هيثم بن طارق .. المهمة المؤجّلة
كان من الطبيعي أن تُجمّد بعض الجهود الخارجية العُمانية، خلال مرض السلطان قابوس قبل رحيله، على الرغم من المنهجية التي كرّسها في مؤسسات الدولة المعنية، لتسيير برنامج السياسة الخارجية التي اكتسبت فيها مسقط موقعاً دولياً وإقليمياً وعربياً، ومكانةً مميزةً تتداعى لها الدول حين احتدام الأزمات، بغض النظر عن موقفنا في الفكر العروبي، في مساحة الاختلاف والاتفاق مع سياسات عُمان، غير أن الثابت أن عُمان استشرفت مبكّراً بؤر التصدّع التي يعيشها المشرق العربي، وأن الصراعات العسكرية والأزمات السياسية العربية المحتقنة لن تُفيد المنطقة، ولا إقليم الخليج العربي.
وهنا لا بد من أن نوضّح مساراً مهماً لثقافة الرأي العام العربي، وخصوصا النخبة الشبابية المتحفزة من الجيل الجديد لفكر النهضة، فالموقف من الكيان الإسرائيلي الغاصب، ومن رفض بقاء دعمه وتمديده، ثابت، ويقوم على قاعدةٍ أخلاقيةٍ ومبدئيةٍ لكل أطياف الفكر العروبي والإسلامي النهضوي، غير أن هذا الأمر، حين يرد على سياسات الدول، فهو لا يعني بالضرورة المبادرة إلى هدم عطائها أو مساحة النجاح فيها، وخصوصا في قضية السلم الأهلي، وانخفاض حالة القمع أو السجن السياسي أو غيابه، وأن نظل ندعم كل تطور إيجابي للمجتمعات العربية، بالذات حين يكون في إطار سلمي بعيداً عن العنف الذي أهلك الحرث والنسل في أنظمة الاستبداد العربي المتعدّدة، فيهمنا هنا الفارق على الرغم من الموقف من انتشار نفوذ تل أبيب أو طهران، أو القواعد الغربية العسكرية وهيمنة السياسة الأميركية، فإن الاستقرار الثقافي للشعوب العربية، ونجاح أي حكم في ترسيخ ميثاق أخلاقي وقيم لصالح شعبه، وتحقيق نهضة
نسبية هو محل دعم الباحثين العرب في مسارات النهضة، ولا يتعارض أبداً مع حلم الشارع العربي لتحقيق ربيع متقدّم، ولكن هذا التقدّم ليس معقوداً بالضرورة عبر المواجهات الكبرى والعنيفة، والتي قد تنتهي إلى هولوكوست من الشهداء من دون نتيجة للشعب المنكوب.
أما المسألة الثانية فهي قناعتنا اليوم، أيضاً، بأهمية الوعي الثقافي، والتركيز على نشر دور فكر النهضة، في التعاضد المجتمعي وترصيف قاعدة المجتمع المدني، وتجسير الحوارات بين الأطياف المختلفة، والقواعد الشعبية، فقد أثبتت التجربة المؤلمة للربيع العربي أن غياب هذه المفاهيم، وجهل شروط النهضة التي لا يمكن أن تتحقق من دون السلم الأهلي، كانت أحد العناصر التي مكّنت أعداء النهضة العربية من تحويل الأحلام إلى كوابيس واقعية.
وفي نموذج مسقط، هناك إرث واسع للتاريخ العُماني ليس من السهل عرضه، فضلاً عن شرح خلاصاته، وامتداده في أمارات الأئمة ورحلة التعامل مع الإرث الغربي الاستعماري، والجار اللدود في ضفة فارس المتداخلة مع عرب الخليج، ديمغرافياً وسياسياً وتجاريا، وحتى ثقافيا، ولذلك خمرت هذه الخلاصات في العقل العُماني، وكان تنظيم السلطان قابوس لها واضحاً حتى انتقال السلطة.
وأهم ملف تزامن مع مرحلة الاستشفاء للسلطان الراحل، كان الأزمة الخليجية، فقد ظلت الأنظار تتجه إلى مسقط، كلما تعثرت جهود المصالحة، وأنهكتها مواقف دول الحصار، وعلى الرغم من أن مسقط لم تتجه، ببرنامج مركزي، إلى الدخول في الوساطة، إلا أنها سجلت موقفاً قوياً، في مسارين مهمين للأزمة، فمنذ البدء علمت مسقط أن ترك الشقيق القطري وشعبه تحت نزوات العاطفة، في قرار الحصار خطيئة كبرى، ولعب موقفها وموقف الكويت دوره في الحدّ
من التأثيرات الاجتماعية الكارثية للحصار وأبعاده السياسية، وخفّف أيضاً من تغول المستثمر الإقليمي في الأزمة. أما المستثمر الدولي فلم يكن هناك مجال لتخفيض ابتزازه واستنزافه من واشنطن لتل أبيب، من دون وقف الأزمة.
أما الموقف الثاني فهو دعمها الواضح والمتكرّر لوساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد وجهود بلاده، وإعلانها أن ما يقوم به الشيخ صباح يمثل موقفها. وبالفعل لعب هذا الإسناد دوراً كبيراً في الدعم اللوجستي والسياسي للكويت، غير أن صعوبة الأزمة وتعقدها، وخصوصا دور الحالة المزاجية والداخلية لبعض الأطراف، أعاق الكويت عدة مرّات، وكان من الطبيعي أن تنقل المصادر الغربية أن الكويت سئمت من هذه الإحباطات المتكرّرة لجهودها، من دون أن تعلن بالطبع وقف مساعيها.
هنا نحتاج أن نفهم أيضاً أن الكويت تعيش تحت الضغط الخليجي والإقليمي للأزمة، وأن هناك تحدّيات متعدّدة تحيط بعلاقاتها الداخلية، وبظرفها الحدودي الشمالي والجنوبي، من دون أن يبخس ذلك من دورها القائم والسابق. ويكفي الكويت أن تستذكر الشعوب الخليجية كلمة الشيخ صباح في البيت الأبيض، أنه استطاع التغلب على المخاطر العسكرية للأزمة، وقد تعمد أن
يذكرها في حضور الرئيس ترامب، حتى يكون الطرف الدولي عن الأزمة في موقع المسؤولية لهذا التطور.
ولذلك، ترقب دور مركزي هو تكاملي مع الكويت، ومستقل عُماني بحكم موقع السلطنة، أمرٌ طبيعي في هذا الوقت الصعب للخليج العربي، فعُمان التي أثبتت استقرارَها السياسي هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تملك تجهيزاً ذاتياً، لقواتها المسلحة والرادع الدفاعي، تحوّله بصورة مستمرة لحماية توازنها، واستقلالها، وتعزيز رسالة السلام الذي تحميه القوة، وبالتالي لم تُلق بهذه القوات في أي مساحة احترابٍ إقليمي ولا عربي.
وهناك أولويات داخلية ملحّة نرقبها، في التعاطي الشعبي الداخلي المتفائل مع السلطان هيثم، وخصوصا مسارات الإصلاح الاقتصادي، وتعزيز فرص المشاركة بالرأي والمساحة الدستورية للشعب العُماني، تبرز اليوم في المشهد، غير أن واقع انتكاسات الأزمة الخليجية، وتأثيرها المستمر على ما تبقى من ممانعة اجتماعية وسلام أهلي واستقرار لدول الخليج، بات اليوم في احتياج لتدخل سريع، عبر شخصية السلطان هيثم الذي يتمتع بحياديةٍ قوية، وبإرثٍ صلب لسياسة السلطان قابوس. وتنبغي الإشارة إلى احترامنا حذر مسقط وحساسيتها المفهومة تماماً، وألّا تؤثر مبادراتها على استقرارها القومي، لكن المؤشرات اليوم مطمئنة لمسقط، كما أن البيت الخليجي مضطرٌ لحبل الحكمة العماني.
أما المسألة الثانية فهي قناعتنا اليوم، أيضاً، بأهمية الوعي الثقافي، والتركيز على نشر دور فكر النهضة، في التعاضد المجتمعي وترصيف قاعدة المجتمع المدني، وتجسير الحوارات بين الأطياف المختلفة، والقواعد الشعبية، فقد أثبتت التجربة المؤلمة للربيع العربي أن غياب هذه المفاهيم، وجهل شروط النهضة التي لا يمكن أن تتحقق من دون السلم الأهلي، كانت أحد العناصر التي مكّنت أعداء النهضة العربية من تحويل الأحلام إلى كوابيس واقعية.
وفي نموذج مسقط، هناك إرث واسع للتاريخ العُماني ليس من السهل عرضه، فضلاً عن شرح خلاصاته، وامتداده في أمارات الأئمة ورحلة التعامل مع الإرث الغربي الاستعماري، والجار اللدود في ضفة فارس المتداخلة مع عرب الخليج، ديمغرافياً وسياسياً وتجاريا، وحتى ثقافيا، ولذلك خمرت هذه الخلاصات في العقل العُماني، وكان تنظيم السلطان قابوس لها واضحاً حتى انتقال السلطة.
وأهم ملف تزامن مع مرحلة الاستشفاء للسلطان الراحل، كان الأزمة الخليجية، فقد ظلت الأنظار تتجه إلى مسقط، كلما تعثرت جهود المصالحة، وأنهكتها مواقف دول الحصار، وعلى الرغم من أن مسقط لم تتجه، ببرنامج مركزي، إلى الدخول في الوساطة، إلا أنها سجلت موقفاً قوياً، في مسارين مهمين للأزمة، فمنذ البدء علمت مسقط أن ترك الشقيق القطري وشعبه تحت نزوات العاطفة، في قرار الحصار خطيئة كبرى، ولعب موقفها وموقف الكويت دوره في الحدّ
أما الموقف الثاني فهو دعمها الواضح والمتكرّر لوساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد وجهود بلاده، وإعلانها أن ما يقوم به الشيخ صباح يمثل موقفها. وبالفعل لعب هذا الإسناد دوراً كبيراً في الدعم اللوجستي والسياسي للكويت، غير أن صعوبة الأزمة وتعقدها، وخصوصا دور الحالة المزاجية والداخلية لبعض الأطراف، أعاق الكويت عدة مرّات، وكان من الطبيعي أن تنقل المصادر الغربية أن الكويت سئمت من هذه الإحباطات المتكرّرة لجهودها، من دون أن تعلن بالطبع وقف مساعيها.
هنا نحتاج أن نفهم أيضاً أن الكويت تعيش تحت الضغط الخليجي والإقليمي للأزمة، وأن هناك تحدّيات متعدّدة تحيط بعلاقاتها الداخلية، وبظرفها الحدودي الشمالي والجنوبي، من دون أن يبخس ذلك من دورها القائم والسابق. ويكفي الكويت أن تستذكر الشعوب الخليجية كلمة الشيخ صباح في البيت الأبيض، أنه استطاع التغلب على المخاطر العسكرية للأزمة، وقد تعمد أن
ولذلك، ترقب دور مركزي هو تكاملي مع الكويت، ومستقل عُماني بحكم موقع السلطنة، أمرٌ طبيعي في هذا الوقت الصعب للخليج العربي، فعُمان التي أثبتت استقرارَها السياسي هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تملك تجهيزاً ذاتياً، لقواتها المسلحة والرادع الدفاعي، تحوّله بصورة مستمرة لحماية توازنها، واستقلالها، وتعزيز رسالة السلام الذي تحميه القوة، وبالتالي لم تُلق بهذه القوات في أي مساحة احترابٍ إقليمي ولا عربي.
وهناك أولويات داخلية ملحّة نرقبها، في التعاطي الشعبي الداخلي المتفائل مع السلطان هيثم، وخصوصا مسارات الإصلاح الاقتصادي، وتعزيز فرص المشاركة بالرأي والمساحة الدستورية للشعب العُماني، تبرز اليوم في المشهد، غير أن واقع انتكاسات الأزمة الخليجية، وتأثيرها المستمر على ما تبقى من ممانعة اجتماعية وسلام أهلي واستقرار لدول الخليج، بات اليوم في احتياج لتدخل سريع، عبر شخصية السلطان هيثم الذي يتمتع بحياديةٍ قوية، وبإرثٍ صلب لسياسة السلطان قابوس. وتنبغي الإشارة إلى احترامنا حذر مسقط وحساسيتها المفهومة تماماً، وألّا تؤثر مبادراتها على استقرارها القومي، لكن المؤشرات اليوم مطمئنة لمسقط، كما أن البيت الخليجي مضطرٌ لحبل الحكمة العماني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق