الأحد، 11 أكتوبر 2020

الخاسرون والرابحون في صفقة القرن

الخاسرون والرابحون في صفقة القرن


عامر عبد المنعم

يشهد العالم العربي انتكاسة غير مسبوقة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وأصبحنا أمام انقلاب على الثوابت الإسلامية والقومية، وانضمام قيادات الدول الرئيسية في المنطقة للرئيس الأمريكي في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية المعروفة باسم صفقة القرن. وكان أول من تحدث عن صفقة القرن كان عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته للولايات المتحدة في لقاء مع دونالد ترامب، ولم يكن واضحا في البداية ما هو المقصود بهذه الصفقة ولكن بدأ الجانب الصهيوني والراعي الأمريكي يفصحان شيئا فشيئا عن مضمون هذه الخطة الإسرائيلية.
يطلق مصطلح صفقة القرن على الخطة التي وضعها الجنرال جيورا أيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، وتحت أيدينا نسختان من هذه الخطة، صدرت الدراسة الأولى عن معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى في سبتمبر 2008 بعنوان ” إعادة التفكير في حل الدولتين” وتتكون من 36 صفحة. 1
وصدرت الدراسة الثانية عن مركز بيجن – السادات للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة بار إيلان الإسرائيلية في عام 2010 بعنوان “بدائل إقليمية لحل الدولتين” وتتكون من 39 صفحة، بها تعديلات على ما صدر في الورقة الأولى مع التوسع في شرح التفاصيل والإغراءات المقدمة للدول المشاركة في الصفقة وصيغة الحل المقترح. 2
يؤكد جيورا أيلاند فشل الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية القائمة على حل الدولتين، واستحالة الوصول إلى تسوية للصراع وفقا للتصورات السابقة، ويرى أن الحل لن يكون إلا بإدخال الدول العربية كضامن وكشريك مستفيد من التسوية.
في مقدمة الدراسة التي أصدرها معهد واشنطن يقول روبرت ساتلوف المدير التنفيذي للمعهد أن المطبخ السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية كان يعتمد في السابق على رئيس تحرير صحيفة هآرتس زئيف شيف الذي كان يوصف بأنه عميد الاستراتيجيين الإسرائيليين ليشرح لهم الرؤية الإسرائيلية والحد الأدنى من متطلبات إسرائيل الأمنية في المفاوضات مع الفلسطينيين، وبعد وفاته في يونيو 2007 بدأوا يعتمدون على جيورا أيلاند باعتباره كبير الاستراتيجيين الإسرائيليين. 3
وروبرت ساتلوف هو الذي توجه إلى الرياض قبل ساعات من صدور قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2017 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف رسميا بأنها عاصمة لـ” إسرائيل”، وهو أهم قرار في صفقة القرن، واصطحب ساتلوف معه إلى الرياض وفدا مكونا من 50 باحثٍا أمريكيٍا لرصد رد الفعل السعودي تجاه القرار، وكتب مقالا في جريدة فورين بوليسي عبر فيه عن دهشته من تجاهل الأمير محمد بن سلمان للقرار والتحدث عن “المستقبل الواعد الذي ينتظر العلاقات السعودية الإسرائيلية بعد التوصل للسلام”.4
ملخص ما كتبه ساتلوف عن رد الفعل السعودي على قرار ترامب “أن كل الذين تنبّأوا بردّ فعلٍ كارثي من العرب والمسلمين على الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل – كموجات من التظاهرات المعادية للأمريكيين، وأعمال عنف عارمة ضد المواطنين الأمريكيين والمؤسسات والمصالح الأمريكية، فضلاً عن انتهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة بشكل نهائي وقاطع – كانوا على خطأ تماماً. فردود فعل العرب المهمّين – أي حلفاء أمريكا – كانت عموماً رصينة ومدروسة وناضجة. وخير دليل على ذلك هو موطن الإسلام، المملكة العربية السعودية”. 5

أولا: جيورا أيلاند ـ سيرة ومسيرة

انضم للجيش الإسرائيلي في عام 1970 وعمل في كتيبة لواء المظليين 890، وفي حرب أكتوبر كان قائد فصيلة في معركة المزرعة الصينية وهي من أشرس المعارك في حرب أكتوبر والتي كانت سببا في الثغرة وتحملت فيها القوات الإسرائيلية خسائر فادحة لفتح الطريق للعبور للضفة الغربية لقناة السويس.
ثم كان قائد عملية عنتيبي في عام 1976؛ وهي عملية إنقاذ الرهائن في طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، خلال رحلة من مطار بن غوريون في تل أبيب إلى باريس، وكان على متنها 248 راكبا والتي هبطت بهم في مطار عنتيبي قرب كمبالا عاصمة أوغندا، وأسفرت العملية عن قتل ضابط الموساد جوناثان نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى قتل 45 جنديا أوغنديا، وأصيب 5 من عناصر الكوماندوز الإسرائيلي و3 من الرهائن، وقد جرى أيضا تدمير 11 طائرة مقاتلة من طراز ميغ 17 السوفيتية الصنع كانت في المطار 7 .
وكان كذلك نائب قائد كتيبة الليطاني عام 1978، وقائد الكتيبة 50 المحمولة جوا في حرب لبنان 1982 وقائد لواء المظليين، وبعد حرب لبنان شغل منصب مدير مدرسة ضباط المشاة، وفي عام 1984 أكمل أيلاند دورة متقدمة عن سلاح المشاة في فورت بيننج بجورجيا بالولايات المتحدة وتم تعيينه بعد عودته مديرا للعمليات في سلاح المشاة، في الفترة من 1990 إلى 1992 ترأس مدرسة ضباط الجيش الإسرائيلي، وفي عامي 1992 و 1993 عين قائدا للواء جفعاتي، وفي عام 1993 تم تعيين أيلاند رئيسا لسلاح المشاة، وفي عام 1996 تم تعيينه مديرا لقسم العمليات في قيادة العمليات، في 1999 عين رئيسا لقيادة العمليات برتبة لواء، وشارك في الانسحاب الإسرائيلي من لبنان وإدارة الصراع مع الفلسطينيين (الانتفاضة الثانية)، ثم في عام 2001 تم تعيينه رئيسا لإدارة التخطيط.
وقد شارك في العملية السياسية أثناء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وتم اختياره لمرافقة وزير الخارجية شيمون بيريز في المباحثات مع ياسر عرفات، ومثل القوات الأمنية الإسرائيلية في المباحثات مع الولايات المتحدة والفلسطينيين، وفي عام 2003 مع انتهاء فترة خدمته في إدارة التخطيط رفض أن يكون ملحقا عسكريا لـ “إسرائيل” في واشنطن وتقاعد من الخدمة في الجيش بعد 33 عاما من الخدمة، واختاره شارون في 2004 رئيسا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وشارك في صياغة خطة فك الارتباط مع غزة بالتشاور مع مستشارين أمريكيين من بينهم إليوت إبرامز (مستشار الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي) ووضع البرنامج الزمني لها، وتبنت الحكومة الإسرائيلية خطة أيلاند، وفي 2006 قرر رئيس الأركان دان هالوتس تعيين أيلاند رئيسا للجنة الخبراء التي تولت التحقيق في واقعة القبض على الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته حماس في قطاع غزة، وبعد تقاعده عمل كبيرا للباحثين في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل (INSS ).
وفي في 2007 أسس أيلاند شركة خاصة للاستشارات وتقديم المعاونة لشركات التصنيع العسكري الإسرائيلية وتقديم النصائح للحكومات والشركات متعددة الجنسيات، وتقديم المشورة في قضايا التحكيم الدولي . وفي عام 2010 تم اختيار أيلاند رئيسا للجنة تقييم الهجوم الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية في 31 مايو 2010 وهي العملية التي داهمت فيها قوات الاحتلال سفنا مدنية توجهت لكسر الحصار عن غزة في المياه الدولية وتم اقتياد السفن بالقوة إلى ميناء أشدود، ومن بينها السفينة التركية مافي مرمرة، التي استشهد فيها 9 مدنيين أتراك كانوا على متنها، فيما أصيب 56 شخصًا من النشطاء توفي أحدهم فيما بعد. ورفع أيلاند التقرير لرئيس الأركان غابي أشكنازي في 12 يوليو 2010 ووجه فيه بعض الانتقادات لخطة الهجوم ولكنه وصف الجنود بالبطولة والشجاعة! 10

ثانيا: فشل حل الدولتين

تؤكد رؤية جيورا أيلاند فشل حل الدولتين الذي طرحه كلنتون عام 2000 وأعاد طرحه جورج بوش وتمسك به باراك أوباما، وعدم إمكانية الوصول إلى حل نهائي لتغير العوامل التي ساعدت على إبرام اتفاقيات أوسلو في 1993 فالظروف لم تعد مواتية للتسوية، فالقيادة الإسرائيلية اليمينية غير مستعدة للقبول بما كان مطروحا في السابق، والقيادة الفلسطينية الحالية تفتقر إلى ما كان يتمتع به ياسر عرفات ولا تستطيع السيطرة على الفصائل المتشددة من فتح، والأهم أن حماس أصبحت مخيفة، كما أن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بنفس المركز الدولي كقوة عظمى على النحو الذي كان عام 2000.
ويصل أيلاند إلى نتيجة مفادها استحالة التوصل إلى تسوية، ليس فقط لأن أية محاولة محكوم عليها بالفشل ولكن أيضا لأن تكلفة الفشل من المرجح أن تكون مرتفعة، ويدلل على هذه النتيجة بالأسباب التالية:
1 – بالنسبة للإقليم فإن الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ​​صغيرة جدا بالنسبة لدولتين قابلتين للحياة.
2 – بالنسبة للمستوطنات فإن أي اتفاق إسرائيلي – فلسطيني يقضي بإخلاء عدد يصل إلى مائة ألف إسرائيلي من ديارهم. وتتجاوز هذه المهمة القدرة السياسية لأي حكومة إسرائيلية. وتجدر الإشارة إلى أنه من بين المستوطنات التي سيتعين تفكيكها عوفرا وبيت إيل وشيلو وكريات أربع، وهي مستوطنات لها أهمية دينية وتاريخية، بالإضافة إلى ذلك فإن التكلفة المباشرة لهذا الإجلاء ستكون أكثر من 30 مليار دولار، وهي تكلفة باهظة لا يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي.
3 – بالنسبة للأمن فإن الانسحاب من 97% من الضفة الغربية سيخلق وضعا أكثر خطورة لن تكون فيه إسرائيل قادرة على الدفاع عن حدودها، ولم يعد من المقبول في إسرائيل تقديم تنازلات مؤلمة وتقبل المخاطر الأمنية.
4- لعدم وجود شريك فلسطيني موثوق به وقوي فإنه من المرجح أن يؤدي الاتفاق الذي تتخلى فيه إسرائيل عن الأراضي الحيوية إلى سقوط الضفة الغربية تحت سيطرة حماس كما حدث في غزة، وأصبح المزيد من الإسرائيليين يعتقدون أن الانسحاب من الضفة الغربية – سواء بعد اتفاق مع السلطة الفلسطينية أو من طرف واحد – سيفتح الباب أمام سيطرة حماس، ودرجة الاستعداد للمخاطرة في هذا الصدد أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2000. 11 .
5- بخصوص القدس، فحتى لو كان من الممكن الموافقة على تقسيم المدينة المقدسة بأن تصبح الأحياء العربية جزءا من الدولة الفلسطينية، فإن إسرائيل لن تتخلى عن السيادة الكاملة على جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، ولن يقبل الفلسطينيون ذلك.
6 – أما قضية اللاجئين فلن يتخلى الفلسطينيون عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، حتى لو قدموا تنازلات متعلقة بعدد الأشخاص الذين سيمارسون هذا الحق، ولا يمكن لإسرائيل أن تعترف بهذا الحق.

ثالثا: فلسفة الحل متعدد الأطراف

محور الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هو الزج بالدول العربية الكبرى في التسوية وتحميلها أعباء الحل وإفلات “إسرائيل” من المسؤولية أمام دول العالم، وتغيير نهج التفاوض بالانتقال من التسوية الثنائية إلى الحل متعدد الأطراف. وخلافا لما حدث في الماضي، حيث كانت المفاوضات تتم على أسس سياسية واستراتيجية، فإن المقبول لكسب المجتمع الدولي إدخال العامل الاقتصادي لجلب عدد أكبر من الأطراف حيث تؤدي هذه المشاركة إلى ضمانات أقوى في التنفيذ والتمسك بالاتفاق.
وهذا النهج الجديد لم يكن مقبولا في السابق بسبب حالة العداء الموجودة في العالم العربي التي لم تكن لتسمح بدخول الدول العربية على الملف وتبني الطرح الإسرائيلي والظهور كطرف ضد الفلسطينيين وخاصة مصر والسعودية، حتى أن ممثلا هاما في الإدارة الأميركية عندما عرضت عليه الخطة الإسرائيلية قال لهم: “انتظروا خليفة مبارك”. 12
وقد كشف مبارك جانبا من هذه الضغوط في تسجيل صوتي بثه على الإنترنت وقال إنه رفض طلب نتنياهو إزاحة قطاع غزة إلى سيناء وتوطين الفلسطينيين في الأراضي المصرية. 13 وجاء إعلان مبارك ردا على الوثائق التي نشرها موقعBBC  وذكر فيها أن موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء عرض على مبارك في اجتماعات رسمية مع مارجريت تاتشر وأنه قد وافق! وتشير الوثائق إلى أن مبارك كشف عن الطلب الأمريكي وموقفه منه خلال مباحثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية أثناء زيارته إلى لندن في طريق عودته من واشنطن في شهر فبراير عام 1983 حيث التقى بالرئيس الأمريكي رونالد ريغان.
هذه الوثائق التي لم ينفها مبارك وإن كان قد نفى قبوله للطلب الإسرائيلي تؤكد أن فكرة تحميل الدول العربية مسئولية حل القضية الفلسطينية لصالح “إسرائيل” مطروحة منذ عقود وأن صفقة القرن مجرد تتويج لتخطيط قديم وليست أفكارا حديثة. 14

رابعا: مضمون صفقة القرن

تعتبر دراسة أيلاند التي طبعت في 2010 هي الطبعة الأخيرة المعلنة بعد إدخال تعديلات طفيفة متعلقة بالمساحة المطلوب تبادلها مع مصر بزيادتها من 600 كم إلى 720 كم وحذف بنود من الوثيقة السابقة أهمها رفع اسم السعودية من موضوع تبادل الأراضي مع الأردن، ويبدو هذا لحساسية العلاقة التاريخية بين الأسرتين الحاكمتين في الرياض وعمان.
بغض النظر عن الصياغات الدبلوماسية وكل التفاصيل والإغراءات والأمنيات فإن ملخص الصفقة هو ضم الضفة الغربية بدون القدس والمستوطنات إلى الأردن، وتسليم أهل غزة إلى مصر للسيطرة عليهم وإنهاء الوجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية، ووضع نهاية لفكرة الدولة الفلسطينية، وفيما يلي نص المقترحات التي يطرحها جيورا أيلاند:

أ – كونفدرالية أردنية – فلسطينية

هذا الحل يعتمد على انشاء مملكة أردنية مكونة من ثلاث ولايات: الضفة الشرقية والضفة الغربية وغزة، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية. يكون لكل ولاية استقلال كامل في المسائل الداخلية مثل الميزانية ومؤسسات الحكم المحلي والقوانين وقوة الشرطة المحلية ورموز الاستقلال. ولكن، مثل بنسلفانيا ونيوجيرسي، لن يكون لهذه الولايات أي مسئولية عن السياسة الخارجية أو الجيش. في حالتنا سيكون الأمر مثل الولايات المتحدة، أي تكون المسئولية للحكومة الاتحادية في عمان.
وبما أن حماس حاليا تحكم غزة فسيكون ممكنا أن يطبق هذا الحل على مرحلتين: أولا في الضفة الغربية وثانيا في غزة عندما تكون الظروف مواتية. ستقوم إسرائيل بالتفاوض السياسي بخصوص هذا الحل مع وفد أردني – فلسطيني مشترك، كما كان مفترضا أن يحدث في إطار مؤتمر مدريد 1991.

فوائد الفيدرالية للفلسطينيين

هذه الفوائد ستكون للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية ولا يؤيدون حماس، وهي أربع:

  •  فائدة أكثر قابلية للتحقيق حيث أن هذا الحل سيمكن لإسرائيل تطبيقه. وسيفضل كثير من الفلسطينيين هذا الحل لأنهم يريدون نهاية للاحتلال الإسرائيلي بدلا من انتظار السلام الذي سيأتي به حل السلام الإسرائيلي – الفلسطيني والذي هو قليل الاحتمال.
  •  نفس هؤلاء الناس يفهمون أنه لو قامت دولة فلسطينية مستقلة (في إطار حل الدولتين) فإن حماس ستحكمها. وكثير من هؤلاء الناس يفضلون العيش تحت حكم الأردن بدلا من المعاناة تحت نظام حماس وطغيانها الديني، كما هو مشاهد الآن في غزة.
  •  إن حلا إسرائيليا – فلسطينيا مستقلا يتطلب تنازلات مستحيلة من الفلسطينيين، مثل التنازل عن حق العودة والبحث عن اتفاق لإنهاء الصراع. ومن المعروف أنه يسهل تقاسم هذا العبء مع طرف سياسي عربي (الأردن).
  •  يفهم الفلسطينيون أيضا أنه تحت حل الدولتين سيصبحون مواطني دولة صغيرة. ولن تكون هذه الدولة قابلة للحياة وستكون ذات أمن محدود (مثلا ستضطر إلى التنازل عن سيادتها على مجالها الجوي). ومن المفضل أن يكون المرء مواطنا في دولة كبيرة محترمة يكون فيها الفلسطينيون هم الأغلبية السكانية.

فوائد الفيدرالية للأردن

من المعلوم في الأردن أنه لو أنشئت دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية فإن احتمال سقوطها في أيدي حماس كبير، كما حدث في غزة. وهذا الوضع، حيث تكون هناك دولة فلسطينية مجاورة يحكمها الإخوان المسلمون، بأخذ الحدود الطويلة بين الدولتين في الاعتبار والتهديد القائم الذي يمثله الإخوان المسلمون في الأردن، يوحي بالخطر على المملكة الهاشمية. والسبيل الوحيد لضمان بقاء النظام في الشرق الأوسط يكون عن طريق التحكم الفعال في الأمن. وبالتالي فإن الطريق الوحيد لمنع عدم الاستقرار في الأردن، والذي يمكن أن يغذيه وجود هيمنة لحماس على الضفة الغربية، يكون من خلال التحكم العسكري الأردني في هذه الأراضي.

فوائد الفيدرالية لإسرائيل

من وجهة نظر إسرائيل هذا الحل له أربعة فوائد واضحة على حل الدولتين.

  • هناك فرق في “الرواية”. لن يكون النزاع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، ولكن سيكون النزاع (على الأراضي) بين دولتين، الأردن وإسرائيل. إن الضغط الدولي الحالي على إسرائيل والذي يطالبها بالتنازل في كل الخطوات سيتغير.
  • سيتمكن الأردن من التفاوض حول موضوعات أكثر، مثل الأرض. أما الفلسطينيون فلن يمكنهم التنازل عن حدود 1967. إن إسرائيل الصغيرة المساحة تحتاج إلى أرض أكثر، ولكن هذا سيجعل الدولة الفلسطينية أصغر. ومن “الظلم” أن تطلب من الطرف الأضعف والأصغر أن يتنازل. ولكن هذا الأمر يسهل عندما يكون شريك المفاوضات هو المملكة الأردنية ذات الحجم الكبير. وتنطبق هذه النقطة أيضا على الترتيبات الأمنية. في أي اتفاق ستطلب إسرائيل أن تكون الضفة الغربية منزوعة السلاح. وفي حالة الدولة الفلسطينية (حل الدولتين) سيعني هذا منع الأسلحة الثقيلة. ومثل هذا الطلب سيكون قبوله صعبا من أناس يبحثون عن الاستقلال. وفي سياق اتفاقية إسرائيلية – أردنية، سيكون مثل هذا الطلب أكثر قبولا. إن كل ما هو مطلوب في تلك الحالة من الأردن أن يتنازل عن نشر قوات في منطقة محددة (الضفة الغربية). وسيكون هذا مقبولا أكثر من الأردنيين مثلما قبلت مصر الطلب الإسرائيلي بعدم نشر قوات كبيرة في سيناء.
  • مسألة الثقة. في حالة حل الدولتين ستضطر إسرائيل إلى التنازل عن موارد محسوسة في مقابل الوعد الفلسطيني بأن يُحافظَ على الهدوء الأمني. وتخشى إسرائيل، لأسباب مقبولة، من المخاطر المضاعفة الناشئة عن هذه الحالة حيث تتنازل عن أراض بينما لا تحصل على الأمن المطلوب مقابل ذلك. إن خطر ألا تكون الحكومة الفلسطينية قادرة على الوفاء بتعهداتها أو راغبة في ذلك يبدو عظيما وحقيقيا جدا. ويبدو ذلك مختلفا في حالة اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل. بالرغم من أن إسرائيل هنا، أيضا، مطالبة بتحمل المخاطر، والتي هي مشابهة للتي تحملتها سنة 1979 عندما وقعت اتفاقية السلام مع مصر وتنازلت عن كامل سيناء.
  • لإسرائيل سبب مقنع في خوفها من أن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، بما سيكون لها من ضعف طبيعي، سيضع عبئا إضافيا على عاتق إسرائيل. وليس من الواضح كيف تكون المنطقة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط كافية لقيام دولتين مستقلتين، وبالتالي فإن مشاكل الدولة المنتظرة (لعدم وجود البنية التحتية، وللانقسام بين الضفة الغربية وغزة، إلخ..) ستقع على عاتق إسرائيل. وعلاوة على ذلك فإن المجتمع الدولي سيقول إن على إسرائيل التزاما أخلاقيا أن تساعد الدولة الوليدة بعد سنين عديدة من الاحتلال. وفي الحقيقة فإن تحمل هذه المسئولية سيكون من مصلحة إسرائيل حيث أنه لا يجوز أن تترك الدولة الوليدة في يأس وفقر وغضب. ولن يكون الحال هكذا إذا أصبحت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية “الكبرى”.

فوائد الفيدرالية للمجتمع الدولي

إن إنشاء دولة فلسطينية، مستقلة طبقا لحل الدولتين، سيترك العديد من المشاكل بين يدي المجتمع الدولي. ستعاني الدولة الوليدة من مشكلة صعوبة تحقيق الاستقلال الاقتصادي، ستكون مقسمة بين منطقتين (غزة والضفة الغربية)، وستتحمل مشكلة اللاجئين. وفوق كل ذلك فإن المشاكل بين إسرائيل وفلسطين لن تختفي فجأة بمجرد توقيع الاتفاقية. إن المجتمع الدولي، وخصوصا الولايات المتحدة، سيكون مجبرا على استثمار جهود أكبر لتطبيق بنود الاتفاقية بنجاح. وسيكون الأمر مختلفا عندما يصبح حل المشكلة تتقاسمه دولتان مستقرتان، إسرائيل والأردن. وإذا تم التوصل إلى اتفاقية، فإن تطبيقها سيصبح تحديا لهاتين الدولتين، بينما يصبح العبء أخف كثيرا على المجتمع الدولي، مثل ما حدث بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بعد 1979.

ب – الحل الإقليمي وتبادل الأراضي

أهم نقطة في هذا الباب أن الدول العربية يمكنها أن تتنازل لإسرائيل، بينما يظل الفلسطينيون هادئين. إنه من الصعب ألا نرى بموضوعية العوار المتضمَّن في مقترح حل الدولتين. فمن ناحية يجب على إسرائيل وفلسطين أن توجدا في شريحة ضيقة ومزدحمة بالسكان من الأرض، ومن ناحية أخرى فإن هاتين الدولتين ستكونان محاطتين بدول ذات مساحات هائلة من الأرض وعدد قليل من السكان (الأردن ومصر والسعودية). والشيء الذي تتمتع به هذه الدول هو وفرة الشيء الذي تحتاجه بشدة إسرائيل وفلسطين: أرض أكثر.
ومن الواضح أن تنازلا هامشيا عن أرض من جانب هذه الدول سيحسن بطريقة هائلة من نصيب كل من إسرائيل ودولة فلسطين. ومن المدهش أن هناك من سيستفيدون أكثر من إسرائيل ودولة فلسطين: مصر والأردن، وفيما يلي سنشرح كيف يمكن مع “تكبير الكعكة” أن تخرج كل الأطراف بمكاسب من هذا الحل الإقليمي.
النقاط الرئيسة للمقترح:

  •  تقوم مصر بالتنازل لغزة عن مساحة 720 كم2. وهذه المساحة تُشكل مستطيلا ذا ضلع طوله 24 كم على ساحل المتوسط من رفح شرقا في اتجاه الغرب إلى العريش وضلعه الآخر من الشمال إلى الجنوب بطول 30 كم بدءا من كرم أبو سالم في اتجاه الجنوب على طول الحدود المصرية الإسرائيلية. هذه الاضافة التي تبلغ مساحتها 720 كم2 ستضاعف مساحة غزة ثلاث مرات، حيث إن مساحتها الحالية هي 365 كم2.
  •  هذه المساحة الجديدة (720 كم2) تساوي حوالي 12% من أراضي الضفة الغربية والتي سيتنازل عنها الفلسطينيون للإسرائيليين.
  •  في مقابل الأرض التي ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين، فإن مصر ستأخذ من إسرائيل مساحة قد تصل إلى 720 كم2 في منطقة فيران جنوب غرب صحراء النقب، وستقوم إسرائيل بنقلها إلى السيادة المصرية، ولكن بالنظر إلى التعويضات الأخرى التي ستحصل عليها مصر فقد تكون هذه المساحة أصغر من ذلك.

الفوائد للفلسطينيين

إن قطاع غزة بحجمه الحالي لا يمكنه مواصلة البقاء لأنه لا يتمتع بالحد الأدنى من المساحة التي تمكنه من استدامة اقتصاد مستقر، حيث يعيش في غزة اليوم 1.5 مليون إنسان، وفي العام 2020 سيكون هناك عدد يقدر بحوالي 2.5 مليون إنسان. ولا يمكن بناء ميناء بحجم مناسب في غزة لسببين: الأول أنه لا توجد مساحة كافية والثاني أن قربه من إسرائيل سيضر بالساحل الإسرائيلي، كما أن مقارنة غزة بسنغافورة خطأ كبير فالاقتصاد في سنغافورة قائم على التجارة العالمية والصيرفة المتقدمة والصناعة ذات التقانة المتقدمة، بينما اقتصاد غزة قائم على الزراعة والتقانة البدائية. وفي سنغافورة حجم الأرض ليس عاملا مهما لبقائها، بينما حجم غزة لا يساعد على بقائها.
إن توسيع مساحة غزة طبقا للمبادئ المطروحة يعطي ساحلها زيادة قدرها 24 كم. وهذا يترتب عليه زيادة قدرها 14.4 كم في المياه الدولية مما يزيد بطريقة مناسبة فرص عثورها على آبار غاز طبيعي في هذه المساحة.
وزيادة مساحة غزة إلى 720 كم2 سيمكنها من إنشاء ميناء كبير في أقصى الغرب بعيدا عن الأراضي الإسرائيلية كما سيمكنها أيضا من إنشاء مطار دولي على بعد يتراوح بين 20 كم إلى 25 كم من الحدود الإسرائيلية. أهم من ذلك أنه يمكن إنشاء مدينة جديدة تستوعب مليونا من الفلسطينيين. ويمكن لهذه المدينة أن تستوعب اللاجئين الفلسطينيين من دول أخرى، كما يمكنها أن تشكل منطقة تنمية طبيعية ليست لغزة فقط.
وفي مقابل تحويل غزة إلى منطقة جاذبة وتفاعلية بفرص حقيقية في أن تصبح مركزا تجاريا عالميا في المنطقة، فإن الفلسطينيين يجب أن يكونوا مستعدين لعملية التنازل عن الأرض المطلوبة في الضفة الغربية حيث المستوطنات الإسرائيلية والمنشئات العسكرية الموجودة منذ عقود. وهذا التنازل المؤلم لا يمكن مقارنته بما هو معروض من المكاسب لغزة.

الفوائد لمصر:

في مقابل موافقتها على أن تعطي للفلسطينيين – وليس للإسرائيليين – مساحة تساوي 720 كم2 من أراضيها المقدسة، فإن مصر ستجني عدة فوائد:

  •  أرض مقابل أرض، حيث ستأخذ مصر من إسرائيل مساحة في جنوب غرب النقب حدها الأقصى 720 كم2، ولكن هناك مزايا إضافية يمكن أن تفاوض من أجلها.
  •  إن إسرائيل ستسمح بشق نفق يصل مصر بالأردن. والنفق المقترح طوله 10 كم من الشرق إلى الغرب (وسيكون موقعه شمال إيلات بحوالي 5 كم) وسيكون هذا النفق تحت السيادة المصرية الكاملة، وستكون الحركة في هذا النفق بين مصر والأردن وكذلك بين مصر وكل من السعودية والعراق دون تصريح من إسرائيل.
  • إنشاء خط للسكة الحديدية وطريق بري دولي وأنبوب لنقل النفط (وسيكون كل ذلك على الجانب المصري من خط الحدود الجديد بين مصر وإسرائيل). وستمر هذه الوسائل الثلاث للنقل خلال النفق إلى الأردن حيث تتفرع بعدها إلى العراق في الشمال الشرقي وإلى العربية السعودية ودول الخليج في الجنوب.
  • بينما أفادت اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية مصر بطريقة كبيرة إلا أنها اضطرتها إلى قبول قيود على نشر قواتها العسكرية في سيناء. وكجزء من تعويض مصر عن هذا فإن إسرائيل ستوافق على بعض التعديلات في ملحق تلك الاتفاقية. وهذا الأمر الحيوي سيمكن القيادة المصرية من أن تعلن لشعبها في الداخل أنها استطاعت – بعد 30 سنة من الاتفاقية – زيادة عدد قواتها مقابل تنازلها عن 1% من مساحة سيناء، مما سيمكن مصر من ممارسة سيادتها على الـ 99% الباقية من سيناء.
  • إن الاتفاق الجديد سيضع نهاية للصراع الذي دام مائة عام بين إسرائيل والعرب. ولن يكون هناك شك في أن هذه الاتفاقية تم الوصول إليها أولا وقبل كل شيء بفضل السيسي، وسيكون الطريق ممهدا للدفع بحصول السيسي على جائزة نوبل للسلام في مؤتمر دولي يعقد في القاهرة.

الفوائد للأردن

سيجني الأردن أعظم الفوائد من هذه التسوية دونما حاجة لأن يدفع أي ثمن (ونعترف بأنه من الممكن ألا تكون إزالة الفاصل الذي تمثله إسرائيل حاليا بين الأردن ومصر عملا مرحبا به من الأردن)، فهذه الخطة تمكن الأردن من فائدتين عظيمتين:

  •  إنشاء شبكة طرق وخط سكة حديدية وأنبوب للنفط سيربط الميناء العالمي في غزة الكبرى، عن طريق النفق بين الأردن ومصر، بالخليج. وسيتمكن الأردن بهذه الطريقة من الوصول الحر إلى البحر المتوسط (عن طريق النفق)، وبالتالي إلى أوربا. وعلاوة على ذلك فإن شرق النفق سيكون “عنق الزجاجة” الذي من خلاله ستمر البضائع من أوربا إلى العراق والخليج، مما يترتب عليه فوائد اقتصادية للأردن.
  •  يشعر الأردن بالقلق من المشاكل السكانية؛ وذلك لأن به أغلبية متزايدة من المواطنين الفلسطينيين. وستزداد حدة هذه الظاهرة طالما أن الحياة في الأردن أكثر راحة من الحياة في غزة ومصر. وفي اللحظة التي ستنشأ فيها “غزة الكبرى”، ومعها المدينة الجديدة والميناء والمطار، سيترتب على ذلك خلق فرص توظيف عديدة تؤدي إلى قلب المعادلة (الهجرة إلى الأردن). إن الفلسطينيين من أصول غزية (70 ألفا منهم في الأردن) سيفضلون “العودة” إلى ديارهم، كما سيفعل ذلك بعض اللاجئين الذين يعيشون الآن في الضفة الغربية.

الفوائد لإسرائيل

  • ستبقى الأرض في “يهودا والسامرة” في يد إسرائيل (12% منها) وهذه مساحة أكبر مما يمكن الحصول عليه في حل الدولتين. وهذه المساحة هي النسبة التي حددها إيهود باراك لضمان مصلحة إسرائيل عندما ذهب إلى كامب ديفيد سنة 2000. عندما تم وضع علامات الجدار العازل تم ضم حوالي 12.5% من الضفة الغربية لأرض إسرائيل. ولقد كان المنطق مشابها (منذ ذلك الوقت، وتحت ضغط المحكمة العليا الاسرائيلية، تم تحريك الجدار غربا، واليوم يقع 8% فقط من الضفة الغربية غرب الجدار). وهذه الأرض المذكورة – طبقا للحل المقترح الآن – ستخفض عدد الإسرائيليين المضطرين إلى ترك منازلهم في المستوطنات من 100 ألف إلى 30 ألف حتى يمكنهم الحفاظ على أماكن ذات أهمية دينية وتاريخية (مثل عفرا وكريات أربع). وسيمكن ذلك أيضا من بقاء “إيل” ضمن الأرض الإسرائيلية طبقا لشروط مريحة.
  •  إن إعادة توزيع الأرض بين غزة والضفة الغربية بطريقة أكثر توازنا سيعطي الدولة الفلسطينية فرصة أفضل للبقاء، وبالتالي يزيد من فرص الوصول إلى تسوية مستقرة.
  •  إن انخراط الدول العربية، وخصوصا الأردن ومصر، في الحل المطلوب أمر مهم وملزم. وهذا الانخراط سيؤدي إلى الحصول على ضمانات أقوى للمحافظة على هذه الاتفاقية.
  •  إن هذه التسوية الإقليمية لا تستبعد الحاجة إلى وجود ممر آمن بين غزة والضفة الغربية ولكنها، أي التسوية الإقليمية، ستقلل من أهمية وكثافة الحركة على هذا الممر، ولكن بقية الحركة للبضائع والأشخاص بين غزة والعالم العربي ستتحرك على هذا الطريق الجديد.

الفوائد الاقتصادية للجميع

  • إن غالبية تجارة الدول المعنية (العراق والعربية السعودية ودول الخليج) مع أوربا يتم نقلها بالسفن التي تمر في قناة السويس أو، بسبب حجمها، تمر حول أفريقيا. وبرغم أن هذين الطريقين ليسا مناسبين اقتصاديا كشبكة نقل، فليس هناك مفر من استخدامهما.
  • إذا تم إنشاء ميناء حديث، بتقانة مشابهة لما هو موجود في سنغافورة، على ساحل المتوسط، وبنيت شبكة من الطرق المناسبة وخط للسكة الحديدية يقود إلى الشرق والجنوب، وأنبوب للنفط، ستصبح التجارة ذات عائد أكبر بينما تقل نفقاتها كثيرا.
  • إن تمويل مثل هذا المشروع سيأتي، ليس فقط من الدول التي تُبنى في أرضها هذه البنية التحتية، ولكن أيضا من الدول الغربية. في الوقت الحاضر يدفع العالم ملايين الدولارات لإعانة الفلسطينيين للبقاء على قيد الحياة؛ وطبقا لهذه الخطة الجديدة، سيتم توفير هذه الأموال لتستخدم في الاستثمار بدلا من الاستهلاك، الاستثمار الذي سيدر عائدا اقتصاديا خلال عدد قليل من السنين. إن هذا الاندفاع الاقتصادي سيفيد مصر والأردن مباشرة وسيؤتي أكله عند باقي الدول بطريقة غير مباشرة.
  • على العكس مما كان في الماضي عندما كان يتم طرح حلول للمشاكل العالمية، كان هذا يتم تنفيذه بطريقة ثنائية على أسس سياسية – استراتيجية، فإن المجتمع الدولي اليوم يفضل حلولا ذات أطراف متعددة على أسس اقتصادية. إن إنشاء الاتحاد الأوربي هو أفضل مثال على هذا الأمر. إن الحل الإقليمي المقترح يحقق بالضبط أساسيات هذه الأمر.
  • إن هذا الحل سيمكن الفلسطينيين من فرص حقيقية ليصبحوا “سنغافورة الشرق الأوسط”. ولا يمكن تحقيق مثل هذا الإنجاز في قطاع غزة الضيق حاليًا.

خامسا: الدور السعودي في صفقة القرن

تلعب المملكة العربية السعودية دورا محوريا في صفقة القرن، بما يتوافق مع التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، وكانت بداية الانخراط السعودي العلني من خلال المبادرة العربية المنسوبة للملك عبد الله، والتي تمثل نقلة في ملف الصراع بدخول العرب كضامنين للاتفاق النهائي. 15
تجاوبت المبادرة العربية مع مقترحات كلينتون وبوش وأوباما التي تقوم على حل الدولتين، ومع أن المفاوضات تجمدت بسبب الرفض الإسرائيلي فإنها حققت لـ”إسرائيل” مكسبا استراتيجيا باستبعاد الحل الثنائي لصالح الحل الإقليمي ودخول العرب بشكل جماعي في التسوية، وقد أشار أيلاند إلى أهمية المبادرة العربية في عملية “التعبئة والتغليف” للتمهيد للحل المتعدد الأطراف أمام المجتمع الدولي، ووضع الأساس للحل الإقليمي.16
وقد تطور الدور السعودي إلى ما هو أبعد وهو تحمل التكلفة المادية للتنفيذ، ودخلت المملكة كممول لصفقة القرن عقب تولي الملك سلمان، حيث استغل الإسرائيليون طموح الأمير محمد بن سلمان ورغبته في الصعود لكرسي الحكم في ظل أبيه، وانتهزوا فرصة احتياجه إلى الدعم الخارجي لتحقيق ما خططوا له منذ نصف قرن.
اندفع محمد بن سلمان لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية المدعومة من دونالد ترامب، فقام بخطوات متسارعة قطع بها شوطا كبيرا في صفقة القرن نقلت الخطة من الورق إلى الأرض بالمال السعودي السخي، فقام بالآتي:

أ- شراء جزيرتي تيران وصنافير لتدويل مضيق تيران

كان قرار بيع جزيرتي تيران وصنافير للمملكة هو أخطر ما تم التوصل إليه من إجراءات لصالح الكيان الصهيوني منذ احتلال فلسطين في 1948، فبيع الجزيرتين يؤدي إلى تدويل مضيق تيران وإنهاء السيطرة المصرية عليه، وهو الذي كان سببا في حروب مصر مع الإسرائيليين.

ب- اتفاقية المنطقة الحرة بشمال سيناء

لم تكن زيارة الملك سلمان إلى مصر في إبريل 2016 من أجل السيطرة على تيران وصنافير فقط، وإنما لتوقيع الاتفاقات المكملة للهيمنة الإسرائيلية، وقد رفض الملك سلمان النزول من الطائرة إلا بعد موافقة عبد الفتاح السيسي على التوقيع على الاتفاقات وقد كشف مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الضغوط التي مارستها السعودية، وقال إن الملك سلمان رفض النزول من الطائرة إلا بعد التأكد من توقيع السيسي على الصفقة ورفض الانتظار لحين تسليم القوات الإسرائيلية الجزيرتين. 17
وقع الملك سلمان 23 اتفاقية تعاون، من ضمنها اتفاقية لإنشاء المنطقة الحرة في شمال سيناء، والغريب أن هذه الاتفاقية يتم التعتيم عليها وعدم الإفصاح عن مضمونها، ولم تنشر تفاصيلها الكاملة في الإعلام المصري.18 وتم عرض عناوين الاتفاقات وليس النص الكامل للموافقة عليها في البرلمان، وأيضا لم تنشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية رغم ما يقتضيه القانون المصري.
وصاحب التعتيم المتعمد في مصر تعتيم موازي في السعودية إلا أن الصحف والفضائيات في المملكة نشرت عناوين الاتفاقات من باب إظهار إنجازات الزيارة وتم حذف بعضها فيما بعد من الأرشيف الإلكتروني، وما نشر يكشف ما كان غامضا.19
وتشير عناوين مشروعات المنطقة الحرة إلى شروع محمد بن سلمان في تنفيذ البنود الواردة في صفقة القرن على النحو التالي: إنشاء وبناء الميناء البحري، إنشاء المطار في المنطقة المحددة في تبادل الأراضي، تشييد الطرق في المنطقة التي ستكون غزة الكبرى، وتحمل تكلفة شق النفق تحت فلسطين المحتلة بطرقه الثلاثة (البري والسكة الحديد وأنبوب النفط) لربط دول الخليج بالمتوسط، وتتحمل السعودية تكلفة شق ترعة المياة العذبة التي ستنقل مياه النيل (تم بناء سحارة سرابيوم تحت القناة لنقل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني)، وتشييد أكبر محطة لتنقية مياه الصرف الصحي لتوفير المياه للمنطقة الحرة.
وقد أشار الأمير محمد بن سلمان في حوار مع شبكة بلومبيرغ في أكتوبر 2017 إلى التمويل السعودي للمشروعات المطلوبة في شمال سيناء، وبخاصة الميناء، إلا أنه فال إن الهدف وراء توقيع اتفاقية المنطقة الحرة هو من أجل ربطها بمشروع نيوم، وأكد أن “هذه المنطقة سوف تساعد دبي، والبحرين، وخصوصاً الكويت؛ إذ سوف تصدر الكويت إلى أوروبا بشكل أسرع وأرخص من الآن وذلك عبر أنابيب وسكك حديد منطقة نيوم إلى مصر – شمال سيناء – ثم إلى أوروبا”. 20
وفي عرضه لملامح استراتيجية تنمية سيناء قبيل زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة في مارس 2018 أشار وزير الإسكان المصري إلى بناء المنطقة الحرة بشمال سيناء والتي تتضمن أهم مشروعين في صفقة القرن وهما الميناء والمطار، وقال أن “المنطقة الحرة تتمتع بقوانين اقتصادية مختلفة تشجع على الاستثمار، ويتم إنشاء مطار دولي محوري بمنطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وميناء تجاري على البحر المتوسط”. 21

ج- مشروع “نيوم” وإزاحة مصر من خليج العقبة

إن التمويل السعودي في جنوب سيناء لا يقل خطورة من دوره في الشمال، ورغم مشروع النفق الإسرائيلي المطروح فإن السعوديين يطرحون فكرة بناء جسر الملك سلمان، مما يثير الكثير من التساؤلات؛ فهل طرح موضوع الجسر بديلا للنفق الإسرائيلي لرغبة السعوديين في استبعاد الأردن كممر للوصول إلى سيناء ويطمعون في الاستحواذ على الطريق للبحر المتوسط وحدهم؟ لكن هذا السيناريو يواجه التضاريس التي تعوق شق الطريق الثلاثي (أنبوب النفط، السكك الحديدية، الطريق البري) من شرم الشيخ حتى الميناء شمالا حيث سلسلة الجبال، كما أن الجسر المعلق لا يتحمل النقل الثقيل الذي يتحدثون عنه.
أيضا، ربما هناك تعديل على الخطة بالجمع بين المشروعين؛ بأن يكون النفق مخصص لنقل المعادن والمواد الخام والبترول والنقل البري والسكة الحديد، وأن يكون الجسر لخدمة السياح الأجانب في “نيوم” من أجل الترفيه والانتقال إلى جنوب سيناء بحرية. ويحظى مشروع الجسر بالشروط الجديدة بدعم إسرائيلي لأنه ينهي الوجود المصري في هذه المنطقة الاستراتيجية، ويعد غطاءً لعملية السيطرة على شرم الشيخ والمثلث الجنوبي لسيناء.
إن منح السعودية مساحة ألف كيلو متر مربع في جنوب سيناء وضم الضفة الغربية لمضيق تيران ليس له تفسير غير السعي لطرد مصر من مدخل خليج العقبة ومضيق تيران، وعدم الاكتفاء بانتزاع جزيرتي تيران وصنافير، وهو ما يحقق التأمين التام للملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة ويبعد التهديد المصري تماما عن المجرى الملاحي. 22
وهناك نتيجة أخرى لسيطرة السعودية على الشريط الساحلي لضفتي خليج العقبة وهي ربط المثلث الجنوبي الواقع تحت خط العرض 29 الذي يسيطر عليه دير سانت كاترين عن مصر بمشروع “نيوم”، وهذا بداية الفصل لهذه المنطقة وتنفيذ الأطماع الدولية في تقسيم سيناء بأن يكون شمال سيناء لـ”إسرائيل الكبرى” والجنوب لليونان وروسيا لتكون فاتيكان للروم الأرثوذكس.23

سادسا: خسائر مصر من صفقة القرن

هذا العرض الإسرائيلي في ظاهره تحقيق مكاسب اقتصادية لمصر من خلال فرض رسوم على نقل البترول والمعادن إلى الغرب من النفق، وتحصيل رسوم على البضائع القادمة من أوربا لدول الخليج، لكن في باطن الصفقة خسائر لا تقدر بمال وكوارث استراتيجية لا نهاية لها، ومن أهم الخسائر ما يلي:

أ- هدم بوابة سيناء الاستراتيجية:

سيناء هي أكثر منطقة في العالم مرت بها جيوش، وعلى أرضها سالت دماء، في حروب يصعب عدها منذ فجر التاريخ، وتؤكد دروس الأزمان الغابرة أن الخطر على مصر يأتي دائما من الشرق، ولهذا لا يخلو كتاب عن الاستراتيجية والحرب من الإشارة إلى أهمية سيناء العسكرية. لكن تظل المنطقة التي تريد “إسرائيل” أن تخليها وتصفي الوجود المصري العسكري والمدني بها هي مفتاح سيناء، وينتج عن تدميرها وتهجير سكانها خسارة عسكرية فادحة، يترتب عليها انكشاف كل سيناء حتى القناة وتهديد قلب مصر.
عن أهمية هذا المربع الذي يتم إخلاؤه والممتد من رفح وحتى العريش يقول المفكر جمال حمدان في كتاب “سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا” إنه يد المروحة أو ربطة الحزمة أو “زر” سيناء الاستراتيجي لأن فيه تجتمع نهايات محاور سيناء الاستراتيجية الثلاث: المحور الشمالي “القنطرة – رفح” والمحور الأوسط ” الإسماعيلية – أبو عجيلة” والمحور الجنوبي “السويس – القصيمة” ولم يكن غريبا لذلك أن يعتبره العسكريون القاعدة الاستراتيجية الحقيقية للدفاع عن مصر، مثل السير أرتشيبولد مري القائد الإنجليزى في الحرب العالمية الأولى.24

ب- إخلاء سيناء من العنصر البشري

يظل العنصر البشري هو العائق أمام أي خطط للتقسيم الجغرافي؛ فلا يمكن فرض حدود سياسية في ظل وجود كثافة سكانية مستقرة، ولا يمكن تهجير ما يقرب من مليوني إنسان في غزة إلى منطقة عامرة بأهلها، ومن هنا فإن المخطط الإسرائيلي يعمل على تهجير المصريين أولا من المنطقة المستهدفة بزعم تهيئتها لسكان غزة الذين يخطط المتورطون في الصفقة لإزاحتهم إلى الموطن الجديد!
إن تبادل الأراضي في صفقة القرن يعني تسليم المنطقة المستهدفة في سيناء خالية من السكان، والتنفيذ بدأ مبكرا جدا، بإخلاء رفح وهدمها وهي المدينة التاريخية التي وجدت منذ مئات السنين، ثم بدأت ماكينة التدمير تطحن الشيخ زويد، وحدثت القفزة بالعمل لإخلاء العريش بزعم بناء حرم للمطار، بمساحة 5 كم من كل الاتجاهات، أي هدم نصف المدينة بدلا من نقل المطار إلى خارجها. 25

ج- تدويل سيناء وخروج مصر منها

إن استمرار تنفيذ الخطط الإسرائيلية بدعم دولي في سيناء سينتج عنه إخلاء شمال سيناء والذي سيتبعه خروج الدولة المصرية، فالوجود المصري مرتبط بوجود السكان، وغياب السكان معناه غياب مصر، ونفس الأمر في المثلث الجنوبي، فتسليم شرم الشيخ للسعودية يعني إبعاد مصر عن مياه خليج العقبة وهذا خطوة مرحلية يتبعها الانسحاب حتى الطور ثم التراجع السويس!

سابعا: هل الصفقة ستكتمل؟

رغم ما يبدو من اندفاع أعمى في القاهرة والرياض وتبني تنفيذ الأجندة فإن عوامل تعطيل الصفقة أكثر من عوامل اكتمالها؛ فمشاركة السيسي وابن سلمان في سعي الرئيس الأمريكي واللوبي الصهيوني العالمي للإجهاز على القضية الفلسطينية ليس قدرا حتمي التحقق.
وبنظرة للواقع المحلي والإقليمي والخارجي نجد أن المتورطين في صفقة القرن أضعف من أن يكملوا الشوط حتى نهايته، وربما لن يسعفهم الوقت لإنجاز الخطة الإسرائيلية الموضوعة بسبب حجم المهام المطلوبة، التي تحتاج إلى سنوات طويلة، وخزائن متخمة بالأموال، وأنظمة حكم قوية ومستقرة، وهذا غير متوفر في الوقت الحالي.
ويمكن تلخيص العوائق التي تحول دون اكتمال هذه الصفقة على النحو التالي:
1- تأييد السعودية للخطة الإسرائيلية ليس كافيا لإنجاحها، فالمال السعودي رغم تأثيره فإن الميزانية الضخمة المطلوبة لصفقة القرن سواء في سيناء أو في مشروع نيوم تفوق قدرة المملكة، خاصة مع تراجع العائدات وعجز الموازنة والسحب من الاحتياطي، وكان الاستنزاف المالي ومطالب ترامب (460 مليار دولار) وراء القبض على الأمراء والاستيلاء على أموالهم لتوفير جزء من المطلوب، وهذا الملف سيكون سببا في تفكك العائلة الحاكمة، فلن يظل الأمراء رهن الاعتقال والإقامة الجبرية إلى الأبد.
2- الطرف الفلسطيني بكل اتجاهاته رافض للصفقة، فالسلطة الفلسطينية ليس لها دور في الترتيبات القادمة، فلن تكون هناك سلطة في رام الله ولا دولة في الضفة، وتقضي الترتيبات الجديدة بإنشاء مجالس محلية تدير مدن وقرى غير مستقلة وإنما تابعة للدولة الأردنية.
3- حماس هي الصخرة التي تقف أمام إنجاز الصفقة؛ فالحركة ومعها باقي الفصائل الفلسطينية يعلمون أن رؤوسهم جميعا هي المطلوبة للمقصلة، وأن التخلص من قطاع غزة أو تفكيكه هو الهدف الرئيسي للأجندة الإسرائيلية، ولهذا فإن كتائب القسام وباقي فصائل المقاومة يسابقون الزمن للاستعداد للمعركة القادمة، ويبدو من الاستعراضات العسكرية المعلنة أن هناك مفاجآت في حجم التسليح الصاروخي الذي حقق التوازن في الحروب الأخيرة ضد غزة.
إن النصر الذي عجز الإسرائيليون عن تحقيقه في الحروب الثلاثة الماضية في قطاع غزة لن يستطيعوا تحقيقه في الحرب القادمة، حتى وإن انضم لهم نظاما الحكم في مصر والسعودية؛ فالصمود الفلسطيني والعقيدة والالتصاق بالأرض عوامل لا يمكن إغفالها في هذا الصراع، خاصة إذا كانت مصاحبة لتسليح جيد وقدرات بشرية استشهادية غير عادية.
4- المملكة الأردنية تشعر أنها ستكون في موضع صعب وخطر كبير، حيث تهدف الخطة إلى تسليم الضفة بعد نزع القدس والمستوطنات لملك الأردن لفرض الأمن والقانون الأردني على الفلسطينيين، وهذا سيؤدي إلى تحويل الصراع بين الاحتلال والفلسطينيين إلى صراع بين الحكم الأردني والفلسطينيين، وقد تسبب تجاهل مخاوف الأردن في تصاعد الخلاف بين الملك عبد الله الثاني والسعوديين والإماراتيين حول الملف، بل أشيع عن إفشال مؤامرة لتنظيم انقلاب في الأردن تقف خلفه الإمارات. 26
5- إخلاء سيناء ليس عملية سهلة، فتوطين الفلسطينيين يقتضي تهجير السكان المصريين أولا، وهذا التهجير يواجه بمقاومة عنيفة ليست فقط من بعض البدو وجماعات مثل “ولاية سيناء” وإنما من الشعب المصري كله، ولهذا فإن فكرة إخلاء سيناء تحت مبررات محاربة الإرهاب لم تلق استجابة شعبية، ولأن موضوع اقتلاع السكان ليس سهلا فإن إخلاء مدينة رفح قد استغرق أربع سنوات ورغم تخريبها فإن عملية التفريغ من السكان لم تكتمل، ونفس التعثر يواجه إخلاء مدينة الشيخ زويد الأكثر تعقيدا، وتزداد الصعوبة مع دخول مخطط التهجير إلى العريش.
الذي يفسد مخطط التهجير عدم وجود بدائل معلنة لاستيعاب السكان المهجرين، وهنا تثار التساؤلات: هل سيتم نقل سكان شرق سيناء إلى غربها؟ وهل من المتصور أن يستسلم الذين دمرت بيوتهم وقتل ذووهم لقرار تشريدهم؟ أم هل سيكون الحل هو تهجيرهم إلى الوادي؟ وهل تستطيع الحكومة تحمل تهجير مئات الآلاف من المواطنين وتحمل التكلفة المالية والسياسية والأمنية لعملية تغيير محل إقامتهم؟
هذا الوضع تحول إلى قنبلة تزداد خطرا يوما بعد يوم، ويتعقد حلها، والاستمرار فيه في غير صالح الدوائر التي تدير الصراع لصالح الكيان الصهيوني، ومع الوقت ستتسع حالة الرفض وتتحول إلى ظاهرة شعبية، خاصة أن البيئة البدوية تتسم بالتماسك والعصبية التي تجعل المجتمع أقوى من الدولة، ويزداد التمرد مع تنامي الشعور بأن الدولة تعمل لصالح العدو وليس لصالح مواطنيها.
6- لا يوجد إجماع في الولايات المتحدة على الصفقة خاصة مع الصراع المحتدم بين الديمقراطيين والجمهوريين وتصاعد المعارضة ضد ترامب، وتزداد الضغوط لعزل الرئيس الأمريكي وتتوسع الاتهامات حول علاقاته وصهره، وهذا الانقسام الأمريكي أكبر من أن يتم احتواؤه، وإن لم يتم الانتهاء من الصفقة بسرعة في فترة ولاية ترامب الأولى فإن مصيرها مرتبط بمصيره، بل أي تغيير أمريكي قد ينعكس على الشركاء في الأنظمة المحسوبة على ترامب.
6- لا يوجد إجماع دولي على الصفقة فالأوربيون لم يوافقوا على ما يقوم به ترامب، وقد ظهر هذا الموقف الأوربي في الأمم المتحدة عندما صوتت معظم دول العالم ضد قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورفضوا الاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني. 27

خلاصة

ظهور صفقة القرن بهذه القوة ليس لأن الصفقة مقنعة، وإنما لتبني نظامي السيسي وابن سلمان لها وقبولهما بأن ينفذا الأجندة الإسرائيلية لأسباب تتعلق بمشروعيتهما، واستقرار الحكم لهما، والسعي وراء الدعم الدولي لمواجهة تعاظم المعارضة الداخلية.
وهذا الاندفاع وراء الرئيس الأمريكي والاستسلام للهيمنة الإسرائيلية بقدر ما يخفف الضغط الخارجي وشراء الصمت العالمي لبعض الوقت فإن الانحياز للجانب الإسرائيلي والمشاركة في خطة التآمر على القضية الفلسطينية أفقدهما المشروعية الشعبية وجعلهما تحت الحصار.
إن السيناريوهات التي تطرحها صفقة القرن ليست حلولا، كما أن الإغراءات التي تقدمها “إسرائيل” لن يتحقق منها شيء لصالح مصر والسعودية، بل هي “وصفة انتحار” لكلا الدولتين.
ففي مصر ستؤدي الصفقة إلى إشعال الصراعات الداخلية التي لا نهاية لها، وستستنزف قوة الدولة المصرية في حرب لا نهائية، ويتولد من داخلها صراعات يصعب حصرها والإحاطة باتجاهاتها، كما أن طول أمد الحرب سيؤدي إلى تصدع الجبهة الداخلية التي ستنعكس على تماسك النظام وتمنعه من الوصول إلى نهاية المخطط له.
وفي السعودية فإن إنفاق مئات المليارات على الصفقة تحت عنوان مشروع نيوم الذي أصبح المظلة التي يتم التحرك من خلالها لتهويد سيناء وخليج العقبة زاد من الأعباء على المواطنين وأنهي زمن الوفرة وأدخل المملكة في مرحلة الاستدانة والتقشف وسيترتب على هذا تفاقم الحالة الاقتصادية، والأكثر تدميرا للسعودية عملية التخلي عن المشروعية الدينية وتغيير هوية المملكة القائمة على المذهب الوهابي منذ تأسيسها.
صفقة القرن رغم ما يبدو من صياغتها على أنها مشروع فيه منافع لدول الإقليم، فان حقيقته تدور حول السيطرة اليهودية على فلسطين التاريخية والتخلص من الأعباء الأمنية التي أرقت الاحتلال منذ عام 1948، وتحميل الأردن ومصر والسعودية جريمة إنهاء القضية الفلسطينية.
في هذه الصفقة الرابح الوحيد هو الكيان الصهيوني، وباقي المشاركين كلهم خاسرون؛ فالسعودية ستخسر أرصدتها وثرواتها وتماسكها، ومصر ستخسر سيناء وتفقد أمنها الاستراتيجي، والأردن سيجد نفسه في مواجهة مع الفلسطينيين وصراع مفروض عليه غير معروف نتائجه لكن الشر يلوح مع مقدماته.
يبقى احتمال مهم قد يقلب كل هذه الحسابات ويوقف تنفيذ الصفقة وهو حدوث تغيير في مصر يعيد الثوابت ويوقف الانهيار ويبدل الولاءات، وهذا الاحتمال يزداد مع الوقت مع الانقسام داخل دوائر الحكم التي اتحدت في الانقلاب ضد الرئيس محمد مرسي، ويبدو الآن أنها افترقت بسبب التوجه السياسي الذي يفرط في الحقوق المصرية والفشل في إدارة الملفات الداخلية(28 ).


الهامش

Rethinking the Two-State Solution(https://www.washingtoninstitute.org/uploads/Documents/pubs/PolicyFocus88.pdf)

2  Regional Alternatives to the Two-State Solution (https://besacenter.org/policy-memorandum/regional-alternatives-to-the-two-state-solution-2-2/)

 Rethinking the Two-State Solution  page 3

فورين بوليسي

معهد واشنطن

موقع المعرفة

الجزيرة نت

8  https://en.wikipedia.org/wiki/Giora_Eiland

 http://gioraeiland.com

10
http://www.mfa.gov.il/mfa/pressroom/2010/pages/maj-gen-res_eiland_presents_conclusions_examination_team_12-jul-2010.aspx

11 Giora Eiland. Rethinking the Two-State Solution. P 4

12 Giora Eiland. Regional Alternatives to the Two-State Solution. P36

13  https://www.youtube.com/watch?v=Zy9kykz6CKY

14 http://www.bbc.com/arabic/middleeast-42146989

15 https://www.marefa.org/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9

16  Regional Alternatives to the Two-State Solution. P38

17  https://www.youtube.com/watch?v=ov44YZ3fZM8

18 اليوم السابع

19 العربية نت

20 الشرق الأوسط، لندن

21 http://www.newcities.gov.eg/dis_N.aspx?ID=1085

22 http://www.bbc.com/arabic/middleeast-43287137

23 الجزيرة مباشر

24   جمال حمدان، سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا، مكتبة مدبولي، ص50

25  https://www.elwatannews.com/news/details/2982177

26 وكالة سبوتنيك عربية

27 http://www.albayan.ae/one-world/arabs/2017-12-22-1.3138893

(28) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق