النضال تحت أعلام شاذة
نضال كردستاني ملوث بعلم إسرائيل
ويشاء السميع العليم أن يرسل لنا "نمراً" عربياً أصيلاً، ينفض عنا قليلاً من غبار زمن "السيسي" ويوقظ الذاكرة، ويسقي زرعها العطشان لما يجدّد مفاهيم الأرض والوطن والحق والبطولة.
العملية الاستشهادية التي نفذها الفلسطيني نمر الجمل، وحصدت ثلاثة جنود صهاينة، شمالي القدس، لا تعيد الاعتبار لقيمة المقاومة، وحق تحرير الأوطان، فقط، وإنما تنتشل الوعي العربي من مستنقعات المعارك الفاسدة، من نوعية معركة حرية الشذوذ في القاهرة، ومعركة الاستقلال تحت العلم الإسرائيلي في كردستان العراق.
يرفع نمر الجمل علم فلسطين، في لحظة ارتفع فيها علمان فخرقا عين الإنسان العربي، إنسان ما قبل زمن الانقلابات، على الأوطان، وعلى القيم والمعاني.
علم الشواذ في التجمع الخامس في القاهرة الجديدة، وعلم إسرائيل في كردستان.
ارتفع علم الشواذ في القاهرة تعبيراً عن الحرية الجنسية، وارتفع علم إسرائيل في كردستان العراق طلباً للاستقلال.
الحرية والاستقلال، هاتان الكلمتان الرائعتان، تتحولان عند الممارسة الشاذة،إلى معنيين شديدي القبح، يثيران التقزز والغثيان، بدلاً من استدعاء أجمل ما في جوهر الوجود الإنساني.
نبتذل معنى الحرية، عندما يكون مدخلها تبني حرية الانحراف عن الثابت والمستقر في منظومة القيم الدينية والعرفية والأخلاقية، الحاكمة للمجتمع، والتي تشكلت عبر تراكم هائل لروافد تشكيل الوعي والهوية.
ونهين هذه الحرية، عندما نربط بين حرية التعبير عن الانحراف الذاتي في المجال العام والحريات السياسية والاقتصادية، والوطنية. ومن هنا، يصبح مثيراً للغثيان أن يضع أحد علم فلسطين وعلامة رابعة العدوية وشارة تيران وصنافير في سياق واحد مع علم المثليين الملون.
يثرثرون إن دور الدولة ينحصر في حماية حياة الأفراد، ولا شأن لها بالأفكار والمعتقدات، وهذا حق يراد به باطل كبير، وخصوصاً عندما يتم الخلط، تعسفياً، بين القمع الواقع على الحريات السياسية والقمع الواقع على الانحرافات السوسيولوجية والسيكولوجية، لتصبح متهماً، في نهاية المطاف، بأنك تعادي الحرية، حين لا تنحاز لحق الإعلان عن الشذوذ، بالقدر ذاته الذي تنحاز به لحق المعتقلين في محاكمات عادلة وظروف سجن آدمية، بلا تعذيب أو انتهاكات، أو بجملة واحدة حقهم في الحرية، كونهم محبوسين ظلماً وبلا جرائم ارتكبوها.
يقولون إن حرية الأفكار والمعتقدات مقدسة ومصانة..
حسناً هناك من يروج أفكارا ومعتقدات من نوعية أن إسرائيل ليست دولة احتلال، وليست عدواً، وإنما صديق وحليف وشريك، بينما الفلسطيني المقاوم عدو والمصري المعارض عميل وخائن، وإجمالاً خصم ينبغي استئصاله من المجتمع، فهل يجب أن تدافع عن هذه الأفكار والمعتقدات، لتحصل على صك الاستنارة والتحضر من السادة المطالبين بحرية الإعلان عن الشذوذ على الملأ؟!
لن نجادل في أن قمع السلطة يطال الجميع، الأسوياء، ومدّعي الاستواء، والشواذ أيضاً، لكن هذا لا يعني أن المعركة واحدة ضد القمع، ولا يجب أن يؤدي، بالضرورة، إلى تبني شعار"الحرية لكل سجين" جنباً إلى جنب مع شعار"المثلية حق طبيعي"، بل هي انحراف خاص، يخص أصحابه في أماكنهم الخاصة، وحين يتم الخروج والتبشير به في الفضاء العام، فهذا نوعٌ من الدكتاتورية والقمع، تمارسه أقلية متناهية في الصغر، ضد المجتمع كله، فلا تبتذلوا الحرية، بمفهومها الرائع، بإتيانها من طريق منحرف.
الأمر ذاته مع مفهوم الاستقلال الوطني، والثقافي، في كردستان العراق، فقد نتفهم أن الشعب الكردي الذي انحدر منه صلاح الدين الأيوبي، محرّر القدس، والعدو التاريخي لمن اغتصبوا أرض فلسطين، قد نتفهم اعتقادهم الراسخ بأنهم يمتلكون مقومات وموروثات عرقية وثقافية وجغرافية وتاريخية مختلفة، تقتضي تأطيرهم في وطن مستقل، لكن هذا الاستقلال يتلوث ويتم ابتذاله حين تتم المطالبة به، تحت العلم الصهيوني الذي يرفرف في أراضٍ عراقية..
هنا، أيضاً، يكتسب مفهوم الاستقلال معنىً مشينا، ومنحرفاً، عن قيم وثوابت تاريخية وحضارية مستقرة، ويمكن أن يقال هنا، كذلك، إن الأقلية الكردية عانت عسفاً وقمعاً، على مر العصور، من السلطة المركزية في بغداد، غير أن هذا لا يعني القبول بهذا الميل، الانحرافي، نحو الكيان الصهيوني، لدى من يرون جدارة الشعب الكردي بالاستقلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق