الاثنين، 11 سبتمبر 2017

الحج في زمن الكوليرا

الحج في زمن الكوليرا



أحمد عمر

الكوليرا تنتشر في اليمن، ولصاحب عاصفة الحزم المباركة، ولله الحمد والفضل والمنّة.

يتكئ ملك السعودية على سنام تليد من المجد، لم ينله ملك في العالمين.

رأينا في المؤتمر الإسلامي الأخير، الرئيس الإيراني روحاني، وهو يتوسل إلى نظرة واحدة، يتصدق بها صاحب عاصفة الحزم ومخترعها، فلم يتفضل بها عليه، وإيران دولة شبه نووية، وتحتل أربع عواصم عربية، ويستشهد علماء ودعاة مسلمون في الشرق والغرب بعلماء السعودية وفتاويهم، وهي فتاوى عامة، مرتجلة، بدوية، عليها ما عليها، لكن كل هذه المنحة الإلهية مهدورة، ويذهب ريعها إلى إيفانكا، أو إلى السيسي، أو حفتر، وإيفانكا أرحم من الاثنين.

كل من حجّ، شكا من إجراءات الوصول والدخول العسيرة. وكان أمير مكة قد غضب بالأمس القريب من عسر هذه الإجراءات، والتي تبلغ أحياناً تسع ساعات بعدد السنين والحساب. جميع من أعرف من الحجاج والمعتمرين اشتكى من إجراءات الدخول، ومشقة عبور حاجز الوصول.

وكان السفر قديماً صعباً وفيه مشقة، واليوم، السفر سهل وميسور، لكن سهولة الوصول تحبطها مشقة الاستقبال. والشرطة في الحج ترتدي أزياء عسكرية، ولن نقترح أن تلبس أزياء بيضاء حتى لا تلتبس بزي الحجاج المحرمين، اللون العسكري غير مرغوب ويذكّر بالحرب، لكن على ما يبدو أن السعودية المشغولة بعاصفة الحزم في اليمن وتشتهي نصراً سريعاً، وحرباً عابرة، تبلع بها قطر.

حتى اللون الأسود يصير جميلاً إذا كان صاحبه جميلاً.

انطلقت "العربية" تدافع عن عمرو خالد، واتصلت به ليدافع عن نفسه، ثم ظهر على المحور أيضاً، وأول لقاء له في الحج كان على ال mbc، المتخصصة في صناعة الأوثان والأزلام للعرب والمسلمين، والعربية في الحج تنهمك في تلميع صورة الشرطة السعودية، ومديح الخدمة لا فقه الحج ورسالته، وهي خدمة مدفوعة الأجر، ولا تخلو من الخدمة التطوعية. 

قرأتُ باكراً في أحد كتب البوطي رحمه الله، رثاء ساخراً للحج، وكان ذلك في السبعينيات، وقد تحسنت خدمة الحجيج في السنوات التالية، وكان لحم الأضاحي يفسد تحت الشمس، ويدفن تحت الأرض، لكنه الآن يجلد في البرادات، خمسين جلدة، تعزيراً، ويهدى إلى بعض فقراء المسلمين، وإلى كثير من أعداء المسلمين، وتشترى به الولاءات السياسة، والدفن تحت الأرض أرحم وأكرم.

ليس عندي دليل أن السعودية تصدقت على جيش بورما بلحم الأضاحي، لكن المؤكد أن الروهينيغا المطرودين من ميانمار لم ينالوا منها لقمة واحدة، فهم متمردون في نظر الإعلام السعودي!

أخبرني صديقي "عنيّد"، أنّ الشرطي السعودي ميز بينه وبين زميله الألماني المسلم، فالأشقر ابن الأكرمين، فقلت له: لعله الكرم العربي على الغريب، فأنت من الأهل والقرابة يا عنيد يا يابا. ونقلتْ صحيفة عكاظ التي صارت حداثية تنافس شارل إيبدو، عن منتجعات خمس نجوم في الحج، وهي ظاهرة جديدة، خيام وأطعمة، ومشروبات، ونراجيل، والشرطة السعودية لا تتعرض لهم بسوء، وكانت الشرطة تكبس على كل بيت يحتفل بالمولد النبوي، فإن انجلى الأمر عن عرس أو حفلة تركوهم بعد التمنيات بالرفاء والبنين!

ومواكب الأمراء معروفة في الحج، وتتسبب بمضايقات للحجاج، وأكثر الحجاج من الكهول والشيوخ والزمنى، لكن المسلمين يحجّون غير آبهين، بكل هذه المضايقات، بل إن بعضهم يفضل أن يموت في رحاب بيت الله الحرام.

لقد لبس الحاج كفن الإحرام حياً، وحان موعد نحبه. 

انتشرت مقالات تندد بتدمير بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام، وتحويلها إلى حمامات، وبناء ناطحات سحاب في أطهر بقعة. نقرّ بأن الملوك السعوديين يموتون موتة لا فخر فيها، على الطريقة الوهابية، لكن حياتهم مليئة بالإسراف والترف. القرآن الكريم  يقرن الإسراف والتبذير بالشيطان، وكان صاحب عاصفة الحزم، قد ترك الحصار والحرب في اليمن، والديار المقدسة، وساح في المغرب، وأنفق مائة مليون دولار في شهر واحد، وقد تأولتُ هذا خيراً، فقلت: هو  تنشيط للسياحة في المغرب الشقيق. وعندما تبرعت السعودية لإعصار هارفي قلت معذراً: عاصفة الحزم تتعاطف مع أخيها هارفي أو أختها إيرما.

وجريدة عكاظ تنقل أخباراً توحي بأنها بدأت بمؤاخاة شارل إيبدو، فهي متعجلة للعلمانية التي يبشَّر بها في السعودية، وكل الإعلام السعودي يتأسى بشارل إيبدو، ويبدو أن سنين العسل بين الدرعية والوهابية قد أوشكت على الانتهاء. 

جميع الملوك العرب الذين جاؤوا بانقلابات تخلصوا من رفاق السلاح والكفاح: صدام حسين تخلص من أحمد حسن البكر، وبقية القيادة القطرية. عبد الناصر تخلص من محمد نجيب، وعبد الحكيم عامر. حافظ الأسد من اللجنة العسكرية، وصلاح جديد، ولاحقا تخلص ابنه من الشعب نصفه أو كله.

ولم يكن الحج يوماً بأفضل حال، ومن فضائل حصار قطر، الذي أرجو أن ينتهي على خير، أن الكاتب العربي استطاع الكتابة عن عيوب خدمة الحجاج، وبشرنا يوسف العتيبة، الذي أوتي شطر الحسن الفكري والاستراتيجي، أنّ المملكة تنوي الفصل بين الدين والدولة، والتخلي عن لقب خادم الحرمين الشريفين، والمؤاخاة بين السياحة الدينية، والسياحة البكينية على البحر الأحمر.. !

أحيانا أرصد صلاة الفجر من الحرم المكّي، على فضائية القرآن الكريم، وأسمع أئمة يؤمّون الصلاة، ولا أكاد أفقه لهم قولاً، فتلاوتهم تشبه الغمغمة، والحرم هو حرم الله، وهو للمسلمين، وكان أولى بهذا المنبر أن يكون للمسلمين جميعاً، و الأذان لأنداهم صوتاً، لكن لا حياة لمن تنادي.

"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ"، لكن حدثت حوادث تخطف، منها حادثة خطف قامت بها السلطات، فخطفت معتمرين وحجاج، وسلمتهم إلى مجرم اسمه حفتر، كما خطفت عروس قبل أيام، زعمت وكالات أنباء أنها عادت إلى حضن الوطن. معدل الجرائم يرتفع في المملكة التي أغرقت مكة بناطحات السحاب، وما تزال صحافة السعودية، و أعلامها أهم إعلام عربي، تسمي الضحايا المساكين في ميانمار بالمتمردين.

وكان من فضائل الحصار على قطر، أن خلعت  الدول المحاصرة أقنعتها، ورأينا أكثر من ساعة حوار وجدال على الجزيرة حول تسييس الحج، والحج مؤتمر للمسلمين، ومظاهرة سياسية عالمية، حدد رب العالمين ساعتها، التسييس المنهي عنه هو تسييس الفرقة، لا تسييس مصالح المسلمين العامة، كأن يدعو خطيب المسجد الحرام إلى نصرة الروهينغا في كل مكان، في سوريا، وفي ميانمار، وفي ليبيا، لا إلى التقرب إلى الله بالدعاء للملك وولي العهد.

أغلقت السعودية الأبواب أمام أكثر دول المسلمين نكبة وأذى، وهي سوريا وفلسطين واليمن، و حجاج هذه البلاد أولى من برلمان السيسي المزور، وكثير من الناشطين والسياسيين يخافون من الحج والعمرة، "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".

والسعي في الخراب مقنع بالعمران، والكرة هي الدين الجديد، فلم نرَ ولي العهد أو صاحب العهد يؤم صلاة، لكننا رأيناه يؤم مباراة اليابان والسعودية ويصفق طرباً.

العلمانية طموح في هذه الأيام، فليت الدين لله والأوطان للملوك، فالملوك تريد الاثنين في واحد، أو تريد الأوطان، والدين معها هدية.

وليس بالفيلة وحدها تدمر الكعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق