الأحد، 11 أكتوبر 2020

مثل عجوز بني إسرائيل!

 مثل عجوز بني إسرائيل!

نزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً في ضيافة أعرابيٍّ فأكرمه، وعندما همَّ بالرحيل عنه قال له: يا أعرابي اِئْتنا. يريدُ أن يردَّ إليه معروفه، فهكذا كان يحفظُ المعروف ولا ينساه! ثم إن الأعرابي لم تطلْ به المدة حتى جاءه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي سَلني حاجتك.
فقال: ناقة نركبها، وأعنزٌ يحلبها أهلي!
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعجزتَ أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟!
فقال أصحابه: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟!
فحدَّثهم أن يوسف عليه السلام كان قد أوصى قومه إذا خرجوا من مصر أن يحملوه معهم ليُدفن في الأرض المقدسة، ولمّا أعلَمَ موسى عليه السلام بني إسرائيل أن وقت الخروج من مصر قد حان، أخبروه بوصية أخيه يوسف، فسألهم أين يقع قبره ليُنفِّذوا وصيته. فأخبروه أن لا أحد يعرف مكانه إلا امرأة عجوز طاعنة في السن، فطلب منها موسى عليه السلام أن تدله على مكانه، فرفضتْ أن تُخبره حتى يعدها بأنها ستكون رفيقته في الجنة! فرفضَ لأنه لا يملك إدخال الناس الجنة أو النار، فأوحى الله تعالى إليه أن أعطِها ما طلبتْ! فأعطاها موسى عليه السلام طلبها، فدلتهم على مستنقع، وقالت جفِّفوا ماءه فتحته قبر يوسف عليه السلام! 

فجففوا الماء وأخرجوا جُثمان يوسف عليه السلام ونفَّذوا وصيته!


وانظُرْ لتواضعه، صعد إلى السماء السابعة، وبلغ مبلغاً لم يبلغه مخلوق من قبل، ولكنه عندما عاد إلى الأرض بقي مُتواضعاً، ينزل في خيمة أعرابي لا يعرفه أحد، ويحفظ له معروفه، ويطلب منه أن يأتيه ليُكافئه، فما بالنا نحن إذا امتلكَ أحدنا سيارة فارهة تمختَرَ بين الناس تمختُر قارون في أهل مصر، وإذا حاز على شهادة عُليا ظنَّ نفسه أحد كتبة الوحي، فتعالى على الناس وعبدَ لقبه، والويل ثم الويل لمن ناداه باسمه مُجرَّداً من لقب دكتور، أو باش مهندس، تواضعوا فما نحن إلا من تراب وإلى تراب نصير!
الدنيا جسر عبور إلى الآخرة فلا تجعلها همَّك، وقد انزعج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الأعرابي وقد فتحَ له باب الطلب، فإذا به يطلب ناقةً وأعنُزاً!
العمل شيء مشروع، ولا شيء في تحصيل المال، والعيب أن يكون الإنسان عالة، ولكن ثمة فرق بين أن تكون الدنيا في يدك وبين أن تكون في قلبك، فكُن عجوز بني إسرائيل في همتها لا الأعرابي في تفاهةِ طلبه!
الأعمار بيد الله، وقد كثُر موت الفجأة، فاكتُبْ وصيتك!
يرحل الأب الثري فلا يدري أولاده ما له وما عليه، وربما تشاجروا فيما بينهم على الإرث، كل واحد يُريد أن يحصل على المزيد من حق إخوته، فتتفرَّق العائلة، ويتشتت الأولاد، وينقطع الرحم!
المالُ عزيز، والنفسُ البشرية طماعة، فلا تترك أولادك خلفك في ساحة حرب، هذا يوسف عليه السلام قد أوصى لمئات السنوات بعد موته، وليس في وصيته تركة ولا درهم ولا دينار، ولا شيء ممّا يتنازع فيه الناس، فلماذا لا نُوصي نحن حفظاً لحقوق الورثة، وحفظاً لمالك، وكم من ميت مات فجاء أحدهم يقول كان لي عليه مال، والوَرَثة بين نارين، دَيْن قد يكون مزعوماً فيخسرون بعض ما ورثوه، أو دَيْن صحيح قد لا يُعطونه صاحبه فيحمل الميت وزره!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق