الاثنين، 5 أكتوبر 2020

لغز العسكر وكيف حلَّه رسول الله

 لغز العسكر وكيف حلَّه رسول الله

د. ياسر صابر
 11/21/2013

حين فازت جبهة الإنقاذ فى الجزائر بالإنتخابات البرلمانية بنسبة تزيد عن 80 بالمائة، إنقلب عليها العسكر بقيادة الجنرال خالد نزار، وإنتهى الأمر بالزج بعشرين ألف من الجبهة فى السجون، ونشبت حرب راح ضحيتها 200 ألف من الأبرياء. 

وحين وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم فى تركيا بدأت معركة تكسير العظام بين العسكر والنظام الجديد مازالت فصولها تدور حتى الأن. 

أما فى مصر فلم يمكث برلمان الثورة أكثر من أربعة أشهر حتى بادر المجلس العسكرى بحله، وأصبح حسب الرؤية العسكرية فى حكم الماضى وكأن شيئاً لم يكن. 

واليوم حدث ماهو أكبر من ذلك بالإنقلاب على الرئيس المنتخب (حسب ديمقراطيتهم التى يؤمنون بها ) والزج بقيادات الإخوان فى السجون . وهكذا تبدو العلاقة بين التغيير والعسكر غامضة وتترك أسئلة كثيرة ؛ هل العسكر بطبيعتهم ضد التغيير ؟ أم أنه لغز العسكر ؟

إن أى نظام سياسى يحتاج إلى قوة تحميه، والأنظمة السياسية فى العالم الإسلامى، التى قامت على أنقاض دولة الخلافة لم تخرج من رحم الأمة وإنما أوجدها الإستعمار، وماكانت هذه الأنظمة لتبقى لولا وجود قوة مادية تحميها، وقد عمل الكافر المستعمر الذى أوجد هذه الأنظمة على كسب ولاء قادة الجيوش فى عالمنا الإسلامى، حتى يستطيع الإبقاء على أنظمته التى أقامها، وبهذا الولاء أصبحت هذه الجيوش حامية للأنظمة العلمانية بالرغم من أن أبنائها هم أبناء الأمة ويدينون بعقيدتها.

والتغيير الذى يحدث لهذه الأنظمة لايخرج عن نوعين؛ الأول هو التغيير الشكلى الذى يذهب بحاكم ويبقى على النظام العلمانى أى على نفس المنظومة الفكرية، وماأكثر الإنقلابات التى قامت فى العالم الإسلامى على هذه الشاكلة وأدت إلى تغيير الحكام. 

أما النوع الثانى فهو التغيير الذى يذهب بالنظام كله والأساس الذى قام عليه ويوجد مكانه نظام الإسلام، وهذا النوع من التغيير هو الذى يشكل صعوبة، وينتهى دائماً بالصدام وعادة مايُحسم الأمر لصالح العسكر بحكم أنهم أصحاب القوة المادية، ولهذا فإن أى محاولة للتغيير تصطدم بالعسكر لاتخرج عن كونها نوع من أنواع العبث .

فهل يعنى هذا أن تستسلم الأمة ولاتهُب من أجل تغيير النظام العلمانى ؟

إن الوقوف مع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقفة تشريعية تجيب لنا عن هذا التساؤل بوضوح، فرسول الله قد حسم هذه المسألة قبل 14 قرناً من الزمن حيث عمل على التغيير لإقامة نظام جديد يقوم على أساس الإسلام، وبالرغم من وجود أهل القوة أيضاً فى زمنه، إلا أنه أنجز طريقه وأقام دولته، فماذا فعل رسول الله ؟

إن الفهم الدقيق لسيرة المصطفى يبين بجلاء أنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على كسب أهل القوة فى المجتمع لفكرته ليكونوا هم القوة التى تحمى الدولة التى يريد إقامتها، وتظهر السيرة بجلاء أن طلب رسول الله للنصرة من القبائل قد قام على أساس نصرة الإسلام، عن عقيدة وإيمان، وليس من أجل مصالح آنية. 

وهذا تبينه السيرة حين أتى رسول الله بنى شيبان وقد كانوا يجاورون فارس فى منازلهم فعرضوا عليه النصرة من جهة العرب دون الفرس، فكان جوابه عليه الصلاة والسلام لهم " ماأسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، إنه لايقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه"

وأستمر على ذلك إتصال الرسول بأهل القوة إلى أن يسر له الله أهل النصرة فى العقبة الثانية فبايعوه بيعة الحرب ، جاء في سيرة ابن هشام في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في البيعة: "ثُمّ قَال: أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ: نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ (نَبِيّاً) لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، فَنَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا (عَنْ كَابِرٍ)" فتمت بذلك كلمة الله وقامت للإسلام دولته.

نعم هذه هى سيرة المصطفى تبين كيف تعامل مع أهل القوة فى عصره، فلم يصطدم بهم، بل عمل على كسبهم للإسلام ثم توجيه قوتهم لتكون هى الحامية للدولة الإسلامية الأولى التى أقامها فى المدينة عن يقين وإيمان وليس من أجل مصالح آنية من منصب أو جاه. 

حدث هذا بعد أن كسبهم رسول الله لفكرته فكان إيمانهم بالإسلام وتأثرهم بعقيدته هو المحرك لهم فقاموا بحماية الدولة وزادوا عنها بأنفسهم وأموالهم، قربة لله، وطمعاً فى رضاه.

لهذا فإن أى حركة تسعى للتغيير الحقيقى دون أن تكسب ولاء الجيوش لفكرتها، فإن هذا يعتبر عبثاً يؤدى حتماً إلى الصدام، فالأصل أن تسعى الحركات والأحزاب الساعية للتغيير أن تكسب الجيوش لفكرتها.

والسؤال الأخر الذى يطرح نفسه ماهى الفكرة التى يمكن أن تجذب قادة الجيوش وتحررهم من التبعية التى هم غارقون فيها؟

إن الفكرة الوحيدة القادرة على كسب ولاء الجيوش وقادتها، هى الفكرة الإسلامية حين تصل لأصحابها مبلورة فى مشروع حقيقى، تجعل من يُخاطَب بها قادر على أن يضع يده ليتلمس صحتها وقدرتها على صياغة منظومة جديدة تعيد للأمة كرامتها وتخلصها من التبعية للكافر المستعمر.

لذلك إن أردنا أن نحل لغز العسكر فما علينا إلا أن نحمل مشروعاً مبدئياً يقوم على عقيدة الإسلام، يقدم هذا المشروع تصوراً كاملاً عن الدولة بجميع أجهزتها ودستورها وعلاقتها بغيرها من الدول ورسالتها التى يجب عليها أن تحملها، ثم نخاطب بهذا المشروع أهل القوة من جيوش الأمة، بعدما يكون لهذا المشروع رأياً عاما منبثقاً عن إدراك أن الإلتزام بهذا المشروع هو عبادة لله.

فقط بالمشروع الإسلامى الحقيقى نستطيع أن نحرر العسكر من التبعية للغرب ونحولهم إلى حماة للعقيدة، والذى يجب أن يكون هو الأصل. فقط بالإسلام يمكن أن نمتلك قلوب وعقول كل أبناء الأمة حين نخاطبهم خطاباً قوياً مؤثراً، فإن كان رسول الله قد كسب غير المسلمين إلى الإسلام ثم حول قوتهم لقوة تحمى الإسلام، فمن باب أولى أن يكون كسب أبناء المسلمين أسهل!

إن العقبة الكبرى أمام كسب العسكر، هو منافستهم فى تبعيتهم للغرب، وهذا يحدث حين يقوم المشتغلون بالتغيير بالإندماج فيما يسمى بالنظام الدولى والقبول بالحفاظ على العلاقات مع الطرف الأخر فى الصراع (أمريكا)، والقبول بكل ماتمخض عن هذا النظام الدولى الغاشم من إتفاقيات لم تقم أساساً إلا من أجل الحيلولة دون التغيير الحقيقى، فمن يسير فى هذا الطريق فهو يحافظ على النظام العلمانى شاء أم أبى، ويحافظ على علاقته بأعداء الأمة مهما كانت نواياه، وإذا كان هذا هو الحال، فالطبيعى أن يرى العسكر منه معادياً لهم فى نفوذهم، لأن الصراع سيتحول إلى منافسة فى إرضاء الغرب والسير فى منظومته.

إن تحييد الإسلام عن الصراع سيزيد الهوة بين أبناء الأمة الواحدة، ويجب ألا ننسى أن الأجهزة الأمنية لم يصل مستواها فى البطش والإجرام إلى هذه الدرجة إلا بعد غياب الإسلام أى فى ظل النظام العلمانى. والإسلام هو الذى يعيد لمن يعملون فى هذه الأجهزة الأمنية كرامتهم وعزتهم المفقودة والتى إنتزعها منهم الحكام العملاء الذين حولوا هؤلاء من رجال أمن إلى رجال رعب.

فليشمر الجميع عن سواعدهم ويتمسكوا بالمشروع الإسلامى الحقيقى الذى يجمع أبناء الأمة ولايفرقهم، لنحول العسكر من قتلة مجرمين إلى أبطال حقيقيين كما كان سلفهم، وبهذا نكون قد حللنا لغز العسكر الذى حير الجميع وحله رسول الله قبل 1435 عام.

" وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" الأنعام 153

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق