ماكرون المتنمّر ومساجد الضرار
عبد الله العمادي
ما إن بدأ الإسلام يستقر بالمدينة، إلا ونشأ عالم النفاق في الخط الموازي له، فاشتغلت طائفة من المنافقين في صناعة الفتن وتأجيجها، حتى صارت سنّة سيئة تتجدد في كل زمان ومكان إلى يوم الناس هذا.
بدأت مسيرة النفاق وصناعة الفتن ضد الإسلام والمسلمين من لدن صانع النفاق الأول في دولة الإسلام ، عبدالله بن أبي بن سلول، الذي كان يجهز نفسه ليكون ملكاً على المدينة، فكانت هجرة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- بالنسبة له طامة كبرى، وتبديداً لحلم كان يعد لتجسيده على أرض الواقع طويلاً، فانتكس منذ ذلك الحين.
لم يعجبه الأمر ولم يستسيغه أبداً، لكنه أضعف من أن يقف أمام تيار التغيير القوي الحاصل بالمدينة يومذاك، فكان أن خضع وطأطأ برأسه لكن إلى حين. فكان ما كان من أمره ودخول الإسلام نفاقاً، وفي الوقت ذاته بدأ العمل على وضع أسس هدم وخلخلة البنيان الإسلامي، وتخذيل المسلمين. وقصص خذلانه عديدة متنوعة.
عبدالله بن أبي لم يكن فرداً، بل بذرة خبيثة لظاهرة بدأت صغيرة ثم ترعرعت ونمت حتى استفحلت وبدأت تشق طريقها بكل الوسائل المتاحة. تقوى حيناً وتخفت حيناً آخر، لكنها لم تنته أو تتوقف إلى يوم الناس هذا. فأينما تلتفت اليوم ستجد منافقاً أو زمرة منافقين بصورة وأخرى. تعددت أهدافهم وتنوعت، لكن منهجهم واحد هو بث الفرقة، وروح الهوان والهزيمة في النفوس، مع إكمال مسيرة زعيمهم ابن أبي في خذلان المسلمين أينما كانوا.
مساجد الضرار وهي تنتشر
ألم يجتهد المنافقون في بناء مسجد الضرار، وكانوا قد أعلنوا أنه للعبادة وإيواء المحتاجين من المسلمين، فيما كان الهدف الحقيقي من بنائه أن يكون مركزاً يجتمع فيه المنافقون للتآمر على المسلمين، حتى أوحى الله لنبيه بالأمر فقام بهدمه وحرقه، حتى يقطع شرهم وهو في المهد، وقبل أن يستفحل ويتعاظم.
اليوم تكثر مساجد الضرار أينما وليت وجهك في بلاد المسلمين، حيث التآمر يتواصل على الإسلام والمسلمين وبأيدي من يسمون أنفسهم مسلمين، سياسيين كانوا أم مفكرين أم إعلاميين أم أصحاب لحى، وأشباههم كثير كثير. تنشط تلك الفعاليات والشخصيات بمعية غير المسلمين في صناعة الشرور والمآسي في صور وأشكال متعددة متنوعة.
المنافقون يدركون خطورة وصعوبة حرب الإسلام كدين، والظهور أمام الملأ بمظهر المحاربين للدين، لكن تجدهم يحاربون أهله ويبثون من الأراجيف والشائعات ما يوهنون بها النفوس والعزائم، ويبذلون الجهد في شق الصفوف وخلخلتها. لا يهتم أحدهم بضياع وطنه أو جيل من شعبه. ولعل استنفار الشعوب الإسلامية حالياً ضد التنمر الفرنسي الذي يقوم بأدائه ماكرون، والأصوات المساندة له، الخافتة حيناً والمدوية حيناً آخر لأتباع مساجد الضرار في مجتمعات المسلمين، خير مثال على ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم.
حماقات بوش يكررها ماكرون
على رغم إدراك الأمريكان لحماقة بوش الابن وإدارته بعد سنوات معدودة من أحداث سبتمبر 2001، وقيامهم عام 2010 بتغيير شعار الحرب على الإرهاب، والتوقف عن حملاتهم العسكرية التي ما زادتهم ولا زادت ضحاياهم بالطبع، غير تخسير ودمار وإهلاك للحرث والنسل، إلا أنه رغم كل ذلك لم يستفد حلفاء الأمريكان من الدرس، لاسيما باريس. فإن ما حدث في فرنسا خلال الأسبوعين الماضيين، وممارسة ماكرون لفعل التنمّر على الإسلام والمسلمين جهاراً نهاراً، وأنه بصدد إخراج الإسلام من أزمته وغير ذلك من خزعبلات وأراجيف، فهذا كله مؤشر أنه يسير أو في نيته السير على خطى بوش، وأنه على وشك ارتكاب حماقات ويورط بلده في حروب متنوعة لن تزيدها غير تخسير.
كان قتل المدرس أبرز نتائج تنمّر ماكرون وحماقاته تجاه دين عالمي، بل هو يتحمل مسؤولية الجريمة وليس الشاب الشيشاني، الذي لم يراه العالم ولم يعرف أحد قصته، بل صار تعتيم عليه مباشرة وصار التركيز على المدرس والجوانب الإنسانية في حياته، كما تفعل أفلام هوليوود حين تُظهر الجندي الأمريكي مثلاً في فيتنام أو أفغانستان أو العراق أو الصومال، وهو جريح ينزف دماً، ومشهد عائلته وأطفاله ينتظرونه، لتتأثر أنت المشاهد به وتبدأ ترتسم في ذهنك صورة مشوهة سيئة عن أولئك المجرمين الذين أصابوا الجندي الأمريكي البريء، المحب للسلام !!
هكذا بدأ الإعلام الفرنسي ومن خلفه بعض إعلام الغرب وإعلام صهاينة العرب بتصوير المشهد، حتى يتم تبرير أي فعل قادم تجاه الإسلام والمسلمين من قبل فرنسا ومن يدعمها، وإن الوعي بمثل هذه السيناريوهات مهم جداً، والتوعية بها لعموم الناس أمر أهم.
الغرب ومنطق القوة
ازدواجية المعايير، من أبرز ما يتميز به الغرب اليوم بشقيه الأوروبي والأمريكي، وهذه الازدواجية ليست بالأمر الغريب أو المستهجن من قبل الغرب نفسه، الذي لا ينكر أنه بنى حضارته على أسس مادية أو رأسمالية بحتة ومتوحشة أيضاً، وأنه يبحث عن مصلحته ويدافع عنها بكل ما لديه من قوة وعتاد، وإن داس على مبادئه وقيمه وأخلاقه.
وما نراه اليوم في مواقع الأحداث والبؤر الساخنة المتفجرة من العالم العربي على سبيل المثال، فإنما للغرب يد طولى فيها، وإن كنت لا أعذر العرب في الوقت ذاته، لكن لكثرة تدخلات الغرب بالمنطقة وبسبب ازدواجيته في التعامل مع القضايا والمشاكل، تجد أن المشاكل العربية فقيرة الحلول بل تتفاقم وتزيد تعقيداً.
التنمّر الفرنسي ما كان له أن يظهر علنا، لولا الصورة الذهنية للعالم الإسلامي بأنظمته وشعوبه عند الغرب. وما زاد الطين بلّة أو ماكرون تنمّرا، وجود دعم خفي من عمق العالم الإسلامي من مسلمين، أفراداً وأنظمة ومؤسسات. لكن رغم كل ذلك، تكون للشعوب دوما في الأوقات المفصلية والحرجة، كلمتها ودورها الفاصل الحاسم.
ما إن برزت دعوة هنا وهناك لمواجهة هذا التنمّر والتعالي الفرنسي على الإسلام والنيل من رمزه المقدس - صلى الله عليه وسلم – حتى وجدت تجاوباً سريعاً أذهلت أتباع مساجد الضرار قبل الفرنسيين أنفسهم. فما كان من الفرنسيين بعد أيام قليلة من بدء حملة شعبية لمقاطعة منتجاتهم، إلا الإعلان بصورة وأخرى -وإن كان استفزازيا في الوقت ذاته- بضرورة وقف المقاطعة الاقتصادية (فورا) ما يشير إلى أن تقديراتهم للخسائر المنتظرة، لو استمرت حملات المقاطعة زمنا أطول من المتوقع، فستكون باهظة وربما تسبب انتكاسة للاقتصاد الفرنسي قبيل انتهاء هذا العام، بجانب تداعيات وآثار كورونا.
أما أتباع مساجد الضرار، فقد هالهم الالتفات الشعبي في كثير من العالم الإسلامي، ووجدوا أنفسهم وقد دخلوا المنطقة الحرجة. فلا هم بقادرين على تجاهل إساءات ماكرون للنبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم– ولا في الوقت ذاته، عندهم ذاك الصبر والتصابر إلى حين، وهم يشاهدون تسارع انتصارات الإرادات الشعبية في العالم الإسلامي.
فظهروا على حقيقتهم سريعاً، وبدأوا بممارسة أدوارهم كما كان أسلافهم من لدن ابن سلول إلى اليوم، فرأيتهم يمارسون الإرجاف والتخذيل وبث الشائعات هنا وهناك، والتهوين من شأن حملات المقاطعة الاقتصادية، التي لم يقدر أحد غلاة اليمين الفرنسي هو "غيلبيرت كولار " إلا أن يعترف بتأثيرها إلى درجة أن يسميها بالجهاد الاقتصادي، وكأنما يزين للمسلمين الفعل من حيث لا يريد، فهو لا يدري مدى تأثير وجمالية وفعالية كلمة الجهاد على النفوس المسلمة المؤمنة، المشتاقة للجهاد في سبيل الله بكل الوسائل المتاحة للدفاع عن دينه ومعتقداته ومقدساته.
خلاصة ما يمكن بها ختم الحديث
ضرورة استمرار هذه الفعاليات الاقتصادية المؤثرة. فهذا الغرب منطقه مادي بحت لا يهتم بقوانينه ومبادئه وقيمه، كما يتراءى لنا، إذا تعرضت مصالحه المادية إلى الخطر. وطالما أدركنا نقطة ضعفه، فلا يجب أن ندعها وننتقل إلى غيرها، بل نستمر عليها نعززها ونبحث في الوقت نفسه عن نقاط ضعف أخرى. لا نتوقف أو نتساهل أو نتراجع، مصداقاً لقوله تعالى (فَلا تَهنُوا وَتَدعُوا إلى السَّلْم وأَنتمُ الأعلَونَ والله مَعَكُم ولن يَتِرَكُم أعْمَالَكُمْ). أي لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم، فالله معكم بالنصر لكم عليهم، كما في تفسير الطبري.
توجيه رباني دقيق في كيفية إدارة المعارك مع من يعادي الأمة المسلمة في دينها وعقيدتها. لا بد من الاستمرار ورد الصاع صاعين، والإدراك التام بأن هذا العلو التدريجي الحاصل الآن بفضل الله وهذا التأثير الاقتصادي، من المهم بل الواجب أن يستمر، ولا نتأثر بالأراجيف وأقوال المرجفين حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق