الاثنين، 25 سبتمبر 2017

تركيا العمق الاستراتيجي للعرب لو كانوا يعلمون (1-2)


تركيا العمق الاستراتيجي للعرب لو كانوا يعلمون

 (1-2)



د. محمد عياش الكبيسي

حينما نستعلي على الأحداث الجزئية ونتجاوز إشكالاتها اليومية وننظر إلى المشهد الكلي للمنطقة، فإننا أمام ثلاث قوى إقليمية فاعلة -على ما بينها من تباين-: تركيا، وإيران، وإسرائيل.
 ولا توجد دولة عربية واحدة تستطيع أن تقف على قدميها لمنافسة واحدة من هذه القوى، ذلك إذا كنا نتكلم بالمعايير العلمية والمنطقية لعناصر القوة، وليس بالمعايير الذاتية والعاطفية.

لقد خرج العراق من المعادلة تماماً بعد أن كان الطرف الأقدر على تحقيق قدر من التوازن المطلوب، ثم خرجت مصر كذلك، وأما السعودية فكان بإمكانها أن تتقدم إلى منصة المنافسة، لكن الأحداث أثبتت أنها لا تختلف في مجموع أدائها عن الدول العربية الأخرى. ولعل تجربتها في اليمن خير مؤشّر على ذلك، وكذلك إدارتها للأزمة الحالية بهذه الطريقة التي هزّت موقعها القيادي، حيث تفلتت الخيوط من يدها، وأُصيب مجلس التعاون بحالة شلل تام أو موت سريري. وإذا كان هذا في فضائها الأقرب، فما بالك بالفضاء الأبعد، وهذا لا شك مما لا نتمنّاه، فلا نزال ننظر إلى السعودية باعتبارها العمق الطبيعي، خاصة بالنسبة لأهل السنة المنكوبين في الشام والعراق، ولكن كأنّ هناك من يسعى -وضمن حسابات وطموحات ضيّقة، وإن بدا ناصحاً أو حليفاً- لتوريط المملكة وإشغالها عن الدور اللائق بها.
لقد بات العرب مكشوفين تماماً، وغدت العواصم العربية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، وأصبح التهديد بسقوط مكة والمدينة تهديداً جدياً وخطيراً، ولم تُجدِ كل المراهنات على العلاقات والوعود الغربية. وإزاء هذا المنعطف الخطير، لا بد من مصارحة ومناصحة لكل من يعنيهم الأمر. أما الاحتماء بمقولة السمع والطاعة لولاة الأمر ودرء الفتنة ونحوها، فهذه مقولات صحيحة في نفسها، لكنها سقيمة في نتائجها؛ لأنها مجتزأة ومعزولة عن واجب النصح والتبصير بالعواقب، فهناك مساحة واسعة بين الفتنة والفوضى والشغب، وبين الطاعة العمياء والاستسلام للواقع.
إن تركيا اليوم هي القوة الوحيدة التي يمكن الوثوق بها. أما محاولة بعض وسائل الإعلام لحفر الهوّة بين العرب وتركيا، فهي محاولة مشبوهة لجعل العرب يخسرون آخر أصدقائهم في هذا الظرف الذي نرى فيه الأطماع باتت قريبة من مكة والمدينة.
إن خسارة العرب لحليف استراتيجي كبير كتركيا -خاصة مع وجود التغوّل الإيراني الذي تمكّن بالفعل من تطويق الجزيرة العربية- ليس له معنى غير التخبّط والضياع، أو محاولة غبية جداً لكسب الود الإسرائيلي، وهذه -لو كانت- فهي لا شك بداية النهاية الفعلية.
إن إسرائيل ليست عدوة للفلسطينيين ولا لحماس ولا للإخوان، إنها عدوّة لكل مسلم ولكل عربي ولكل عقال ولو كان على رأس علماني أو ليبرالي.
سلونا نحن في العراق كيف أسلمتنا القيادة الأميركية المتصهينة لسكاكين الميليشيات الطائفية، على أي شكل كنّا وبأي ثوب خرجنا، حتى من كان ينادي بالتطبيع، وحتى من شارك في العملية السياسية.
لقد كان أمام السعودية فرصة كبيرة لقيادة العرب في بناء هذا الحلف الاستراتيجي مع تركيا؛ فهذا هو دورها اللائق بها وبمكانتها الدينية والعربية، وهذا هو الذي يعزّز موقعها القيادي في فضائها الخليجي والعربي وليس العكس.;

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق