بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المهين على من زعموا الدفاع عن كرامة المصريين!
[بقلم: ( د محمد عباس )]
12/11/2009
لم تكن سوى مخرات لطوفان الغضب!
أنصار إسرائيل في الاتجاهين أوقدوا الفتنة
ملخص الحكاية: نصاب ذكي وفتوة غبي!
بقلم د محمد عباس
www.mohamadabbas.net
mohamadab47@yahoo.com
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية-على وزن موقعة أبي قير البحرية- كان يدفع الابتسامة إلى فمي، تلك الابتسامة التي تداري ارتباكا وعجزا وحيرة، والتي تبدي أيضا تشبثا بالوقار يدفعها إلى عدم التحول إلى قهقهة، فالأمر لا يسلم، وقد تتحول القهقهة إلى ما يعبر عن مكنون النفس الحقيقي. إلى إجهاش في البكاء!!
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية جعلني أتأكد من أن حكومتنا غير فاشلة بل هي قد حققت المهمات المكلفة بها بنجاح منقطع النظير، من كان يتخيل أن يتم تجريف الضمير الديني والوطني بهذه الدرجة فتفقد الأمة وعيها وتشتعل من أدناها إلى أقصاها من أجل مباراة كرة ولا يختلج لها جفن من أجل المسجد الأقصى ولا من أجل مئات القضايا الجوهرية الأخرى.
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يجعلني أتساءل كيف حدث ما حدث ولماذا ومن هو المستفيد الأكبر من كل ما حدث؟..
ولست أخفي عنكم يا قراء أنني لم أصل إلى نتيجة حاسمة بعد.. ربما بسبب الشبورة الإعلامية التي تعيق الرؤية والبصر وربما البصيرة.. ألم يمنع الضباب عام 1971 من أن يكون عام حسم؟ فلا يستغربن أحدكم إذن أنني لم أحسم أمري. لا في النتيجة ولا في المنهج، ذلك أنني أعترف أمامكم أنني مازلت حائرا هل أتناول الأمر كله ساخرا؟ وآية أول باب في كتاب السخرية أنني-أنا الذي لم ألعب الكرة أبدا ولم أهتم إلا بطرق استغلالها وتوظيفها- أكتب مقالا عن الكرة!.. ولكن.. من قال أنه مقال عن الكرة؟.. ثم.. هل يجوز لي أن أتناول تمزق أمتي بسخرية؟ هل يجوز أن أتناول وصف الشهداء باللقطاء بسخرية؟ هل يجوز تناول قلبي المذبوح بسخرية؟ لكن من الناحية الأخرى هل يمكن أن أتناول هذه الأحداث جادا؟ هل يجوز أن أناقش مذيعين ومذيعات ذكروني بصفوف العبيد والجواري والخصيان في الزمن البعيد..زمن العبيد؟..هل مصر هي التي أهينت؟.. أم أهين الجواري والعبيد الذين هم مهانون في مصر الذين أركبتهم الحاشية -حين غاب الإمام العادل وحضر العادل إمام- على رقاب الأمة وجعلهم ممثلين لها بينما هم يمثلون بها، دفعهم الطاغوت إلى السودان بينما أماكنهم دور اللهو البريء وغير البريء كمكافأة على أشياء لا نعلمها ولا نريد.
لكن من الجانب الآخر هل يجوز أن أتناول الأمر بجدية ونحن نواجه من أرادوا لهم أن يكونوا مفكرين كبارا وسياسيين بعضهم مرشح لأعلى المناصب فإذا بهم جميعا يذكروني بذلك الفلم السينمائي الساحر الذي شاهدته منذ ما يقرب من نصف قرن وضاعت مني تفاصيله.. كان اسمه "سيدتي الجميلة: My fair lady".. كان يتحدث عن مخرج أو ما شابه ذلك.. ينتقي صعلوكة متشردة جاهلة قذرة ويحاول أن يصنع منها سيدة صالونات من الطراز الأرقى.. وطوال الفيلم السينمائي تحدث مفارقات صاخبة لأنه مهما حاول تعليمها .. ومهما حاولت إظهار أنها تعلمت.. إلا أنها تفاجأ بوضع طارئ.. فتعود كما كانت.. صعلوكة متشردة جاهلة قذرة.. هكذا كان جل نخبتنا التي تورطت في زرع الفتنة بين مصر والجزائر.. وهكذا كان الإعلاميون والإعلاميات على شاشات الفضائيات.
في الفيلم.. استطاعت الصعلوكة المتشردة الجاهلة القذرة أن تتغير وأن تصبح سيدة صالونات من الدرجة الأولى.. وهو الأمر الذي عجزت عنه نخبتنا في الواقع.
***
في الفيلم السينمائي حيث الخيال كنا نضحك..وفي الواقع لم أحسم أمري : هل أضحك أم أبكي؟..
لم أحسم أمري هل أضحك من النخبة الجاهلة أم أدينها تلك النخبة التي أبرأ إلى الله منها وأدعوه جل جلاله ألا يؤاخذنا بنا فعل السفهاء منا .. تلك النخبة –من السفهاء- التي انطلقت كقطيع من الحيوانات المفترسة تعيث فسادا.. فهل أدين تلك الحثالة البشرية.. أم أدين من وسد الأمور إليها.. وفتح لها أبواب الشر كي تنطلق على هواها.
هكذا تفعل نخبتنا بنا..
وهكذا فعل بنا من أرسل فريق الراقصين والراقصات والممثلين والممثلات إلى أم درمان.. كان هذا الفريق ينتظر كلمات الإطراء والغزل فإذا به يفاجأ بجمهور كرة متوحش أعدّ له ليصبح الأمر ملهاة سوداء تجعلني حائرا: هل أضحك أم أبكي؟!
هل أهان جمهور الجزائر مصر؟
أم أهان ذلك السفهاء من الجمهور الجزائري أولئك السفهاء الذين ذهبوا ممثلين لمصر وهم لا يمثلون إلا النخبة؟!
أم أن الذين أهانوا مصر هم الذين أخرجوهم من بلادهم إلى حيث لا مكان لهم ولا دور..أقصد ولي الأمر الطائش الذي أمر بسفر الفنانين والفنانات(؟!) بدلا من جمهور الدرجة الثالثة.
كان النائب خفيف الظل محمد مصطفى شردي يصرخ أنهم لو أخذوا بدلا من فريق الفنانين والفنانات مائة مشجع فقط من بور سعيد لطاردوا جمهور الجزائر حتى وسط أفريقيا..! وأعتقد أنه مصيب.. ليس لشجاعة هذا أو جبن ذلك.. ولكن ما يبدو لي الآن بعد أن حدث ما حدث.. أن الجزائر خططت جيدا وكانت الأوامر مشددة جدا: الإهانة والترويع دون صدام مباشر ودون إصابات خطيرة.. لذلك.. لو أنهم ووجهوا بأقل مقاومة لانسحبوا على الفور.. ولو إلى آخر أفريقيا!.
من المسئول إذن..
تحضرني هنا واقعة قديمة..
واقعة إهانة السيدة جيهان السادات للأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان.
هل كان علينا أن ندين الكلب في إهانة عبد العزيز سليمان أم أن ندين صاحبة الكلب..
كان الدكتور عبد العزيز سليمان رئيس الجامعة الشريف قد رفض تدخل السيدة جيهان السادات وضغوطها وتهديداتها بأن تخرب بيته، وقد خربته فعلا، بل واستدعته ذات يوم إلى قصرها لإذلاله، و أمرت بطبق من البيتى فور، و أخذت تقدم قطعة للكلب .. وقطعة لرئيس الجامعة….!!( الواقعة واردة في كتاب محنتي للدكتور عبد العزيز سليمان: " محنتي "، وفى كتاب زوجته الأستاذ الدكتور سعاد أبو السعود : قصتي مع جيهان السادات…) ،لا أنسى هذا الموقف قط، بل تغيم الرؤى أحيانا أمام عيني، فتهتز الصورة، يظل رسم جيهان والكلب، وتنمحي صورة عبد العزيز سليمان، وأرى مكانه صورة مصر.
كانت جيهان هي المسئولة وليس الكلب مهما ارتفع صياحه وعلا نباحه.
***
من المسئول عن الإهانة..
الإهانة محققة..
ومن صدرت منه الإهانة هم بعض إخوتنا الجزائريين..
لكن..
لمن وجهت الإهانة؟!
هنا نختلف..
وأيضا.. نختلف عندما نصل بالسؤال إلى: من هو المسئول عما حدث؟.
وثمة شيء غريب جدا في هذه القضية..
ألم يكن الرئيس مبارك يستطيع أن يبكر شهرا بتصريحه الذي رفض فيه التصعيد مع الجزائر؟ ولو أنه فعل ذلك في الأيام الأولى لما حدث كل ما حدث..
لماذا؟..
يجب ألا نتجاوز "لماذا" هذه ببساطة فقد تحمل في طياتها حلا للغز!.
***
في مرات قليلة تكون "لماذا" هذه على درجة قصوى من الأهمية.. بحيث إن لم ينفجر بها السؤال في وقته فإن كل سؤال بعده هباء وغثاء وقبض الريح..
دعوني أضرب لكم مثلا فجا لمجرد التوضيح (دعنا الآن من واقعيته): زوج جاءك بعد سفر عامين متصلين خارج البلاد بعيدا عن أهله.. وقد جاءك بقائمة طويلة جدا من الشكاوى وراح يتلوها.. لابد أن تصرخ فيه بعد السطر الأول الذي يقول فيه أنه وجد زوجته حاملا!!
إن لم يسأل كيف حملت وممن حملت-ودعنا الآن من الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى والعار حتى يراق على جوانبه الدم-..
فإن لم يسأل صاحبنا هذا السؤال فلا داعي للباقي..
إذن..
لماذا لم يتدخل الرئيس مبارك من البداية لإطفاء الفتنة قبل أن تنغرس نطفة الغضب السفاح في رحم الفتنة الحرام كي تثمر ذلك الثمرة الوحشية.. ( ونفس السؤال موجه إلى الرئيس بوتفليقة)..
ولكن لنؤجل السؤال بـ"لماذا "هذه حتى نرى وضعا كارثيا آخر لم تطلق فيه لماذا هذه في الوقت المناسب..
"لماذا"الخاصة بالرئيس الأسبق "جمال عبد الناصر"عليه من الله منا يستحق.
***
نعم..
في "لماذا " مثل هذه يفجر الدكتور كمال خلف وهو قومي وعضو في مركز دراسات الوحدة العربية، وأيضا عضو في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي مما يعني أنه ناصري.. ومع ذلك فقد فجر تساؤلا انفجر في صدري كالنزيف.. وأسوأ ما فيه أنه سؤال بديهي جدا يؤلمني أنني لم أسأله لنفسي ولم أسمع غيري يسأله لنفسه رغم كثرة ما قرأت..
التصور الدامي الذي أثاره الدكتور كمال خلف الطويل تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لحرب 67ينطلق من التعامل مع تطورات الأزمة 67 كما وقعت,مع استدخال وقائع افتراضية على سلم هذه المجريات في محاولة لاستبيان هل كان ممكنا إدارتها بنجاح – كما كان يأمل صناع القرار حينها – فيما لو حدثت هذه الوقائع.
يعيدني الدكتور كمال خلف الطويل إلى عام 1967 وما بعدها حيث سمعنا وقرأنا آلاف التفسيرات للهزيمة المذهلة التي لم تتوقعها الأمة ولا العالم..
كنت أنظر بسخط وغضب واشمئزاز إلى تفسير منها يقول أن الصراع كان قد احتدم بين عبد ناصر وعامر للدرجة التي أصبحت القمة – وهي قمة لا يوجد ما هو أوطى منها- لا تتسع لهما معا.. كان لابد لأحدهما أن يتخلص من الآخر.. كان عبد الحكيم عامر يملك جيشا مطلق الصلاحيات وكان عبد الناصر يملك شعبا كبله هو بالأغلال.. وكانت نتيجة الصراع محسومة.. كان الجيش سينتصر.. ومن هنا ترك عبد الناصر الأمور تتداعى وهو يعلم أنها ستؤدي إلى هزيمة عسكرية محدودة يستطيع بسببها أن يزيح عامر ثم يحيلها إلى نصر سياسي كما فعل عام 56 من وجهة نظره – وفي الواقع لم ينتصر عام 56.. لا هو ولا إسرائيل ولا بريطانيا ولا فرنسا.. فالذي انتصر عام 56 هو أمريكا ولا شريك لها!. المهم.. يقولون أن ما حدث أن الأمور أفلتت من جمال عبد الناصر ليسفر الأمر عن أكبر هزيمة كاسحة لمصر.
في البداية كنت أقابل هذا الافتراض بغضب وازدراء عنيف. ثم تكأكأت الهموم ورزح الحزن على قلبي فأصبح غضبي أخف وحزني أثقل وحماسي أهدأ. ثم جاءت هموم أخرى فبهت اليقين وانكشفت العورات وانقشع الغبار ووضحت الرؤية فأصبح ما كنت أرفضه بازدراء وغضب ويقين باستحالة حدوثه، إلى شك مؤلم وتسليم باحتمال حدوثه.
السؤال المدوي الذي ينكأ في القلب جرحا لم يندمل يقول:
- لماذا لم يبادر عبد الناصر وبتولي القيادة مباشرة بعد الكارثة؟
يطرح الدكتور كمال خلف الطويل سؤاله.. بل أسئلته:
ما الذي كان ممكنا فعله يوم 5 حزيران/يونيو لما يكفل تلافي هزيمة مذلة بل والثبات في معركة دفاعية معقولة النجاح؟
ثم يجيب بافتراضاته:
1- أن يتولى جمال عبد الناصر بنفسه مقاليد القيادة العسكرية العليا, بما يشمله ذلك من الانتقال شبه الدائم والإقامة في مركز العمليات.
المعلوم أن عبد الناصر ذهب للمركز في الصباح بعد سماعه لأصوات الغارات الجوية على مطارات القاهرة والتقى فيه بعبد الحكيم عامر بعد عودته الكسيرة من رحلة الرعب في السماء قاصدا سيناء وعائدا من سماء القنال إلى مطار القاهرة المدني ليستقل تاكسي أجرة إلى المركز.
{بالمناسبة فالراجح أن إسرائيل تعمدت عدم قتل المشير بإسقاط طائرته ذلك الصباح لأنها أرادته أن يعود, لمعرفتها بقلة درايته وكفاءته, عكس ما كان الحال يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 56 عندما أرادت اصطياده في السماء وهو عائد من دمشق عشية العدوان الثلاثي لكنها فشلت ونجحت في اصطياد طائرة مرافقيه عوضا عنه{.
يمكن هنا تفهم أن يعطي عبد الناصر فرصة لعامر ليقود خصوصا وأن أخبار إسقاط الطائرات الإسرائيلية الغزير كانت تتلاحق قبل أن يتبين كذب معظمها.
لكن الأكيد أن هذه الفرصة ما كان ينبغي لها أن تزيد عن ساعات قلائل لا تتعدى عصر ذلك اليوم, وحتى يتم تجميع بيانات الخسائر الحقيقية للطرفين.
وقد يقول قائل إن عبد الناصر كان ضعيف التأثير في القوات المسلحة, لكن موقف الحرب هو بحد ذاته عامل كاف لبسط التأثير بالزخم كله, فالمنطقة كلها ومصيرها في الميزان, وليست مبررة بحال من الأحوال حالة الاعتصام في مكتب المنزل التي مارسها عبد الناصر طيلة ما تبقى من يوم 5 ويومي 6 و 7 حزيران/يونيو وحتى مساء الخميس 8 حزيران/يونيو, والاكتفاء بوجود ضابط اتصال بين مكتبه والقيادة العسكرية.
كان الواجب والحيوي والمطلوب أن يعود عبد الناصر إلى مركز العمليات عصر الإثنين 5 حزيران/يونيو ليطلب كشف حساب عن خسائر مصر في الطيران وعن حقيقة خسائر إسرائيل فيه, وعن تطور المعارك على الأرض واتجاه الهجوم البري الرئيسي.
أضحى واضحا مع ذلك الوقت أن الفرقة السابعة مشاة- وهي التي تلقت جهد الهجوم الإسرائيلي الرئيسي- أصبحت في حالة حرجة تهدد بالانهيار, وأن 80 بالمائة من الطائرات المصرية قد حطمت على الأرض.
بداية إذن كان على عبد الناصر أن يدخل مركز العمليات ليبقى فيه مزاولا صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة, ولا ضير في بقاء المشير إلى جانبه, لكن القرار هو حصرا في يد الرئيس.
2 - كان في وسع عبد الناصر وضمن حدود المتاح أن يأمر بالخطوات التالية, على أن يتم تنفيذها منذ الغروب وحتى فجر 6 حزيران/يونيو, أي طيلة ساعات الليل ولتلافي تأثير الطيران الإسرائيلي صاحب السيادة الجوية:
1 – 1- إعادة الفرقة السادسة الآلية من الكونتيلا جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في نخل.
2 – 1-إعادة الفرقة الثانية مشاة من القسيمة جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في أبو عجيلة.
3 - 2- نقل اللواء المجحفل/الشاذلي من غرب الكونتيلا إلى بير حسنة ضمن نطاق الفرقة الثالثة الآلية على خط الدفاع الثاني.
4 - 3- تكليف اللواء المدرع المستقل غرب بير لحفن لشن هجوم مضاد على قوات المحور الشمالي الإسرائيلية بهدف تخفيف الضغط عن الفرقة السابعة مشاة والدفاع عن العريش لمنع احتلالها.
5 - عزل اللوائين محمد كامل وعثمان نصار وتعيين اللواء سعد الشاذلي قائدا للفرقة الثالثة الآلية واللواء سعدي نجيب قائدا للفرقة الثانية مشاة، أضف إلى عزل اللواء صدقي الغول واستبداله باللواء عبد الغني الجمسي قائدا للفرقة المدرعة الرابعة.
6 - دمج قيادة الجهة وقيادة الجيش الميداني في قيادة ميدانية واحدة يقودها الفريق أول عبد المحسن مرتجى, ورئيس أركانه الفريق صلاح محسن, ومدير عملياته اللواء أحمد إسماعيل.
7- بافتراض فشل الهجوم المضاد باتجاه العريش فجر 6 حزيران/يونيو, تتمسك الفرق الثانية والثالثة والسادسة على المحورين الأوسط والجنوبي لخط الدفاع الأول وفي قاطع خط الدفاع الثاني بمواقعها لأيام عدة, مع المناورة بها حسب الحاجة العملياتية لتنكفئ الثالثة إلى خط الدفاع الثالث وتتبعها الثانية والسادسة عند الحاجة, ويتم التمسك بخط المضائق بقوة 4 فرق وألوية داعم لآخر طلقة وآخر رجل.
3-إرسال علي صبري برا إلى بنغازي ليطير منها إلى موسكو ليلة 5/6 حزيران/يونيو بطلب إرسال جسر جوي سوفياتي إلى مطار الماطة لنقل مقاتلات قاذفة (ميج وسوخوي) تعويض خسائر الصباح, وبطلب الإصرار على قرار سريع من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار والعودة إلى خطوط 4 حزيران/يونيو.
يترافق ذلك مع دعوة مصر- بالتشارك مع كتلة عدم الانحياز- الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة استثنائية عاجلة تبحث الموقف الراهن وتوفر ضغطا على واشنطن للجم إسرائيل عند ذلك الحد.
هل كان السوفيات تحت زعامة الثلاثي الحذر (بريجنيف وكوسيجن وبودغورني) ليستجيبوا لطلب عبد الناصر بالجسر الجوي؟
الإجابة تعتمد على إحساسهم بأن مصر قادرة على إدارة دفاع معقول في سيناء, وعلى تخويفهم – بإسناد عراقي وجزائري – من مخاطر تركها في العراء أمام الهجمة الإسرائيلية المسنودة إسرائيليا بما تشمله من تحطيم سمعة السوفيت وسمعة سلاحهم ومعه نفوذهم.
يترافق ذلك مع الدعوة لمؤتمر قمة عربي فوري واستثنائي في القاهرة, ومع إرسال زكريا محي الدين إلى يوغوسلافيا وفرنسا والهند لجذبهم إلى دائرة الضغط.
إذن فإن صمود قوات خط الدفاع الأول على المحورين الأوسط والجنوبي لعديد من الأيام كانت كفيلة بعزل الاندفاع الهجومي الإسرائيلي في المحور الشمالي وحده مع تعريض أجنابه في اتجاه خط الدفاع الثاني للانكشاف والتعرض.
بعد ذلك تنسحب قوات الخطين الأول والثاني تدريجيا إلى المضائق في وقفة أخيرة وناجحة.
إذا تساوى ذلك مع استعادة الطيران المصري سلاحه وصعوده إلى السماء في إسناد للقوات البرية المدافعة ومعيقا للسيطرة الجوية الإسرائيلية ففي هذا المزيد من النجاح في إطالة الصمود على الخط الأول وفي إنجاح الخط الثاني في عمله التعرضي.
إذا ترافق ذلك مع حملة عربية وعالمية للضغط, فهذا ما يؤمن إخراجا جيدا لنتائج الحرب تجعل حصاد إسرائيل شبه هشيم رغم احتلالها لقطاع غزة وربما لصحن سيناء... ففي الحروب ما يحسم النتائج هو خسائر المقاتلين والمعدات ومعها انكسار الإرادة السياسية وليس احتلال الأرض بحد ذاته.
النقطة الواجب لحظها هنا هي أن عملية إعادة التنظيم كانت يجب أن تشمل انسحاب قوات شرم الشيخ ليلة 5/6 حزيران/يونيو وتجمعها في الطور لاحتمال الانتفاع بها في تعزيز مضيق متلا الجنوبي لاحقا.
لعل طلبا من عبد الناصر لقمة القاهرة الطارئة بوقف تصدير البترول والغاز فورا إلى أمريكا وبريطانيا مع تخفيض إنتاجه بنسبة 50% ولمدة شهر كان كفيلا بإثناء واشنطن عن السماح لإسرائيل بالاستمرار في الحرب.
هل كان يجرؤ فيصل السعودية- وحمى الحرب مستعرة- على رفض طلب عبد الناصر؟
أشك .. رغم العلم بدوره الموثق في تحريض واشنطن على أمر إسرائيل بشن الحرب آملا في الخلاص من خصمه اللدود عبد الناصر.
نقطة أخيرة, وهي أن عملية إعادة التنظيم- كما شملت في سيناء توحيد قيادة القوات الميدانية بتشكيل جديد- كان يجب أن تشمل نقل هيئة أركان الحرب إلى مركزها التبادلي في الإسماعيلية, على أن يبقى القائد الأعلى – ونائبه – في القاهرة مع ضباط اتصال ومع المستشار الفريق أول علي عامر (قائد القيادة العربية الموحدة المشلولة), وأيضا عزل المسؤولين عن تدمير الطيران وهم بالتحديد قائده الفريق أول صدقي محمود ورئيس أركانه الفريق أول جمال عفيفي وقائد الطيران في سيناء اللواء عبد الحميد الدغيدي وقائد الدفاع الجوي اللواء إسماعيل لبيب, وتعيين الفريق مدكور أبو العز قائدا للقوات الجوية والفريق عبد المجيد الرافعي رئيسا لأركانها واللواء حسن كامل قائدا للدفاع الجوي, واغتنام الفرصة لعزل الفريق أول سليمان عزت قائد القوات البحرية ورئيس أركانه الفريق محمود ناشد وتعيين اللواء فؤاد ذكرى قائدا لها واللواء عبد المعطي العربي رئيسا لأركانه.
***
قد يتشكك البعض فيما أوردته على الفور.. رغم أن التشكيك فيه غير جائز.. إننا لا نتحدث عن معلومات كي يمكن التشكيك فيها.. إننا نتحدث عن رأي.. عن تصور.. بل عن تخيل وهذا لا يمكن التشكيك فيه..
لكن.. سدا للذرائع.. وكي نلقم السوفسطائيين حجرا فإن مصدر هذه المعلومات هو أكثر المواقع ناصرية في العالم.. موقع سامي شرف الإليكتروني!:
http://samy-sharaf1.bravehost.com/
***
يا للألم الصاخب..
يا لللألم الوحشي..
يا للجرح الذي لم يبرأ أبدا وهو ينكأ من جديد..
يا للجرح الذي يقاس طوله ليس بالميلليمترات ولا بالسنتيمترات بل بالأيام والأعوام والسنون.. جرح طوله ستة عشر ألف يوم تزداد كل يوم يوما..384000 ساعة تزداد كل ساعة ساعة.. نعم .. جرح لا يلتئم بل يزداد.
فهل كان يمكن تجنب مضاعفات هذا الجرح؟.
هل كان يمكن إذن تجنب التداعيات المذلة المهينة لهزيمة 67؟.
فإن كان يمكن فلماذا لا.. لماذا لا.. لماذا لا..
فليعش الجنون والسطحية والحماقة إذا كانت هذه الأسئلة لم تسأل حتى الحد الأقصى وإن لم تكن كل طاقات الأمة قد كرست لها..
يواصل الدكتور كمال خلف الطويل العبث بخنجره في الجرح المفغور فيكتب:
لعل قصة حزيران/يونيو 67 وعدم استثمارها لتقليل الخسائر وكبح الفوز الإسرائيلي بل وجعله مهزوزا غير ذي قيمة, أكثر مأساوية من نجاح إسرائيل الأولي لأنه باختصار كان يمكن تحويل الهزيمة الكاسحة إلى نصف هزيمة/ نصف نصر, لو تعامل عبد الناصر مع حوادث اليوم الأول بالحزم والحسم الذي بدا عليه بعد 10 حزيران/يونيو.
نعم..
ينطبق هذا على عبد الناصر كما ينطبق على مبارك وبوتفليقة..
ولكن..
لنستكمل الآن الحديث عن كارثة 67 ولندع محمد حسنين هيكل يصب الرصاص المذاب في الجرح المفتوح..
إن هيكل يقول ما قاله كمال الطويل..
يقوله كله..
معنى بمعنى..
سوف أطيل هنا في الاستشهاد بهيكل..
وإنني أرجو من القارئ أن يحتمل وأن يواصل القراءة.. ولست أعني أي نوع من الإساءة لهيكل ولكنني أصبحت أشك في صبر القارئ وقدرته على القراءة الطويلة في معلومات يشك في صدقها. أنا شخصيا أقرأ الصحف الآن سطرا وأترك عشرات ولم أعد أحتفل إلا بالكتب الجادة والدراسات المحددة. ولكنني أنصح القارئ أن يقرأ بتمعن كبير هذه المرة.. لأنني أظن الفقرات الطويلة الآتية لهيكل هي أخطر ما قاله وأصدق ما قاله.
يقول هيكل:
.. الوثائق الإسرائيلية هنا بتكمل لي بقية الصورة المحزنة- لم يكن في تخطيط الإسرائيلي ولا في الخطة الإسرائيلية -وأنا هنا بأعتمد على رابين وعلى دايان وعلى أورين المؤرخ، على اثنين من القادة العسكريين الموجودين- أنه لم تكن.. خطة الإسرائيليين كانت بالضبط قطاع غزة ثم التقدم بقدر ما يمكن والتمسك، أقصى حاجة كانوا حيصلوا لها هي لبنى، جبل لبنى بمعنى أن يضرب الجيش المصري إلى أبعد مدى في المواقع المتقدمة، يضرب قواه الضاربة والمرتكزة بالضبط على جبل لبنى، يحاول يدمر منه أقصى ما يمكن تدميره لكن لا يتقدم بعد ذلك ما عندوش خطة للتقدم بعد ذلك -وهذا موجود في كل الوثائق- لا عنده خطة ولا عنده الـ intention لغاية، حصل حاجة غريبة قوي، الإسرائيليون بيقاتلوا بمعارك ضارية وهم مش عارفين إيه اللي جرى عندنا، في معارك موجودة وفي معارك موجودة وبيكسبوا في بعض المواقع ما في شك في هذا بيكسبوا في بعض المواقع، بيكسبوا في بعض المواقع لكن كسبهم هذه المواقع المتقدمة مما هو متوقع في مقدمات أو في بدايات معركة، عندهم تفوق في الطيران ولكن ممكن قوي وفي ظروف صعبة قوي في قوات ممكن تحارب في ظروف معينة من غير طيران خصوصا إذا كان عندها إمكانية دفاع جوي معقول، (...) لكن اللي بيحصل في والمعركة محتدمة بهذا الشكل، إسرائيل بيحاربوا المعركة ولكن ما يعرفوش إيه اللي جرى في تفكير وفي عقل القيادة المصرية، اللي ممكن يقال هو يمكن كان في قصدهم يعملوه بالضربة الجوية وهو التحقيق اللي ممكن يسموه blitzkrieg اللي هو التأثيرات النفسية للحرب الخاطفة على أعصاب القيادة(...) أتصور الإسرائيليين كانوا قاصدين بالضربة الجوية بالدرجة الأولى بهذا الحجم هو شل أعصاب القيادة، لكن الغريبة قوي أن اليوم الأول من المعركة ده المفروض يحدث أثره في الساعات الأولى من المعركة، الغريبة قوي أنه في اليوم الأول للمعركة المسائل مشيت بشكل أو بآخر، صدمة الطيران كانت فظيعة جدا وقد أقلقت كل الناس ولكن أنا بأتصور أنه بشكل أو بآخر بقى في تصور القوات البرية قادرة وإحنا قادرون يعني إحنا عندنا باستمرار، باستمرار كل الخبراء العسكريين يشهدوا لنا في نقطتين مهمتين جدا، في القوة الدفاعية لعسكري المشاة إذا تمكن للمواقع وفي المدفعية، (...) لكن في ذلك الوقت 5 و 6 وبشهادة كل الناس، 5 و 6 المسائل ماشية في المسار الذي يمكن أن تمشي فيه، بعد ضربة طيران مأخوذة في الاعتبار ولكن في قوات برية موجودة وتعرف وتتصور على أي حال أنه مش حتطول المعركة، كان في إحساس عام أن المعركة مش حتطول قوي كثير لأنه حيبقى في حركة سياسية وده كان موجودا أيضا على نمط السويس، وأنا فاكر أنه من الحاجات اللي قالها لي جمال عبد الناصر قبل قرار الانسحاب أن عبد الحكيم عامر كان بيكلمه في إيمتى السياسة حتتحرك؟ إيمتى مجلس الأمن حيتحرك وإيمتى ده كله؟ وقال له لا، الموضوع حيأخذ أربعة خمسة أيام، لكن إذا بقرار عبد الحكيم عامر بالانسحاب ليلا وبهذه الطريقة اللي أنا حكيت عليها وفي ليلة واحدة. الحاجة الغريبة جدا أنه في هذا الوقت الإسرائيليون تنبهوا أنه في شيء يحدث وألاقي كل المصادر كل المصادر وأنا يعني ألاقي رابين بيقول لي، بيقولها بشكل، وألاقي دايان بيقولها بشكل ولكن ألاقي المؤرخ أورين بيقولها بطريقة أنا بأعتقد أنها يعني لما بأقرأ كلام أورين النهارده وهو معتمد فيه على كل السجلات والوثائق الإسرائيلية بأشعر إلى أي مدى نتائج حرب 67 على الأقل بهذه الطريقة كان ممكن تجنب كثير قوي منها، بيقول إيه أورين قبل ما أقول تعليقاتي عليه، بيقول في صفحة كتابه وهو كتاب مهم جدا، لأنه ده معتبر، ده آخر ما صدر عن الحرب وهو قد صدر السنة اللي فاتت بس والنقاد اهتموا به جدا لأنه اعتبروا أن.. ميزة أورين على كل الناس اللي كتبوا قبل كده، باستمرار اللي بيكتب متأخر صحيح قد يفوته السبق لكن تلحقه الدقة تحيط به الدقة لأنه بيبقى قدامه كل الوثائق ما يبقاش حاجة خافية عليه، بيقول أورين إيه؟ بيقول في صفحة 214 في كتاب، بيحكي أنه على قبال الساعة 10- 12 أي من 10إلى 12 الجنرال ياريف مدير المخابرات أهرون ياريف مدير المخابرات العسكرية أصدر إلى كل قيادات الجيش بيانا بيقول إنه في تطور خطير جدا حصل على الجبهة، الجيش المصري صدرت له أوامر بانسحاب عام وهذا موضوع مذهل، حتى هو في كلامه هو باين عليه دهشته، بيقول إيه؟ بيقول إنه مستغرب جدا أن القائد العام المصري بيتصرف بهذه الطريقة لأن موقفه على الأرض كان أفضل كثيرا جدا مما تصوره وأنه هو كان يائسا من إمكانية الصمود بأكثر مما تحتمله الحقائق، وأن قواته في كثير من المواقع كانت موجودة وكانت موجودة تقاتل وقراره بالأمر بانسحاب عام في ليلة واحدة لم يكن له ما يبرره لأنه حتى الخطة الإسرائيلية لم تكن تصل إلى هذا، لم تكن تصل، لم يكن يخطر في بالها الخطة الإسرائيلية في الأصل حتصل إلى غاية منطقة جبل لبنى وحتقف ولما تقف هناك تبقى حققت كثيرا قوي، لما تقف هناك تبقى احتلت غزة، إذا استطاعت، ضربت كثير قوي من قوات الجيش المصري، لكن حتبقى ترغم القوات المصرية تتراجع إلى خط الدفاع الثاني اللي هو منطقة، خط بيسموه خط الستارة قبل منطقة المضائق مرتكزة على منطقة المضائق وهي الـ features وهي التضاريس الطبيعية الوحيدة في سيناء، في شمال سيناء، جنوب سيناء جبلي ما حدش بيتكلم عليه أبدا، جنوب سيناء جبلي وليس فيه معارك ولم تجر فيه معارك. لكن في شمال سيناء إذا القوات تراجعت من خط الحدود بنساقات الدفاع الثلاثة عنه فليس أمامها إلا أن ترجع إلى خط المضائق وتتوقف عند خط المضائق، وتصور الإسرائيليون أنه يعني أقصى حاجة ممكن نتصورها بالنسبة لهم هم حيصلوا لمنطقة جبل لبنى ويقفوا والمصريون حيصلوا إلى الخط السابق للمضائق ويقفوا وأنه كده يبقوا حققوا غرضهم لأنه حتبقى بين المنطقتين منطقة واسعة كبيرة عرضها تقريبا حوالي مائة كيلومتر فاصلة بين القوات، ومع التفوق الجوي يستطيع الإسرائيليون أن يطمئنوا إلى أنه لن تتقدم القوات المصرية لأنها حتبقى مكشوفة في العراء قدام أي ضربة جوية مع تفوق جوي إسرائيلي مضمون
***
يكرر هيكل نفسه.. يتلعثم قبل أن يبكي في النهاية.. ألاحظ ركاكة أسلوبه حين يتكلم بعكس كتابته حيث يتربع أميرا من أمراء البيان.. كرهته.. لقد كان شريكا.. وكان واحدا ممن يستطيعون منع تداعيات الكارثة.. وإن صدق ما يقال فربما كان هو الذي خطط لعبد الناصر وقدر ودبر فقتل كيف دبر..
***
يواصل هيكل: لكن لم يخطر ببال الإسرائيليين أن الجنرال، يعني الرجل أورين ودايان ورابين وهو رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي ومذكراته، لكن أورين هنا كان الأوضح لأن أورين بيقول إنه بيستعجب جدا أن القائد العام المصري أصدر قرارا بانسحاب عام ويستعجب جدا أن هذا القرار مطلوب تنفيذه في ليلة واحدة ويستعجب جدا أن موقفه على الأرض لم يكن يبرر هذا القرار ويستعجب جدا أن القوات المصرية كانت بتقاتل في مواقع لا بأس بها قتالا لا بأس به، هو كان بيقول إنه يعني هم حيكسبوا المعركة في الآخر، لكن مع أن القوات بتقاتل ثم الهدف الإسرائيلي لا يتعدى منطقة جبل لبنى أو المنطقة المحاذية لها، لا يتعدى ده وفي تفكير في أنه كيف يمكن احتلال شرم الشيخ. والغريبة جدا في الإشارات ألاقي أن والأوامر كده الجنرال ياريف بيعرف عن أمر الانسحاب وعندهم وسائلهم طبعا وعرفوا -طبعا على التلفونات ووسائل الاتصالات كلها كانت مخترقة أو معظمها كان مخترقا- عرفوا أنه في أمر انسحاب عام وهم في دهشة منه أكثر من دهشة أي حد في القاهرة، يصدر أمر بأنه تروح قوة بحرية تحتل شرم الشيخ، قائد هذه القوة البحرية اللي راحت تحتل شرم الشيخ أرسل إشارة واحدة إلى القيادة بيقول فيها وصلنا إلى شرم الشيخ ولم تكن هناك حرب ولا حاجة إلى حرب لأنه لم تكن هناك قوات. حتى هذه اللحظة أنا بأقرأ هذا كله، أقرأ ياريف، فيما بعد كتب مذكراته هو الآخر ولكن هو ما وقفش عند هذه النقطة، اللي وقف عند هذه النقطة هو أورين، رابين تكلم عنها ودايان تكلم عنها والعسكريون اعتبروها، العسكريون المصريون سواء في ذلك مرتجي أو سواء في ذلك يعني أنا لما ألاقي مرتجي بيقول في ذهول يعني في تقرير مرتجي بيقول نتيجة الانسحاب بالطريقة دي بيقول بنهاية يوم 7 يونيو كان الموقف كالتالي استمرار ارتداد جميع القوات على الطرق الثلاثة غربا، لأنه ما كانش ممكن كله ده ينسحب في ليلة واحدة كما ظهر الأمر، يعني أنا حتى هذه اللحظة أنا بأقول هذا الحديث هذه الليلة أصعب ما واجهت (...) حأرجع لمرتجي ثاني بيقول مرتجي "استمرار ارتداد جميع القوات على الطرق الثلاثة غربا، ازدحام الطرق وتكدسها بالعربات والمعدات بدرجة كبيرة مما تسبب في تدمير الجزء الأكبر منها بواسطة الطيران" المعدات خرجت من مواقعها الآمنة، الدبابات اللي كان محفور لها في الأرض طلعت بتتحرك بترجع إلى الوراء، "الفرقة المدرعة الرابعة ترتد لمواقعها في المضائق ثم يعاد تجميعها ثم يعاد دفعها" مش ممكن! بعد ما فرقة صدر لها أمر بالانسحاب أن أي حد يتصور أنه في الإمكان تجمعها، ده كلام معقول؟ لو أنه كان حتى في تنبه كان في كان ممكن نقول ارتداد لخط المضائق وهنا كان يبقى في متطابق حتى مع الخطة الإسرائيلية حتى مع نهاية المجهود الإسرائيلي اللي كان موجودا، اللي كان مطلوبا يعني. وبعدين بيقول، مرتجي بيقول "فقد القادة السيطرة على تشكيلاتهم ووحداتهم المتحركة" طيب، وبعدين بيقول "ترك معظم قادة التشكيلات والمجموعات قواتهم وسبقوها في الوصول إلى القناة دون تنظيم عملية الارتداد" (...) وده اللي أورين بيقول لي فيه إنه بيستغرب جدا أن قائد الجيش المصري كان متشائما أكثر من الحقائق على الأرض، كان قلقا أكثر مما يدعو إليه الوضع في الجبهة(...) وأنا بأتابع بقدر ما يمكن وقتها وأنا بأتكلم عن تجربة حياة لأن هذه كانت تقريبا أقسى اللحظات في تجربة حياتي شخصيا وأظنها كانت في تجربة حياة آخرين كثير قوي في كل الوطن العربي. الموقف بيتحرك جدا والصورة بقيت باينة قدام كل الناس، يمكن ما كناش نعرف كل اللي موجود في الوثائق الإسرائيلية ولا، أنها ما كانش له لزوم ده كله، لكن كل الناس مأخوذة بالموقف وأنا في يوم 8 بالليل، يوم 8 كان يوم الخميس، يوم الاثنين كان يوم 5، يوم الثلاثاء كان يوم 6، يوم الأربعاء كان يوم 7، يوم الخميس 8، بالضبط يوم الخميس الساعة.. أنا حقيقي ما كنتش عاوز أكلم حد، جمال عبد الناصر بيطلبني بالتلفون في مكتبي في الأهرام القديم وأنا أحس أنه على صوته -لأول مرة بأسمعه بهذه الطريقة- صوته كأنه على حبال الصوت أطنان من الحديد، في ثقل غريب جدا في صوته لدرجة خلتني حقيقي أبقى، أبقى.. يعني، بعدين بيقول لي، بأسأله إيه الأحوال؟ لأنه أنا قلق كمان، بيقول لي الموقف كذا وبدأ يحكي لي أنه في جرى.. في مصيبة كبرى حصلت وإلى آخره وإلى آخره وإلى آخره، وبعدين أنا تكلمت مع عبد الحكيم وأنا بأعتقد أنه إحنا لازم نمشي كلنا، وقلت له أنا الحقيقة أما وهذا هو الموقف أنا بأعتقد أنه على أقل تقدير أنا بأعتقد أنه أنت مطالب قدام كل الناس وقدام التاريخ أنك تمشي. وأنا بأقولها والله وأنا بأقولها حقيقي بأقولها بأسف لأنه في مواقف بتبقى فيها في ما هو أقوى من مشاعر الناس فيها حاجات أكثر، في هذه اللحظات الناس بتحس أنه في أوطان أهم جدا من أي فرد وأنه في حقائق متعلقة بالمصائر وهي أهم جدا من أي مشاعر مهما كانت، وأنا قلتها له بأمانة كده قلت له أنا بأعتقد أنك لازم تمشي، فهو قال لي أنا مقتنع. وأنا.. وصوته حقيقي يعني.. أنا مقتنع وأنا حأمشي ولكن علشان نرتب الأوضاع في البلد أنا تكلمت مع عبد الحكيم وقلت له كله لازم يمشي ونحن نسيب واحد بس لكي يتولى عملية أن هذه القوات العائدة من الميدان وحتلاقي أن النظام انفك تقريبا، وهذا الشعب الذي سوف يفاجأ بما جرى، أنا ما أعرفش إيه اللي ممكن يحصل ولذلك إحنا اتفقنا على أن شمس بدران -هنا قال لي اسم شمس بدران- يبقى هو.. أنا قلت له إيه ده، إيه اللي حصل ده؟ قال لي أنت أصلك ما عندكش فكرة عن اللي حصل لما نتقابل أحكي لك ولكن ده حتى وصلت الأمور إلى حد أن عبد الحكيم عامر حاول أن ينتحر في القيادة وأنا يعني بعثت أحدا وراءه وقلت إنه -لأنه راح على الحمام يعني- أنا الحقيقة كنت مستفزا وقلت له أنا لو، يعني أنا كنت مستعد أقدم له مسدسا، أنا شخصيا كنت مستعدا لأنه كنت مستثار وممكن ده كان غلطا من جانبي وأنا كنت بأعتقد أنه ممكن جدا قوي أنه واحد تصرف بهذه الطريقة.. الحقيقة كان وقتها، برضه عايز أقول إنه في ذلك الوقت حكم متسرع لكن التفكير فيما بعد، المسؤولية أكبر من عبد الحكيم. لكن أنا قلت له في ذلك الوقت قلت له لو أنا مطرحك أدي له مسدسا، أساعده مش أمنعه يعني، قال لي ما احناش ناقصين فضيحة بعد المصيبة يعني، قلت له طيب، هو بيقول لي هل تقدر تساعد في إيه اللي أقوله بكره علشان أمشي؟ أنا الحقيقة قلت آه ممكن آه. لكن حسيت أن الحديد اللي كان عنده اللي كنت حاسس به على حبال صوته حسيت أنه ركز على كل أعصابي قعدت في مكتبي وحاولت وحاولت بحقيقي يعني حاولت وفي عيني دموع. تصبحوا على خير.
***
كالأشباح تلوح أطلال قصيدة قديمة.. بقي في الذاكرة بعض رفات منها بعد ما يقرب من نصف قرن.. أظن قائلها شاعرا فلسطينيا لم أقرأ له سواها..أمين شنار.. كان عنوان القصيدة:"عراة تحت الشمس".. أحفظ منها:
سلمت يا فم الزمان لابتسامة الرضا..
على شفاهنا تجمدت كضحكة المجنون..
***
لن أسامحك يا هيكل..
لن نسامحك..
ولن يسامحك التاريخ..
أما المرجع للسفسطائيين فهو هيكل نفسه (مع هيكل)- هيكل.. طلاسم 67 والقرار الكارثي- قناة الجزيرة: تاريخ الحلقة: 18/6/2009
***
أنت إذن يا أمة: لعبة الأمم.. ولعبة حكامك..
أنت إذن يا أمة مجرد لعبة بين أيدي الطواغيت أينما كانوا..
لا المصائر تهم ولا الهزائم تهم.. المهم هو مزيد من الالتصاق بكرسي السلطة وحرمان الآخرين من الوصول إليه ولو بهدم الوطن على من فيه..
هل كان الأمر هكذا حقا؟
هل فعلها عبد الناصر؟
وهل فعلها مبارك في موقعة أم درمان..
لقد بدأ الأمر بتصور ساخر.. لكنني –مفاجأً حتى أمام نفسي- أقول: إنه تصور محتمل وربما كانت الحقيقة تكمن فيه.
هل أدرك الرئيس مبارك أن الصراع الحقيقي ليس بين التوريث والتغيير ولكنه بين التمديد والتوريث.. ليس بينه وبين البرادعي أو عمرو موسى ولكنه بينه وبين ابنيه.. وأنه ترك الأمور تتدهور-تماما كما ترك جمال عبد الناصر الأمور تتدهور عام 67- حتى ترى الأمة الفرق بين الحكمة والتهور-من وجهة نظره.. أن ترى الأمة كيف فشل ابنه الثاني في رحلة الذهاب ثم فشل الأول في الإياب حين أشعل النار.. فشل الأكبر والأصغر ولم يبق إلا هو.. رجل الدولة الذي يؤتمن على الأمة.. رجل الدولة الذي يلتزم بالثوابت.. هل كان يهدف إلى أن يقول الناس: نار مبارك ولا جنة ابن من أبنائه..
هل..
هل..
هل..
الله أعلم.
***
الذي أعرفه وأحسبه وأظنه أن كل ما قيل وكل ما كتب قد يكون صحيحا جزئيا..
لكن..
ربما يكون أهم الأهداف في مصر كما في الجزائر.. إيجاد متنفس لطوفان الغضب المتأجج في نفوس الناس.. ثم إيجاد مخرات لهذا الغضب.. تماما كمخرات السيول.
مهما كانت نظم الحكم غبية وباطشة وجاهلة إلا أنها تكون ذكية جدا وحساسة جدا في أمر واحد فقط: هو شئون الحكم حينما يتهددها منافس. حتى أن صديقي الكاتب الأستاذ طلعت رميح يشبهها بالزوجة التي مهما بلغ جهلها وشراستها إلا أنها تحس على الفور عندما يكون هناك مشروع زوجة أخرى.
هذه الحكومات إذن كانت ذكية جدا .. فهي عندما فرغت شعوبها من كل ما يمكن أن تحلم به وأن يسد رمقها روحيا وماديا.. عندما عاملتها كما تعامل السائمة.. وكانت هذه الحكومات تدرك أنه حتى السائمة تغضب ( جزء من الحاجات الطبيعية) وكانت هذه الحكومات تدرك أنه من الطبيعي أن تغضب الأمم من الطواغيت الذين يحكمونها ومن الفساد المستشري.من الهزائم والخراب. من محاربة الدين. من الولاء للأعداء والبراء من الإخوان.. من انحلال الإعلام وكذبه وفساده..
من..
من..
من..
كانت كل دوافع الغضب موجودة.. وكانت تهدر في صدور الناس .. على وشك الانفجار كالزلازل والبراكين.. وكان على الطواغيت أن يخدعوا الأمة كما يخدع مصارع الثيران الثور بقماشة حمراء.. إن القماشة ليست عدوة الثور.. بل إنها بالضبط تصرفه عن عدوه الحقيقي الذي يوشك أن يقتله وتستنزف جهد الثور في الاتجاه الخطأ..
وما كان أذكاها تلك الحكومات حين خدعت شعوبها وألهتها بالكرة..
عامل الطواغيت الأمة كما تعامل الثيران وكانت الكرة هي قطعة القماش الحمراء..
وانزلقت الأمة بسطحية وغباء.
لكنني أقول أن كل من استدرج ليكون أداة طيعة في يد الحكومات الباطشة مشكوك في ذكائه مشكوك في عقله مشكوك في وعيه مشكوك في أن الإيمان يعمر قلبه..
وأظن أن الله برأ المؤمنين في مصر والجزائر من أن يكونوا من تلك السائمة التي اندفعت كالقطيع تشعل نيران الغضب ثم اندفعت كالطوفان في المخرات المعدة لها سلفا.
***
هل ما زال من حقي أن أحتار في منهج المواجهة بالضحك أم بالدموع؟!
فلنطرح إذن كل الأسباب والاحتمالات على القارئ. وعليه أن يختار منها ما يشاء ويقتنع بما يشاء ..
وأن يضحك أو يبكي-على مسئوليته في النهاية.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة السطور ..
سوف ألجأ إلى المصادر المتاحة مركزا على كتابات العقلاء محاولا الابتعاد عن صياح العملاء.
يرى فهمي هويدي أننا دفعنا ثمن تغييب الحقيقة حين زعمنا كذبا بأن جزائريا هو الذي ألقى الحجر على الحافلة التي أقلت المنتخب الجزائري قبل مباراة القاهرة التي فاز فيها المنتخب المصري. كانت سيارة الفيفا وسيارة لوكالة أنباء فرنسية تسير خلف الحافلة وصوروا كل شيء.. وعلى الرغم من ذلك صدرت البيانات الرسمية بعكس الحقيقة.. والكارثة.. الكارثة والفضيحة أن النيابة شاركت في فعل الفاحشة بالكذب والتزوير على مرأى من العالم.
وليس هذا بعيدا على نظام لم يحاصر جنوده في التاريخ الحديث سوى اثنين : غزة.. وجماهير الناخبين..
ولقد فضح الوزير أنس الفقى نفسه ورجاله عندما اعترف بأنه قد تم توزيع الأدوار بين القنوات الحكومية والخاصة لإثارة التهييج والتحريض مما يعني أن اللوثة التي أصابت مقدمي البرامج في تلك القنوات، لم تكن كلها غضبا لكرامة مصر، وإنما استجابة لتوجيه رسمي، عبر عنه كلٌّ بطريقته.
يواصل فهمي هويدي فضحه لمحاولة تزوير الحقائق وإخفائها حتى أن أعدادا كبيرة من الجزائريين المقيمين في مصر قرروا مغادرتها، إن 800 من بين ألف طالب جزائري للدراسات العليا في معهد البحوث والدراسات العربية قطعوا دراستهم وعادوا إلى بلادهم، جراء التخويف والترويع الذي تعرضوا له.
يدين فهمي هويدي صمت إعلامنا عن كل ذلك وهو الأمر الذي هيأ الفرصة للصحف الجزائرية الصفراء أن تبالغ فيما جرى، وأن تستثير الجمهور الجزائري الجاهز للانفعال في مباريات كرة القدم، حتى إن نسبة غير قليلة ذهبوا إلى الخرطوم للثأر وليس للتشجيع فقط، وكانت النتيجة أننا دفعنا ثمنا غاليا لقاء طمس الحقيقة وإخفائها، وهو الدرس الذي يبدو أننا لا نريد تعلمه أبدا.
ما لم يقله فهمي هويدي هو أننا مارسنا ما نجيده: التلفيق..ألا ترون إلى الضحية يعذب حتى الموت ثم يتهم أنه هو الذي أحدث الإصابات بنفسه.. وتقفل أوراق التحقيق على هذا..
أوراق التحقيق في المباراة المنكودة كان يمكن أن تغلق.. لولا أن لها شق خارجي.. حيث لا ولاية لأمن الدولة والأمن المركزي والحزب الوطني.. لذلك كانت فضيحتنا حتما مقدورا.. تماما كما حدث في قضية سوزان تميم!!.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة السطور ..
لقد كتب جلال أمين 21 نوفمبر-الشروق:
في هذا المناخ الهستيري لابد أن يحاول كل من يستطيع من ورائه تحقيق نفع خاص له، أن يفعل ذلك. فالمتبطلون عن العمل يحملون الأعلام الملونة ليبيعوها لأصحاب السيارات الذين ليس لديهم شيء يفعلونه أفضل من السير في الشوارع والضغط على زماراتهم، وأصحاب الجرائد يتنافسون على كيفية نقل الأخبار السعيدة للجمهور: هل يكتبون في المانشيت العريض، وباللون الأحمر نتيجة المباراة، أم يكتفون بكلمة «مبروك»، على أساس أن الجميع سوف يفهم المقصود، إذ هل يفكر أحد إلا في تلك النتيجة الرائعة: (اثنين صفر)؟.. والوزراء الذين لم يفعلوا شيئا واحدا يجلب لهم حب الناس، ذهبوا للتهنئة والوقوف إلى جانب الفريق المنتصر ليظهروا في نفس الصورة، بل وقيامهم بتهنئة رئيس الجمهورية نفسه باعتباره سببا من أسباب هذه النتيجة الباهرة. والشاب الذي يطمح للحصول على منصب رئيس الجمهورية لا يجد طريقة لكسب قلوب الناس أفضل من أن تظهر صورته وهو يهنئ الفريق، حتى يعتقد الناس بأنه يشعر بنفس ما يشعر به بقية الناس وينبض قلبه بنفس ما ينبض به قلب الشارع المصري.
ما أسهل الأمر إذن في ظل هستيريا من هذا النوع. الجميع قد تم تخديرهم، ومن ثم يمكن أن نفعل بهم أي شيء، ويمكن الحصول منهم على أي شيء قبل أن يستردوا صوابهم.
أما الحديث عن أن هذه صورة من صور الوطنية، ودليل على قوة شعور المصريين بالانتماء لبلدهم، وعلى الإجماع على حب الوطن: بدليل أن الرجل والمرأة، المسلم والقبطي، الكبير والصغير، الغنى والفقير، كلهم اجتمعت قلوبهم على شيء واحد وهو أن تنتصر مصر على الجزائر، مثل هذا الحديث لا يجب أن يخدع أحدا. إن الحماس الشديد قبل المباراة وأثناءها وبعدها ليس سببه الحب الشديد للوطن، بل سببه هو نفس هذه الظاهرة التي أتكلم عنها: ظاهرة الجماهير الغفيرة. الحماس يشتد لمجرد أنك أصبحت جزءا من جماعة كبيرة جدا، والصياح يعلو لأنك ترى وتسمع آلاف من الناس يقومون بالصياح مثلك، والزمامير تشتد لأنك تعرف أنك واحد من آلاف الزمارين والطبالين، أما حب الوطن فلا يمكن أن يشتد لأنك صوبت الكرة في الاتجاه الصحيح مرتين بينما لم ينجح شقيقك الجزائري في ذلك مرة واحدة.
هذه الهستيريا هي أيضا في رأيي (وليس حب الوطن) السبب في ندبة البكاء الشديد التي استسلم لها بعض أعضاء الفريق المصري ومدربهم بمجرد انتهاء المباراة.
إنها تفريج مفاجئ عن شحنة زائدة من التوتر والتشنج ولّدها اشتراك الآلاف المؤلفة من الهتاف والصياح في نفس الوقت.
وكتب –أيضا- في 25 نوفمبر:
طالعت الكثير مما يكتب تعليقا على ما حدث، وكثير منه للأسف يؤجج النار ويزيد المشاعر التهابا. من بين الدوافع لهذا الموقف المؤسف من بعض الكتاب والإعلاميين، بل وأيضا بعض السياسيين، الطمع في تحقيق مكسب شخصي أو سياسي من وراء هذه المؤازرة، عن طريق الظهور بمظهر الوطني الذي يدافع عن حقوق شعبه وكرامته. ولكن حتى إذا كان الدافع لدى الكاتب هو مجرد الشعور الغريزي بالوقوف إلى جانب أهل بلده ضد أهل البلد الآخر، فأظن أنه موقف غير حميد أيضا. إذ المفترض في الكاتب الذي يعلق على الشئون العامة أن يكون أعقل من غيره، وأكثر قدرة على التروي فيما حدث، وعلى رؤيته في إطاره الأوسع، ومن خلال معرفته الأوسع بتاريخ العلاقة بين البلدين وبمشكلاتهما المشتركة.
المفروض في المعلق على هذه الأحداث أن يكون قادرا على إدراك ما يمكن أن يترتب على تدهور العلاقة بين مصر والجزائر، من عواقب وخيمة، كالعجز عن توحيد موقفهما إزاء مشكلات أكبر بكثير من مشكلات كرة القدم وكأس العالم، كالقضية الفلسطينية مثلا، والعجز عن تحقيق تعاون اقتصادي أكبر يساهم في الإسراع بتحقيق التنمية المنشودة في كلا البلدين، والعجز عن تحقيق الحماية اللازمة والمعاملة اللائقة لمواطني كل من الدولتين المقيمين في الدول الأخرى..الخ. إن إدراك أهمية هذه الأمور بالنسبة للانتصار والانهزام في مباراة لكرة القدم من شأنه أن يمنع الكاتب أو الإعلامي من المساهمة في تأجيج المشاعر وفى زيادة النار اشتعالا.
ثم واصل الكتابة في5 ديسمبر:
ثم فوجئنا بالأمر يتكرر في مناسبة مباريات كرة القدم بين مصر والجزائر. لا ينكر أحد أن انتصار مصر في كرة القدم شيء عظيم، كما أن حصول مصري على رئاسة اليونسكو شيء عظيم أيضا. ولكن الانتصار في مباريات رياضية ليس قصة حياة أو موت كما بدا من تصرفات الرئيس وولديه إزاء هذا الموضوع. والأرجح في نظري أن الرئيس وابنيه تعاملوا مع مباريات كرة القدم كجزء من الجهود المبذولة لتجميل صورة الابن الراغب في الحلول محل والده في رئاسة الجمهورية، وكذلك لتجميل صورة الرئاسة كلها، وذلك بإلصاق صورة الرئيس وولديه بصورة الفريق المصري لكرة القدم، والمبالغة في الحفاوة بالفريق ومدربه، وكأنهم مقبلون على معركة حربية. ولكن حدث هنا أيضا أن ضحت الدولة باعتبارات السياسة الخارجية ومصالح قومية في سبيل الانتصار في المباراة، وجعلت علاقة مصر بدولة عربية مهمة، وهى الجزائر، متوقفة على النجاح أو الفشل في مباراة لكرة القدم.
قيل لنا أيضا إن مكافآت خيالية سوف تمنح للاعبين ومدربهم إذا فازوا في المباراة، وهى مكافآت لا تتناسب مطلقا مع إمكانات بلد فقير كمصر يحتاج إلى توجيه مثل هذه الأموال إلى أوجه أكثر أهمية بكثير، كما يحتاج إلى إظهار كرم أكبر في تشجيع شباب مصر على الاتجاه إلى تنمية قدراتهم ومواهبهم في أعمال أكثر مساهمته في نهضة هذا البلد من لعبة كرة القدم.
ثم انتهت المباراة بالخسارة فما الذي حدث؟
بدلا من ترك الفريق ومدربهم يتأملون ما حدث، ويحاولون التعلم من التجربة واكتشاف الأخطاء أملا في الفوز في مرة مقبلة، استقبلهم الرئيس وابناه بما لا يقل عن استقبال الفاتحين العظام، واحتفوا بهم كما لو كانوا قد حققوا لمصر أكبر فوز في تاريخها، مع أنهم لم يفوزوا أصلا، وإذا بهم موعودون بالمكافأة على الفشل، كما وعدوا من قبل بالمكافأة على النجاح، ولا شك أنه قيل لهم نفس ما قيل من قبل لوزير الثقافة بعد فشله، أي «ارموا من وراء ظهركم»، أي لا تهتموا بأي شيء، ولا تدعوا هذا الذي حدث يعكر من صفوكم، فليس المهم ما أصاب الناس من خيبة أمل بل المهم هو استمرار الرئيس في رضاه عنكم. ليس المهم هو ما حدث من قطيعة بين مصر والجزائر، بل المهم هو استمرار الرئيس وأسرته في الحكم منصبه كل هذه المدة الطويلة.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة السطور ..
لقد كتب الكاتب الشهير سلامة أحمد سلامة يوم 25-11 في صحيفة الشروق:
وفى الحديث الذي أدلى به السفير المصري في الخرطوم لـ«المصري اليوم» دلائل كافية على ضرورة محاكمة المسئولين في القاهرة الذين كانوا على علم بما يجرى في الخرطوم من استعدادات لاصطياد المصريين، ومع ذلك وضعوا أيديهم في ماء بارد دون اكتراث بالنتائج، ظنا منهم أن إلقاء اللوم كله على الجزائريين ــ شعبا وحكومة ــ سوف يعفيهم من الحساب.
ولهذا السبب، جاءت نغمة التحريض والتهديد والوعيد على لسان جمال وعلاء مبارك، مثل طبل أجوف.. لأن التهديد بالانتقام من الجزائريين بحجة أن مصر دولة كبيرة، ولن تسكت على ما وقع من إساءة لها، ليس هو الأسلوب الأمثل في الرد على عدوانية الغوغاء الجزائريين. وزاد وزير الإعلام المصري الذي قاد حملة الدعاية والهجوم ضد الجزائر، فأعلن أنها اتخذت موقفا عدائيا من مصر.. حتى قبل المباراة المشئومة. وتوعد بقطع العلاقات الثقافية والفنية والسينمائية.. وهذه كلها تخبطات سياسية، لأن مصر لا تحتكر هذه العلاقات ولا تنفرد بها.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة السطور ..
كتب محمد عبد الحكيم دياب في القدس العربي 12-12
لم يكن لهذه الحرب أن تندلع لو لم تكن القوى الانعزالية قد أحكمت سيطرتها على السلطة والثروة ووسائل الإعلام وأدوات تشكيل الرأي العام، ولم يكن هذا ليحدث دون ذلك التحريض السافر والمتبادل المتجاوز لكل حد، ولو لم يكن هناك فراغ سياسي وإداري وفكري قاتل ما وجد التعصب طريقه إلى عقول المحرضين، وعضلات وهراوات المشجعين . فجهل هؤلاء بواقع بلديهما وتاريخهما المشترك كان الأرضية التي صنعت ذلك التعصب والعنف المصاحب له، وأدت إلى التهليل لتصريح علاء مبارك، الابن الأكبر لحسني مبارك . فبعد أن اعتاد الناس على تصريحات جمال مبارك المستعلية المتغطرسة. وجدوا أن أخاه الأكبر يدخل منافسا له بعد صمت دام دهورا . ليصب زيتا في مرجل التحريض والفتنة . سبقته مطبوعات وفضائيات، حكومية وخاصة . وقد بدأت التحريض فضائية يمولها رجال مال وأعمال سعوديون. تولت إشعال فتيل الحرب قبل المباريات بعدة أسابيع، و لم تتوقف عن التحريض حتى تحقق هدفها، وأحدثت شرخا غائرا في جدار العلاقات المصرية الجزائرية .
والتركيز على تصريح علاء مبارك بعد هذه المدة، ذلك لأنه كان بمثابة بلاغ للناس يقول فيه أن البيت الحاكم يؤيد التحريض، ويوافق على إشعال نيران الكراهية، وللتذكرة فإن ذلك التصريح جاء في فقرة من برنامج واسع المشاهدة في التليفزيون الحكومي المصري بعد خمسة أيام من انتهاء تلك المباراة التي فاز فيها فريق الجزائر. اتصل النجل الأكبر هاتفيا بمقدم البرنامج قائلا : 'ما حدش يقولي لا جزائر ولا عروبة . دي مصطلحات لا بتودي ولا تجيب ' وأضاف 'أنه لن يقبل أي اعتذار حتى لو كان من الرئيس بوتفليقة نفسه ' وكأنه رئيس ثالث مضاف إلى ثنائية الرئاستين بشذوذهما وعشوائيتهما، لتتحول الثنائية الرئاسية إلى 'ترويكا' عائلية. وادعى كثيرون أن التصريح اكسب علاء مبارك شعبية واسعة، وحوله من مقاول ورجل متفرغ لرعاية مشروعاته الخاصة واستثماراته وصفقاته إلى مسئول معني بالأمر العام، ومحرض للجمهور الكروي وغير الكروي على 'أعداء الوطن' من الكرويين وغير الكرويين، ووطن علاء الكروي لم يكن ينقصه التحريض . زادت مكالمته الشرخ اتساعا . وكما أشتعل فتيل الفتنة في مصر اشتعل في الجزائر، وتولته صحف جزائرية عامة وخاصة. المهم أن أباطرة الكرة، وفرق الانعزاليين والمطبعين، وجماعات رجال الأْعمال، وأعضاء لجنة جمال مبارك.. المعروفة باسم لجنة السياسات، وجماعات التكفير السياسي والصحافيين والكتاب الخصوصيين، و معهم صحافيو وكتاب صحف مستقلة وحزبية. كل هؤلاء سنحت لهم الفرصة لتأجيج مشاعر الكراهية بين الكرويين من مواطني البلدين. وما نعلمه أن الدعوات الانعزالية والتحريضية تعبر عن نفسها في مصر كسياسات رسمية لممارسة الانتحار الذاتي، والتمادي في العزلة والانكفاء والتبعية الخارجية، واعتمادها أساسا لصياغة العلاقة مع المواطن في الداخل، والمحيط القومي على المستوى الإقليمي، على العكس من تعاملها مع المنظومة الغربية وامتدادها الصهيوني في الوطن العربي . وهذا أضفى على تصريحات علاء مبارك شعبية مدعاة، بين من يتصورونه خارج البيئة المنتجة لكل ما هو معاد للمواطن وتطلعاته المعيشية والوطنية والقومية والإنسانية . وزكى علاء مبارك بكلامه حربا غير مقدسة، أضعفت احتمالات التئام الشرخ بالسرعة التي عمل لها العقلاء و تمناها ذوو الرأي السديد، وهذه نقطة جديرة بالمعالجة . فالشرخ وهو يجد من يزيده اتساعا . وجد جمهورا من مشجعي الكرة، غلبت عليه عقلية القطيع . وفي هذا لا يختلف جمهور الكرة في بلدان العالم كافة . يتحرك بحماس، ويتصرف بانفعال، كثيرا ما يأتي مصحوبا بتعصب شديد وعنف أشد . من هنا لم تكن مباراة مصر والجزائر بدعا في هذا المجال، إذا كانت قد حُصرت بين جمهورها ومشجعيها دون سواهم، يتساوى في ذلك مشجعو البلدان المتقدمة والدول المتخلفة، والجمهور الأبيض والأسود والأصفر والأحمر . وكم حدث من تشاحن وإصابات، وأحيانا جرحى، وقد لا يخلو الأمر من قتلى في بعض المباريات. ومع ذلك لم تتجاوز حجمها ولا خرجت عن طبيعتها .
وقدمت الحرب الكروية المصرية الجزائرية علاء مبارك إلى الناس، محرضا في حملة جديدة لحب مصر، التي هي مصرهم وليست مصر المصريين والعرب. مواصفات هذا الحب أن يكون الشخص كارها لنفسه ولغيره. وعلى كل من يحب مصر على طريقة علاء مبارك أن يكره العرب ويحارب المسلمين، ويتبرأ من شخصيته الوطنية ويتخلى عن هويته العربية، لذا اتخذ له مكانا ضمن معسكر من يهينون مصر ويذلونها، وسوف تدفع مصر الأسيرة ثمن ذلك من دورها ومكانتها وتاريخها ومستقبلها.
ولا أكرر كلاما قاله غيري عشرات المرات واتفقوا فيه على أن من يهين مصر ويحقر من شأنها ويتفنن في إذلال مواطنيها هم من يفتعلون المعارك مع الأشقاء وياستأسدون عليهم، ويركعون أمام أعداء هذه الأمة العظيمة، فلم يجرؤ أي من هؤلاء ومنهم علاء مبارك على طلب فك الحصار على الفلسطينيين داخل غزة وخارجها على سبيل المثال .
. كل هذا بسبب التوريث. ومن أجله أوكلت مهمة صناعة شعبية مفتقدة لهذه النوعية من البشر. وهذه الشعبية المستحيلة يحتاجها البيت الحاكم لتوظيفها من أجل تنصيب الابن محل الأب. مع أن ما يلوح في الأفق المصري يشير إلى أن شعبية الوريث المفترض في الحضيض، وأن مخطط التوريث في النزع الأخير، ويلفظ أنفاسه. بعد أن حاصرته قوى وإرادة التغيير من كل جانب . ومن المتوقع أن يكون الانتصار في معركة رفض التوريث هو المدخل الصحيح لاستعادة مصر الأسيرة من أيدي مثل هؤلاء العنصريين الجدد ومن يحركهم.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة ما بين السطور..
لقد كتب الدكتور حسن نافعة في المصري اليوم 22-11:
"غير أن أحداث الأسبوع الماضي لم تكن لها صلة بالرياضة، وإنما كانت في حقيقة أمرها معركة بين نظامين سياسيين مستبدين وفاسدين لم يترددا في استخدام أبشع الوسائل والأساليب وأشدها خسة ونذالة للزج بشعبيهما في معركة كراهية، لن يخرج أحد منها مرفوع الرأس أبدا ولن ينجم عنها سوى العار والخراب الذي طال الجميع."
وكتب حسنين كروم في القدس العربي:
ماذا تريد من منافقين أقنعوا أنفسهم بأن ما قاله ابن الرئيس هو إعلان حرب على من انتصروا علينا في مباراة كرة قدم، ماذا نريد من غوغاء معدومي الثقافة اعتبروا أن كلام ابن الرئيس الغاضب، ما هو إلا كلمة السر، كدليسبس لتتحرك الجماهير بعدها نحو سفارة الجزائر مرة أخرى لتحطيم ما تبقى.
(المضحك فعلا أن عدد الإصابات في المباراة الأولى فاق عدد الإصابات في أم درمان كما أن عدد الإصابات حول سفارة الجزائر في القاهرة كان ضعف عدد الإصابات في السودان).
ويواصل حسنين كروم قائلا:
ليست كرامة مصر في التهجم على الإخوة الجزائريين، ولكن كرامة مصر في دفاعها عن حدودها، وحماية جنودها الذين دفنتهم إسرائيل أحياء في سيناء، كرامة مصر في مواجهة من قتل جنودنا وضباطنا على حدودنا الشرقية من جانب الإسرائيليين.
وكان محمود سلطان يصرخ في "المصريون" ردا على ما قيل أنه الدفاع عن كرامة المصريين: هل نسينا ما يحدث في مقار الشرطة.. هل نتذكر "عماد الكبير" وناشط "كفاية" الذي كانوا يضعون "قراطيس" الكرتون في فتحة شرجه؟!.. هل نسينا كيف اختطف الراحل الكبير عبد الوهاب المسيري وزوجته ورميه في صحراء السويس.. هل نسينا الصحفية الراحلة "نوال" التي تحرشت بها جنسيا مليشيات الوطني أمام نقابة الصحفيين المصريين؟!
وفي نفس العدد كتب جمال سلطان: أشعر باستغراب شديد من تكرار الحديث عن مذبحة تعرض لها المصريون في الخرطوم ، ثم تكون المحصلة الرسمية المعلنة عشرين مصابا يقول وزير الصحة المصري أن إصاباتهم سطحية.
أما جمال فهمي في صحيفة الدستور "اليومية"فقد قدم اعتذاره عن عدم الكتابة لهذا اليوم ، معربا عن حزنه واحتجاجه بعد إذاعة «البيان الأول» الذي أعلن نجاح عصبة ممتازة من الجهلة معدومي الحس بالمسئولية والضمير وخريجي معاهد التدريب الإعلامي في «مباحث التموين» من ركوب عقل البلد وتغييب وعي الناس وإعلان مصر سلطنة مملوكية مغلقة تماماً علي العدم والبؤس والظلم والمرض و«الزبالة»، ويديرها الأستاذان النجلان علاء وجمال مبارك من «المقصورة السلطانية» في ملاعب كرة القدم.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يجعلني –وهذا جانب من الملهاة- أترك كل اهتماماتي وأحتشد لأكتب لأول مرة في حياتي مقالا عن مسابقة كروية. بل وأؤجل مقالي عن السيرة النبوية الشريفة لأتابع طيلة شهر ما يُكتب عن موقعة أم درمان.
الكاتب الشهير في القدس العربي د. عبدالوهاب الأفندي يتناول الأمر ساخرا فيقول : "قلت لنفسي وأنا أتابع هذه الانتفاضة المباركة من أجل كرامة شعب مصر: يا لها من بشرى سارة! فلن يهان مصري بعد اليوم، ولن تضام حقوقه، أو يعتقل بغير حق، أو يتعرض للتعذيب، أو يختطف من قبل مخابرات أجنبية ويعاد إلى مصر حيث يجد كل شيء إلا الكرامة. بنفس الدرجة أشفقت على قادة تلك الأجهزة البوليسية التي امتهنت إهانة وتعذيب المصريين في مراكز الشرطة ومعتقلات الأمن، والمصير المظلم الذي ينتظرهم، هم وأولئك البلطجية الذين تحرشوا بالمصريين والمصريات، وقاموا بالاعتداء على الحرائر في وضح النهار، وعلى مرأى من الشرطة. فهم ومن يقف وراءهم سينالون جزاءهم العادل.الويل والثبور كذلك لمن زوروا إرادة المصريين في الانتخابات، ومنعوا المواطنين والمواطنات من الإدلاء بأصواتهم باستخدام كل أساليب البلطجة، ويا له من مصير بائس ذلك الذي ينتظر من روج لأن الشعب المصري يمكن أن يورث كالمتاع ولن تكون له كلمة فيمن ينبغي أن يقود البلاد. أما أولئك الدبلوماسيون الذين مرغوا سمعة مصر في التراب وجعلوها تابعة ذليلة لأمريكا وحاجباً عند نتنياهو، فإنهم سيحسدون ضحايا الثورتين الفرنسية والبلشفية على ما لقيه أولئك من معاملة رحيمة."
ثم يستطرد الأفندي قائلا في سخرية قاتلة:"ربما تكون الخطوة التالية من يدري، فليس ذلك على الله بعزيز- أن يتذكر الحكام وبطانتهم أن للأمم والدول أيضاً كرامة. لقد كان معروضاً على الجزائريين يوماً أن يكونوا مواطنين كاملي المواطنة في فرنسا ولكنهم قاتلوا وبذلوا مليون شهيد لأنهم يريدون وطناً مستقلاً. أما اليوم فإن الجزائري يستشهد حتى يصبح كناس طرق في فرنسا. وحتى عهد قريب كانت مصر تدافع عن كرامة كل العرب وكانت كرامتها محفوظة مصانة. أما اليوم فإن غاية الكرامة أصبحت عند البعض هي أن تصبح مصر بواب نظام الاحتلال في غزة والمكان الذي يقضي فيه نتنياهو حاجته. فعسى أن نكره انتفاضة السفه والعصبية ويجعل الله فيها خيراً كثيراً، إذ ليس هناك شر مما نحن فيه!"
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يجعلني بعد التغطية الإعلامية المذهلة والشحن الهائل أضمها إلى المواقع الكبرى في التاريخ.. فكأنها معركة شالون أو اليرموك أو هيستينجر أو عين جالوت أو حطين أو بوفين أو القسطنطينية أو كريسي أو أنقرة. بل إنني أتحدى 99% من جماهيرنا المناضلة إن كانت تعلم عن غزوة بدر معشار ما تعرف عن موقعة أم درمان.أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يذكرني بهزيمة 67.. كان جنودنا المساكين يفرون من الموت والهلاك والنابالم مذعورين.. وكانت جناية حكامنا عليهم أكثر من جناية الأعداء.. وكان الإسرائيليون يحصدونهم ويبيدونهم كما لو كانوا حشرات هائمة.. كانوا يقتلونهم فارين عزلا جوعى عراة.
جمهورنا المنسحب من أم درمان أيضا كان يفر من الموت والإهانة مذعورا.. وأيضا كانت جناية حكامنا وإعلامنا عليهم أكثر من جناية الجزائريين.. الفرق.. أن كل المنسحبين عام 67 كانوا شرفاء.. وضحايا..
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يذكرني
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يذكرني بغزوة حنين وبقائدها الهالك :"مالك بن عوف النضري" الذي يملك ما يملكه ولاة أمورنا من جبروت وكبرياء وجهل وبطش وحماقة، كحماقتنا في الموقعة.
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يذكرني بعبد الحكيم عامر..
ربما كان الغندور الباكي وربما كان تامر أمين..
لقد كتبت ناهد فريد الصحافية بمجلة 'صباح الخير وهي تكاد تلطم الخدود: هل منكم من يدلني على تليفزيون في العالم يطلب فيه المذيع الخروج إلى فاصل وهو على الهواء، لأنه مزنوق وعايز يدخل الحمام؟! هذه السابقة الأولى على مستوى العالم، حدثت في التليفزيون المصري والرائد الأول لها كان 'الإعلامي' تامر أمين في 'البيت بيتك'، الأستاذ 'تامر' قام بهذا كرد فعل على حديث لم يعجبه أو لم يساير هواه للفنان فاروق الفيشاوي، والأخير كان يطالب بالتعقل في معالجة الأحداث عقب المباراة.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة ما وراء السطور..لماذا قال علاء مبارك لبرنامج البيت بيتك: بأنه لن يقبل أي اعتذارات حتى وإن كانت من الرئيس الجزائري بوتفليقة، لماذا قال « محدش يقول لى جزائر وعروبة لأن دي مصطلحات لا بتودي ولا بتجيب».
ثم عاد السيد علاء مبارك إلى الحديث قائلا: « لقد صرح السفير الجزائري بأنه لن يعتذر للجمهور المصري، إيه البرود والتلامة والتناحة دي، يعنى إيه ما اعتذرش لمصر، لو كان لديه كرامة ومروءة يجب أن يعتذر، وأتعجب عندما يعلق على تصريحاتي ويقول بأنها ليست لغة أبناء رؤساء، وأنا بقول له شيلني من خانة أبناء الرؤساء، ولو كلمتهم بلغة أبناء الرؤساء فلن يفهموها، فأنا أتكلم بديلاً عن السواقين والناس اللي على القهاوي وحبايبنا اللي مش عارفين يتكلموا ».
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية دفعني لمحاولة قراءة ما تحت الجزء الطافي من جبل الثلج..
هل كان الخلاف حقا بسبب الكرة؟ أم كان ثأرا من منافسات الرأسمالية المتوحشة..
نشرت بعض الصحف أن الخلافات ما بين كبار أولى الأمر في مصر والجزائر تفجرت بسبب صفقة طائرات تقدر قيمتها بمليار دولار وكان الوسيط فيها سيحصل علي عمولة تقدر بمائة مليون دولار، لعبت أصابع وتدخلت سلطات فانتقلت العمولة من جيب إلى جيب فاشتعلت نيران الانتقام، إلا أن نيران الحقد داخل من خسر المائة مليون استمرت مستعرة إلى أن جاءت مباراة الجزائر حيث وجدها الطرفان فرصة لتصفية خلافاتهما وتوظيف الشعبين فيها.
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية جعلني أنظر في ذهول فقد تحرك الجهاز الإعلامي كله واشتعل بإشارة من يد الأستاذ علاء مبارك ثم انطفأت النار جلها بإشارة من وليّ أمره فبدا لي الأمر كما لو كان ثمة "سيرك " هائل يوجد به آلاف الحيوانات من فصائل مختلفة لكنها جميعا تستطيع أن تفهم في نفس اللحظة وأن تستجيب ذات الاستجابة لإشارة مدرّبها. بدا كما لو أن الأستاذ علاء ألقى إليهم بمقطوعة موسيقية فأخذ كل منهم يعزف ذات المقطوعة على ما تيسر له من آلة. ثم بدا أن الرئيس مبارك قد أعطى إشارة التوقف فخرس الجميع كما لو كانوا آلات فصل التيار الكهربائي عنها.
أظن أن هذا الوضع ليس له مثيل في التاريخ.. لم يحدث مثله أبدا إلا في السينما والمسرح وعلى نطاق أضيق بكثير. حتى جورج أورويل-رغم عبقريته- لم يتخيل "في رائعته 1984" إمكانية حدوث مثل ذلك.
***
ترى.. ماذا كان يمكن أن يحدث لولا وجود مبارك كي يكبح جماح الحداثيين والليبراليين ولوبي الرأسمالية المتوحشة حوله ويمنعهم من تدمير كل شيء.لكن.. هل هناك خلاف أو اختلاف بين الرئيس وبين أبنائه؟
أنا شخصيا أظن ذلك..
ولكن البعض يراه فرق الخبرة والنزق.. فرق الحكمة والطيش وأنه لا يعبر عن اختلاف في وجهات النظر بقدر ما يعد اختلافا في التعبير عنها وفي تقدير ما يجوز إعلانه وما يجب حجبه.
نعم .. يرى البعض ذلك الفرق كالفرق بين حسن حنفي وسيد ألقمني..
كلاهما نفس الشيء..
لكن الأسنّ أعقل!.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية كشف لي خطة الحكومة العبقرية.. لقد اتبعت خطة الوالي الذي ولاه الحجاج على إحدى الولايات مهددا إياه بالويل والثبور إذا لم يحقق الأمن.. فذهب الوالي وحقق الأمن والأمان بجملة واحدة.. لقد أقسم أيمانا مغلظة أنه كلما جاءه خصمان فسيقتل الظالم والمظلوم. وفضل الناس جميعا أن يحلوا مشاكلهم بعيدا عن عين الوالي وجلاوزته وعسسه. ومهما بلغت البلطجة لم يكونوا يلجئون إلى الوالي أبدا.. وبدت الولاية أمام عيون الحجاج تنعم بالأمن. لكن حكومتنا تفوقت على الحجاج. لقد أغلقت المنافذ أمام الأمة ولم تترك إلا منفذين أحدهما للكرة والآخر لأنفلونزا الخنازير.. فكان ما كان.
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يجعلني أجهش ضاحكا أو أقهقه باكيا!.. تذكرت فتنة نشبت بين قبائل عربية، فتنة كتلك التي نشبت في أم درمان، في الفتنة العربية القديمة كانوا يقتلون الناس على الهوية، أمسكوا واحدا فسألوه من أي القبائل هو؟ احتار الرجل، لم يدر هوية السائلين كي يجيب جوابا ينجيه، وفجأة.. التمع الحل كالبرق في رأسه فقال لهم:
- أنا ابن زنا..
فهل كانت إجابة كهذه تنقذ الفارين المذعورين؟.
هل هالتكم بشاعة الإجابة..
فما رأيكم إذن فيمن سفّه تضحيات شعب قد تكون التضحيات الأكبر في التاريخ ليصف هذا الشعب بأنه شعب المليون لقيط..
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية جعلني أستعيد التاريخ منذ عام 1952..هذا نظام شر كله كذب كله..
كان الشر موجودا قبل ذلك والكذب.. لكنه كان استثناء يستتر.. أما بعدها فقد أصبح هو القاعدة ودونه استثناء.
لقد بدأت موقعة أم درمان الكروية بكذبة أن اللاعبين الجزائريين هم الذين حطموا حافلتهم في القاهرة وهم الذين أصابوا أنفسهم. وبعد خراب مصر –ومالطة- اعترف الدكتور مفيد شهاب بأننا كذبنا.
كنا خائبين حتى في الشر. يقول علاء صادق «لم نكن فاعلين ولو في الضرب»، فشلنا فيها جميعا بامتياز، وبدلا من المحاسبة قمنا بحملة ردح عشوائية وغير مسبوقة اتسمت بالفوضى واستهدفت كل الشعب الجزائري وخرج بعض أشباه الفنانين في حملة ردح مسيئة لكرامة مصر قبل أن تكون لكرامة الجزائر. المهم أنه كان طبيعياً جداً بعد انتهاء هذه المباراة بالهزيمة وهو أمر متوقع - أن يبادر جهلاء وغوغاء وأغبياء في البلد الآخر برد الصاع صاعين.
***
هذا نظام يتنفس كذبا..ألم يكن الانقلاب على محمد نجيب وعلى الإخوان المسلمين عام 53 و 53 كذبا؟
ألم يكن حادث المنشية عام 54 كذبا قارحا قام النظام على إثره بمحاولة تحطيم أقوى دروع الأمة ضد أعداء الخارج والداخل.. درع الإخوان المسلمين؟..
ألم تكن محكمة الثورة كذبا.. ومحكمة الشعب كذبا.. وأسباب إلغاء القضاء الشرعي كذبا.. والتهم الملفقة أيضا كانت كذبا وحيثيات الأحكام كانت كذبا وقرارات النيابة كانت كذبا وادعاءات القوة كانت كذبا لنصل بعدها إلى الكذبة الكبرى حينما ادعينا الانتصار عام 56 وكانت في الواقع هزيمة فادحة.. ودفعنا ثمن الكذبة كاملا حين هزمنا عام 67 هزيمتنا الأكبر..
لماذا يلومون عبد الحكيم عامر أنه حارب في عام 67 بنفس طريقة حربنا في عام 56.. ألم يتحرك جهاز الإعلام الأخطبوطي أيامها ليقنع الجميع بالنصر المكذوب عام 56. لقد فعل الرجل نفس الشيء عام 67.
لقد اندفع جيشنا إلى سيناء عام 67 بنفس المنهج الذي اندفعت به قوات أمننا للقبض على الإخوان المسلمين..
لذلك انهزموا في الأولى وانتصروا في الثانية..
لا والله.. بل انهزموا في المرتين..
هذا نظام يتنفس كذبا..
أليست كل انتخاباتنا كذب وزور..
أليست كل إحصائياتنا وبياناتنا كذب وزور..
أليس كل إعلامنا كذب وزور..
أليس أشرف من فينا في السجون أو القبور أو الجحور وأخس من فينا يرفلون في السرور في الحصون وفي القصور.
لقد مارسوا البطش دائما في الداخل فتعودوا على الانتصارات على أيدي ضباط أمن الدولة وجنود الأمن المركزي.. فإذا ما تعرضوا لأي احتكاك حقيقي مع العالم الخارجي هزموا شر هزيمة..
إلا أننا نتميز على العالمين بميزة كئيبة.. أن هزائمنا تكون شاملة مطلقة كهزيمتنا عام 67 وصفر المونديال وفاروق حسني.. و.. و..
هناك البعض ينهزم نصف هزيمة.. ربع هزيمة.. هزيمة يمكن التغطية عليها.. أو هزيمة يمكن تبريرها.
لكننا دائما هزائمنا شاملة..
أو أننا نستطيع إخفاء كل الهزائم التي لا تصل لدرجة الهزيمة الشاملة.. بالكذب وبالتزوير .. وبإعلامنا الجبار.
تعودنا على ذلك..
ولولا تعودنا على ذلك ما فعل هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري ما فعلاه..لقد تعودا-باعتبارهما مثلين نموذجيين لرجال السلطة- على ارتكاب ما يشاءون من جرائم دون أن يردعهم أحد.. ولكن الخطأ الذي وقعا فيه هذه المرة أنهما ارتكبا جريمتهما إلى حيث لا يستطيع الحزب ولا الأمن الجبار ولا المستشار عادل عبد السلام مساعدتهم.. فانفجرت الفضيحة التي سيدفعان حياتهما ثمنا لها.. وأخشى أن تدفع مصر مستقبلها ثمنا لحماقة بعض أبنائها.
***
كل حياتنا كذب وكل المسئولون يكذبون وكل الصحف تكذب وكل الفضائيات تكذب ولا أحد يحاسب أحدا.. حتى أن أصغر فرد في جهاز الأمن الباطش الجبار يستطيع أن يلفق تهمة لأي مواطن قد تكلفه عمره دون أن يستطيع أحد إثبات جريمته.. ظللنا نكذب ونكذب ونكذب منذ أكثر من نصف قرن حتى أهملنا العالم فلم يعد يلق بالا إلى ما نقول.
نعم ألقى العالم ما نقول وراء ظهره..
"أما تعبير وراء ظهره هذا فقد قيل في حق مدرب الفريق المصري والفريق القومي بعد الهزيمة.. ولقد أدهشني التعبير.. لأنه استعمل قبل ذلك مع وزير الثقافة بعد هزيمته في اليونسكو.. حيث تساءل البعض أيامها: لماذا طُلب منه أن يلقي ما حدث وراء ظهره؟ لماذا وراء ظهره بالذات؟!.. لماذا لم يُقل له على سبيل المثال: "أعرض عنه".. أو: "انسه"..أو "ألقه جانبا" .. أو "تسام عنه".. أو انأ عنه ( من نأى ينأى بمعنى يبتعد).. لماذا تعبير وراء ظهره ؟.. ولماذا استعمل نفس التعبير مع منتخبنا الكروي.. أم أن ذلك كله بسبب سيطرة الرعاع والسوقة وأبناء الشوارع على ثقافتنا؟!.
***
كيف تدنى إعلامنا لهذه الدرجة..
يذكرني إعلامنا بواقعة حدثت منذ أربعين عاما..
كنت طبيبا حديث التخرج أعمل بأحد المستشفيات.. ذات يوم جاءتني في استقبال المستشفى حالة مريضة محولة من جراح كبير. كانت المرأة متبرجة يشكل مستفز. كانت حالة التهاب في المرارة. أجريت الكشف الطبي وراجعت بياناتها.. كان اسمها "سماسم".. أما العمل فكان : فنانة.. والعنوان : شارع محمد على.. بمجرد انتهائي من فحصها وعند تحويلها إلى القسم الداخلي لإجراء جراحة استئصال المرارة فوجئت بحشد من الزملاء والموظفين والعمال بل ومن جيران المستشفى.. كانوا ينظرون إلىّ في حسد وكأنما أتيت أمرا خارقا للعادة.. وسألني أحدهم في وله مجنون:
- هل كلمتها؟ .. هل ردت عليك؟.. بماذا شعرت وهي جالسة أمامك؟..
وأجبته:
- شعرت بالاشمئزاز والقرف!
وتدخل آخر قائلا:
- إنها راقصة شهيرة جدا في شارع محمد على.. إلا أن الأهم من الرقص أنها تدير شبكة كبرى للأعمال المنافية للآداب بقيادتها ومشاركتها.
في اليوم التالي أجرى الجراح الكبير جراحته.. ومرت الأيام الأولى بسلام لكن سرعان ما بدأت مضاعفات خطيرة انتهت بموت "سماسم". وانفجر شارع محمد على..
انفجر انفجارا ذكرني به إعلامنا بعد موقعة أم درمان الكروية..
فوجئنا بحشود من الفنانات –الراقصات- والطبالين والزمارين والهيئات المعاونة لكل أولئك ( عادة يكونون فنانين سابقين فشلوا أو تقدم بهم العمر فلم يعودوا يصلحوا لما تصلح له "سماسم" وزميلاتها ).. جاءوا بصحبة فرقتهم الموسيقية.. وظلوا ثلاثة أيام يطوفون بالمستشفى وهم يغنون أغاني شديدة البذاءة والفحش. قال الطبال أنه سيقتل الجراح. وقال مساعده أنه لن يترك من الأطباء أحد إلا ونكل به.. ولما عجزوا عن العثور على الطبيب اكتفوا بحملة التجريس التي استمرت ثلاثة أيام. استنجدنا بالشرطة فاكتفت بحماية المستشفى من الخارج. نالهم من البذاءات نصيب. كنت واحدا من المحاصرين لكن ما قلل وطأة حصاري أنني كنت مقيما بالمستشفى ولم يكن ثمة فرصة للاحتكاك.. الذين كانوا يضطرون للخروج كانوا يتسللون بين زوار المرضى بعد أن يتخلصوا من كل ما يمكن أن يفضح هويتهم. وعلى الرغم من الهروب والتسلل فقد تعرض بعضهم لانتهاكات فظيعة وتعرضت بعض الممرضات –بل وبعض الموظفين أيضا- لتحرشات فاحشة. قال لي أحد الزملاء:
- ليسوا فنانين.. إنهم عصابة تمثل أحط ما في البشر من صفات وأخس ما فيهم من خطايا.. ليس للآثام التي يمكن أن يرتكبوها سقف.. لا يردعهم رادع ولا يصدهم وازع ولا يمنعهم مانع ..لا يرقبون إلا ولا ذمة.. حثالة بشرية من الساقطات والشواذ.
ولم أكن أعرف نسبة ما في حديث الزميل من صدق.. وما إذا كان قد تعرض لجرح شخصي زاد من نقمته أم أن رأيه فيهم كان موضوعيا.
لم أعرف..
لكن الواقعة كلها تداعت في ذاكرتي حية وأنا أتابع الإعلام في موقعة أم درمان باحثا بين وجه المذيعين والمذيعات (وهم يتوعدون الجزائريين في الشوارع بالقتل ويستأذنون لقضاء الحاجة على الهواء) عن وجه" سماسم" ووجه "الطبال" و"الزمار" والحاشية السافلة ..
وكنت واثقا أن سماسم أشرف وأن الطبال أفضل!
***
إنني لم أذكر حكاية الراقصة والطبال والزمار الذين يتسترون خلف الفن ليمارسوا الأعمال المنافية للآداب لإمتاعكم يا قراء ولا لكي أذهب الملل عن نفوسكم. بل ذكرتها لأنها تصلح مثلا عما أريد أن أوضحه.
فلنتساءل إذن عن كنه القيم الأخلاقية للراقصة وحاشيتها. وهل لهم قيم أخلاقية مستقلة أم أنها مرتبطة بصاحب الملهى. لا أظننا سنختلف. إن صاحب الملهى هو صاحب الرأي الأول والأخير. لأن العرض دائما أكثر من الطلب. ولو خرج عن طوعه أي واحد أو واحدة فإنه يستبعده على الفور ويكون التنافس الحقيقي بين أعضاء الفرقة على مزيد من الفحش في الأعمال المنافية للآداب فذلك أدعى لمكاسب أكثر ورضا أكبر.
ولا ريب أنهم يتبعون مذهب الفيلسوف اليوناني أبيقور الذي يقرر أن سبب أحزان البشر أمران: إيمانهم بوجود إله يتابعهم ليعاقبهم، وفزعهم من الموت، وأنه لابد من الكفر بالأمرين كي لا نشقى!..
أبيقور هذا كان فيلسوفا يونانيا عاش قبل 23 قرنا.. وكان حداثيا!.
***
لنترك فريق الرقص ولندلف إلى نموذجنا الذي نريد تفسيره..
نموذج رجال وسيدات الإعلام والفضائيات الذين واللائي شاركوا وشاركن في مهزلة/مأساة موقعة أم درمان.
إنهم مجرد أدوات توظف لغرض من عينهم.. وهو الذي يضع لهم المقاييس والقانون..
إنهم كصفوف الجواري والعبيد لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا.
دعنا الآن ممن عينهم.. لكن لنضع في الاعتبار أنهم من القوة بحيث لم يخافوا من رئيس الجمهورية فلم يرضخوا تماما لأوامره بالتهدئة. فلنقل إذن أنهم رغم ضعفهم يستترون خلف مركز قوة خطير. مركز القوة هذا يتبع فلسفة ما تفسر عمله. هي المعادل لفلسفة أبيقور. هذه الفلسفة هي الحداثة. والحداثة إحدى تجليات العلمانية.
***
إن الكثيرين من القراء الذين لم يتمرسوا بالقراءة الفلسفية ينخدعون ببساطة في الألفاظ والمصطلحات. إنهم يعتمدون على المعنى القاموسي للكلمات. والأمر في الفلسفة أبعد ما يكون عن هذا، حتى أن البعض يقول: لقد أعيتنا الحداثة وما بعد الحداثة، ففي اللحظة التي نعثر على تفسير لهما، يكون المعنى قد تغير.
وإن الكثيرين جدا يشعرون بالسعادة عندما يُقال لهم أن رئيس الجمهورية المقبل سيكون من الحداثيين والليبراليين الجدد.. إن القارئ العادي يخلط مابين الحداثة والتحديث.. وما بين الليبرالية والحرية.
لا يسأل القارئ العادي نفسه عن معنى الحداثة. ولا يدرك أنها تعني الكفر. بلا زيادة وبلا نقصان. ولأن الحداثيين يدركون ذلك.. ويتجنبون الصدام بالأمة قبل الأوان.. فإنهم يهاجمون بمنتهى العنف أي محاولة لكشف العلاقة الحميمة بين الحداثة والكفر.
إن الحداثة هي مشروع نزع الألوهية عن العالم (dedivinization project) وهو يعني ألا يعبد الإنسان شيئاً ولا حتى ذاته، ولا أن يجد في الكون أي شيء مقدَّس أو رباني أو حتى نصف رباني. ومن ثم، لا توجد مقدَّسات أو محرَّمات من أي نوع.
وعلى هذا، فإن التحديث -بالنسبة لرورتي وآخرين- هو نسيان نشط للتاريخ والذات، أي أنه بمثابة تجريد للإنسان من ذاكرته التاريخية بعد أن جُرد من مكانته كمركز للكون. أما هوبز فيذهب إلى القول إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وإن الواقع هو حلبة صراع للجميع ضد الجميع.
ورغم تباين مفكري الحداثة في منطلقاتهم وتوجهاتهم، فإن ثمة اتفاقاً بينهم على أن الإنسان ليس سوى مجموعة من الدوافع المادية والاقتصادية والجنسية، ومن ثم لا يختلف في سلوكه عن سلوك أي حيوان أعجم، وعلى أن إدراك الإنسان للواقع ليس عقلانياً وإنما تحكمه مصالحه الاقتصادية وأهواؤه الجسمية. كما أنهم يتفقون في رفض فكرة المطلق (تنبه أيها القارئ إلى أن المطلق هو الله.. وهم يرفضونه ويكفرون به).
إننا نتحدث في الفلسفة لا في السياسة. ومراجعنا كتب الحداثيين الغربيين أنفسهم.. أولئك الذين يدخل حداثيونا خلفهم جحر كل ضب.
نعم.. لا يدرك القارئ حسن النية أن الحداثة هي الخطاب المدمر الموجه ضد الدين وضد القيم الإنسانية، كما أنها المخرب الأول للتراث والهوية القومية والحضارية، إنها تخريب الذاكرة ، وتدمير القواعد العامة، وتدمير سلطة اللغة والنحو و النص، وهي المدمر الأكبر للقيم والأخلاق، إنها تدمير السيادة، تدمير سيادة المعنى وأسبقيته داخل النص( تنبه أيها القارئ: النص هو القرآن). وأما عن خصائص الفعل الحداثي المقترح وصفاته وغاياته بعد هذا المسلسل التدميري فهي: توق إلى اللانهائي واللامحدد، يعيش فوضاه، وينجذب لنشوتها، إنه إيقاع الوعي واللاوعي في تجلياته التي لا ضابط لها. إن التجربة الجسدية التي يمارسها الشخص (كالجنس مثلاً) يمكن بأن توصف في ظل هذا المفهوم بأنها تجربة روحية ، والمثلية ليست عارا. بل إن الزنا يتحول إلى عمل إبداعي، والقتل نفسه مباح وكذلك كل أنواع السادية فهناك الآن من يقتلون لمجرد المتعة. لا أقصد داخل السجون والمعتقلات. وذلك هو ما يسمى: Snuff movies.
من هنا نفهم أن الجرائم التي تحدث في جوانتانامو وأبي غريب ولاظوغلي عمل طبيعي. ليس حسنا ولا سيئا. وليس مدانا أخلاقيا. إنه ليس خروجا على فلسفتهم الوضعية ولا على التلمود الموضوع. هذه الجرائم تتم داخل السياق المعرفي الفلسفي لحضارتهم. إن قيامهم بذبح البشر يتساوى تماما مع قيامنا بذبح الخراف. وقيامهم بتعذيب الناس لا يختلف عن قيامنا بدق مسمار في الحائط.. فلا فرق عندهم بين البشر وبين الحجر.
إن الجرائم عند الحداثيين ليست جرائم. إنها أمر طبيعي غير مؤثم ولا مرفوض. بل على العكس. تزوير الانتخابات كذلك. وكذلك أيضا كذب أجهزة الإعلام. وفي نفس الإطار يكون قتل سوزان تميم مبررا. وليس الخطأ في القتل وإنما في العجز عن إخفاء الجريمة. بل اللاجريمة. فليس لشيء في الوجود قيمة ولا غاية، كل شيء يدور بلا بداية ولا نهاية. وليس الهدف من الرياضة إذن تهذيب الجسد وتدريب الناس على التهاون وعلى الصراع الرقيق لتفريغ نزعاتهم العدوانية من خلال قنوات متحضرة ، لكن تدريجياً تنفصل الرياضة عن كل هذه القيم لتصبح مرجعية ذاتها، وتصبح معايير الرياضة رياضية، ويصبح إحراز النصر هو الهدف الأعلى والأسفل والوحيد، ومن هذا المنظور نقرأ إدارة المسئولين في مصر والجزائر للمباراة الأخيرة.
فلنتذكر:
الحداثي إذن لا يعرف شيئا عن الله والقرآن والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.. ليس مجرد الجهل.. بل الكفر والجحود والإنكار.
الحداثة كفر..
فإذا ما انتشر اقتناع الناس بأنها كفر.. سيبحثون لها عن اسم آخر يخدعون الناس به ولو إلى حين.
***
أمر ما، في موقعة أم درمان الكروية يرغمني على التعجيل بموضوع أريد الكتابة فيه منذ زمان طويل..إذ لم يعد يصلح أن نقول مصر والجزائر..أو العراق والكويت..أو اليمن والسعودية.. نحن أشبه بتمثال هائل تحطم.. إن علاقة الجوار بين الشظايا لا تمت بنسب إلى علاقات الجوار في التمثال السليم..يجب أن نتنبه إلى انشطارنا..إلى تمزقنا من الداخل.. إنني أكتفي هنا بالإشارة لأن الموضوع يحتاج إلى مقال مستقل. وهنا أقول وأنبه وأحذر أن شراذم شعوب أمة المسلمين وشظايا دولتهم تنقسم إلى قسمين: المسلمون أيا كانت الأسماء التي تطلق عليهم والفئات التي ينتسبون لها.. أما الشق الآخر فيغير أسماءه كما تغير الحرباء ألوانها وكلما انكشفت حقيقة اسمه ومعناه ومقصده غيرّه ليتسمى باسم آخر.. سمة كل محتال عتيد.. إنهم العصرانيون واللائكيون والعلمانيون والديموقراطيون والاشتراكيون والرأسماليون والليبراليون والإصلاحيون وأنصار الدولة المدنية.. وكلها أسماء ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. إن عداوة العلماني المصري هي ذاتها عداوة العلماني الجزائري.. وأخوة الإسلامي المصري هي ذاتها أخوة الإسلامي الجزائري.
ندوخ .. ندوخ.. ندوخ.. ثم نجد ما دخنا خلفه مركزا في حديث نبوي شريف:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ..))
إنني أعيد التنبيه على ذلك.. لأن العلمانيين المشركين في كل أنحاء العالم- وفي الصف الأول منهم علمانيو الداخل- يتضافرون معا للقضاء على الإسلام.. ومن هنا كان تحالف الفرنكفونيين في الجزائر مع الصهاينة الصليبيين في مصر على إشعال الحريق.. والعكس صحيح.. فقد حرص الإسلاميون على وأد الفتنة.
أنبه القارئ الذي يضلله إعلام خائن مضلل يطمس الحقائق ويروج الأباطيل لكي يتحرى الصواب فيما يسمع ويقرأ.
إن الأمر لم يكن مصر والجزائر.. بل الحثالة في مصر والحثالة في الجزائر.. الرعاع في مصر والرعاع في الجزائر.. والأتقياء الأنقياء الشرفاء في مصر والجزائر والعالم الإسلامي كله لا فرق بينهم.
يحضرني في هذا الصدد مثل أسوقه للتوضيح.. إذ هل يمكن اتهام الشعب المصري بموالاة إسرائيل والبراء من حماس؟.. أم أن وضع الشعب من سلطته كان نفس وضع حماس. كان معزولا محاصرا هو الآخر. ودعوني أضرب لكم مثلا آخر: إذ كثيرا ما تتهم إيران أنها ساعدت أمريكا على غزو العراق وأفغانستان.. والاتهام صحيح تماما ولكنه مضلل تماما في نفس الوقت.. صحيح لأنه حدث.. وباطل لأن الذي قام به ليس إيران.. وإنما جبهة الإصلاحيين فيها.. وهي توازي جبهة الصليبيين والصهاينة والحزب الحاكم في كل بلد عربي. إنها جبهة ضد الدولة والأمة.. وهي لا تمثل إيران إلا كما يمثل فاروق حسني الثقافة في مصر!. ولا داعي لأن أقول: كما يمثل شيخ الأزهر الإسلام في مصر!.
لا يمكن أن نقول –على سبيل المثال- أن مصر صديقة السعودية.. أو أن العراق عدوة سوريا..
للفاجعة إن مصر عدوة مصر.. والسعودية عدوة السعودية و.. و.. و..
إن كثيرا من الليبراليين والحداثيين والعلمانيين في مصر على سبيل المثال- إن لم يكونوا جميعا- يحملون كل الود وكل الإعجاب بإسرائيل وكل العداء للإسلام والمسلمين..
ينوح مظفر النواب:
قتلتنا الردة..
قتلتنا : أن الواحد منا أصبح يحمل في الداخل ضده..
أنبه لذلك.. لأننا حين نغفل عنه نحقق مخططات الأعداء في بث الفرقة والبغضاء وفي تحقيق الانقسام والتفرقة ومنع تجمع الصفوف حتى نحقق أمر الله بأن نقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة.
***
لابد أن نعي أن الهستيريا التي صاحبت مباراة الكرة لم تكن مقصورة عليها.. إنها نموذج ومنهج..وإنصافا للحق نقول أن الهستيريا المحمومة للإعلام قد أصابت كل أجهزة الإعلام المصرية إلا قليلا.. مئات..فضائيات وصحافة ومجلات وإذاعات.. فيها الحكومي والمستقل- وليس فيها في الواقع جهاز واحد مستقل وإنما هو توزيع الأدوار كما فضحها الغباء الذي كشف نفسه بينما اقتصرت هذه الهستيريا في الجزائر على صحيفتين مستقلتين.
لم يكن جل إعلامنا سوى الفرقة الراقصة وقد ارتدت أقنعة وتقمصوا دور المذيعين والمذيعات ليقوموا بإشعال نار الأزمة وفي تصويرها على أنها أزمة قومية تستوجب قطع العلاقات وطرد واستدعاء السفراء، لدرجة أن طالب أحد هؤلاء بشن حرب عسكرية على الجزائر!
لكن..
لكن أمرا ما جعل البسمة تتسلل من جديد..
كنا نصرخ وكان العالم يموت من الضحك..
كانت قنواتنا تشتعل وكان العالم كله يكذبنا ويضحك علينا ويسخر منا.
كان قطاعا ما في الجزائر قد دبر-قتل حين دبر لكنه نجح- لإهانة المصريين وترويعهم دون إحداث إصابات جسيمة أو خسائر في الأرواح. وقدّر هذا القطاع أن الجناح الغوغائي في مصر سيملأ الدنيا صياحا وعويلا.. وهو ما حدث فعلا عندما بالغ الإعلام المصري كثيرا بل وتجاوز المبالغة إلى الأكاذيب المفضوحة-كرقصة المطاوي- ولما انقشع الغبار اكتشف العالم أن عدد الإصابات أقل مما حدث في المباراة الأولي في القاهرة.
كان الحزب الوطني قد أرسل ممثليه الحقيقيين من فنانين وفنانات(ليس هناك إسقاط ولا إيحاء ولا همز ولا لمز!) وهم من صنف ينتفض هلعا لو رأى "صرصارا" على الأرض.. فعلا العويل وعلا ضحك العالم علينا.
لقد كتب عاصم حنفي في روز اليوسف: والله العظيم لو أننا سمعنا بسفر ثلاثة آلاف مواطن من جماهير الدرجة الثالثة لكان الحال غير الحال وكانوا قادرين على تحريك الحجر والتصدي للجماهير الجزائرية التي وجدت الساحة خالية فتحركوا براحتهم ومارسوا العنف غير المشروع ضد الجماهير المصرية المؤدبة.
لقد توقعت الجزائر حماقة رجالنا وجهلهم فتوقعت تصرفاتهم .. وقررت إذلالهم وفضحهم.. دون أن تترك بصمات..وكما في الميكي ماوس.. كانت الجزائر هي الفأر الخبيث.. وكنا القط الغبي الأحمق!.
تماما كما فعلت إسرائيل معنا في كل الحروب ما عدا حرب 73.. تتوقع ردود أفعالنا فتهزمنا بها وتحولنا إلى مسخ شائه أمام العالم.
حتى النيويورك تايمز الأمريكية والأوبزرفر البريطانية الواسعتا الانتشار قد نشرتا تقريرين ـ في منتهي السوء ـ يهاجمان مصر وقياداتها ويتهمانها بإشعال الأزمة..
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية أيقظ هواجسي وجعلني أعود إلى ما قاله محمد حسنين هيكل على شاشة قناة الجزيرة 7 سبتمبر 2005.. قال هيكل أنه كان مندهشا حول اجتماعات مشتركة بين الحزب الوطني وحزب العمل البريطاني فسأل:
- ماذا يفعل حزب العمال مع الحزب الوطني؟..
وأجابوه:
- أن الحزب الوطني اهتم جداً بقسمين في نشاط العمال البريطاني هما: قسم الدعاية.. وآخر يسمونه قسم العمليات القذرة.
وأود أن أضيف إلى معلومات هيكل عن العمليات القذرة أمراَ أخر جاء على لسان الرئيس الإيطالي الأسبق كوسيجا وهو الذي أرغم على الاستقالة بعد كشفه لوجود عملية جلاديو ودوره في تنظيمها. وجلاديو هي شبكة استخبارية مستقلة تعمل تحت إشراف حلف شمال الأطلسي الناتو وقد نفذت عمليات تفجير في أنحاء مختلفة في أوروبا إبان الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وتخصصت شبكة جلاديو في تنفيذ ما أطلق عليه عمليات العلم المزيف، وهي اعتداءات إرهابية يلقى اللوم في تنفيذها على أعدائها المحلييين أو العالميين.
ويقول السياسي المصري السويسري البارز الأستاذ إبراهيم صلاح أن الوثائق التي أفرجت عنها المخابرات السويسرية أمام الباحث السويسري والكاتب المعروف ألفرد جاسنر بنشر كتابه جلاديو والجيوش السرية للناتو في لندن، وفي هذا الكتاب يتحدث عن جلاديو وهي منظمة سرية أنشاها الناتو في كثير من البلاد، لتقوم بعمليات إرهابية يتم نسبتها للمعارضين لسياسات الحلف، من هذه الحوادث المشهورة خطف وقتل الدو مورو رئيس وزراء ايطاليا السابق وتم اتهام الألوية الحمراء بذلك، قتل محافظ البنك المركزي الألماني ألفرد هرهاوسن. ونسبة ذلك إلى مجموعة بادر ماين هوف، ثم قتل انريكو ماتي رئيس شركة بترول ايطالية لأنه حاول شراء البترول رأسا من ليبيا والعراق. ويشير إبراهيم صلاح إلى احتمال كون هذه المنظمة خلف كثير من العمليات الإرهابية التي نسبت لمسلمين. وجدير بالذكر أن فرعا من هذه المنظمة يحاكم في تركيا الآن لتورطه في تدبير انقلاب على الحكومة الإسلامية بها.
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يصيبني بالخجل من أجل بلادي..
ذلك الخجل الذي يمكن أن يشعر به الواحد منا عندما يصاب أحد أقاربه بالجنون فيأتي بأمور وتصرفات تجلب العار..
شعرت بالعار عندما اتهم السفير المصري في السودان -عفيفي عبدالوهاب- وزير الإعلام المصري بأنه منعه من كشف أكاذيب إعلامنا. إعلام سماسم والطبال والزمار.
شعرت بالعار من اتهام السفير لوزير الإعلام بأنه يزور الحقائق وينشر الأكاذيب بل ويمنع وزير الخارجية نفسه من كشف الحقائق.
ولم يكن من يتهمه معارضا أو صعلوكا..
كان السفير المصري في السودان.
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يشعرني بالخجل ويجللني بالعار..
أليس حالكم مثل حالي عندنا أقرأ:
وعن محاصرة الأنصار الجزائريين للطائرات المصرية على أرضية مطار الخرطوم، تعجب المدير العام للشرطة السودانية ”كيف يعقل أن تتم محاصرة طائرات مصرية على أرضية المطار من قبل أنصار جزائريين، فأين كنا نحن؟ وهذا الخبر لا أساس له من الصحة”.الضيف الثاني للحصّة، التي هدمت كل الأكاذيب المصرية، كان السيد مجدي شمس الدين، السكرتير العام للاتحاد السوداني لكرة القدم، الذي شدد على أن التنظيم السوداني كان محكما كما شهد به الجميع. وهنا أعطى المتحدث ضرب قاسية للحملة المصرية المعادية للجزائر عبر استعمال شريط مصور من الانترنت يظهر مناصرين جزائريين مزعومين يحملون سكاكين، وقالت القنوات المصرية إن الصور التقطت من ملعب المريخ، وقال الأمين العام للاتحادية السودانية ”الشريط يظهر أشجارا في الملعب، وفي الحقيقة لا توجد أي شجرة في محيط ملعب أم درمان، كما يظهر عدد لا بأس به من الأنصار الجزائريين ولا أحد فيهم يحمل راية أو قميص منتخبه، في الوقت أن 99 بالمائة من الأنصار الجزائريين لم يكونوا سوى حاملين لرايات بلدهم أو مرتدين قمصان فريقهم .
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يشعرني بالخزي..
لقد كتب عثمان السعدي في القدس العربي 14-12
إنها في الحقيقة ليست حملة ضد نظام حسني مبارك "الذي خان الفلسطينيين وغزة" كما أرادت هذه الصحف أن تبدأ بها حملتها، إنما هي حملة ضد تطلعات شعبنا للوحدة العربية: فرق تسد. إننا نعرف من له مصلحة في تأليب العرب بعضهم على بعض. وعلى كلّ فإن هذه الصحافة غير مؤهلة إطلاقا لانتقاد نظام حسني مبارك لأنها تشبهه كما تشبه قطرة الماء أختها. إن شعبنا له ذاكرة جيدة، ولم ينس أن الصحيفتين، الوطن وليبيريتي، من بين أخرى، هي التي قامت بحملة قبل سنوات من أجل التطبيع مع إسرائيل، بالضبط كما فعلت مصر حسني مبارك. وهما الجريدتان اللتان أرسلتا بطريقة شبه سرية، صحفيين إلى تل أبيب لمصافحة وزراء اليمين الإسرائيلي، الذي كان آنذاك، يقتّل الفلسطينيين. ونفس الصحافة هي التي تدافع اليوم عن نفس الأطروحات التي انحدرت من السادات وتواصلت في عهد مبارك، وتستعمل خصوصية مصر (مصر الفرعونية) ضد عروبتها مثلما تستعمل خصوصية الجزائر، والمغرب بصفة عامة، ضد عروبتهما. والاستعمار كان يستعمل نفس المبررات لعزل الجزائر عن العالم العربي، وتقزيمها في مواجهة فرنسا. إننا نهيب بمواطنينا أن يكونوا حذرين من الألاعيب الراهنة التي تهدف إلى نفس الغاية.
ونحن على يقين بأن شعبنا سيُفشل هذه المناورات مثلما هزم الاستعمار.
***
شعرت بالعار عندما قرأت د.عمرو الشوبكى يكتب في المصري اليوم ٢٦/ ١١/ ٢٠٠٩:
" وقد أتيحت لى منذ أمس الأول مشاهدة تغطية قناة «فرانس ٢٤» الإخبارية، وأكثر من ٢٠ صحيفة وموقعا إخباريا فرنسيا شهيرا عن أحداث المباراة، لوجودي منذ يوم الأحد خارج مصر، وكانت تغطيتهم جميعا متوقفة عند اعتداءات بعض المشجعين المصريين على حافلة الفريق الجزائري وعلى بعض مشجعيهم دون أي حديث يذكر عن أحداث الخرطوم .(...) إن خيبة الأداء المصري تتمثل في أن حالة لطم الخدود وشيطنة الجزائر التي تجرى على قدم وساق ليس لها أي مردود في الخارج.
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية جعلني واثقا أن هذه الموقعة ليست إلا مقدمة لما هو أخطر كما كانت حكاية الحمار المالطي مقدمة لاحتلال مصر عام 1882 وكما كانت عملية اغتيال الأرشيدوق فرانسيس فريدناند مقدمة للحرب العالمية الأولى وكما كانت محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن:"شلومو أرجوف" عام 1982 مقدمة لغزو لبنان.
***
لا أريد أن أكرر نفسي .. لذلك فإنني أحيل القارئ إلى مقالي السابق بعنوان: "ما أوسخكم"..
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية لا يدفع إلى الضحك ولا إلى البكاء بل يدفع إلى الجنون..
كيف يمكن أن نحتفظ بعقولنا وقد انحط بعض الإعلاميين إلى ما دون القوادين والشواذ وحتى قال بعضهم: 'لدينا جزائريون في مصر؟ نروح نقتلهم؟ زي ما بيذبحوا أولادنا نذبح أولادهم؟ '
وذلك المجرم الذي قال: شعب المليون لقيط..
والله لو أننا رجمناه حتى الموت بكل شهيد أساء إليه لما شفيت غليل قلبي.. فاللهم عليك به.
وذلك الغبي الذي حرق علم الجزائر مما دفع بأصوات عديدة للمطالبة بإعادة سحب الجامعة العربية من مصر وأن يكون الأمين غير مصري وكذلك السعي لنقل كل الهيئات الجامعة العربية كنقابة المحامين العرب وغيرها من مصر ولتوزع عبر العالم العربي.
في اتحاد الأطباء العرب لم يتم حرق العلم.. لكنهم يطالبون أيضا بنقله خارج مصر وتنحية رئيسه "الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح".. والحقيقة أن معهم كل الحق.. إنهم يقولون كيف نرضى برجل اتهمه أمن بلاده بتمويل الإرهاب وحبسته محاكم بلاده..
قلت لنفسي أن بعض الجزائريين يلعبون بالأوراق جيدا.. لكن غباء بعض المصريين هو الذي يمنحهم معظم الأوراق.. لأنهم تعودوا في الداخل أن يرتكبوا كل الموبقات في حماية الأمن والحزب دون عقاب.
وقلت لنفسي: ملخص الحكاية: نصاب ذكي وفتوة غبي!
كان إعلامنا يحاول التنصل من أكاذيبه ..
ولكن الناس لم تنس..
لم تنس ذلك السفيه الذي قال إن مصر قوية بالعروبة وبدونها.. يا سفيه: وهل مصر قوية أصلا؟!..
وذلك الأحمق الذي يقول أنه كفر بالعروبة ألا يعلم أن الكفر بالعروبة كفر بالإسلام.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للصحابي سلمان الفارسي: أخاف أن تكرهني يا سلمان؟ فأجابه سلمان: كيف أكرهك وأنت رسول الله. فأجابه الرسول العظيم: إن تكره العرب فتكرهني.
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يجعلني أبكي مع الشاعر أحمد خفاجي:
ما كان بودي أبدا
أن أبصق في وجهٍ
لكن الأمر يحتم
أن أبصق في وجه العملاء
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يجعلني أنزف دمي مع أحمد مطر:
لا فائِدَهْ
كُلُّ بَغِيٍّ أصبحَتْ
تُدعي، بفضلِ جُهدِها، مُجاهِدَهْ!
وأصبحَ ابتذالُها بَذْلاً
وسُمِّيَتْ بهِ للمكرُماتِ رائِدَهْ!
يادُوَلاً قد كانَ أقصي مَجْدِها
أنِ استحالَتْ نُكتَةً
تَضحَكُ مِنها القِرَدَهْ
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يجعلني أنوح مع أحمد مطر:
مم نخشى؟
الحكومات التي في ثقبها
تفتح إسرائيل ممشى
لم تزل للفتح عطشى
تستزيد النبش نبشا !!
تستحي وهى بوضع الفحش
أن تسمع فحشا!
أوسع الحكام علما
لو مشى فى طلب العلم إلى الصين
لما أفلح أن يصبح جحشا!
***
أمر ما في موقعة أم درمان الكروية يجعلني أبتسم ابتسامة أحرص على عدم تحولها إلى قهقهة، فالأمر لا يسلم، وقد تتحول القهقهة إلى ما يعبر عن مكنون النفس الحقيقي. إلى إجهاش في البكاء!!
والآن..
دعوني أهدي هذه الواقعة إلى من زعموا الدفاع عن كرامة المصريين..
أهديها لهم.. بصقة على وجوههم..
وهي بصقة أستمدها مما نشرته المصري اليوم (وهي صحيفة ليست وطنية ولا قومية ولا إسلامية ولكنها إحدى الخلايا النائمة)..
والواقعة مرتبطة بمباراة الكرة بين مصر والجزائر.. وقد اعتدى فيها على كرامة مصري فلم نسمع من كلب نباحا ولا من عميل صياحا.
لقد كتب محمد عزام ٢٧/ ١١/ ٢٠٠٩:
روى العميد محمد عبد الرحمن الغنيمي فى محضر التحقيقات تفاصيل ما حدث مع ابنه قائلاً: لم أكن أتصور ما حدث لابني ذي الستة عشر ربيعاً لمجرد رغبته فى الحصول على تذكرة لمشاهدة مباراة مصر والجزائر، حيث توجه ابني محمد إلى نادي الشمس يوم ١٢ نوفمبر للحصول على تذكرة لحضور مباراة مصر والجزائر، اكتشف محمد وعدد من أعضاء النادي عدم وجود التذاكر فتجمهروا ووقعت مصادمات بين الأهالي والشرطة خارج النادي، مما أدى إلى اقتحام الشرطة النادي، للسيطرة على الجماهير الغاضبة، وتعدى بعض أفرادها على عدد من الموجودين داخل النادي بالضرب، حيث صور ابني الأحداث بكاميرا فيديو وعلى هاتفه المحمول.
وأضاف الغنيمي أن عدداً من أفراد قوة قسم النزهة اكتشفوا قيام ابنه بالتصوير، فقاموا بتقييده وانتزاع الكاميرا وهاتفه المحمول وحافظة بها عدة كارنيهات منها كارنيه نادي الشرطة وبطاقته الشخصية وكارنيه نادي الشمس واصطحبوه بالقوة إلى قسم النزهة.
وقال الغنيمي إن ابنه اعترض على ما تفعله الشرطة معه، وقال لهم والدي ضابط شرطة ولا يجوز أن تتعدوا علىّ بهذا الشكل، فسبه عدد من قيادات القوة، كما سبوا والده واصطحبوه معهم إلى قسم النزهة.
وأضاف أن عدداً من ضباط الشرطة تناوبوا الاعتداء على ابنه، وأحدثوا إصابات بجسده منها سحجات بالوجه والظهر وكدمات ورضوض بسبب ضربه بالأحذية وطبنجة أحد الضباط واستخدم عصى الشرطة فى تعذيبه قائلاً: «إن أحد الضباط نزع ملابسه، وهدده بوضع عصاه فى مكان حساس، كما أمر بحبسه ومعه ٣ أحداث لا يتجاوز عمرهم ١٥ عاماً فى الحبس المخصص للبالغين».
وصرح الغنيمي بأنه توجه إلى القسم بعد أن علم من أحد أصدقاء ابنه بأن القوة أخذته معها إلى القسم، فتوجه إلى قسم النزهة وقابل العميد هشام الصاوي، مفتش مباحث بمديرية أمن القاهرة، ونائب مأمور القسم المقدم أحمد جبريل، فأنكرا وجود ابنه فى القسم ضمن من تم القبض عليهم فى أحداث شغب نادي الشمس.
وأشار الغنيمي إلى أنه أثناء خروجه من القسم سمع صراخ ابنه، فانطلق ومعه محامى إلى الحجز، وهدد بالاتصال بمكتب وزير الداخلية ونقيب المحامين إذا تم منعه.
وأضاف الغنيمي أنه توجه إلى رئيس نيابة النزهة ومعه عدد من المحامين، وحرر المحضر رقم ١٩٣٤٥ جنح النزهة لسنة ٢٠٠٩، وذكر فيه ما وقع لابنه، حيث استمعت النيابة إلى أقواله وأمرت بإخلاء سبيله دون أي ضمان، كما تم إخلاء سبيل ١٨ مشجعاً آخرين، وأيضاً تم إثبات الإصابات الواقعة عليه بعد مناظرتها من وكيل نيابة النزهة، وتم تحويله إلى مستشفى هليوبوليس لتوقيع الكشف الطبي المبدئي عليه، وتم عرضه على الطب الشرعي يوم ١٥ نوفمبر الجاري، وتم إثبات كل ما به من سحجات وكدمات ورضوض وإثبات تقطيع ملابسه.
وقال الغنيمي إن نائب المأمور أمر بوضع ابنه فى حجز البالغين مرة ثانية وقال: «عشان تشتكينا فى النيابة تاني»، واتصلت بنقابة المحامين وحضر عشرات المحامين أمام قسم النزهة فى الثانية صباحاً يوم السبت، وحضر مأمور القسم وأبدى استياءه، وقال: أنا كنت فى خدمات ومعرفش إزاي يعملوا كده، واعتذر للمحامين وأخلى سبيل ابني.
***
انتظرت ردة فعل جهاز إعلامنا الجبار كي يدافع عن كرامة واحد من المصريين..
لكنهم صمتوا صمت القبور فكانت لهم إذن من طين وأذن من عجين..
وقلت لنفسي ما أشرف سماسم وما أشجع الطبال والزمار..
وكنت أراقب ردود الأفعال على حماقتنا..
***
*
انفجر الألم والغضب داخل قلبي..
وكنت أقرأ مقالا للدكتور حسن نافعة ..
وكان يصرخ:
إنه نظام سياسي مغلق، ويبدو غير قابل للتغيير إلا بالكسر!
12/11/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق