السبت، 23 سبتمبر 2017

زعزعة مصر: سد النهضة على النيل

زعزعة مصر: سد النهضة على النيل
أ. د. زينب عبد العزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية


عادة لا أقوم بترجمة ونشر مقال لم أكتبه، لكن ما قرأته موقع "أمريكان هيرالد تريبيون" تحت نفس العنوان بعاليه، بقلم توماس ماونتن، يوم 12 سبتمبر 2017 قد أفزعني... أفزعني لكل ما به من مساس بأمن الدولة وأمن المواطنين. والكاتب أمريكي الأصل، يعيش في إريتريا ويتواصل مع الجريدة منذ 2006. وما استوقف انتباهي هو قوله إننا مقبلون على كارثة حقيقية بفقدان مصر 40 % من حصتها في مياه النيل لمدة خمس سنوات.
فرأيت من واجبي إيصال هذا المقال للمسئولين عللهم يجيدون التصرف قبل وقوع الأزمات والثورات التي لا يعلم مداها إلا الله، فإلى المقال:
إن "سد النهضة" الجديد الذي يقام في أثيوبيا، والذي يتعين أن يتم بناؤه العام القادم، 2018، سيستنفذ 40 % من مياه حصة التيل كل عام ولمدة خمسة أعوام متتالية حتى تمتلئ بحيرته.. فكيف سيتمكن الرئيس المصري أن يصمد الخمس سنوات القادمة بنصف كمية المياه تقريبا التي يحصل عليها من النيل، علما بأن بلده تعاني حاليا من نقص جاد في المياه ونقص في التيار الهيدروليكي، دون أن نذكر شيئا عن ارتفاع الأسعار المحبط، والمجاعة المتزايدة واحتمال ثورة إرهابية؟
وحتى هنا قد تصور العالم أن مصر، التي قارب تعدادها المائة مليونا والتي تتراقص حاليا اقتصاديا على رمال متحركة، ستتمكن بصورة أو بأخرى من اجتياز ظاهرة لم تعرفها البلاد طوال أكثر من الفي عام، بحصولها على نصف كمية المياه القادمة من النيل وطوال خمس سنوات متتالية. وإذا ما أصاب الجفاف أعالي هضاب أثيوبيا حيث توجد منابع النيل، وهو ما سوف يحدث على الأقل مرة خلال هذه السنوات الخمسة، بفعل اتجاهات الاحتباس الحراري، وأن تفقد مصر أكثر من نصف مياهها؟
فإذا ما اتضح ان الرأي الدولي كان على خطأ، وتبين أنه من المحال العيش بنصف كمية المياه المتاحة لمصر لمدة خمس سنوات متتالية، بينما انفجار ضخم يلوح في مصر، أكبر بلد في العالم العربي، وان هذا الانفجار هو بسبب بناء الخزان الضخم في اثيوبيا والذي سيولد 6000MW كهرباء، وهي طاقة لا يمكن للبنية التحتية لإثيوبيا أن تستوعبها.

وإذا ما كانت اثيوبيا لا يمكنها حتى توزيع الطاقة الناجمة عن هذا المورد الجديد للكهرباء ليتمكن شعبها من استخدامه، بحكم غياب شبه كامل لشبكة كهرباء قومية، دون التحدث عن بنيات تحتية على المستوى المحلى، فلماذا قبلت الدولة الإثيوبية أن تتداين الى هذا الحد لبناء سد سيسبب هذا الكم من الأضرار لمصر جارتها في الشمال؟
ان من يعلمون هذه المسألة يطرحون هذا السؤال، لأن الكارثة المحتملة الوقوع في مصر خلال انفجار شعبي غاضب مدفوع الى الجوع، ضد حكم الرئيس السيسي، ويتهدد قدرة العسكريين المصريين في أسسها للحفاظ على ترابط الدولة. ومثلما حدث في سوريا والعراق، من المؤكد أن داعش ستحاول الاستفادة من الخواء الناجم لنشر ثورتها عبر البلد، وكل ذلك يمكنه أن يؤدي الى فشل الدولة المصرية.
ان مثل هذا التصور قد لفت الانتباه الى احتمال هجوم عسكري مصري ضد السد الأثيوبي الجديد، إذا ما بدأت الحالة الداخلية في التدهور جديا. لأن جفاف مياه النيل سيأتي بضربة كاسحة على قدرة مصر للوفاء باحتياجاتها الغذائية، ووقف امكانيتها لإنتاج مواد غذائية للتصدير سيؤدي الي ضياع العملة الأجنبية التي تحتاجها بشكل مأساوي.
هل الشعب المصري سوف يتحمل مثل هذه الزيادة من الفقر والمصاعب لمدة خمس سنوات دون انفجار لا يمكن نفاديه؟ هل سيتمكن السيسي من السيطرة على العسكريين المصريين ويتفادى انهيار الحكومة نتيجة لمثل هذا الشح في المياه ومجاعة حتمية؟
ان أصول فكرة استغلال اثيوبيا لمياه النيل توجد في البنك الدولي الذي هو في غالبيته ملك الولايات المتحدة الأمريكية. والبنك الدولي الذي كانت سياسته لمدة عشرات السنين كارثية، بتشجيع بناء سدود في بعض الأماكن الأكثر حرجا على كوكب الأرض، كان أول من أطلق فكرة "السد الكبير" للسيطرة على تدفقات خيالية بالنسبة لصالح "اثيوبيا الكبرى".

ومرة أخرى، ان المشكلة هي ان 70 % من الأثيوبيين ليست لديهم إمكانية الحصول على الكهرباء التي توزعها الحكومة، أي انهم حوالي 70 مليون شخصا. وقد تداينت الحكومة الإثيوبية لبناء السد الجديد الذي سيولد 6000MW من الكهرباء بحيث لم يعد لديها ما تدفعه لبناء شبكة توزيع تحتاجها الدولة بصورة تدفع لليأس. وهكذا، فإن كل الطاقة الكهربائية الجديدة التي سيتم انتاجها لن تؤدى الى تحسين حياة الأثيوبيين من أجل "اثيوبيا كبرى"، وانما سوف تباع في سوق افريقيا الشرقية لتسديد تكاليف الدين المهول الذي التهمه بناء هذا السد.
ان حاجة الأثيوبيين للكهرباء كان يمكن التكفل به لمدة سنين طويلة ببناء عدة سدود صغيرة أقل تكلفة وما كانت ستؤدى الى مثل هذا الخلل في تدفق مياه النيل.

ومع ذلك، وبسبب إلحاح البنك الدولي، قامت إثيوبيا بالتوقيع لبناء "السد الكبير" الذي سيؤدى بناؤه الى انفجار الغضب في مصر ويمكنه أن يهدد جزءا من الاقتصاد العالمي، لأن مصر تسيطر على قناة السويس التي من خلالها تقوم أكبر شركات التجارة العالمية وآسيا وأوروبا بحوالي 90 % من أعمالهم. كما ان الفرق المصرية، التي تدفع أجورهم الولايات المتحدة الأمريكية، هي التي تسيطر على قناة السويس، فإذا ما فقد العسكريون المصريون السيطرة على البلد أثناء ثورة شعبية كالتي أسقطت مبارك، فإن كفاءة العسكرية المصرية للحفاظ على قناة السويس تصبح محل تساؤل. وبالطبع هناك دائما الجيش الإسرائيلي في الكواليس على استعداد للتدخل ليكون أول من يحتل أول قناة سويس كبرى.
ترى هل من الممكن أن يحدث ذلك ولدينا مصر وإثيوبيا، اثنتان من أكبر ثلاثة دول إفريقية، وفي حلق كل منهما المصالح القومية للولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد بأي ثمن منع الوحدة الإفريقية سواء اقتصاديا أو سياسيا؟
ومرة أخرى نرى ان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في "إدارة الأزمات" خلف الكواليس في هذا الصرع الذي يحتدم، هو كاختلاق أزمة ثم إدارتها من أجل التفرقة والسيادة، والأحسن لتنهب وتسرق الموارد الإفريقية بصورة أفضل، بأقل قدر ممكن من المقاومة.



توماس س. ماونتن
12 سبتمبر 2017
رابط المقال بالانجليزية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق