الجمعة، 15 سبتمبر 2017

تجديد رخصة الاستبداد

تجديد رخصة الاستبداد

 وائل قنديل


ماذا يعني مؤتمر" الشمول المالي" أو the financial inclusion بالنسبة لعبد الفتاح السيسي ونظامه؟

لا أظن أنهم معنيون في هذا الحفل البهيج المنعقد في شرم الشيخ إلا بشيء واحد، عبر عنه جنرال النظام الذي يسطو على أموال المواطنين وممتلكاتهم، هو تجديد رخصة الاستبداد والقمع، قبل شد الرحال إلى نيويورك.

"مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم"، تلك هي الجملة المحورية في العرض كله، بدأ بها السيسي كلمته، ولا أظن أنه استمع إلى شيء آخر، في مناقشات المؤتمر.
"نحارب الإرهاب من أجلك أنت أيها العالم"، فلا تبخلوا علينا بدعم استبدادنا وتمويل جرائمنا ضد الإنسانية، ودعونا نطحن عظام معارضينا في هدوء.

لا يحب نظام  السيسي من الهيئات التابعة للأمم المتحدة سوى البنك الدولي، وصندوق النقد، بينما لا يطيق مجالسها الأخرى، ويعتبرها معاديةً خصوصاً مجلس حقوق الإنسان الذي دان أخيرا الانتهاكات الصارخة التي يشملها الملف الحقوقي المصري.

يسمح بتدخل المجتمع الدولي كله في مفاصل الاقتصاد المصري، يتسوّل الشهادات والمنح والقروض. وحين ينتقل الحديث إلى مجالات أخرى، مثل الحقوق والحريات والتطور الديمقراطي، يتحول هذا المجتمع الدولي إلى عدو يحيك المؤامرات على الدولة المصرية، ويسعى إلى تقويضها.

كان السيسي في المرة الأولى التي ذهب فيها إلى الأمم المتحدة حريصاً على محاولة تجميل الملف الحقوقي الكارثي في مصر، من خلال بعض قرارات الإفراج عن معتقلين سياسيين من ذوي الأسماء الرنّانة، عبر قائمة عفو تصدرها مؤسسة الرئاسة، وتضع أمام المشمولين بها عبارة "ناشط سياسي" للإيحاء، كذباً، باتساع صدر السلطة، وإقدامها على إجراءاتٍ تسكت الهيئات الدولية المنزعجة من المفرمة الدائرة في البلاد.

حدث ذلك في العام 2015، حين كانت إدارة باراك أوباما في البيت الأبيض، لكنه في العام التالي 2016، ومع اقتراب وصول ترامب، لم يكن نظام السيسي مهتماً بعملياتٍ تجميلية، تخفي الوجه الحقوقي القبيح، فجاءت قائمة العفو الرئاسي خلواً من الثوار، بينما استفاد منها المدانون بقتل الثوار، وصدر العفو عن مدير ملعب مجزرة بورسعيد، والذي أمر بإغلاق بوابات الملعب، فسقط 74 شهيداً من جمهور ألتراس النادي الأهلي، وقرّرت المحكمة إدانته وسجنه.

 هذا العام، واستباقاً لرحلة نيويورك، أقدمت سلطة السيسي على ارتكاب مذبحةٍ ضد مجموعة من الشباب، داخل شقة سكنية، تم قتلهم بدم بارد، خارج إطار القانون، من دون أن تهتم أجهزة التحقيق بفتح تحقيقٍ في الحادث، فقط أصدرت تصاريح بدفن الجثث، بصياغةٍ فاشيةٍ ترقى إلى مستوى الجريمة.. 
وفي اليوم التالي للمذبحة، كانت مجزرة أخرى تحصد أرواح 18 ضحية من الجنود البسطاء على أرض سيناء.

وكالعادة، في مثل هذه المجازر، يتم استثمارها في تبرير مذابح سبقت، ضد المدنيين، وأخرى ستأتي، في إطار هذه السلسلة العدمية من إراقة الدماء، تعضيداً للسلعة الوحيدة التي يبيعها النظام الفاشي للعالم "الحرب على الإرهاب".

يذهب السيسي إلى الأمم المتحدة، يسبقه تقرير مفزع لمنظمة هيومان رايتس ووتش عن التعذيب في مصر، وآخر لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى تقرير عن التورّط في علاقات مع نظام كوريا الشمالية، رصدته واشنطن، استدعى إرسال وزير الدفاع المصري إلى كوريا الجنوبية، ليعلن منها قطع العلاقات العسكرية مع جارتها الشمالية، لكن الجنرال واثقٌ من أن هذا كله لن يهز ضمير المجتمع الدولي، ولن تترتب عليه حركةٌ جديةٌ لإيقاف المقتلة في مصر، ما دام مواظباً على أداء طقوس الحرب على الإرهاب، متمتعاً بدفء الرعاية الإسرائيلية، أو "الشمول السياسي"، أو سمه الإدماج أو الاحتواء الذي تسبغه تل أبيب على السيسي، والمحور الذي يدور في فلكه.

الحاصل أنه بات مستقراً في عقيدة الجنرال أن تجديد رخصة طغيانه واستبداده لم يعد يتطلب إجراءاتٍ تتعلق بتحسين ملف حقوق الإنسان والديمقراطية، بقدر ما يحتاج الاقتراب أكثر، حد الاندماج والشمول، في المشروع الإسرائيلي، إلى حين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق