الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

السعودية لم تكن دومًا هكذا، القمع الآن لا يحتمل!

السعودية لم تكن دومًا هكذا، القمع الآن لا يحتمل!


جمال خاشقجي
صحفي وكاتب سعودي
ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أتحدث عن الخوف، والتهديد، والاعتقالات، والتنكيل العلني بالمثقفين، والقيادات الدينية، الذين تجرؤوا على التعبير عن آرائهم، ثم أخبركم بأنني من المملكة العربية السعودية، فهل ستتفاجؤون؟ مع صعوده نحو سدة الحكم، وعد ولي العهد الشاب محمد بن سلمان بتطبيق جملة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. كما تحدث عن جعل بلدنا أكثر انفتاحاً وتسامحاً، ووعد بأنه سوف يعالج العوائق التي تعرقل تقدمنا، مثل حظر قيادة النساء للسيارات.
لكن، كل ما نراه الآن هو فقط الموجة الأخيرة من الاعتقالات، فخلال الأسبوع الماضي قامت السلطات بإلقاء القبض على حوالي ثلاثين شخصاً، استباقاً لصعود ولي العهد إلى سدة الحكم. ومن بين هؤلاء الذين تم اعتقالهم أصدقاء لي، لذلك أنا أتطرق إلى هذا التنكيل العلني بالمثقفين والقيادات الدينية، الذين تجرؤوا على التعبير عن رأي يخالف رأي قادة البلاد.
في الواقع، كان المشهد محزناً جداً عندما داهم رجال شرطة مقنعون المنازل وهم يحملون الكاميرات، ويصورون كل شيء ويصادرون الأوراق، والكتب وأجهزة الحاسوب. في الوقت الحالي، يواجه المعتقلون اتهامات بتلقي تمويلات من قطر والضلوع في مؤامرة قطرية كبرى. كما أن كثيرين آخرين مثلي أنا اختاروا المنفى الاختياري بعيداً عن السعودية، لأننا قد نواجه الاعتقال فور عودتنا إلى هناك.
في الحقيقة، يزعجني كثيراً التحدث مع أصدقائي السعوديين الآخرين في لندن وإسطنبول، الذين فضلوا أيضا البقاء في المنفى. إذ يوجد على الأقل سبعة منا، ونحن نقضي ساعات طويلة كل يوم عبر الهاتف محاولين فهم هذه حملة الاعتقالات، التي شملت صديقي رجل الأعمال والشخصية البارزة في تويتر، عصام الزامل.
يوم الثلاثاء الماضي، عاد عصام الزامل إلى وطنه الأم من الولايات المتحدة، بعد أن أدى هناك مهمة ضمن وفد رسمي سعودي. هذه هي السرعة التي يمكن بها أن تجد نفسك فجأة مغضوباً عليك في السعودية. إن هذا الأمر صادم للغاية، ولكن لم تكن الأمور دائما تسير بهذا الشكل بالضبط في بلادي.
بين سنتي 2003 و2010، تم طردي من وظيفتي كمدير تحرير لصحيفة "الوطن" التقدمية. وخلال تلك السنوات، عملت كمستشار إعلامي مع السفير السعودي في بريطانيا ثم في الولايات المتحدة، الأمير تركي الفيصل. ربما من الغريب أن يتم طردي من قبل السلطات ثم تقوم هي نفسها بتكليفي بمهمة في خارج البلاد. ولكن، هذه هي فعلا المفارقة السعودية. بكل وضوح، يمكن القول إن المملكة تسعى للتوفيق بين وجهات النظر المتطرفة من كلا الجانبين، الإصلاحيين الليبراليين ورجال الدين المحافظين، ويبدو أن هذه الاعتقالات شملت هذا الطيف الواسع.
وهنا لسائل أن يسأل، لماذا يعم هذا المناخ من الخوف والتهديد، في حين أن هناك زعيماً شاباً يتمتع بالكاريزما ويعد بإجراء إصلاحات كانت منتظرة منذ وقت طويل، من أجل تحقيق نمو اقتصادي وتنويع موارد الدولة؟ في الحقيقة، إن ولي العهد يتمتع بشعبية، فضلا عن أن مخططه الإصلاحي كان يحظى بدعم الأغلبية ضمن هؤلاء الثلاثين، الذين تم اعتقالهم، من رجال دين وكتّاب ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تمت مداهمتهم تحت جنح الظلام.
في الأشهر الأخيرة، أرست السعودية العديد من السياسات الجديدة والمتطرفة، انطلاقاً من المعارضة الشديدة للإسلاميين وصولا إلى تشجيع المواطنين على الوشاية بالآخرين. كذلك، يبدو أن الأسماء التي شملتها حملة الاعتقالات قد كانت ضمن تلك القائمة، إذ أن هناك كتاب عمود مقربين من القيادة السعودية طالبوا في عدة مناسبات باجتثاث الإسلاميين.
علاوة على ذلك، لا أخفي سراً عندما أقول إن ولي العهد يمقت الإخوان المسلمين، ولكن في نفس الوقت أرى أنها من المفارقات الغريبة وصف شخص معين بأنه ناشط مع الإخوان المسلمين. فأنا لطالما استغربت من كون السلطات السعودية تحارب الإسلاميين، بينما خرجت منها كل حركات الإسلام السياسي، ناهيك عن أنها تصف نفسها بكونها دولة إسلامية في قوانينها العليا (فلنتجنب هنا ذكر كلمة دستور بسبب الصبغة العلمانية لهذه العبارة، حيث نقول إن القرآن هو دستورنا).
بقطع النظر عن الأطراف المستهدفة، فإن هذا ليس ما تحتاجه المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر، فنحن نمر بتغييرات اقتصادية هائلة تحظى بدعم شعبنا، وهي تغييرات سوف تحررنا من التبعية التامة للنفط وتعيد إلينا العمل والإنتاج.
مما لا شك فيه، سيكون هذا المسار مؤلماً، وبالتالي تتمثل أفضل خدمة يمكن أن نقدمها لمحمد بن سلمان في تشجيع الآراء المتنوعة والبناءة، التي تقدمها الشخصيات العامة، على غرار عصام وآخرين من رجال الاقتصاد والدين والمثقفين ورجال الأعمال، الذين عوضا عن هذا تم استهدافهم بموجة من الاعتقالات.
في الحقيقة، أشعر أنا وأصدقائي الذين يعيشون خارج البلاد بالعجز، فنحن نريد أن يزدهر بلدنا وأن نرى رؤية 2030 تتحقق. نحن لا نعارض حكومتنا ونهتم بشكل عميق بالمملكة العربية السعودية؛ فهي الوطن الوحيد الذي نعرفه والذي نريده. ولكن رغم ذلك نحن نعتبر أعداء.
 تحت ضغط سلطات بلادي، أقدم ناشر إحدى أكثر الصحف العربية انتشارا، وهي صحيفة الحياة، على إلغاء العمود الذي كنت أكتبه. كما قامت سلطات بلادي بمنعي من التغريد على موقع تويتر عندما حذرت من المبالغة في التحمس تجاه انتخاب الرئيس دونالد ترامب. لذلك، بقيت ستة أشهر صامتا، أفكر في حالة بلدي والخيارات المؤلمة التي أواجهها.
قبل ست سنوات، كان الأمر مؤلما جدا بالنسبة لي عندما تم اعتقال العديد من أصدقائي، ولكني لم أقل شيئا، ولم أشأ أن أفقد عملي أو حريتي، وكنت قلقا على عائلتي. ولكن الآن اتخذت خيارا مختلفا، فقد غادرت وطني وعائلتي وعملي، وأنا الآن أرفع صوتي. وأي خيار آخر قد أقوم به سيكون خيانة لأولئك القابعين الآن في السجن. فأنا أستطيع أن أتكلم عندما لا يستطيع الآخرون. أريدكم أن تعلموا أن السعودية لم تكن دائما كما هي الآن، نحن السعوديون نستحق ما هو أفضل.

المقال بالانجليزية
المصدر: واشنطن بوست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق