الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020

كورونا أصل الحكاية | خطة تحويل العالم

 كورونا أصل الحكاية | خطة تحويل العالم

محمود عبد الهادي                                                 مع بداية الألفية الثالثة اتبعت الأمم المتحدة مسلكا جديدا في تحقيق التنمية المنشودة في العالم عن طريق خطط دورية شاملة مدتها 15 عاما، وحددت للدورة الأولى 8 أهداف أُطلق عليها "أهداف الألفية للتنمية" (MDG)، ونظرا للصعوبات التي واجهت الخطة، وعلى رأسها ضعف الالتزام السياسي للدول الأعضاء، وقبل أن تنتهي المدة الزمنية للخطة، دعت قمة الأمم المتحدة المنعقدة في ريو في يونيو/حزيران 2012 إلى تشكيل مجموعة عمل من 30 خبيرا لوضع خطة جديدة للدورة التالية 2016-2030.

وفي قمة الأمم المتحدة المنعقدة في سبتمبر/أيلول 2015، تم إجازة الخطة؛ لكن بإرادة جديدة وتصميم قوي على تحقيق أهدافها بحلول عام 2030، وتحرير الجنس البشري من طغيان الفقر والعوز والمرض، وشفاء الكوكب وتأمينه، واتخاذ خطوات جريئة عاجلة لتحويل العالم إلى مسار التنمية الشاملة المستدامة، وعدم السماح لأي دولة بأن تتخلف عن الركب.

فنحن نشد الرحال معا للسير نحو التنمية المستدامة، مكرسين أنفسنا جماعيا للسعي إلى تحقيق التنمية العالمية، وإلى تحقيق تعاون مثمر للجميع يمكن أن يجلب مكاسب هائلة لكل البلدان، ولجميع المناطق في العالم"،

أهداف طموحة وتصميم عنيد

تُعرف الخطة الجديدة باسم "أهداف التنمية المستدامة" (SDG)، وعددها هذه المرة 17 هدفا كليا ينبثق عنها 169 هدفا تفصيليا، من بينها أهداف الألفية للتنمية؛ لكن بمزيد من التفصيل والتنظيم والتحديد والضبط، وقد أكدت الخطة على أن "هذه الأهداف متكاملة وغير قابلة للتجزئة، ولم يسبق قط لزعماء العالم أن تعهّدوا بالعمل معا، وبذل المساعي المشتركة بشأن خطة بهذا القدر من الاتساع، فنحن نشد الرحال معا للسير نحو التنمية المستدامة، مكرسين أنفسنا جماعيا للسعي إلى تحقيق التنمية العالمية، وإلى تحقيق تعاون مثمر للجميع يمكن أن يجلب مكاسب هائلة لكل البلدان، ولجميع المناطق في العالم"، وقد كانت هذه الأهداف ثمرة مشاورات عامة واتصالات مكثفة أجريت على مدى أكثر من سنتين في شتى أنحاء العالم مع المجتمع المدني والجهات الأخرى صاحبة المصلحة.

وهذه الأهداف هي:

1.  القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان.

2.  القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة، وتعزيز الزراعة المستدامة.

3.  ضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار.

4.  ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع.

5.  تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين كل النساء والفتيات.
6.  ضمان إتاحة المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع.


7.  ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة.

8.  تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع.

9.  إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع والمستدام، وتشجيع الابتكار.

10. الحد من انعدام المساواة داخل البلدان، وفيما بينها.

11. جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة، وقادرة على الصمود، ومستدامة.

12. ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة.

13. اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره.

14. حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية، واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة.

15. حماية النظم الإيكولوجية البرية، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، وفقدان التنوع.

16. السلام والعدل، والمؤسسات القوية.

17. تعزيز وسائل التنفيذ، وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة التكنولوجية.

وللوقوف على طبيعة الأهداف التفصيلية والجوانب التي تغطيها، وتقدير أهميتها وما سيترتب عليها، يمكن الرجوع إليها في الرابط التالي:

وقد أقر قادة دول العالم في مقدمة الخطة بأنهم اتخذوا "قرارا تاريخيا بشأن مجموعة من الأهداف والغايات العالمية الشاملة وبعيدة المدى، التي تركز على الناس وتفضي إلى التحول"، وأنهم "ملتزمون بالعمل دون كلل من أجل تنفيذ هذه الخطة بالكامل بحلول عام 2030″، مع التأكيد على "أن لكل دولة سيادة دائمة كاملة تمارسها بحرية على كل ثرواتها ومواردها الطبيعية وأنشطتها الاقتصادية، وسوف ننفذ الخطة بما يعود بالنفع التام على الجميع، لصالح الجيل الحاضر والأجيال المقبلة"، وعلى أن الخطة سوف تنفذ على نحو متسق مع حقوق الدول والتزاماتها بموجب القانون الدولي.

وكما نرى فإن قادة الدول كانوا يدركون أن هناك عملية تحوّل جريئة وشاملة ستحدث في حياة البشر في جميع الدول، اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2016، بغض النظر عن تباين مستوياتها الاقتصادية والحضارية والتنموية، وتنوعها الفكري والثقافي والاجتماعي.

 آليات التنفيذ

وضعت الأمم المتحدة في هذه الخطة مجموعة من الآليات، التي تضمن تحقيق الأهداف بحلول 2030، ولا تنتهي بها إلى ما انتهى إليه الحال مع خطة أهداف الألفية التنموية، وقد اعتمد التنفيذ هذه المرة على 5 مبادئ:

المبدأ الأول: مخرجات مؤتمر أديس أبابا لتمويل التنمية.

حيث انعقد المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية في أديس أبابا في يونيو/حزيران 2015، قبيل انعقاد قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2015، لإجازة خطة التنمية المستدامة، وحدد مجموعة من الآليات التي تضمن توفير الدعم اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأبرزها:

1.  حشد الموارد المالية وبناء القدرات ونقل التكنولوجيات السليمة بيئيا إلى البلدان النامية بناء على شروط مواتية، بما فيها الشروط الميسرة والتفضيلية، ووفق ما يتفق عليه.

2.  قيام التمويل العام، على المستويين المحلي والدولي معا، بدور حيوي في توفير الخدمات والسلع العامة الأساسية، وفي تحفيز مصادر التمويل الأخرى.

3.  مساهمة التمويل العام الدولي في دعم جهود البلدان من أجل تعبئة الموارد العامة على الصعيد المحلي، ولا سيما في البلدان الأفقر والأشد ضعفا التي تعاني من ندرة الموارد المحلية.

4.  التزام البلدان المتقدمة ببلوغ هدف تخصيص نسبة 0.7% من الدخل القومي الإجمالي للمساعدة التنموية الرسمية للبلدان النامية.

5.  مساهمة المؤسسات المالية الدولية في دعم برامج التنمية المستدامة.

6.  الالتزام بتوسيع وتعزيز مساهمة البلدان النامية لاتخاذ القرارات الاقتصادية الدولية، ووضع المعايير، والإدارة الاقتصادية العالمية.

7.  اضطلاع البرلمانات الوطنية بدورها في سن التشريعات، واعتماد الميزانيات ودورها في كفالة المساءلة عن التنفيذ.

8.  قيام الحكومات والمؤسسات العامة بالعمل عن كثب في المسائل المتعلقة بالتنفيذ مع السلطات الإقليمية والمحلية، والمؤسسات دون الإقليمية، والمؤسسات الدولية، والمؤسسات الأكاديمية، والمنظمات الخيرية، والهيئات التطوعية وغيرها.

9.  قيام منظومة الأمم المتحدة وما تحظى به من ميزة نسبية في دعم بلوغ أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق التنمية المستدامة بما ينبغي أن يتوافر لها من موارد كافية، وما تتحلى به من نجاعة وانسجام وكفاءة وفعالية.

المبدأ الثاني: اعتماد الشراكة العالمية

وهذه الشراكة على عدة مستويات:

1.  الدول الأعضاء.

2.  القطاع الخاص، من المؤسسات البالغة الصغر والتعاونيات، إلى الشركات متعددة الجنسيات.

3.  المجتمع المدني.

4.  منظومة منظمات الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة.

وهذا يعني أن مسؤولية تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا يقع على عاتق الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها، فقد فتح هذا المبدأ المجال واسعا أمام القطاع الخاص ليدخل بثقله في تنفيذ مشروعات التنمية المستدامة، التي يقدر حجم الاستثمار فيها بما يزيد عن 12 ترليون دولار.

المبدأ الثالث: المسؤولية الوطنية الكاملة

حيث تقع إستراتيجيات التنمية المستدامة تحت السيطرة الوطنية، ويتحمل كل بلد في المقام الأول المسؤولية عن تحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية، ووضع السياسات والإستراتيجيات الإنمائية الوطنية اللازمة لذلك، بما يتسق مـع القواعد والالتزامات الدولية ذات الصلة، ويترتب على ذلك ضرورة دعم هذه المسؤولية الوطنية بتهيئة بيئة اقتصادية مواتية على الصعيد العالمي، من شأنها توفير ما يأتي:

1.  إنشاء نظام للتجارة العالمية ونظم نقدية ومالية تتسم بالتجانس، ويدعم بعضها بعضا.

2.  تعزيز تدبير شؤون الاقتصاد وتحسينه.

3.  تطوير المعارف والتكنولوجيات الملائمة، وتيسير توفيرها.

4.  بناء القدرات.

5.  اتساق السياسات وتهيئة بيئة مواتية للتنمية المستدامة علـى جميع المستويات.

المبدأ الرابع: المتابعة الحثيثة

حيث تتحمل الحكومات المسؤولية الرئيسة عن أنشطة المتابعة والاستعراض، على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي، لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وذلك عن طريق الآليات التالية:

1.  المنتدى السياسي رفيع المستوى برعاية الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالدور المركزي في رصد أنشطة المتابعة والاستعراض على الصعيد العالمي.

2.  إعداد مؤشرات تعين على القيام بهذا العمل.

3.  توفير بيانات موثوقة مصنفة يمكن الحصول عليها في الوقت المناسب تساعد في قياس التقدم المتحقق.

4.  تكثيف الجهود لدعم القدرات الإحصائية في البلدان النامية، والأقل نموا.

5.  وضع مقاييس أدق لقياس التقدم المتحقق.

المبدأ الخامس: إنتاج بيانات دقيقة

وهذا يتطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة القيام بجهد كبير في جمع وتنظيم البيانات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة، ومستويات تحققها عاما تلو آخر، بغرض تحليلها واستخراج المؤشرات، التي تساعد على اكتشاف المشكلات وتطوير الأداء.

ويتطلب إنتاج البيانات التزاما سياسيا قويا، وزيادة في الموارد لدعم الجهود العالمية والوطنية الرامية إلى تقوية النظم الإحصائية، واستكشاف مصادر جديدة للبيانات، وتكنولوجيات جديدة لجمعها ودمجها بين مصادرها المختلفة، وهذا بدوره يتطلب إقامة شراكات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية.

انطلقت الخطة، يحدوها الإصرار على تحقيق أهدافها بحلول 2030، ويرافقها في هذه المسيرة "كل من الحكومات والبرلمانات ومنظومة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، والسلطات المحلية، والشعوب الأصلية، والمجتمع المدني، والأعمال التجارية، والقطاع الخاص، والأوساط العلمية والأكاديمية، والناس قاطبة" حسب ما ورد في الخطة، وانبرت مستويات الشراكة المتعددة في وضع الآليات والسياسات والإجراءات وتصميم البرامج ذات الصلة، التي تحقق مصالحها، وتساهم في تحقيق أهداف الخطة، حتى أننا لا نكاد نجد دولة ولا شركة كبرى ولا منظمة أو هيئة إلا وقد أدرجت أهداف التنمية المستدامة في مواقعها الرسمية وخططها التنفيذية السنوية؛ بل نجد العديد من قادة العالم السياسيين والاقتصاديين والمدنيين يضعون شعار الخطة على ملابسهم، وسوف نستعرض تباعا أبرز المبادرات الكبرى الصحية والتكنولوجية والفكرية والتنظيمية، التي تم إطلاقها ضمن أهداف الخطة بحلول 2030، ممن كان لها كبير الأثر على مستوى العالم.

ولكن هل تكفي هذه المبادئ لتتمكن الأمم المتحدة من تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030؟ وكيف؟ أم سينتهي بها الحال إلى ما انتهت إليه خطة أهداف الألفية 2015؟

هذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم بإذن الله.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق