابة دامية..
السبب الأول هو إنقاذ اليهود من هزيمة محققة على يد المقاومة الإسلامية الاستشهادية التي خاضها الشعب الفلسطيني كله بالإضافة إلى فصائل الإخوان المسلمين من مصر وسوريا والأردن والعراق والبوسنة والهند. كانت هذه الحرب هي الحرب الوحيدة الكفيلة بالانتصار.. وهي الحرب التي أوقفتها الجيوش العربية لتقوم هي بالقتال في معارك تلحقها فيها هزيمة فادحة..
( بعد خمسين عاما.. تقبع كل الجيوش العربية في مخابئ الذل والعار.. أما المقاومة الإسلامية فما زالت تزلزل العدو الإسرائيلي)..
السبب الثاني هو أيضا من أجل إسرائيل.. فقد كان دخول الجيوش العربية إلى المعركة وهزيمتها الساحقة مسوغا لأن تستولي  إسرائيل على جزء من فلسطين يفوق من حيث المساحة القسم الذي حدده قرار التقسيم لإنشاء الدولة الصهيونية. كما كان مسوغا لتوقيع اتفاقيات هدنة  مؤقتة في " رودس" (1949) وهي اتفاقيات التزمت فيها الدول السبع  بعدم الاعتداء على إسرائيل!!.. وبهذا ضمنت إسرائيل تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية حولها.. إذ أنه لو لم تدخل تلك الدول الحرب لما وقعت اتفاقيات هدنة ولحاولت بعد ذلك الثبات على الحدود ودعم المقاومة الفلسطينية.. وكان هذا الوضع كفيلا بالقضاء على إسرائيل.
السبب الثالث هو إذلال العرب والمسلمين.. فالصورة التي ستقدم إليهم هي أن جيوشا ضخمة لسبعة دول عجزت عن مواجهة عصابات ضعيفة.. فكيف يكون الحال عندما تتحول هذه العصابات إلى دولة كبيرة.
***
نعم..
نفس النص..
يختلف الممثلون وتتعدد خشبات المسارح لكن النص واحد..
والتشابه مذهل بين ما حدث في مصر في بداية الخمسينيات وما يحدث في المملكة العربية السعودية الآن..
نفس الموقف من الإسلام..
نفس الموقف من الأبطال..
نفس المنهج في تشويه المواقف والتعذيب..
يمتد التماثل حتى المهزلة.. ففي مصر الخمسينات أضيفت إلى مرتبات الجنود علاوة تعذيب لقيامهم بتعذيب المسلمين.. وفي سعودية القرن الحادي والعشرين أضيفت إلى مرتبات الجند علاوة الإرهاب..
يمتد التماثل حتى المهزلة..
ففي الخمسينيات ظل محمد حسنين هيكل صامتا صمت القبور عما حدث للإسلاميين..
وفي سعودية القرن الحادي والعشرين خرج محمد حسنين هيكل من منفاه المعنوي الاختياري  بعد أن حاصره اليأس فتوقف عن الكتابة..
خرج ليندد بقيام السعودية باعتقال الإصلاحيين القوميين وعلى رأسهم محمد سعيد طيب..
ولم ينبس ببنت شفة عما حدث للإسلاميين ..
مرة أخرى.. صمت..
لا أقصد المجاهدين.. الذين يعتبرهم هيكل – تماما كما يعتبرهم ولي العهد – إرهابيين ( وانظروا إلى معجزة توحد الرؤى بين النقيضين بعد نصف قرن)..
لا أقصد المجاهدين و إنما أقصد مثلا أساتذة الجامعة..
ما حرصت عليه جل الصحف القومية والحزبية  التي نشرت تنديد هيكل.. ما حرصت عليه ألا تنشر أبدا أن شخصا آخر سبق هيكل في هذا التنديد..
وكان هذا الشخص هو : " كولن باول" وزير الخارجية الأمريكي..
نعم.. كولن باول..
 وزير الخارجية الأمريكي
وكان أمر هذه الصحف أشبه بمومس تدعي الشرف وعليها أن تخفي بطاقة الترخيص لها بالدعارة.. وأن تجيد إخفاءها لأن دورها الذي ستقوم به الآن هو أن تمثل دور امرأة شريفة تندد بالعهر!.
نعم..
كان الربط بين الاثنين سيفضح الدور الحقير والمدمر الذي قامت به القومية للوصول بالأمة إلى ما وصلت إليه..
وكان الربط سيثير التساؤل.. وطريقة القوميين الغوغائية لا تطيق التساؤل وإنما تفضل الهجوم الغوغائي الذي لا يدع للفكر الجاد فرجة..
كان التساؤل سيثير – على سبيل المثال – حقيقة تقول أن الهزيمة المروعة الحالية لعالمنا العربي إنما تعود كلها إلى التيار القومي الذي يحكم منذ مائة عام على الأقل.
***
نفس النص..
يختلف الممثلون وتتعدد خشبات المسارح لكن النص واحد..
والاتهامات التي يوجهها ولي العهد للمجاهدين هي عين الاتهامات التي وجهها محمد علي لشيوخ الأزهر وكمال أتاتورك لشيوخ الإسلام وجمال عبد الناصر للمسلمين..
إن ولي العهد يتهم المجاهدين في الجزيرة العربية بتهم توجب القتل والاستئصال ثم يتعهد بتنفيذ ذلك ولو ظل يحاربهم ثلاثين عاما.. وهو تعهد لست أدري لمن يقدمه.. أيقدمه لله سبحانه وتعالى؟..  هل سيقدمه للرسول صلى الله عليه وسلم يوم الشفاعة؟.. هل يقدمه للشعب العربي في الجزيرة..
أم يقدمه لشارون وبوش؟؟!!..
و إذا كان من حق ولي العهد أن نستمع له فإن من حق المجاهدين أيضا أن نستمع لهم.. لكنهم فك الله أسرهم محاصرون أو مطاردون لا تجري معهم صحيفة حديثا ولا تذيع عنهم فضائية برنامجا ولا يندد محمد حسنين هيكل وكولن باول بقتلهم..
و إن كنا لا نسمعهم فإن من حقنا أن نسمع صوتا آخر يوجه اتهاماته لولي العهد..
من حقنا أن نقرأ جزءا من مقال فهد الريماوي رئيس تحرير صحيفة المجد الأردنية حيث يقبع في السجن الآن بسبب هذا المقال.. يقول فهد الريماوي:
منذ بدايات الانفتاح الامريكي على منطقة الشرق الاوسط في مستهل عقد الخمسينات اختار حكام السعودية درب التذيل لواشنطن، والتبعية لسياساتها، والارتهان لمشيئتها، والانحياز الى معسكرها، والالتحاق بمواقفها، والسير في ركابها، والتحطيب في حبالها، والارتماء في احضانها، والتفاني في خدمة اغراضها واهدافها·

ومنذ ذلك الحين والى يومنا هذا، ظل حكام السعودية جيلاً بعد جيل، وكابراً عن كابر، سادرين في غيهم، وممعنين في ضلالهم، ومثابرين على تحالفهم، ومخلصين اشد الاخلاص للبرامج والمخططات وحتى المؤامرات الامريكية المكرسة قديماً وحديثاً لفرض المشاريع الاسرامريكية، وضرب المشاريع النهضوية والوحدوية العربية، منذ عهد جمال عبد الناصر حتى زمن صدام حسين· ولعل نظرة تاريخية فاحصة لمجمل السياسات السعودية على مدى نصف القرن الماضي سوف تكشف بجلاء ان تلك السياسات لم تكن سوى انعكاس حرفي للسياسات والمصالح الامريكية، وتعبير امين ودقيق عنها، ووكيل اقليمي متحمس لها ومستعد للنيابة عنها في تنفيذ اخطر واقذر الادوار، بدءاً من تقويض الوحدة المصرية - السورية ومروراً باستنزاف الجيش المصري في اليمن، وتشكيل الحلف الاسلامي بالتعاون مع شاه ايران لمناهضة الخط القومي العربي، وتوظيف الاسلام السياسي كسلاح مناوئ للمعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة، وتشجيع انور السادات على طرد الخبراء السوفيات ونقل البندقية من الكتف السوفياتي الى الكتف الامريكي ثم الاسرائىلي، وافساد ثورة ياسر عرفات بالمال اولاً، ثم بالمبادرات السلمية ثانياً، وتجنيد > المجاهدين < لمقاتلة الوجود السوفياتي في افغانستان، وتوريط صدام حسين في الحرب مع ايران، واستدعاء امريكا وجيوش ثلاثين دولة اخرى لضرب العراقيين في الكويت، ثم الاسهام في تحريض امريكا على محاصرة العراق لاثني عشر عاماً ·· وانتهاءً بفتح الاراضي السعودية والكويتية امام جحافل امريكا وحلفائها لاحتلال العراق، واسقاط نظام صدام حسين·
***
لن نناقش الآن صواب أو خطأ ما قاله الأستاذ فهد الريماوي.. فالأمر يحتاج إلى محكمة يدلي فيها ولي العهد السعودي باتهاماته لمن يسميهم بالإرهابيين وأن تسمع في نفس الوقت اتهاماتهم له.. و أن تسمع شهادة الأستاذ فهد الريماوي في خضم ذلك..
***
والأستاذ فهد الريماوي بلا شك صحفي كبير وشجاع ومثقف وذكي.. وله فضل شخصي في عنقي.. فعندما حوصرت في مصر كان مبادرا بنشر مقالاتي في صحيفته المجد..
وظللت أكتب فيها آملا أن أخفف من غلوائه في الإعجاب بعبد الناصر.. وهو الأمر الذي لم أفلح فيه فانسحبت بعد عام من الكتابة شاكرا وممتنا ..
وبلا شك فإنني معه بكل قلبي في محنته الآن..
لكنني أقول له كأخ في الله أن ما يمكن أن يقال في عبد الناصر لا يقل عما قاله في ولي العهد السعودي..
و أن الصورة التي يراها لعبد الناصر إنما هي صورة مقلوبة..
و أنني أناشده ألا يكون رد فعله استدعاء مخزون هائل من تزييف الوعي عبر عقود..
نحن جميعا ندرك أن كل صحافتنا تكذب و أن كل أجهزة إعلامنا تكذب.. و أننا نتعرض لعملية غسيل مخ مستمرة.. ورغم ذلك فإننا نستعمل هذه الأكاذيب كي ندافع عن مواقفنا.. فنكون أشبه بالمريض الذي يدرك أن الدواء الذي يستعمله قد استبدل ووضع مكانه سم.. ومع ذلك وبالرغم من علمه واقتناعه فإنه كلما هاجمته بوادر المرض سارع إلى تناول الدواء السم.. بانفعال يكاد يكون غريزيا.. دون منهج علمي.. دون مناقشة حقيقية للتفاصيل والمراجع..دون استعادة للتفاصيل و إعادة قراءتها.. أو كما يشبهنا الدكتور جلال أمين في سلسلة مقالاته – التي نشرت في كتاب -: ماذا حدث للمصريين في نصف قرن حيث يشبه الصحف ووسائل الإعلام بالمخدرات.. معظمها مغشوش.. وكلها ضار.. لكننا لا نتوقف أبدا عن الاعتماد عليها.. واعتبار الهلاوس التي نراها بتأثيرها حقائق.. نبني على أساسها حياتنا..
***
ولو نظر الكاتب الكبير فهد الريماوي للأمور بنظرة مجردة  لاكتشف أن ولي العهد يقوم بتمثيل نفس الدور الذي مثله جمال عبد الناصر.. نفس الدور.. ونفس النص.. ونفس العقدة ونفس الهدف ونفس النهاية..
كل الممثلين قد اختارهم نفس المخرج..
وهو الذي يسمح لهذا بالخروج على النص أحيانا ولا يسمح لذاك..
فالصور مقلوبة.. مقلوبة.. مقلوبة..
وما يدفعني لتكرار الإلحاح على ذلك أنني قضينا نصف القرن الأخير نقارن ونمايز ونختلف حول أنظمة حكم مختلفة دون أن ندرك أنهم جميعا من اختيار أو تعيين المخابرات الأمريكية..
جميعا..
بلا استثناء..
من يعلم ومن لا يعلم..
من يستمتع بالخيانة ومن يجبر عليها..
ليس نصف القرن الأخير فقط.. بل القرنين الأخيرين..
قد يتساءل متسائل فما بال أعضاء الجوقة كانوا يتصارعون؟!..
أما جوابي فهو: وكيف تكتمل المسرحية إلا عبر هذا الصراع..
ولقد كان كل ذلك ضروريا لترويض الأمة..
إن الأمة المسلمة ضد ما يفعل حكامها.. ولذلك لابد من تمهيدها وتهيئتها..
***
تمهيد وتهيئة..
هل تذكركم هذه الكلمة بشيء يا قراء..
بشيء بشع ومقزز ومروع ومخيف..
نعم.. قيلت الكلمة في أحداث التعذيب والسحق لشعبنا في العراق.. عندما تحدثوا عن تمهيد وتهيئة المعتقلين للاستجواب..
تهيئتهم بالتعليق والسحق والجلد والنهش والاغتصاب والفحش والعهر والجوع والحبس الانفرادي..
ومثل هذا الذي حدث للأفراد حدث للشعوب..
عام 48 كانت الكلاب المتوحشة تنهش.. عام 56 كنا نجلد بالسياط.. عام 67 كنا نصعق بالكهرباء.. في كامب ديفيد كنا نقر العلاقات الشاذة وغير المشروعة.. عام 82 مع حصار أول عاصمة عربية كنا نغتصب.. ثم.. منذئذ وحتى الآن يفعلون بشعوبنا الفاحشة..
تماما كما يهيئون المعتقلين للاعتراف.. يهيئون الشعوب للاستسلام وفقد الإرادة..
وكان هذا كله لازما لتمهيد الشعوب وتهيئتها للتجرد من دينها وشرفها وكرامتها والاعتراف بكل ما تريده الصليبية الصهيونية منها..
***
ولم تكن الحقبة الناصرية سوى حلقة في تلك الحلقات..
لقد تساءلت في مقال سابق – في إحساس بالفجيعة لا حد له – لماذا لم يؤجل عبد الناصر صدامه بمحمد نجيب عاما واحدا ليخدع الأشقاء السودانيين كي لا تنفصم عرى الوحدة بين القطرين الشقيقين..
و أنا شديد الحرص في استعمال المراجع يا قراء ولا أقر لمرجع واحد باحتكار الحقيقة.. و أتحفظ كثيرا في إطلاق الأحكام النهائية..
وعندما كتبت ما كتبت كانت المراجع أمامي تنطق بالحقيقة التي تناولتها بتحفظ.. الحقيقة التي تقول أن تعطش عبد الناصر للسلطة كان هو الذي فصم عرى الوحدة مع السودان.. و أن هذه العقدة هي التي دفعته إلى وحدة متعجلة مع سوريا .. سرعان ما فشلت هي الأخرى.. ولنفس الأسباب..
 لقد تناولت  مذكرات محمد نجيب بتحفظ شديد.. فمهما كان فإن من مصلحة الرجل  أن يروي ما حدث من وجهة نظره ولصالحه..
كنت أقرأ في مذكراته[5] على سبيل المثال:
وعندما دخل عبد الحكيم عامر وحسن إبراهيم. ليبلغاني  يوم 14 نوفمبر عام 1954 بقرار إعفائي من رئاسة الجمهورية، قلت لهما في وضوح:
-             بصراحة أنا لن أستقيل..
 فسأل عبد الحكيم عامر:
 - لماذا؟.
 قلت:
-  حتى لا ينسب إلى يوما أنني كنت السبب في انفصال مصر عن السودان.
 وفي الحقيقة.. أنا تحملت كل ما جرى لي بعد تمكن عبد الناصر من السلطة، بعد أزمة مارس، حتى لا تؤثر استقالتي على نتيجة الاستفتاء حول الوحدة مع مصر، في السودان.. خاصة أن الحزب الوطني الاتحادي الذي كان يؤيد الاتحاد، والوحدة مع مصر، قد فاز في الانتخابات في ذلك الوقت لكن.. عبد الناصر ورجاله في مجلس الثورة لم يكن ليشغلهم موضوع السودان.. كان كل ما يهمهم هو كيف يمكن إزاحتي والتخلص منى. ولست هنا أعطى لنفسي أهمية في ارتباط السودان بي.. بحيث ينفصل عن مصر إذا أنا تركت الحكم.. لكنني اقرر حقيقة يعرفها الجميع في البلدين. ومازالوا.. فأنا جزء من السودان والسودان جزء منى.. وبيني وبين شعبه وزعمائه علاقات دم وصداقة وارتباط قوى.. كما أن السودانيين بطبيعتهم لا يميلون إلى الديكتاتورية.. ويصرون على ممارسة حقوقهم السياسية مهما كلفهم الأمر.. وهذا ما جعلهم يشعرون بالخطر على أنفسهم وعلى بلادهم بعد أن نشبت واشتعلت أزمة مارس في مصر، وأحسوا أن هناك حاجزا من الديكتاتورية  يقف حائلا بين الوحدة مع مصر.  ولأنني كنت أقف مع الديمقراطية كانوا يقفون معي.. ولأن عبد الناصر كان يتجه بالبلاد إلى الديكتاتورية كانوا يخشون الوحدة مع مصر، ولذلك كان قرار تنحيتي عن رئاسة الجمهورية هو في نفس الوقت قرار انفصال السودان  عن مصر.
ويواصل الرئيس محمد نجيب:
ومرة أخرى أؤكد أن.. هذا ليس حديثا شخصيا، ولا كلاما نرجسيا، وإنما أمر واقع لا يزال يوجد من يقره ويعترف به، خاصة في السودان. فعندما سئل كثير من زعماء السودان، بعد ذلك عن سر تدهور العلاقات بين البلدين، قالوا، كلمة واحدة :
- نجيب!..
و لما قال لهم جمال عبد الناصر - إن نجيب فرد.. والفرد زائل.. والعلاقة المتينة بين البلدين خالدة.. كرروا:
-  نجيب! ..
وفقد عبد الناصر أعصابه وقال:
- ليس معقولا أن نضع فردا في كفة وعلاقة بين شعبين في كفة أخرى.
 فقالوا له:
- إننا جعلنا من نجيب رمزا لوحدة الوادي".. شماله مع جنوبه.. ثم أضافوا في اتهام واضح:
- وأنتم حطمتم هذا الرمز . نحن بلد وحكومة ديمقراطية حرة.. لا نقبل الانطواء تحت علم وحكومة أوتوقراطية.
وقبل موعد الاستفتاء واصل السودانيون نفس الكلام.. وقالوا:
-  إننا سنقرر الانفصال عن مصر، ولو أراد المصريون أن نتحد معهم فلا مفر أمامهم من إعادة نجيب.
ويواصل الرئيس نجيب:
وفى ذلك الوقت كنت أطالع الصحف السودانية:" الناس"  " والصراحة " و"السودان الجديد"،" وا النيل"، و" الأيام" .. وكنت أسجل ما تنشره هذه الصحف.. ولازلت احتفظ بما سجلته إلى الآن .. وللتاريخ أعيد الآن نشر بعض مما سجلته.. ففي جريدة النيل نشر صالح عبد القادر قصيدة من 83 بيتا، ونشرت صحيفة أخري قصيدة جاء فيها:
إذا هان مثلك يا نجيب فما هو
الضمان بأنا لا نهون ونهضم
وقالت الأيام:
- إن الديكتاتورية الفاشية التي تحكم مصر بقوة الحديد والنار لا يرضيها أن يرتفع صوت واحد ينادى بالديمقراطية وكانت جريمة نجيب أنه لم يرض سيطرة الديكتاتورية.. إن الشعب المصري سينتصر في معركته القادمة ومعركة الإطاحة بالحكم الديكتاتورى، والشعب السوداني الذي يؤازر شعب مصر في محنته لن يرضى مطلقا أن يتحد مع ديكتاتورية أو يرتبط بفاشستية. وليعلم حكام مصر هذا..  وليعلموا أن أقوالهم وكلماتهم المعسولة لن تجدى في كسب السودانيين..
ونشرت جريدة الأمة يوم الأحد 23 يناير 1955.. إن ارتباط السياسة الخارجية والدفاعية والتجارية مع مصر يعرض سيادتنا للقضاء المحقق خصوصا إذا كان مع حكومات رجعية استبدادية كالحكومة الديكتاتورية التي تحكم مصر الآن والتي حددت موقفها نهائيا من المعسكر الاستعماري بعد أن وقعت معه عدة اتفاقيات خائنة كاتفاقية النقطة الرابعة وهى في طريقها الآن إلى إبرام اتفاق دفاعي جديد يكبل الشعب المصري بمزيد من الأغلال..
وفى 30 يناير 1955، كان  العنوان الرئيسي لجريدة الأمة هو:
-  هل يعاد نجيب إلى رئاسة الجمهورية لإنقاذ الموقف الاتحادي بالسودان؟.
 وفى 3 فبراير 1955 قالت صحيفة " التلغراف :
 "نجيب باق في المرج ويعامل معاملة سيئة". ولم تجد حكومة عبد الناصر ردا مناسبا على كل هذا الكلام، سوى أسلوبها المبتكر، وهو تلفيق التهم والتشهير بالسودانيين.. فقد قبض على الوزير السوداني السيد خضر حمد في القاهرة بتهمة حمل قصيدة كتبها الأستاذ أحمد محمد صالح.. وكانت هذه القصيدة- الأزمة تقول:
ما كنت غدارا ولاخوانا
 كلا ولم تك يا نجيب جبانا
يا صاحب القلب الكبير تحية
 من أمة أوليتها الإحسانا
وهكذا ضاع السودان كما ضاعت الديمقراطية.. وكان لابد أن يقدم عبد الناصر كبش فداء.. ولم يجد بالطبع أفضل من صلاح سالم.. فأجبره على الاستقالة.. فقد استغل عبد الناصر الأخطاء التي وقع فيها صلاح سالم في السودان، وذبحه.. وخرج بريئا من هذه الجريمة.
***
كنت أتناول مذكرات محمد نجيب على أنها وجهة نظر وليست الحقيقة كاملة.. رغم أن أحمد حمروش[6] كان يقول:
-     كان للسودانيين دور في منع محاكمة نجيب.. لكن عزله كان غلقا لباب الأمل في الوصول إلى اتحاد مصري سوداني.
***
 في الأسابيع الأخيرة  أذاعت  قناة أبي ظبى الفضائية حلقات عن محمد نجيب .. كان كل المتحدثين فيها ناصريين أو يساريين.. وكان إجماعهم أن عزل محمد نجيب يكاد يكون هو السبب الوحيد لانفصال السودان عن مصر..
***
تكمل المراجع الحكاية لتجيب عن تساؤلي الفاجع: لماذا لم يؤجل عبد الناصر خطته عاما من أجل الوحدة..
كانت الصورة المقلوبة هي ما رأينا..
أما الصورة الحقيقية فقد كانت أن عبد الناصر كان واثقا أنه لو استمر الاتحاد بين مصر والسودان فإن شعبية محمد نجيب في القطرين ستكون حائلا مطلقا بين عبد الناصر والسلطة لأنه لن يستطيع القضاء على محمد نجيب أبدا..
وكان مخيرا بين السلطة والسودان فاختار السلطة..
***
وثمة نقطة أخرى في قضية السودان.. فقد كان صلاح سالم هو الذي يتولاها.. وكان صلاح وشقيقه المجنون يمثلان عنصر رعب لجمال عبد الناصر.. فقرر التخلص منهما معا: من صلاح – الذي كان يرى نفسه أحق بالزعامة من ناصر -  بكشف فشله في السودان.. ومن جمال بتكليفه برئاسة المحاكمات الفاجرة للإخوان مما جعله في أعين الناس رمزا للشيطان.. وهكذا انتهت أسطورة الأخوين.
***
كنت أظن أن الصورة المقلوبة في السودان تقتصر على هذا حتى قرأت في كتاب اللعبة الكبرى[7]:
"كان لكل هذا نتائج هامة على السودان. فقد كان نجيب فيه ذا شعبية كبرى خاصة وأن له فيه أقارب أما عبد الناصر وجماعته فلم تكن لهم فيه شعبية بالمرة لذلك أدى سقوط نجيب بالسودان الى التخلي عن الاندماج مع مصر والى اتجاه نحو الاستقلال. وحاول عبد الناصر وانصاره لفترة إيقاف هذا التطور بل وشجعوا ثورة في جنوب السودان المسيحي الوثني ضد الشمال المسلم. وعمقت هذه العملية التعارض بين جزئي السودان وهو ما كانت له عواقب وخيمة على مستقبل السودان."..
يا إلهي.. يا إلهي..
وحاول عبد الناصر وأنصاره لفترة إيقاف هذا التطور بل وشجعوا ثورة في جنوب السودان المسيحي الوثني ضد الشمال المسلم. وعمقت هذه العملية التعارض بين جزئي السودان وهو ما كانت له عواقب وخيمة على مستقبل السودان..
لكن..
لماذا أندهش عندما أرى الصورة الحقيقية بعد أن عشت عمرا أرها مقلوبة.. لماذا أندهش من  موقف عبد الناصر مع الوثنيين في الجنوب ضد المسلمين في الشمال.. لقد مات عبد الناصر بعد أن  ترك لأتباعه سنة متبعة أن لا يتركوا مسلما إلا حاربوه وأن لا يتركوا كافرا إلا صادقوه ووالوه وأحبوه.
لقد وقف مع الهند الهندوسية الوثنية ضد الباكستان المسلمة.
لقد وقف مع الهند لفصل بنجلادش عن باكستان.
لقد وقف مع هيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة ضد المسلمين في الحبشة ..
لقد وقف عبد الناصر مع تيتو ضد المسلمين في يوغسلافيا وسلمه المجاهدين اليوغسلافيين الذين جاهدوا في فلسطين ليعدمهم في يوغسلافيا..
أما علاقته بالمجاهد مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني فسوف نؤجلها.. لكننا نلمس سريعا رفضه لطلبه عام 58 أن تكون فلسطين هي الدولة الثالثة في الوحدة ( وكان هذا يعني من وجهة نظر عبد الناصر تورطا لا يريده مع إسرائيل) .. وقد اضطهد مفتي فلسطين بعد ذلك وسلطوا عليه بذاءات مجلة روز اليوسف وحرموه من الرد عليها  حتي هرع لمغادرة مصر .
***
من الصور المقلوبة أيضا موقف عبد الناصر من قضية فلسطين والرواية تعود إلى عام 1953.
يقول صلاح دسوقي: ( ضابط مخابرات-شرطة- درب في أمريكا- أحد الطواغيت الصغار الذين أخرجوا تمثيلية المنشية ثم تعذيب الإخوان، ثم – فيما يقال- اغتيال الملك فاروق.. يقول صلاح دسوقي:
 زكريا محيي الدين عمل وزارة الداخلية ".. وعينني أركان حرب لها.. وكان  منصبا جديدا.. وأنا افتكر وأنا سكرتير الحكومة المركزية.. فوجئت- وده كلام يمكن ماحدش كثير يعرفه- وأنا مع الرئيس عبد الناصر  بالليل يوم كنت أمر عليه على العشاء ونتكلم.. قال لي سؤالا غريبا جدا.. قال لي إيه رأيك إن إحنا نتفاهم مع إسرائيل؟.. ونبدأ نتجه للبلد ونبطل الهوسة " اللى إحنا فيها دى؟.. دى ماحدش كتير يعرفها.. وجمال عبد الناصر نفسه قالها وأنا فوجئت مفاجأة غريبة جدا.. فلت له والله ياريس.. الحقيقة دى مفاجأة كبيرة.. وده خط سياسي جديد أتصور إن سيادتك إن حبيت أن تأخذه.. لابد إن جميع أجهزة الإعلام في مصر تاخد الاتجاه ده من 3 إلى 5 سنوات.. ويبقى واضح أمامها إن إنهاء الصراع في الشرق الأوسط يقابله ارتفاع متوسط المعيشة في مصر وإلا تبقى انتحار سياسي..
***
ولنقرأ في نفس المرجع - طارق حبيب-  يذكر أن واحدا من ألمع وزراء خارجية مصر في عصر  جمال عبد الناصر وهو محمود  رياض  صاحب رأى مؤداه: إن موضوع السلام بيننا وبين إسرائيل مقرر من 1949 ولم يكن اختراعا من  السادات في السبعينات.. لكنها المزايدات ".
***
ولنقرأ أيضا في نفس المرجع قول  د. مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق: " حرب 56 طبعا كلنا عارفين انتهت إلى إيه.. ولابد أني أكون  في منتهى الصراحة إن حرب 56 انتهت بموافقة مصر على مرور البضائع الإسرائيلي غير السفن الإسرائيلية.. وفى نفس الوقت فتح خليج العقبة.. ووصلت قوات الأمم؟3 بس مش على الحدود بين مصر وإسرائيل.. وإنما وضعت بين تقريبا طابا النهارده؟! لغاية شرم الشيخ اللى هو الضفة الغربية لسيناء.. التي هي ليست حد ما بيني وبين إسرائيل  ا !ولكن مصر قبلت في 56 هذا الوضع ".[8]
***
في عام 53، كان عبد الناصر يفتح قنوات للاتصال مع الإسرائيليين ويتهم الإخوان والوفد بذلك..
***
يا قراء..
عندما أكتب عن عبد الناصر عام 53 و 54 أشعر أنني أكتب عن ولي العهد عام 2003 و 2004.
بل إنني عندما أقرأ عن الاتصالات بين عبد الناصر وجولدمان أرفع اسميهما فأضع اسمي ولي العهد وفريدمان.. ويتسق المعنى..
***

يقول رشاد كامل[9]، وهو صحافي مسيحي.. والمسيحيون  في معظمهم ناصريون:
في "أواخر أكتوبر1952 قام " شمئيل ديفون " بالاتصال بعبدالرحمن صادق الذى أوفد من قبل مجلس قيادة الثورة لشغل منصب الملحق الصحفي بالسفارة المصرية بباريس، وحذره صادق من أن هذه اللقاءات لا تمثل اتصالا رسميا بين البلدين، ولكنه كشف النقاب أيضا عن أنه مكلف بإرسال تقارير مباشرة إلى مجلس قيادة الثورة، وعلى ذلك فقد كانت إسرائيل تمتلك قناة مهمة لإرسال الرسائل والاقتراحات إلى الضباط الأحرار.
(...)
لقد تم تبادل رسائل مهمة للغاية عبر هذه القناة في النصف الأول من عام 1953، وداخل مجلس قيادة الثورة كان أحد المؤيدين الرئيسيين لاستمرار الاتصالات والسعي نحو التفاهم مع إسرائيل هو الكولونيل "جمال عبد الناصر" الذى كان برتبة ميجور في حرب فلسطين وكانت له اتصالات مع الضباط الإسرائيليين عندما كان لواؤه تحت الحصار في "الفالوجا" وكان "ناصر" في ذلك الوقت الضابط المسئول عن الإشراف على الاتصالات مع الإسرائيليين في مجلس قيادة الثورة، وكان صادق يكتب التقارير إليه مباشرة ويتلقى منه التعليمات!
وفى نهاية يناير "1953 " أخبر صادق ديفون أن ناصر قد أمره بإجراء مباحثات معه بالنيابة عن مجلس قيادة الثورة على أن يخبره بأن مصر حاليا لا تستطيع الخروج على الإجماع العربي بشأن قضية فلسطين، وفى غضون ذلك طلب صادق " تأييد إسرائيل لكي تحصل مصر على مساعدة اقتصادية من أمريكا، بالإضافة إلى الدعم المعنوي لمطالبة مصر بانسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس".
وتم التأكيد على أن ناصر يرغب في أن تظل هذه الاتصالات سرية تماما وحذر من قطعها إذا حدث خلاف ذلك، وحسب رواية "آفى شليم" فقد التقى صادق مع ديفون يوم 13 أكتوبر في فندق رينولدز بباريس وعرض عليه نسخة من خطاب مكتوب على إحدى المطبوعات الرسمية لمجلس قيادة الثورة، وموجه إلى صادق وموقع بواسطة ناصر كنائب لنجيب، وأوضح الخطاب أن الرأي العام في مصر والعالم العربي يرى أنه من الحكمة أن يبنى مجلس قيادة الثورة سياسته تجاه إسرائيل بالتدريج، وأن التصريحات العدائية ضد إسرائيل خطوة أولى في هذا الاتجاه.
وتعهد ناصر مرة أخرى بأن مجلس قيادة الثورة لا يضمر أية نوايا عدوانية وأنه سعيد بقبول إسرائيل لكلمته على أساس الثقة المتبادلة، وحث إسرائيل على استعمال نفوذها في أمريكا من أجل دعم مطلب مصر بانسحاب القوات البريطانية، وأفاد بأن هذا يمكن أن يسهل وصول مجلس قيادة الثورة لتسوية نهائية مع إسرائيل، كما أن مجلس قيادة الثورة ممتن للعرض الإسرائيلي لشراء القطن المصري ولكنه يشعر أن ذلك لم يأن أوانه بعد!
***
وننهي مقال هذا اليوم بصورة مقلوبة في غاية الأهمية توضح جانبا هاما من عوامل انحراف النخبة في طريق الانهيار..
فلقد قامت المخابرات المصرية  باستقطاب الطلبة العرب من خلال بنات الهوى وإعداد هؤلاء لأدوار وظيفية قيادية  قاموا  بها فيما بعد في بلادهم ..  حيث تولوا مراكز قيادية حساسة وكانوا تحت سيطرة وتهديد وتوجيه المخابرات..
أحد هؤلاء العشاق  يشغل الآن منصب رئيس جمهورية في بلد عربي هام..
وكان لهؤلاء أبعد الأثر في تلميع الصحافيين المتأمركين.. فلم يتركوا صحافيا خاملا فى مصر أو مرتبطاً بـ "كامب ديفيد" إلا وعينوه في أجهزة إعلام عربية برواتب خرافية وبصلاحيات واسعة لا حدود لها.
***
لا أريد أن أتوسع في هذا البحر النجس..
لكنني أقول بجدية كاملة أن المومسات هن اللائي حددن التوجه الثقافي للعرب في نصف القرن الأخير..
ولا تنسوا أرجوكم – لهن فضلا آخر.. فقد كان لهن فضل في كثير من الانتخابات في إنجاح مرشحي السلطة: كن يمارسن تعهير ( تحرير ) المرأة  بمحاولة هتك عرض الرجال والنساء الذين يصرون على الإدلاء بأصواتهم.
وكن الكاتبات المشهورات في الصحف..
وكن المذيعات الشهيرات في وسائل الإعلام..
و:

إذا كان رأس الحكم في القوم داعرا...

فشيمة أهل الحكم كلهمو العهر..

ما أريد أن أقوله فقط هو أن الوزير صفوت الشريف كان هو مسئول ذلك القسم من المخابرات.. قسم تمهيد وتهيئة الطلبة العرب الذين سيصبحون مسئولين كبارا.. ( يبدو أن الأمر قد تطلب بعد ذلك مواهب أخرى لا يتمتع بها صفوت الشريف فأضافوا إليه فاروق حسني).. لكن يظل الشريف هو الأصل..
نعم ..
الشريف..!!
وذلك قد يفسر بقاءه الطويل في السلطة..
إذ أنه يعرف الأسرار جميعا.. وربما تجعله هذه الأسرار أقرب المصريين إلى قلوب كثير من المسئولين والحكام العرب.. و أكثرهم تأثيرا عليهم..
***
طال المقال بأكثر مما قدرت له لكنني حريص أن أقدم للقارئ وجهة نظر كاملة قد تضيع بتجزئة المقال الطويل.
كنت أريد أن أحدثكم عن أشياء أخرى عديدة.. وعن صور مقلوبة..
كنت أريد أن أحدثكم عن مشروع لقاء لم يتم بيني وبين ولي العهد السعودي..
وكنت أريد أن أحدثكم عن إجرام للجهاز الأمني في مصر تتضاءل أمامه أكثر العصابات إجراما..
وكنت أريد أن أحدثكم عن مثقفي عهد عبد الناصر كرموز للفساد والوصولية وخيانة الأمة..
وكنت أريد أن أحدثكم عن تشابه وسائل التعذيب في سجوننا العربية مع ما اكتشف عن وسائل التعذيب الأمريكية حيث يقبع أصل الدنس والقسوة والوحشية..
وكنت أريد أن أقول أنه مهما بلغ اختلال القوي فليس أمامنا من سبيل للنجاة في الدنيا والآخرة إلا بقتال الأمريكان والصهاينة ..
وكنت أريد أن أقول أنني واثق من النصر..
وكنت أريد.. وكنت أريد..
فإلى المقال القادم.
***

1 - الرحيق المختوم - صفي الرحمن المباركفوري.
1- سيد قطب الشهيد الحي- صلاح عبد الفتاح الخالدي- مكتبة الأقصى عمان
3- المسألة الشرقية- محمود ثابت الشاذلي- مكتبة وهبة.
2- اللعبة الكبرى- مرجع سابق.
5- كنت رئيسا لمصر- محمد نجيب- المكتب المصري الحديث.
6- طارق حبيب- مرجع سابق.
5- مرجع سابق.
4- ملفات ثورة يوليو- طارق حبيب- مركز الأهرام للترجمة والنشر.
9- عبد الناصر و إسرائيل- سنوات التفاوض السري- رشاد كامل- در الخيال.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق