سحب الجنسية.. قانون هيرتزل في مصر
بالذهاب إلى تشريع إسقاط الجنسية عن المعارضين، يكون نظام عبد الفتاح السيسي قد وصل إلى ذروة المرحلة الفاشية، بما يجعل السعي إلى تغيير البنية الديموغرافية في مصر واقعاً مجسّداً على الأرض، وليس هواجس لدى متابعي الحالة المصرية.
أنت أمام سياسات ترانسفير، بالمعنى الكامل للترانسفير كما مارسته سلطات الاحتلال الصهيوني للتخلص من أصحاب الأرض والسكان الأصليين، من أجل إقامة كيان استيطاني، فوق أنقاض الجغرافيا والتاريخ.
والأمر هنا ليست شطحة نائب برلماني مسكون بهوس الاستئصال والإبادة، بل تقول الوقائع إن القانون المزمع تطبيقه هو من صميم فكر عبد الفتاح السيسي وصياغته، أو بالأحرى الذين يديرون عبد الفتاح السيسي، عبر البحار.
الطلقة الأولى في حرب الإبادة المصرية أطلقها عبد الفتاح السيسي شخصياً في ندوة تثقيفية للقوات المسلحة، حظيت ببث تلفزيوني وتغطية إعلامية واسعة، في فبراير/ شباط من العام الجاري.
في ذلك اليوم تحدث السيسي، تحيطه هالة من أضواء العنصرية السياسية والمجتمعية، ليقول بالحرف "أي شخص ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخص بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة، بل من الدولة المصرية ككل، لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته".
علقت وقتها بأنه في هذه النقطة، يبدو السيسي وكأنه ينقل حرفياً من تراث مؤسس العقيدة الصهيونية، تيودور هيرتزل، فيما يخص منهج "الترانسفير" القائم على سياسات الاقتلاع والإبعاد والترحيل والتهجير القسري، لكل "الأغيار" بمعيار تلمود العنصرية والإقصاء، في سبيل ترحيل أهل فلسطين وتوطين اليهود مكانهم.
في مقابل هذه النزعة الاستئصالية للمصريين، رافضي نظام الانقلاب، كان أحد غلاة تيار الاندماج الكامل مع الكيان الصهيوني، الكاتب المسرحي الراحل علي سالم، يطالب نظام عبد الفتاح السيسي، باحتضان أسراب المصريين المتصهينين، وتشجيعهم على العمل هناك، في إسرائيل، ومنحهم حرية التنقل بين القاهرة وتل أبيب.
قبل رحيله، كتب علي سالم في "المصري اليوم" موجها حديثه إلى نظام السيسي"أنتم السبب في أن آلاف المصريين الذين يعيشون فى إسرائيل الآن يشعرون بالرعب، لمجرد التفكير في زيارة الأهل فى مصر بعد سنوات طويلة من الغياب، كانوا يعرفون أن تهمة التجسّس لحساب إسرائيل تقف فى انتظارهم في مطار القاهرة. أليس ذلك هو ما حدث يا سادة؟ اسمعوني، يا سادة، وفكروا فيما أقول.. أصدروا بيانا واضحا يبلغ المصريين في إسرائيل بأن زيارتهم مصر هي حق من حقوقهم وأن إقامتهم وعملهم فى إسرائيل هما أيضا حق من حقوقهم".
ثم قطع شوطاً أبعد ليقول "أخاطب أجهزة مصر الأمنية، وأقول لهم: أطالبكم على الفور بعمل علاقات قوية مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، لتبادل الخبرات والحرب ضد الإرهاب. كما أطالبكم بالتركيز على الأسلحة الفضائية من أقمار تجسس وغيره، فلو أن لدينا أقمار تجسس، لكنا استطعنا أن نعرف بالضبط حركة وخط سير الجماعة التى اختطفت وكيل النيابة".
انظر لمسيرة العامين الماضيين، وتخيل أن علي سالم عاد إلى الحياة، وأطل على الواقع، أظن ساعتها كان سيهتف: هذا أبعد من الخيال المجنح، وأكثر مما تمنيته وحلمت به.
ينطلق مشروع هرتزل المصري بالسرعة القصوى، وتنشط في تنفيذه منصّات القضاء وغرف التشريع وكتائب الإعلام وقنوات الدبلوماسية، وما يثير الأسى أن الجميع مستسلمون للفناء، ينتظرون دورهم في الاقتلاع، من دون أن يتصدّى أحد بالجدية اللازمة لهذا التيار الصهيوني الجارف الذي يستهدف تدمير شخصية مصر، التي صاغها التاريخ والجغرافيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق