الطفل ماكرون وستراته الممزّقة
مهنا الحبيل
تشريح الحالة الفرنسية، والتطرّف الباريسي الصاعد، لا يُبرّر مطلقاً، ولا يُغطّي كوارث الأنظمة العربية أو الشرقية، ولا حالة التخلف الشرقي عن متطلبات النهضة
هذا المسار أيضاً الذي تسمع صخبه في كل مكان أصبح نوعاً من تجارة التوحش الرأسمالي، لا تحصد منه "نتفليكس" فقط، بل عديد من أذرعة هذه الرأسمالية. ولذلك أضعَف اليسار نفسه، وانهارت مجتمعاته، حين خدعته الحداثة المادية، ولم توقف معركة العنف ضد المرأة ولا الطفل، ولم تعزّز المنظور الحقوقي الرحيم، بسبب أن البوصلة تم تغييرها للميزان الحداثي المادي الذي تقوده اليوم مع واشنطن، باريس الإليزيه.
خلال فقرات البرنامج، ركّز النشطاء على مهاجمة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اعتبروه الواجهة الأساسية لاقتلاع آخر حصونهم للتكافل الاجتماعي. وكما وصفته ناشطة خمسينية بالرمق الأخير، فيما قالت رفيقتها إنها كانت تفكّر بالانتحار، فما علاقة ذلك كله بقضية إيمانويل ماكرون وحملته الشخصية على الإسلام، وقيادة خطاب الكراهية العنصرية للمنتمين للمناطق الإسلامية في جغرافيا العالم؟
نحتاج أن نُذكّر بأن هذا التشريح للحالة الفرنسية، والتطرّف الباريسي الصاعد، لا يُبرّر مطلقاً، ولا يُغطّي كوارث الأنظمة العربية أو الشرقية، ولا حالة التخلف الشرقي عن متطلبات النهضة، غير أن ذلك أيضا لا يُجيز مطلقاً، ولا يسمح لفرنسا بشنّ حملات عنصرية على الأسرة البشرية للشرق الإسلامي، ولا على الإسلام كرسالة، علماً أن صناعة دين جديد باسم الإسلام كانت مهمة أسوأ أنظمة القمع العربية من أصدقاء فرنسا، خصوصا أن الإرث الفرنسي لا يزال عاجزاً عن الاعتذار، فضلاً عن توضيح دوره الأصلي في عجلة الإبادة منذ الاستعمار المباشر، حتى التدخل المصلحي على حساب قرار الشعوب واستقلالها الديمقراطي. كل ما في الأمر حملة ضجيج، قد تكون موجهة إلى واقع سيئ، بل غاية السوء في بعضها، في مسألة الحق الإنساني وحماية الطفولة والمرأة، لكن هذا الدعم الفرنسي ينقلب إلى الضد، حين تبدأ الشعوب اختطاط طريق حريتها المدنية، وحكمها الدستوري المنتخب، فيعود المستبد صديقا لفرنسا، والشعب المكلوم عدوا لها.
الإرث الفرنسي لا يزال عاجزاً عن الاعتذار، فضلاً عن توضيح دوره الأصلي في عجلة الإبادة منذ الاستعمار المباشر
الحداثة المادية تعود بقوة إلى الغرب، غير أن الطاحونة اليوم تخنق إنسان أوروبا، وليس فقط المهاجر أو أبناءه
جاء انتخاب ماكرون، بعد تجربة صعود رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، باعتبار أن كليهما يمثلان هذا الجيل السياسي الجديد في الغرب. ويعاني ترودو اليوم من أزمات، فاليمين يصعد في حزبه، بعد أن حَسم في حزب المحافظين، فضلاً عن أزمة كيبيك العنصرية، ضد حقوق الأقليات، وهناك توقع بانتهاء موسمه السياسي، غير أن ترودو الذي لم يستطع أن يكبح الدولة العميقة في الحزب الليبرالي، ويتحمل أيضا مسؤولية أخطائه الذاتية، حرص على بناء علاقة إنسانية شخصية مع الأسرة الإنسانية التي انضمت لمواطنيه. وقد كان والده بيير يطوف به في أحيائهم ومدارسهم. أما ماكرون فقد كان ابن المؤسسة البنكية التي صنعت عقله ووجدانه، وبالتالي، وكما قرّر بعض فلاسفة الأخلاق الغربيين المعاصرين، فإن عقلية مدير الرأسمالية البنكي قد يفصلها عن بيته القريب، لكن حين يتعامل مع الآخرين فيظل يحسب مصالح الشركة، لا حق الأعضاء الأخلاقي، ففشل ماكرون أمام السترات الصفراء، وعاد كالطفل ليعوّض فشله بتمزيق حقوق المسلمين في بلده والعالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق