الخميس، 14 سبتمبر 2017

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمر بن الخطاب الرسالة الرابعة

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمر بن الخطاب
الرسالة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم


من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمر بن الخطاب سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتُه وبركاتُه وبعد :

هذه رسَالتي الرابعةُ إليك ... منذُ أيام وأنا أُحاولُ أَن أَجعلها جَرعةً مخففةً من الألم ولكني فشلتُ. فالكتابةُ يا مولايَ ليستْ فنَّ استحضارِ الوجودِ من العَدم , ولا حِرفَة تحويلِ الأنينِ إلى زقزقة , لذلكَ فليكنْ صدرُكَ رحبَا على عادتِه , فإنَّ رسَالةً بوميةً أُخرى تقرعُ صندوقَ بريدِك !


بلغَني يا مولايَ أنكَ أرسلتَ عمرو بن العاصِ لفتحِ مصرَ وأنَّكَ رافقته يومذاكَ حتى حدودِ المدينةِ مودعاً ولم تنسَ لحظتَها أنْ تقرعَ على مسامِعهِ وصَايا رسولِ اللهِ صَلى الله عليهِ وسلَّم الارهابية في الحرب : ( لا تخونُوا ولا تغدِرُوا ، ولا تمثِّلوا بالقتلى ، ولا تقتلُوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراَ ولا امرأة، لا تعقِروا نخلةً ولا تحرقوها، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبَحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا للأكلِ، وإذا مررتُم بالذين يتعبَّدون في صوامِعِهم فاتركُوهُم لشَأنِهم، وعلى هذا فسيروا على بركةِ الله ).


هذا الإرهابُ المتنطِطًُ من بينِ ثناياكَ هو الذي دفَعَ المؤرِّخ الفرنسي غوستاف لوبون ليقولَ : ( لم يعرف التاريخُ فاتحاً أَرحمَ من المُسلمين ) .
غير أَنَّ هذا الكلام لم يعجب الليبراليينَ العرب , الذين يسبَّحون بحمدِ المحافظين الجدد , ويحاوِلُون ليلَ نهارٍ تجميلَ وجهِ إلهِ الديمقراطيَّة وحقوقِ الانسان أمريكا . ولكن كما قالت العربُ قديماً : ( ماذا تفعلُ الماشِطةُ بالوجهِ العكِر ) .


وإليكَ يا مولايَ قصَّة أمريكا هذه مِن ( طَقطَق الى السَّلام عليكُم ) . فإنَّ بحاراً يُدعى كريستوف كولومبُوس , وهو من أصل إيطالي , أرسَلته ملكةُ البُرتغال الى الهندِ , ولكنَّه ضلَّ الطريقَ , ووصلَ إلى العَالمِ الجديدِ الذي فرِحَت به أُروربا , فنفَتْ إليهِ المجرمينَ الذينَ غصَّت بهم السُّجونُ إلى هناكَ. فتكَالبوا على الهنودِ الحمر سكانِ البلادِ الاصليينَ . وأمعنوا فيهم قتلاً , وبحكمِ الحاجَةِ إلى سُلطة في ظل الإجتماع الإنساني كما يقولُ ابن خلدون قاموا بتأسيسِ سُلطة على شاكِلتهم . ولكنَّهم مع الوقتِ استطاعوا تجميلَ صورتِهم عن طريقِ هوليوود , وربطاتِ العنقِ , وبيتزا هَات , وهارديز , والعم دونَالد . وهم بكلِ هذا معتَمدين على جاذبيَّتِهم اللهُمَّ الا قليل من القنابلِ الذريَّة , وصواريخِ كروز , وتوما هوك , وطائراتِ B 72 وال F 16 .


أمَّا هوليوود يا مولايَ فهي ماشِطتُهم التي تحاولُ تجميلَ وجهِهِم العَكِر . فقد انتجُوا فيلماً أسمُوه بيرل هاربار , قامَ ببطولته بين أفليك , وهذا الفيلم يحاولُ أَن يقنعنَا أنَّ ضربَ هيروشيما وناكازاكي جاء رداً على الهجومِ الياباني على بيرل هاربار , وهو ميناءٌ عسكريٌ بالمناسبة , ولكن المزري يا مولاي أنَّ الهجومَ اليابانِي كان عام 1941 , في حين أن الرئيس الامريكي هاري ترومان أَعطى التصريحَ باستخدامِ السَّلاح النووي ضد اليابان عام 1945 ! 

وفي السَّادسِ من آب ركبَ الطَّيار الأمريكي بول تيبتيس طائرتَه اليونا جاي وألقى قنبلةً على مدينةِ هيروشيما فخلَّفت قوةً تدميريةً تعادلُ 20 ألفَ طِن من الديناميت فقتلت في دقيقةٍ واحدةٍ ثمانين ألفاً أمَّا الجرحى فماتوا بطيئاً بعدها بفعلِ الإشعاع . وبعد ثلاثةِ أيامٍ أي في التَّاسعِ من آب ألقوا قنبلةً على ناكازاكي المفرح في الأمر أنَّه لم يكنْ هناكَ جرحى فقد ماتَ الجميعُ وكانَ عددهم سبعون ألفاً .
أي أنَّ أمريكا يا مولايَ قتلتْ في أربعةِ أيَّام 150000 أي أكثر مما قتلَه المسلونَ في حروبِهم منذ بعثةِ النبي صلى الله عليه وسلة حتى 11 سبتمبر في منهاتن . 


وبالعودةِ إلى عمرو بن العاصِ يا مولايَ _ واعذُرنِي على هذا الإستطرادِ إلاَّ أني عكفتُ على الجاحظِ في أيَّامي الأَخيرةَ فأعداني _ فإنَّه سَار على بركةِ الله , وطلبَ منكَ مدداً فأرسلتَ إليهِ القعقاعَ بن عمرو, وقلتَ له مقولةَ سيدنا أبي بكر: إنَّ جيشاً فيه القعقاعُ بن عمرو لا يُهزم أبداً . ووصلَ ابن العاصِ بجيشِه إلى مدينةِ عين شمس (هليوبوليس)، وقامتْ خطتُه على أن يجتذبَ إليهِ جند الروم لينازلهُم خارجَ الحصنِ، ولم تكن للعربِ وقتئذ خبرة تامة باقتحامِ الحصون والاستيلاءِ عليها . ثم إنَّ الرَّوم أكلوا الطعمَ , وخرجوا وأتمَّ الله الفتحَ . ومصرُ منذ ذلكَ الحينِ تدينُ بلا اله الا الله محمد رسول الله . وهي باقيةٌ على هذا ما دامَ الليلُ والنَّهار . وإني لأبشَّركَ يا مولايَ أنَّ مصرَ كانت بلدَ الشهداءِ والعلماءِ على مرِّ التاريخِ , فإنَّ العزَّ بن عبدِ السَّلامِ باعَ الأُمراءَ لتجييشِ الجيوشِ , ولما دانت الدنيا للتتر كانَ أَهلُ مصرَ يدافِعونَ عن الإسلامِ وحدهُم , فحفظَ اللهُ الدِّينَ على أيديهم غيرَ أَنَّ حُسنِي مُبارك يا مولايَ خلعَ رداءَ العزَّة , وتسربَل بالذُّل , وقام خطيباً بعد مباراةِ الجزائِر ومصر ليقولَ : بأنَّه لن يسمحَ لأَحدٍ أن ينالَ من كرامَةِ أَهلِ مصر وكأنَّ كرامةَ أَهلِ مصر تُهان بهدفٍ يدخلُ في شبكَة !

إنَّ أهلَ مصر يا مولاي تُؤذيهم السَّفارةُ الإسرائيليةَ في القاهرة , ويُؤذيهم أن يعتمِدوا على المعونَةِ الأمريكيةِ بعدَ أَن كانُوا يطعِمونَ الدُّنيا كلها زمنَ يوسف عليه السلام فإنَّ من كانَ عندَه دلتَا النِّيلِ حريَّ بهِ أن لا يخشى الجوعَ أبداً . ويؤذيهم يا مولايَ حصارُ غزَّة وأَن تمدَّ أمريكَا اسرائيل بالفوسفورِ الأَبيضِ ويحدِّثهم مبَاركُ عن بطولاتِه بمنعِ تهريبِ السِّلاحِ إلى غزَّة , ويؤذيهم سحب السفير المصري من الجزائر والابقاء عليه في تل أبيب , ويؤذيهم البيوت التي تهوي فوقَ رؤوسِ سَاكنيها , ويؤذيهم عمرو سُليمانُ وجنُودُه .

كانتْ هذه رسَالتي الرَّابعةُ يا مولاي ... أَعرفُ أَنَّ بريدي مطرزٌ بالدمع ولكنِّي أُحبُّ أْن أَكتبَ إليك ... ألقاكَ في رسَالةٍ أُخرى إنْ كانَ في العمرِ بقيَّة وإلى تلكَ اللَّحظة التي تعانِق كلماتي وهجَ عينيكَ قبلاتِي ليديكَ وسلامي لصَاحبيك والسَّلام . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق