مذبحة المآذن في مصر الأزهر
تتعرض المساجد في مصر لحملات حكومية متواصلة لتحجيم دورها وتعطيل رسالتها، وتقليل تأثيرها في المجتمع، وبلغت ذروة العداء بهدمها بأساليب صادمة، وقصف مآذنها في مذبحة غير مسبوقة في تاريخ مصر منذ ظهور الإسلام، بهدف نزع القداسة عنها وتقديم رسالة مسيئة عن مصر بلد الأزهر الشريف.
هزت مشاهد سقوط المآذن قلوب المسلمين في مصر والعالم، فمن غير المعهود أن تتعرض بيوت الله لهذا الأسلوب من التدمير بالمعدات الهندسية بمزاعم التطوير العمراني، فالمساجد لها قدسية ولم يجرؤ حاكم على المساس بها والاستهانة بمكانتها في بلد 95% من سكانه مسلمون.
بمبرر التوسع في المحاور المرورية وتشييد الكباري تم هدم الكثير من المساجد بالقاهرة، وبلغت ذروة الهدم بالجملة في تطوير محور المحمودية بمحافظة الإسكندرية حيث تم هدم 35 مسجدا وإعلان عبد الفتاح السيسي بأنه سيهدم 77 مسجدا آخري فيما بعد.
ومما قيل دفاعا عن الهدم أن المساجد التي تمت إزالتها مخالفة وغير مرخصة ومبنية على أرض حرام مغتصبة من الدولة، ولم يقنع هذا التبرير أحدا، لأن الأرض كلها لله، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم “جُعلت لي الأرض مسجداً وطهورا” ولا يمكن لمؤمن بالله ورسوله أن يفكر بهذه الطريقة.
المساجد التي أزيلت ومسحت من على وجه الأرض عمرها عشرات السنين، وهي أقدم من عمر من هدمها، ومعظمها أوقاف بنيت بتبرعات المصريين ومرخصة من الحكومات السابقة التي قدمت لها خدمات الكهرباء والماء ووفرت وزارة الأوقاف لمعظمها الأئمة والخطباء.
والذي يؤكد العدوانية وتعمد الهدم أن الحكومة لم تطرح أي حلول غير الهدم للمساجد التي ترى أنها مخالفة، فلم تعرض التصالح وتقدير قيمة مالية للغرامات كما تفعل مع العقارات، ولم تطلب من وزارة الأوقاف أن تدفع قيمة التصالح عن مساجدها، ولم تمنح الأهالي فرصة لجمع التبرعات لإنقاذ المساجد من الهدم.
والذي يوضح الصورة أكثر أن التعامل العدواني مع ملف المساجد لم يكن بأي درجة يشبه التعامل المتسامح مع الكنائس التي اعترضت الطرق الجديدة، وكان واضحا أن الحكومة تستخدم العنف والقسوة مع المسلمين ودور عبادتهم، وتتعامل بمنتهى التسامح والاحترام مع غير المسلمين، بل لم تجرؤ السلطات على هدم سور لكنيسة يعترض طريق الساحل الشمالي.
الحملة على المساجد
لا يمكن التعامل مع هدم المساجد كسلوك معزول عن خطة يتم تنفيذها منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فالسياسة الرسمية بدت منذ ذلك الوقت أنها تستهدف تحجيم وحصار المسجد كمنبر ومحور حياة المجتمع المسلم.
فور الانقلاب تمت السيطرة على الجمعيات الأهلية وضم المساجد لوزارة الأوقاف، ووجهت الاتهامات للجمعيات بأنها تنتمي للإخوان، وهذا غير صحيح، فالجمعية الشرعية وأنصار السنة ومئات الجمعيات مستقلة وتخضع لرقابة الدولة، وتمت مصادرة إدارة المساجد منها رغم عجز وزارة الأوقاف عن إدارة مساجدها.
وظهرت فكرة توحيد خطبة الجمعة، وفرض خطبة موحدة على المساجد يلتزم بها الخطباء، وكانت مثار جدال وصراع مع الأزهر الذي رفضها وأكد أنها مخالفة لشريعة المسلمين المتوارثة، ولكن رغم ذلك تم فرض الخطبة الموحدة باختيار عنوان وموضوع موحد يتم الإعلان عنه كل أسبوع.
ومع ظهور فيروس كورونا، ظهر التربص والشعور المعادي بالتسرع بإغلاق المساجد، وعندما تراجع المرض وتم إلغاء الإغلاق وفتح البلد ظهر التعمد في التضييق على المساجد؛ ففي الوقت الذي فتحوا فيه النوادي والمقاهي الكافيتريات والمطاعم والمولات بدون شروط وضعت الضوابط على المساجد فقط، ومنعت النساء من الصلاة، وأغلقت أماكن الوضوء رغم أن جمهور المساجد هم من أكثر الناس نظافة.
التفريق بين المساجد والزوايا!
أخطر الأفكار الماكرة التي تم ترويجها في السنوات الأخيرة هي التفرقة بين المساجد والزوايا، وتكرار التصريحات للمسئولين عن وزارة الأوقاف بغلق الزوايا، والتقليل من شأنها، والحديث عنها وكأنها أماكن عشوائية لا تستحق الاهتمام والرعاية، وظهر هذا الموقف العدائي بشكل واضح مع إجراءات كورونا.ففي بداية الإغلاق تم منع صلاة الجماعة والإبقاء على الأذان فقط في المساجد ومنعه في الزوايا، وعندما قرروا فتح المساجد كان القرار مقتصرا على المساجد الكبرى مع إغلاق الزوايا، وعندما أعادوا صلاة الجمعة كانت في المساجد وليس الزوايا!
الحكومة ترى أن الزوايا هي المساجد المبنية تحت العقارات والبنايات السكنية، ويتعمدون الإيحاء بأنها صغيرة المساحة وغير مخدومة، وهذا غير صحيح، فهذه المساجد التي يريدون إغلاقها بناها المسلمون لاستيعاب الزيادة السكانية والتوسع العمراني، مع تخلي الحكومات السابقة عن بناء الجوامع.
معظم المساجد الكبرى في القاهرة والمحافظات مبنية منذ دخول الإسلام مصر وزادت بشكل خاص أيام المماليك، وعندما تخلت الدولة في العقود الأخيرة عن دورها، كانت المبادرات الأهلية، فشيد المصريون آلاف المساجد أسفل العقارات، منها مساحات صغيرة وأكثرها مساحات كبيرة بل ببعضها أكثر من طابق لمضاعفة قدرتها الاستيعابية.
وفي الإحصائية التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في الإصدار السنوي “مصر في أرقام 2020″، فإن إجمالي عدد المساجد في مصر حتى عامي 18/2019 بلغ 137.465 ألف مسجدا منها 31.624 ألف زاوية و105.841 ألف مسجدا؛ وتكشف الأرقام الرسمية أن ما يطلقون عليه زوايا يمثل تقريبا نصف عدد المساجد في القاهرة الكبرى ومحافظات الوجه البحري (انظر الجدول المرفق).
في القاهرة يوجد 3,222 مسجد و3,139 زاوية، وفي الجيزة 5,255 مسجدا و3,675 زاوية، وفي القليوبية 4,088 مسجدا و2,420 زاوية، وفي المنوفية 5,186 مسجدا و1,197 زاوية؛ وتعتبر محافظة الشرقية أكبر محافظة بها مساجد وزوايا، ففيها 11,027 مسجدا و4,510 زاوية، تليها البحيرة بها 11,724 مسجدا و1,093 زاوية، وفي الغربية 4,134 مسجدا و2,122 زاوية، وكفر الشيخ بها 5,435 مسجدا و1,113 زاوية، والدقهلية بها 6,210 مسجد و2,435 زاوية.
وتعتبر الإسكندرية هي المحافظة التي يزيد بها عدد الزوايا عن عدد المساجد فيوجد بها 2,945 مسجدا و3,130 زاوية؛ ويتراجع عدد الزوايا في الصعيد ومحافظات القناة ومطروح والوادي الجديد بسبب وفرة الأراضي واتساع المساجد.
الأرقام تشير إلى أن ما يسمى زوايا هي مساجد تقام فيها صلاة الجمعة منذ إنشائها، وهي تمثل عصب العبادة في عواصم المحافظات والمدن والأحياء الحديثة، وهي جزء من الطبيعة العمرانية المعاصرة اقتضت الضرورة أن تكون بهذه الصورة لأسباب عديدة، ولهذا من غير المقبول أن تتعامل الحكومة المؤقتة بهذه العدوانية مع ما هو مستقر وثابت.
التعامل الحكومي مع ملف المساجد مرتبط بتوجه معلن لتغيير هوية مصر الإسلامية، والسعي لصناعة هوية جديدة ضد دين الدولة ومتخاصمة مع الثوابت، لإرضاء أطراف خارجية طمعا في نيل الدعم للحكم الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي، فالتصريحات والسياسات تستهدف المؤسسات الدينية بزعم تجديد الدين من داخله.
يظهر هذا التوجه السياسي الدخيل على مصر في الحملات التي لم تتوقف ضد الأزهر الشريف والمحاولات كل فترة وأخرى لتحريك مشروعات قوانين لتفكيكه والقضاء على دوره، ويظهر في الاستيلاء على ممتلكات ووزارة الأوقاف الموقوفة على المساجد، واستخدام الوزارة المسئولة عن المساجد في الدعاية السياسية وترك الدين.
حتى مؤسسات الإفتاء وصفحاتها الإعلامية يتم توظيفها في ترويج أفكار اليمين المسيحي المتطرف ضد المسلمين وتشويههم؛ وأخيرا يأتي الدور على المساجد وهي القلاع الحصينة للعبادة والحفاظ على الدين، فتتعرض للهجوم المتواصل وكأننا نتعرض لغزو من داخلنا.
ما يجري مع المساجد إساءة أدب مع الله صاحب الأرض ومالك الكون كله، وعدم احترام لعقيدة الشعب المصري المسلم، وآن لهذا التجرؤ على المقدسات أن يتوقف، وعليهم أن يتعظوا بمن سبقهم، ولا يكرروا تجربة أبرهة، وليعلموا أن للمساجد رب يحميها.
وتعتبر الإسكندرية هي المحافظة التي يزيد بها عدد الزوايا عن عدد المساجد فيوجد بها 2,945 مسجدا و3,130 زاوية؛ ويتراجع عدد الزوايا في الصعيد ومحافظات القناة ومطروح والوادي الجديد بسبب وفرة الأراضي واتساع المساجد.
الأرقام تشير إلى أن ما يسمى زوايا هي مساجد تقام فيها صلاة الجمعة منذ إنشائها، وهي تمثل عصب العبادة في عواصم المحافظات والمدن والأحياء الحديثة، وهي جزء من الطبيعة العمرانية المعاصرة اقتضت الضرورة أن تكون بهذه الصورة لأسباب عديدة، ولهذا من غير المقبول أن تتعامل الحكومة المؤقتة بهذه العدوانية مع ما هو مستقر وثابت.
الحرب على الهوية
التعامل الحكومي مع ملف المساجد مرتبط بتوجه معلن لتغيير هوية مصر الإسلامية، والسعي لصناعة هوية جديدة ضد دين الدولة ومتخاصمة مع الثوابت، لإرضاء أطراف خارجية طمعا في نيل الدعم للحكم الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي، فالتصريحات والسياسات تستهدف المؤسسات الدينية بزعم تجديد الدين من داخله.
يظهر هذا التوجه السياسي الدخيل على مصر في الحملات التي لم تتوقف ضد الأزهر الشريف والمحاولات كل فترة وأخرى لتحريك مشروعات قوانين لتفكيكه والقضاء على دوره، ويظهر في الاستيلاء على ممتلكات ووزارة الأوقاف الموقوفة على المساجد، واستخدام الوزارة المسئولة عن المساجد في الدعاية السياسية وترك الدين.
حتى مؤسسات الإفتاء وصفحاتها الإعلامية يتم توظيفها في ترويج أفكار اليمين المسيحي المتطرف ضد المسلمين وتشويههم؛ وأخيرا يأتي الدور على المساجد وهي القلاع الحصينة للعبادة والحفاظ على الدين، فتتعرض للهجوم المتواصل وكأننا نتعرض لغزو من داخلنا.
ما يجري مع المساجد إساءة أدب مع الله صاحب الأرض ومالك الكون كله، وعدم احترام لعقيدة الشعب المصري المسلم، وآن لهذا التجرؤ على المقدسات أن يتوقف، وعليهم أن يتعظوا بمن سبقهم، ولا يكرروا تجربة أبرهة، وليعلموا أن للمساجد رب يحميها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق