السبت، 24 أكتوبر 2020

العقلية الكامنة وراء المقاطعة السعودية للمنتجات التركية: أن تجهل أن الرزاق هو الله

 العقلية الكامنة وراء المقاطعة السعودية للمنتجات التركية: أن تجهل أن الرزاق هو الله

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي

توالت الأخبار بشأن حملة الضغط، التي يقودها رجال الأعمال والمسؤولون في قطاع التجارة إلى جانب بعض الشركات من أجل مقاطعة المنتجات التركية. وتأتي هذه الحملة بالتزامن مع حملة أخرى على منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم "مقاطعة المنتجات التركية"، وهي تتمتع بدعم شبه رسمي، وإن كانت السلطات السعودية لم تعلن عن ذلك.

يقود هذه الحملة على منصات التواصل الاجتماعي رئيس غرف التجارة السعودية، عجلان بن عبد العزيز العجلان، مع بعض المقربين من العائلة المالكة. وقد دعا العجلان، الذي يترأس أيضا غرفة تجارة الرياض، في 3 أكتوبر/تشرين الأول على حسابه إلى "مقاطعة تركيا في مجالات الاستيراد والسياحة والاستثمار"، مشيرا إلى أن هذه التحركات واجب وطني على كل مواطن سعودي.

’’ظاهريا، تبدو هذه الحملة صادرة عن المواطنين السعوديين وغيرهم، الذي يريدون مقاطعة المنتجات التركية؛ لكنها في الحقيقة ليست كذلك، ذلك أن الشعب العربي سبق أن عبر عن تأييده لتركيا من خلال نشر وسم "دعم المنتجات التركية"، التي لقيت انتشارا واسعا أكثر من حملة المقاطعة المزعومة.،،


لا يمكن أن تندرج تحركات العجلان في إطار حرية التعبير من دون أن تكون موجّهة من مركز صنع القرار في السعودية، ويرجع استمرار السلطات في الرياض بنفي الإقرار بتورطها في حملة "منع المنتجات التركية" إلى أن هذه التحركات غير قانونية بموجب الأحكام الملزمة في اتفاقيات التجارة الدولية واتفاقيات التجارة الحرة.

ظاهريا، تبدو هذه الحملة صادرة عن المواطنين السعوديين وغيرهم، الذي يريدون مقاطعة المنتجات التركية؛ لكنها في الحقيقة ليست كذلك، ذلك أن الشعب العربي سبق أن عبر عن تأييده لتركيا من خلال نشر وسم "دعم المنتجات التركية"، التي لقيت انتشارا واسعا أكثر من حملة المقاطعة المزعومة.

تحظى المنتجات التركية بشعبية كبيرة بين الجماهير العربية لعدة أسباب، أولها جودتها العالية دون أدنى شك، وأي حملة حكومية لمقاطعة منتجات بهذه الجودة سيكون مآلها الفشل. فمعايير الجودة التي تتمتع بها المنتجات التركية اليوم إلى جانب أبعادها الجمالية الجذابة تجعلها منافسا قويا لمنتجات أوروبية الصنع، وهذا يعني أن أي محاولات منع استهلاك المنتجات التركية ستنجح في البداية في الحد من إقبال الجماهير عليها؛ لكن ذلك لن يدوم طويلا.

ثانيا، ساهمت سياسة تركيا لنصرة المظلومين في شتى بقاع الأرض من فلسطين، وسوريا، مرورا بقطر، وصولا إلى الصومال وليبيا في جعلها تنال دعم الشعوب العربية، ولعل ذلك ما عكسته كلمات أحد المواطنين السعوديين الذي كتب ردا على حملة المقاطعة "لم تقاطع السعودية منتجات فرنسا التي لم يتوان رئيس جمهوريتها عن التطاول على النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو منتجات إيران الشيعية التي لا تنفك عن مهاجمة العالم الإسلامي والمسلمين في كل مكان، أو منتجات الصين التي تقتل مسلمي الإيغور، أو منتجات الولايات المتحدة وإسرائيل التي تعتدي على القدس وتحتل فلسطين؛ لكنها في المقابل تقاطع منتجات تركيا الدولة الوحيدة التي تدافع عن المسلمين وتذود عنهم، لماذا؟".

تنتشر الكثير من الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي، من دون أن يدرك بعض القادة العرب أنهم باتخاذ مثل هذه الخطوات -ظنا منهم أنهم سيزعزعون مكانة تركيا في قلوب الشعوب- هم في الواقع يُذلون أنفسهم، ويحطون من شأنهم في نظر شعوبهم، وبالحديث عن حملة المقاطعة التي تتزعمها السعودية، فإنه من الأجدر أيضا التطرق إلى عقلية مريضة أخرى تحرك مثل هذه التحركات (وضع أنفسهم مكان الله الرزاق). إن الله هو الذي منّ عليهم بهذه الثروة، وجعلها لهم بمثابة اختبار؛ لكن في المقابل أصابهم الغرور والغطرسة متناسين أن من رازقهم قادر على استعادة ما رزق متى شاء.

لقد سبق أن اتبع كفار قريش هذا الأسلوب لثني الرسول ﷺ ومن أسلم معه عن طريق الحق، ومن كان مطلعا ولو قليلا على السيرة النبوية يعرف نتيجة هذه المحاولات. إن أصحاب هذه العقلية، الذين يجهلون أن الله هو من بيده الأرزاق، هم نفسهم الذين قاموا منذ فترة قريبة بالتضييق على قطر ومقاطعتها. إنه وَهم قوة المال، الذي يجعلهم يظنون أن بإمكانهم ترويض من يريدون، وفعل ما يشاؤون وشراء ذمم الناس.


من الواضح أن السعودية ما زالت حانقة على تركيا بشأن قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. وفي الحقيقة، إنهم يقفون عقبة أمام تحقيق العدالة والكشف عن المذنبين، الذين قتلوا روحا بريئة على الأراضي التركية، فهل سبب حنقهم وغضبهم هو سعي تركيا لتحقيق العدالة؟ هل ينتظرون من تركيا أن تغض الطرف عن هذه الجريمة الوحشية، التي ارتكبت في حق شخص بريء على أراضيها؟ أم ينتظرون منها أن تكف عن ملاحقة الجاني؟

تسعى تركيا لإظهار الحق وإقامة العدل، ولا يعد حقدهم على تركيا، أو سعيهم لمعاقبتها لسعيها إلى تطبيق العدالة، أو اعتبار أنفسهم أصحاب الرزق من خلال قطع السبيل أمام المنتجات التركية سوى الجهل بعينه. ستحرص تركيا على إظهار الحق، وإن كان على نفسها، وتحقيق العدالة. إننا نواجه هذه التحديات يوميا، ورغم كل العقبات وحملات المقاطعة التي تشن ضدها ما تزال تركيا شامخة واقتصادها من أكثر الاقتصادات استدامة.

يمكن أن ننظر للأمر كهبة وعظة ربانية، إذ اكتشفت تركيا في البحر الأسود أكبر احتياطي للغاز على مر التاريخ. هذه جميعها رسائل لمن يعي ويعقل، وطوبى لمن يفهم الرسالة ويدرك أن الله وحده هو الرزاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق