عام في القصر: أسرار تنشر لأول مرة عن الرئيس مرسي
[الحلقة الأولى]
بمناسبة الذكرى السادسة للانقلاب العسكري في مصر، يبدأ موقع "الجزيرة مباشر" نشر تحقيق صحفي على حلقات، حول السنة التي قضاها، الرئيس الراحل محمد مرسي رئيساً للبلاد.
التحقيق يتناول أيضا قرار جماعة الإخوان المسلمين بخوض الانتخابات الرئاسية، وما جرى في هذه المرحلة من أسرار تنشر لأول مرة.
تقرير : سليم عزوز
لعله أطول عام في التاريخ:
لم يكن حكم الرئيس محمد مرسي سوى عام فقط، بدأ من إعلان نتيجة فوزه بالانتخابات الرئاسية في نهاية شهر يونيو 2012، وانتهى في نهاية هذا الشهر سنة 2013، ومع هذا بدا العام طويلاً، لكن الحساب فيه لم يكن بالدورة الرئاسية، كما هو معمول به في الدول الديمقراطية، فالحساب كان باليوم، بل والساعة، وكان الرئيس في هذا ضحية برنامجه، الذي نص على أن يقدم إنجازات ملموسة في بعض المسارات، خلال المئة يوم الأولى من حكمه، ولم يكن هذا ممكناً في الواقع، ولم يكن أكثر من "ورطة" ورط فيها من وضعوا البرنامج الرئيس، بحسن نية، ولا بأس فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، وبدا من وضعوا البرنامج الرئاسي، كمن لا يعوون بشكل كامل، التحديات التي ستواجه تجربتهم، بل وتواجه الثورة نفسها.
هذا الحساب، باليوم والساعة، فضلاً عن الأحداث التي شهدها، كانت سبباً في طرح عشرات الأسئلة، دون أن تجد الإجابة الصحيحة، فلم تمتد ولاية الرئيس المنتخب، حتى يجد شهود العيان الوقت ليجيبوا عن المطروح من الأسئلة، ويقدموا المعلومة الصحيحة لمن يريدها، ثم جاء الانقلاب العسكري، ليغيب كثيراً من شهود العيان خلف الجدران، وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والرجل القوى بالجماعة المهندس خيرت الشاطر، لكن في المقابل، فإن شهود العيان ليسوا جميعهم داخل السجن، ومن خارجه ليسوا جميعهم داخل البلاد، فمعظم من في الخارج أيضاً لا يقدمون إجابات عن أسئلة مطروحة، اتصل علمهم بشكل مباشر بأحداثها.
الاحتماء بالصمت:
من هنا لم تكن "المهمة" سهلة، للوصول إلى الإجابات الصحيحة عن الأسئلة المطروحة، أو بعضها، فهناك من آثروا الصمت تماماً، وكأنهم لم يعاصروا الأحداث وكأنهم لم يكونوا طرفاً فيها، أو شهود عيان عليها، لأنهم قرروا أن يحتموا بالصمت لسبب أو لآخر.
لقد بدأت فكرة هذا "التحقيق الصحفي" منذ فترة؛ ذلك لإيماني أن المعلومة ضالة الصحفي، وأنها في حالتنا تتجاوز الأهمية المهنية، إلى ما يخدم الثورة، وربما الأجيال القادمة ليبنوا طريقهم وهم مسترشدين بهذه التجربة بناء على معلومات حقيقية وليس استناداً على تصورات هلامية، غير منضبطة، مثل كل الحوادث المهمة التي وقعت في التاريخ بشكل عام، وفي التاريخ المصري بشكل خاص.
ويُعرف تاريخياً قدرة جماعة الإخوان على طوي كل مرحلة بأحداثها، فلا يجيبون عن الأسئلة، ولا يشغلهم أن يعرف الناس الحقيقة، حتى وإن لم يكن فيها ما يضرهم!
فهل يعقل أنه إلى الآن، فإن حادثاً بحجم محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية، لا تقدم فيه المعلومة الصحيحة للرأي العام، فرواية النظام تقول إنها محاولة من الجماعة لاغتيال عبد الناصر، في الوقت ذاته، يكون نفي الجماعة سبباً في تسليم البعض بأنها مجرد "تمثيلية" قام بها عبد الناصر، بناء على نصيحة من المخابرات المركزية الأمريكية لصناعة النجم، ليكون سؤال الطرف الآخر، ومن أوجد هنداوي دوير واخوانه وهم من الإخوان في مكان الحادث، إن كانت تمثيلية؟، ليجد الطرف الآخر نفسه في أزمة، في حين ذكر الحقيقة مهم، فالجماعة كانت مخترقة، وليس في هذا ما يعيب، فكل الأحزاب والجماعات تتعرض للاختراق الأمني، ثم إن فصيلاً داخل الجماعة تمرد على قياداتها وقرر التصرف بعيداً عنها، ونجح الاختراق في السيطرة على هؤلاء المتمردين.
بداية الفكرة:
لقد بدأت التفكير جدياً في ضرورة القيام بهذه المهمة، عندما جمعني لقاء بأحد الشباب الذين كانوا يعملون في القصر الرئاسي بالخارج، واستمعت منه إلى معلومات مهمة، لا تنقصها الإثارة، عن هذه المرحلة، لاسيما في أيام الرئيس محمد مرسي الأخيرة، سواء في القصر الجمهوري، أو في مبنى الحرس، والذي غادره صاحبنا، مع مجموعة أخرى من الدائرة المحيطة بالرئيس، بعد عصر يوم 3 يوليو 2013، أي قبيل إعلان بيان الانقلاب العسكري بساعات قليلة، وكانوا يدركون ساعتها أن كل شيء قد انتهى، وكانت المغادرة بطلب من الرئيس، الذي اكتفى بالدائرة الأكثر قرباً منه، ولم يشأ أن يعرض غيرهم للمخاطر، وإن كان لم يفقد الأمل في أن الشعور بكلفة الأمر، قد يمنع من وقوع الخطر.
يومئذ فكرت في عمل تحقيق صحفي يحمل عنوان "الأيام الأخيرة لمرسي في القصر الجمهوري"، لكن قبل أن أشرع في التنفيذ كانت قناة "الجزيرة" قد عرضت فيلمها "الساعات الأخيرة"، وهو وإن كان بالمفهوم الصحفي قد حرق اسم التحقيق، فإنه لم يهتم بالاجابة عن كثير من الأسئلة المطروحة، طيلة السنة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي، ولم يكشف أيضا كواليس خوض الإخوان الانتخابات الرئاسية بعد إعلانهم المتكرر أنهم لن يخوضوها، والشائع أن مجلس شورى الجماعة اجتمع لهذا الأمر، مرتين في رواية، وثلاث مرات في رواية أخرى، وبحسب الرواية الأولى، فإن قرار عدم الترشح فاز بالأغلبية، فتم إعادة التصويت من جديد في اجتماع آخر.
وبحسب الرواية الثانية، فإن التصويت بالرفض كان في اجتماعين، ليتم العدول عن ذلك في الاجتماع الثالث بضغوط بُذلت من المهندس خيرت الشاطر، ولم يكن هذا صحيحاً.
وحتى هذه الراوية البسيطة لم تجد من يهتم بتصويبها على نطاق واسع، ربما لأن فتح الباب للتصويب، سيفتح الباب للنقاش حول المسكوت عنه، ومن هنا يكون الصمت جرياً على الأخذ بنصيحة سد الباب الذي يأتي منه الريح.
عندما لاحظ الشاب الذي كان يعمل في القصر الرئاسي شغفي بالتفاصيل في "الأيام الأخيرة" للرئيس محمد مرسي في الحكم، أدهشه دهشتي، ذلك بأن فلاناً وفلاناً كانوا بين شهود عيان على هذه المرحلة، وهو يعرف أنني أعرفهم وأنني جلست معهم أكثر من مرة، وأدهشتني هذه القدرة على الصمت، فلم يحدث أن أخبرني أحدهم أنه عمل في القصر، ولم يضبط أحدهم متلبساً بالحديث حول هذه المرحلة.
وقد تُروى في وجودهم معلومات غير حقيقية، لكنهم أبداً لا يهتموا بتصحيحها أو ذكر الحقيقة، وهى قدرة عجيبة على الصمت، فهل يعتقدون أنهم كانوا في مهمة تأسيس "النظام الخاص" للجماعة، حيث السرية مطلوبة، ولا يدركون أنهم جزء من عمل سياسي، العلانية فيه مطلوبة، ومن المسؤول عن هذا الخلط؟!
الكتمان:
بيد أن الأكثر دهشة، أن هذا الشاب (م. ت) الذي تطوع من قبل بما لديه من معلومات عن "الأيام الأخيرة" للرئيس محمد مرسي، تهرب -في البداية- عن الإدلاء بشهادته عندما اتصلت به عند بدء المهمة، إذ تعلل في البداية أنه مريض، فلما قلت له إن عليه أن يختار الوقت المناسب للتسجيل بعد أن يتم شفاؤه، عاد ليقول إن والده سيزعجه كثيراً عندما يراه على الشاشة، فلما أفهمته أن التسجيل لن يعرض على الشاشة، عاد من جديد للتهرب، فلما أفهمته أنني مقدر لظروفه وقد صرفت نظراً عن التعامل معه كشاهد، التقيت به في اليوم التالي، ولم يكن مريضاً ولم يهتم بأن يقدم مبرراً لهذا التهرب!
ولم يكن وحده من تهرب، وآثر كتم الشهادة، فمن هم كانوا أقرب منه في دائرة الحكم قد تهربوا مثله، ومنهم من اعتذر بدون تقديم مبررات للاعتذار، لكن غيرهم تكلم، وقد وضعت بدائل مناسبة لكل مصدر على حدة.
فمن يرفض التسجيل بالصوت والصورة، فإمكانه أن يختار بين بدائل، الأول التسجيل صوتاً فقط، والثاني كتابة المعلومات منسوبة إليه، أو غير منسوبة إليه، فما يهمنا هو المعلومة والوصول إلى الحقيقة، لكن هناك من رفض كل هذه البدائل، وآثر الصمت التام (صلاح عبد المقصود- وزير الإعلام السابق نموذجاً).
وهذا لأن البعض تعلل بأنه لا يريد أن يسيء للرئيس الدكتور محمد مرسي، وهو في سجنه ولا يملك الرد ( لم تكن وافته المنية حينئذ)، وذلك رغم التطمنيات التي قدمتها لهم.
فليس في نيتي أن أدير برنامج "الاتجاه المعاكس"، وليست طبيعة هذا "التحقيق الصحفي" تقوم على المواجهة. إن الهدف هو الحصول على المعلومة، أو "المادة الخام"، بعيداً عن التحليل والصخب!
ولاشك، أن التهرب عن الإدلاء بالشهادة، كاشف عن اختيار خاطئ لهذه الشخصيات المحيطة بالرئيس، وهى جزء من أزمة الحكم في هذا العام، وقد اقترح عليّ أحد الزملاء اسماً لمن قال إنه عمل مستشاراً للرئيس، ولم أكن أعرفه، أو سمعت باسمه مرتبطاً بهذه الوظيفة من قبل، لكنه أخبرني – عند الاتصال به – أنه كان مستشاراً للرئيس لشؤون تعمير سيناء، فأدهشني هذا الاختيار، والذي علمت أنه كان اختياراً على قاعدة "الكوتة"، ممثلاً لحزب "البناء والتنمية" الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، فهل كان النظر إلى سيناء على أنها ملف ديني، كما ينظر لها النظام العسكري على أنها ملف أمني، وما هى سابقة أعماله في مجال التنمية والتعمير؟!
عندما اتصلت بمستشار الرئيس هذا أخذني في اتجاه آخر؛ فقد قال إنه لا يريد أن يسيء لأعظم رئيس حكم مصر، وقد أساء له من حوله، وأنه لهذا يعتذر للتسجيل.. فمن قال له إنني استهدف الاساءة للرئيس؟! ومن أين جاء بأن محاولة الإجابة عن الأسئلة المطروحة والوقوف على المعلومات الحقيقية، فيه إساءة للرئيس، ألا يرى أنهم هم من يسيئون للرئيس بهذا الصمت؟!
لم أطرح عليه السؤال الأخير بطبيعة الحال، فقد أيقنت أننا أمام حالة نفسية، وأنه يريد أن يقدم نفسه لي من هذه الزاوية، ليس هو الشخص الذي يمكن أن يسيء للرئيس، فقد كان رجلاً فاضلاً لكن من حوله لم يكونوا على هذه الدرجة من المكانة الأخلاقية!.
قلت له: إن المقابلة ستكون مسجلة، وإذا رأى بعد انتهاء التسجيل أنه تورط في قول، فعليه أن يطلب حذفه، وأن تقاليد مهنة الصحافة تحتم عليّ الاستجابة له!
بيد أنه اقترح أن يكتب مقالاً عن هذه المرحلة يرسله بعد أربعة أيام، وفي اليوم الرابع أرسل رسالة لي على "الواتساب" يعتذر فيها عن عدم الكتابة.. ومرة أخرى لأنه لا يريد أن يسيء للرئيس، فماذا يمكن أن يسيء الرئيس أكثر من اعتماده "الكوتة" لترضية كل الأطراف، فاعتمد ترشيحات، لمن لم يكونوا مؤهلين لهذه المرحلة، وبـ "كوتة الكنيسة" دخل الفلول لمجلس الشورى بقرار رئاسي؟!
اللجان الإلكترونية وحملات الإبادة:
عندما سألت من يعرف صاحبنا عن سر هذا التهرب من الشهادة؟ أجاب: بأنه طيلة شغله للوظيفة لم يسمع أحد أنه كان مستشار للرئيس، ولا يريد للناس الآن أن تعرف ما لا تعرفه في حينه، رغم أنه يعيش في الخارج، ربما لأن السرية مهمة في أعمال الجماعات والحركات!
ولم تكن الدوافع واحدة وراء ذلك، ويمكن اجمالها فيما يلي:-
أولاً:
هناك خوف دائم من المتربصين والمتصيدين، ممن ينتمون إلى ذات التيار، ومنهم من يدعي الحكمة بأثر رجعي، ممن لا يؤسسون لقناعة خاصة ومرجعية للاحتكام اليها؛ لكنهم ينتظرون قول الآخرين ليواجهونه بالهجوم، وإن كان الشيء ونقيضه، إنهم دائما رد فعل، فعندما تم فض رابعة وأخواتها، كانوا يظنون أن الجماعة اتخذت موقف المواجهة، ومن ثم انطلقوا يهاجمون قياداتها، لأنهم لم يتركوا الباب مواربا لعمل سياسي ينهي الأزمة، ولم يكن بامكان القيادة في جو التربص هذا، إعلان كل ما لديها من معلومات، لكن عندما أذيع عبر وسطاء في الأزمة، أن هناك مفاوضات لم تكتمل، ومرونة أبداها قادة الجماعة، للتوصل إلى حل، وجانب من هذه المرونة تحدث عنه الدكتور محمد البرادعي في وقت لاحق، كان الرد وكيف تضعون المعتصمين في مواجهة غير متكافئة، ما دامت هناك رغبة في التفاوض؟ ولماذا لم يتم كشف ماجرى في المفاوضات السرية أمام المعتصمين؟، ولعل السؤال المهم هنا، وهل كان بالإمكان إعلان هذا الموقف التفاوضي، وهل كانت ستسمح به الجماهير الغاضبة؟ وهل كان يمكن للجماعة السيطرة على الموقف إن رفضت الجماهير مبدأ التفاوض أو التنازل؟
ثانياً:
إن هناك خوفا دائما من اللجان الإلكترونية، والتي استخدمتها قيادات الجماعة في ردع من يعلن وجهة نظر مختلفة، يمكن أن تمثل إدانة لإدارة الجماعة للمشهد، أو تثبت أن هناك أخطاء ارتكبت، وكانت البداية مبكراً، ومن خلال الهجوم المباغت على الدكتور محمد محسوب، عندما حل ضيفاً على برنامج "أحمد منصور" بقناة "الجزيرة"، لمجرد أن قال – بعد ضغوط من المذيع أنه كان يمكن الحيلولة دون وقوع الانقلاب العسكري، فكانت ليلتها حملة الإبادة ضده، من هذه اللجان، التي اتهمته بخيانة الرئيس، ونسيت تماماً أو تناست أن الرجل انحاز وحزبه "الوسط" للرئيس رغم رفضه الاستمرار في حكومة هشام قنديل، وترك موقعه الوزاري، ثم إنه هرب من مصر في مخاطرة كبرى، وفي رحلة موت، لم تشفع له أمام هذه اللجان. فضلاً عن أنه كان أحد الرموز التي تم الاعتماد عليها في عملية التفاوض مع الوسطاء الإقليمين والدوليين، وربما كان الهدف من الهجوم عليه هو إسكاته فلا يملك ما لديه من معلومات أحد، وأخصها أسرار عملية التفاوض، ولم تكن الجماعة في هذا الوقت تريد أن تظهر أنها تتفاوض، وأنها لم تكن تمانع في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن يعود الرئيس للحكم لفترة مؤقتة منزوع الصلاحيات، والخلاف حول من يفوضه في صلاحياته، فدائرة الحكم كانت ترى أن يتنازل الرئيس لرئيس حكومته هشام قنديل عن صلاحياته، في حين كان من رأي "آشتون" أن يتنازل عن هذه الصلاحيات للبرادعي، بعد تعيينه رئيساً للوزراء.
واستمرت هذه اللجان، كقوة ردع لصالح قيادات الجماعة للهجوم على الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، وكذلك عندما عندما حدثت أزمة داخل الجماعة على القيادة، فقد انحازت اللجان لفريق القيادة فيها، وشنت هجوماً عنيفا على الفريق الآخر، واستخدمت الشتائم سلاحاً في قصف هؤلاء، ولم يجد واحد بحجم الدكتور عمرو دراج الوزير الإخواني، والوزير في نظام الرئيس محمد مرسي، إزاء هذه الاستباحة إلا أن يعلن اعتزال العمل السياسي، واللافت أن الهجوم عليه كان يستند في أحد جوانبه إلى مشاركته في اجتماعات وورش عمل ينظمها الدكتور أيمن نور فيما عُرف بجلسات الاصطفاف والتوافق بين القوى المدنية، لكن لم تتم المعاملة بالمثل عندما ظهر الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة، في اجتماع بحضور أيمن نور!
وإذا كانت اللجان الإلكترونية في أحد تعريفاتها أنها حسابات وهمية، فقد كانت هناك صفحات وهمية، بأسماء نسائية، وأخرى معروفة، مثل هذه الشخصية التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعد جزءاً من "جوقة" السفارة المصرية في واشنطن، وقنصلية مصر في نيويورك، وقد شوهدت في استقبال مبارك في زيارته إلى هناك، وتم ضمها للمجلس الثوري، وهو أحد التنظيمات التي أنشأتها الجماعة في الخارج لمواجهة الانقلاب، ولم يتم تجميد عضويتها فيه، إلا بعد تطاولها المتكرر والمتعمد على أردوغان. فضلاً عن أن هناك شخصيات تتعامل بأسمائها الحقيقية، وتعيش في مصر، ومع ذلك ترفع شعارات الشرعية، وإشارات رابعة، دون توقيف أمني لها، وكأن هذه الشعارات وتلك الإشارات هى جواز المرور، للشخصيات الأمنية، لاختراق معسكر رفض الانقلاب، ما دامت تؤدي مهمة الردع لشخصيات بعينها، وأيضاً لم يتم الانتباه لواحدة من هؤلاء، إلا عندما قامت بتسليم شخصية بحجم المحامية إيمان عبد المنعم، بعد أن وشت بها على صفحتها بأنها من الشخصيات التي تتلقى التبرعات لصالح أسر المعتقلين، ربما لأن الواشية لا تعرف مكانتها في الجماعة، ومكانة زوجها المحامي "خالد بدوي" -عضو مجلس نقابة المحامين سابقاً عن جماعة الإخوان المسلمين، مما أوقع الذين يدافعون عنها في حرج بالغ!
وفي حوار مع الدكتور سيف الدين عبد الفتاح وغيره، أكد أن هذه اللجان من بين الأسباب التي تدفع البعض إلى التردد في الإدلاء بشهادتهم، أو الهروب و الاحتماء بالصمت!
ثالثاً:
هناك ممن يعدون شهود عيان في أي مسار من المسارات المتعددة في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، يخشون فعلاً من أن تسيء شهاداتهم – ولو من غير قصد – لمن هم داخل السجون، ولأخوة داخل مصر لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، أو الدفاع عن موقفهم، وبعضهم لم يسبق له التعامل مع الإعلام، ولا يعرف ما يسيء وما لا يسيء، وإذ غادر أحدهم وهو "خالد القزاز" معسكر الصمت، وتحدث في الفيلم الوثائقي "الساعات الأخيرة"، فقد تعرض لوابل من الهجوم، دفعه لكتابة مقال يحمل فيه الخطأ للمذيع، الذي حاوره لثلاث ساعات، وعرض شهادته كجزء من فيلم مدته ساعة تلفزيونية، وإن كان في هذا المقال لم يضف جديداً، ولم يقدم عرضاً مختلفاً، فقد كان يستهدف إبراء ذمته في مواجهة وابل الهجوم والقصف المباغت الذي يتعرض له، دون أن ينجح في مهمته، وهو هجوم لابد من أن يمثل مبرراً لمن يحجمون عن الكلام ويحتمون بالصمت.
رابعاً:
أن بعض الشهود هم جزء من عملية الفشل، لذا فإنهم يرون في الصمت راحة لستر تجربتهم بطرف الثياب، وإذا كان منهم من يتحدث -مثل صاحب التجربة الأفشل في فترة حكم الرئيس محمد مرسي- وهو وزير الإعلام السابق، فإن حديثه يكون بقدر، ولإعلاميين يعلم أنهم ليسوا مطلعين على تفاصيل هذه التجربة، فيمكنه أن يقول ما يريد، وهو آمن أنهم لن يتحدثوا معه في عمق التجربة، لاسيما وأن من يستدعيه للشهادة يكتب في النقد التلفزيوني، هو مشغول بأداء منظومة الإعلام منذ نظام مبارك. وقد اعتذر صلاح عبد المقصود عن الإدلاء بشهادته في الجانب الذي يخصه.
فضلاً عن أن شخصية مثل النائب العام السابق طلعت عبد الله، ومع أنه يعيش في الخارج، إلا أنه يعتزل الإعلام، ولا يعتبر نفسه جزءاً من أي تجمع، وإذا كان سببه راجع إلى طبيعته كقاض، وقد أخبرني قريب منه أن الرجل يقول إن مشكلته في عدم إجادته للتعامل مع الإعلام، فقد وضعت حلا، اعتقدت أنه مرضي، وهو أن يكون اللقاء مجرد دردشة بعيداً عن الكاميرات والتسجيل، ليجيب على تساؤلاتي في فترة توليه لمنصبه وكانت مثار جدل وأخذ ورد في وسائل الإعلام إلا أنه تجاهل العرض، وكان اختيار الرجل لهذا المنصب قد مثل فتنة كبرى، فإذا كنا نقول إن عزل عبد المجيد محمود نائب عام مبارك مطلب من مطالب الثورة، فقد كان يُرد علينا، بأن هذا صحيح ولكن لا يكون بالبديل هو نائب عام للإخوان، وقد كانت هناك شخصيات تمثل رموزاً في مظاهرات القضاء ضد مبارك، فلماذا لا يكون البديل منهم، وكان هذا البديل المحمول جواً من الكويت حيث كان في إعارة؟!
ولا شك أن المقارنة بينه، وبين قاضٍ آخر ليس محسوباً على الإخوان هو وزير العدل المستشار أحمد سليمان سيوضح التباين بينهما، فالأخير ومع أنه استمر في مصر، إلا أنه كان حاضراً عند كل دعوة، وواقفاً على ثغرة من ثغور الثورة، مدافعاً عن العدالة، ومنحازاً للقانون، إلى أن تم اعتقاله، وما كان أغناه عن هذا كله، إن صمت مثل من هم بالخارج ومن هم في الداخل (أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى نموذجاً).
خامساً:
إن هناك من يؤثرون الصمت، لأنه لا فائدة من الكلام، ولا يضعون في اعتبارهم أنهم كانوا شهوداً، على تجربة مهمة في تاريخ مصر، وهى تجربة حكم أول رئيس مدني جاء لموقعه في أنزه انتخابات عرفتها مصر، لاسيما وأنهم يخشون من أن يصبحوا عرضة للاستهداف الأمني، وبعضهم لم يدرج اسمه في أي قضية من القضايا الكثيرة التي صنعت خصيصا لأركان النظام، ولأعضاء التنظيم، فلماذا يذكرون الأجهزة الأمنية بهم؟
سادساً:
إن بين من يحتمون بالصمت: تنظيمون أكثر منهم رجال سياسة وحكم، ولهذا فقد اعتبروا أن وجودهم في دائرة السلطة، هو أنهم كانوا في مهمة تنظيمية انتهت، وليسوا مشغولين بالتفتيش في الدفاتر وتذكر ما جرى، فهى تجربة ذهبت لحال سبيلها، لم تكن على البال أو على الخاطر، وإلا فما معنى أن يصمت شخصاً كان قريباً من الرئيس محمد مرسي، وقد سجن معه وخرج من السجن بضغوط بذلتها زوجته الكندية، ليستقر في الخارج؟ والذي تعد شهادته مهمة لأنه كان مستشاراً للرئيس، وأنه من الدائرة الضيقة المحيطة به، ثم استمر معه إلى بعد اعتقاله من الحرس الجمهوري!
فلم ينصف الرئيس ولو بتغريدة، والمرة الوحيدة التي كتب فيها في أمر متصل بتجربته كانت شهادة في حق الدكتور محمد محسوب وزير الشؤون القانونية السابق، عندما اشتد عليه هجوم اللجان الإلكترونية الذي وصل للزعم بأن الرئيس محمد مرسي كانت يتشكك في إخلاصه، فكانت شهادته بأنه كان محل ثقة الرئيس.
وإذا كان الصمت جزءاً من صفقة إخلاء سبيله (وهو في حال صحته مقدر ومقبول) فكيف يمكن تصور، أن الرجل الأول في إعلام حزب "الحرية والعدالة"، ورغم وجوده بالخارج، فلم يظهر في أي منتدى، ولم يكتب في صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولو دفاعاً عن زملاء المهنة الذي غيبهم الاعتقال؟، ولا نقول يكتب الجوانب الأخرى، بل كان اللافت أنه لم يكتب ولو كلمة رثاء في الدكتور محمد مرسي، بعد وفاته.
فماذا يمكن تفسير هذا الصمت، إلا هو شعور الصامتين أنهم كانوا في مهمة تنظيمية، انتهت، ولا داعي للحديث فيها باعتبار أن أعمال التنظيم لا ينبغي أن تنشر على المشاع.
سابعاً:
إن الصمت قد يكون مع البعض مرده إلى قيامهم بأدوار يرون أنها ليست جيدة، حتى وإن كانت قد تمت بحسن نية وسلامة طوية، لكن التجربة أثبتت أنها كارثية، وإذ توصلت إلى أول من اقترح اسم عبد الفتاح السيسي كوزير للدفاع (لم يكن وحده من رشحه)، وحرص على الإجابة عن أسئلتي، مع وعد بإخفاء اسمه، فما يهمني هو المعلومة وحيثيات ترشيحه، وإذ أقنعته بقبول الشهادة بالصوت والصورة، فإنه عاد وتراجع.
ففي فجر اليوم التالي لوفاة الرئيس محمد مرسي كتب لي: "بعد ما جرى لا يستحق أن تقال في حقه كلمة إيجايبة"، ولاعتقاده أن في شهادته ما يمثل كلاماً جيداً لصالح السيسي والذي على أساسه رشحه للإخوان لهذا المنصب، وإذا كان إعلان اسمه في البدء سيجعله عرضة للهجوم ممن قد يعتبرونه سبباً في كل ماجرى، وهذا ما يبرر الإحجام والتردد، واحتاج لشجاعة نادرة لتجاوز حالة التردد، فإن الشهادة وقد جرى ما جرى من قتل للرئيس بالبطيء، تحتاج إلى أكثر من شجاع.
لقد جمعت الشهادات من شهود عيان، قبل وفاة الرئيس، على أمل بنشرها وإذاعتها بمناسبة ذكرى الانقلاب العسكري، لكن جاءت الوفاة لتجعل قيمة مضافة لهذه الشهادات، وإن كنا فقدنا بفقد الرئيس جانباً مهما من المعلومات عن هذه الفترة، لنكون أمام مناسبة أخرى للنشر، وإن تغير عنوان التحقيق فلم يصلح له العنوان الذي وقع اختيارنا عليه وهو "محمد مرسي من القصر إلى السجن".
الحلقة القادمة:
"الاخوان في المصيدة"
من وراء قرار الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية؟
ماذا جرى خلف الكواليس؟
المصدر
الجزيرة مباشر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق