جنيف – سويسرا
تفاصيل استحواذ الإمارات على مليارات من ثروات القذافي السرية بعد مقتله
منذ بدايات الثورة الليبية تسعى الإمارات للعثور على موطئ قدم في ليبيا، وتبني نفوذاً واسعاً في هذه الدولة الغنية بالموارد.
استخدمت أبوظبي أساليب عديدة لإرساء نفوذها على صانعي القرار الليبي، ونجحت المغامرة في صناعة شبكة من الأشخاص المتحكمين في المشهدين السياسي والاقتصادي في الدولة الجريحة.
كان هناك حدث أبرز شكَّل نقطة تحول في النفوذ الإماراتي على ليبيا، حين حاول مجهولون اغتيال بشير صالح “الصندوق الأسود لأموال القذافي”، الذي كان مقيماً في جنوب إفريقيا آنذاك.
هذا الحدث كان نقطة البداية التي أضاءت في أذهاننا الكثير من الأسئلة:
من هو بشير صالح؟
ولماذا تعرض لمحاولة اغتيال؟
ولماذا ذهب إلى الإمارات بعدها وبقي تحت الإقامة الجبرية؟
والأهم أين ذهبت أموال ليبيا، خاصة بعد تحكم الإمارات في حفنة من رجال القذافي الذين يسيطرون عليها؟
يُعرف بشير بأنه كاتم أسرار القذافي المالية، كان رجله في إفريقيا، وذراعه التي بسطت نفوذه على القارة، والصندوق الأسود لثروات ليبيا.
ليبيا التي “كانت” من أغنى دول العالم اختفت من قوائم التاريخ والجغرافيا عقوداً طويلة تحت حكم القذافي.
أصبحت دولة في خدمة رجل وعائلته، بل نجح القذافي في محو الدولة ليصبح هو ليبيا، يضع في جيبه كل ما يصل إليه من ثرواتها.
بعد 2011، انتبه العالم وقتها إلى أن الخيمة البسيطة التي كان القذافي ينصبها في كل مكان تخفي ثروة يقدرها البعض بنحو 400 مليار دولار، جعلت منه أحد كبار أغنياء العالم.
ثروة جمعها القذافي من عائدات النفط واستثمارات عائلية في جميع أنحاء العالم.
طريقة حكم القذافي وخصوصية نظامه جعلت من الصعب التفريق بين ثروته وأموال الدولة، وجعلت من المستحيل الوصول إلى الرقم الحقيقي لثروته المختلطة بثروة ليبيا.
المسؤول السابق في الدائرة القريبة من القذافي أحمد قذاف الدم يقدر هذه الثروة بنحو 600 مليار دولار، ولا يقدم دليلاً.
الدراسات الاقتصادية تقول إن حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بنحو 3 تريليونات دولار، وإن نصف هذا المبلغ ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه، وإن ثروات ليبيا موزعة على الأقل في 35 دولة تنتشر في 4 قارات، وتشمل: عقارات فخمة ودور نشر في بريطانيا، وصولاً إلى منتجعات وفنادق بالشرق الأوسط وحتى حصص في نادي يوفنتوس الإيطالي لكرة القدم، وشركة “فيات” للسيارات، فضلاً عن البنك الملكي الاسكتلندي.
أموال طائلة يضع رجال القذافي أيديهم عليها، رجال شكّلوا حجر الأساس في إدارة ثرواته المترامية.
منذ بدايات الثورة الليبية ودولة الإمارات لا تكل عن محاولة السيطرة على ليبيا، وتبني نفوذاً واسعاً في هذه الدولة الغنية بالموارد.
كان التركيز بالأساس على محفظة ليبيا إفريقيا، المحفظة الضخمة التي تملك الكثير من الأصول في القارة السمراء، وبخاصة الشركات المتعلقة بالتكنولوجيا والاتصالات التي تديرها إحدى الشركات التابعة لمحفظة ليبيا إفريقيا، وهي شركة LAP Green Network، ورغم أن حجم خسائر هذه الشركات تخطى المليار دولار فإن المثير للتأمل كان في نقل تبعية هذه الشركة من ملكية محفظة ليبيا إفريقيا إلى الشركة القابضة للبريد وتكنولوجيا المعلومات، التي يرأسها منذ عام 2013 فيصل جرجاب.
على الرغم من أن الشركات التي أدارها جرجاب والنايض وصالح تدار من خلال شخصيات ليبية معروفة، فإنها كانت تدار من خلال شركات تشغيل في مالطا ودبي، وهو ما يعني وجود متابعة إماراتية لتحركات هذه الشركات.
دعمت الإمارات برلمان طبرق والجسد الموازي للمؤسسة الليبية للاستثمار من مالطا.
لم تستول على أموال المؤسسة الليبية للاستثمار.
ولكنها ساهمت في تشكيل شبكة نفوذ جديدة في ليبيا تتمثل في عارف النايض وفيصل جرجاب وحسن بوهادي وغيرهم، ليس فقط بالاعتراف الرسمي أو الدعم الرسمي، ولكن عبر تسهيل نقل الكثير من أصول المؤسسة تحت إدارة هذه المجموعة في الفترة الزمنية من 2014 إلى 2017، وتم نقل إدارة الكثير من الشركات التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار إلى مكاتب تمثيل في دبي.
ووفرت المساحة الآمنة لحركة الأصول والأموال ومن خلال الشركات التي تأسست في الإمارات لإدارة بعض أصول المؤسسة بالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة والتي ورد عليها الكثير من التحفظات في تقارير ديوان المحاسبة الليبي.
بعد الانقسام السياسي الممتد في ليبيا أصبح هناك كيانان سياسيان، أحدهما في طرابلس، والآخر في طبرق، انعكس ذلك بالتبعية على المؤسسة الليبية للاستثمار التي مثلها فريق في طرابلس بقيادة عبدالمجيد بريش، ثم بن يزه، ثم عاد عبدالمجيد بريش من جديد بعد فوزه في دعوى قضائية.
وترأس فريق طبرق حسن بوهادي، الذي اتخذ من مالطا مقراً مؤقتاً لإدارة المؤسسة، وكان يقيم في الإمارات العربية المتحدة.
استمرت هذه الحالة من 2014 حتى 2017، حين عادت المؤسسة لتتبع قيادة واحدة في طرابلس برئاسة علي محمد حسن بعد فوزه في دعاوى قضائية متعددة، آخرها في أبريل/نيسان 2020، بالمحكمة العليا في بريطانيا.
تم التحايل على قرارات التجميد لأصول المؤسسة وتحريك الأموال من حسابات بعض الشركات المملوكة بشكل غير مباشر للمؤسسة أو تأسيس شركات بأسماء شبيهة لها الحق في تمثيل الشركات الأصلية، ولكن الأهم استخدام الحسابات البنكية للمؤسسة أو المؤسسات المملوكة للمؤسسة مثل بنك ABC أو المؤسسة العربية المصرفية وبنك HSBC لوكسمبورغ، وهي المصارف التي تم رصد حركة مالية على حساباتها.
تشير الوثائق التي نشرها موقع Politico إلى المخاطبات بين بنك ABC بتفويض من المؤسسة الليبية للاستثمار لتحديد حسابات المؤسسة وقيمة فوائد الأصول والأموال المودعة في بنك HSBC لوكسمبورغ، وتشير الوثائق إلى أن هذه الفوائد تم تحويلها لحساب المؤسسة في بنك ABC، وتم تحريك هذه الأموال لحسابات شركات أخرى مملوكة للمؤسسة الليبية.
لكن السنوات الأربع من 2014 حتى 2017 كانت كافية لتحريك هذه الأصول والسيطرة على بعضها، بل وتحريك الكثير من الأموال عبر شبكة كانت أحد الألغاز في الملف الليبي.
وهنا تأتي أهمية رجال القذافي، وما ذللوه من عقبات أمام أبوظبي لمد نفوذها على الصحراء الليبية.
الخزانة الأفريقية لثروات ليبيا تحت الحراسة فى أبو ظبى
في 2018 وفي خطوة غير متوقعة وصل للإمارات بشير صالح، وهو الصندوق الأسود لثروات ليبيا وأسرار القذافي عن الشركات المملوكة للمؤسسة الليبية في كل دول العالم.
تم تجميد أموال بشير صالح مع قرارات التجميد التي صدرت ضد نظام القذافي ورجاله، واختبأ الرجل في جنوب إفريقيا حتى محاولة اغتياله في 2018، بعدها تغيرت الخريطة وخاصة بعد التغيرات التي حدثت في جنوب إفريقيا ومغادرة زوما -حليف وثيق الصلة ببشير- الرئاسة، وذهب الرجل إلى أبوظبي ليبدأ فصلاً جديداً من فصول النفوذ والتقاء المصالح بين النافذين الليبيين، والإمارات العربية المتحدة.
يعرف بشير صالح بأنه كاتم أسرار القذافي المالية، وبأنه رجل القذافي في إفريقيا أو ذراعه التي بسطت نفوذه على القارة، والصندوق الأسود لثروات ليبيا وأسرار القذافي عن الشركات المملوكة للمؤسسة الليبية في كل دول العالم.
وبصرف النظر عن كونه كان سكرتير القذافي إلا أنه كان أيضاً رئيساً لمحفظة الاستثمارات الإفريقية الليبية، التي تملكها المؤسسة الليبية للاستثمار.
بحسب مصادر داخلية لموقع African intelligence؛ اكتشفت محفظة ليبيا إفريقيا تحويل أموال بقيمة 16 مليون دولار من حسابات المؤسسة المجمدة في بنك دويتش بألمانيا، لصالح المخرج Maximilian Vogt، الذي تعاقد معه بشير صالح في 2006 لإنتاج عمل لصالح القذافي كلف أموالاً ضخمة، هذا العمل لم ينتج حتى اليوم.
كان بشير صالح مهندس الاستثمارات الخارجية الليبية، ومسؤول شبكة معقدة من الشركات تعمل على تفادي العقوبات الاقتصادية.
وبوصول صالح لأبوظبي واستقراره هناك بعد اختفائه لفترات طويلة بين سويسرا وجنوب إفريقيا، تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وأصبح الصندوق الأسود الليبي تحت تصرف أبوظبي، لا يستطيع إجراء مقابلة إعلامية أو دبلوماسية إلا بوجود استخباراتي إماراتي.
وهكذا حصدت الإمارات مزيداً من النفوذ على المؤسسات الليبية الاقتصادية والاستثمارية.
فيصل قرقاب شركات فى الإمارات ومالطا
قرقاب لاعب مهم جداً في المعادلة الليبية.
ورغم قربه من حكومة الوفاق وتحالفه مع رئيسها فايز السراج، من قبل، فإنه كان من أهم الأشخاص الذين أسسوا لنفوذ إماراتي على المؤسسات الليبية الاقتصادية في وقت سابق.
بدأ قرقاب تحركه في دعم الفريق الممثل لبرلمان طبرق برئاسة حسن بوهادي، بتأسيس مؤسسة في مالطا باسم LIA advisor LTD، واسمها مأخوذ من اسم المؤسسة الليبية للاستثمار (LIA).
وثائق التسجيل تشير إلى أن الشركة التي تأسست في ديسمبر/كانون الأول 2014، مملوكة للمؤسسة الليبية للاستثمار، ولها القدرة على تمثيل المؤسسة.
رؤساء الشركة كانوا: حسن بوهادي، وفيصل جرجاب، وأسامة صلالة، وأحمد عتيقة.
في الأثناء تم تأسيس شركة جديدة هي LPTIC Services limited في 2015؛ وهي مأخوذة من اسم الشركة القابضة الليبية للبريد والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي يرأسها فيصل جرجاب منذ عام 2013، والتي تدير استثمارات ضخمة في إفريقيا. فتحت هذه الشركة مكاتب تشغيل لها في موريشيوس ودبي أيضاً.
ثم تأسيس مكتب لإدارة وتشغيل شركة LAP Green Network من الإمارات العربية المتحدة، والذي بلغت مصروفاته 25 مليون دولار، وترأس إدارته وفيق الشاطر.
وLAP Green هي شركة اتصالات ليبية تأسست عام 2004 ومملوكة لمحفظة ليبيا إفريقيا، الشركة تركز عملها على دول القارة الإفريقية، وتمتلك شبكات تشغيل محمول في عدة دول في شرق وغرب ووسط إفريقيا.
كذلك تم تأسيس شركة LAP Mauritius بنفس مجلس إدارة محفظة ليبيا إفريقيا، ويدير هذه المؤسسة نافع جرجاب أخو فيصل جرجاب.
استطاع مجلس إدارة المؤسسة الليبية من مالطا تحويل ملكية شركة LAP Green N من ملكية محفظة ليبيا إفريقيا إلى ملكية الشركة الليبية القابضة للبريد التي يرأسها جرجاب.
بيعت LAP Green N، وهي مديونة بمليار دولار، فقط لنقل ملكيتها لشبكة البريد القابضة للتحايل على قرار التجميد.
تمكن فيصل قرقاب أيضاً أن يسيطر على شركة Bousval في لوكسمبورغ والمملوكة للشركة الليبية القابضة للبريد، وبدورها تملك حصة أسهم من شركة Retelit الإيطالية الرائدة بنسبة 14.3% من الشركة، ويشغل فيصل جرجاب عضو مجلس إدارة الشركة حتى الآن.
كذلك شركة Oilinvest، وهي واحدة من أهم شركات المؤسسة الليبية للاستثمار التي تستثمر في النفط والطاقة في أوروبا، والشركة في نيوزيلندا تملك شركة Tamoil أوروبا، يرأس المؤسسة عاصم قوصبي الذي كان يعمل في ذات الوقت مع جرجاب في شركة شيل من عام 2005 في دبي.
تم تعيين قوصبي في مجلس إدارة شركة OIlinvest القابضة في كراكاس فنزويلا في 2015، وكذلك إضافة لرفيق النايض شقيق عارف النايض في مجلس إدارة شركة OIlinvest المالية بكراكاس فنزويلا.
استطاعت المجموعة تأسيس شبكة من الشخصيات الموالية وفتحت مكاتب تشغيل في الإمارات لترسيخ نفوذ هذه الشركة، التي سيصعب أن يتم استبدالها، كل ذلك خلال الفترة من بداية تحركها في نهاية 2014 حتى 2017.
عارف النايض رجل الإمارات
راهنت الإمارات كثيراً على أن تضعه رئيساً للوزراء أو مرشحاً للرئاسة.
لم يكن عارف النايض مجرد سفير لدولة ليبيا في الإمارات بل كان الرجل قريباً من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي دعمه بلا شروط؛ إذ دعمه الرجل في تأسيس قناة ليبيا HD، التي أنفقت ما يتجاوز 25.6 مليون دولار، والتي تبث من الأردن ويرأسها أخوه رضا النايض.
كذلك ترأس رفيق النايض، الأخ الآخر لعارف النايض، منصب الرئيس الإقليمي لبنك دويتشه، قبل أن ينتقل لرئاسة مصرف السلام في البحرين.
ودعمت الإمارات مؤسسة كلام التي يرأسها عارف النايض وتقدم بحوثاً في علم الكلام والعلوم الشرعية، وتطرح نسخة إسلامية تحظى بقبول في الإمارات، وهي شبيهة بتجربة الإمارات في دعم مؤسسة مؤمنون بلا حدود.
ويرأس مركز دراسات مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، وهي المؤسسة التي تعاقدت مع تجمعات ضغط في واشنطن بدعم من الإمارات للترويج للنايض هناك.
لم يقف دعم الإمارات عند هذا الحد، بل دعمت كذلك مؤسسة مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، التي تقدم نفسها بأنها تعمل على تطوير ليبيا وتقديم سياسات بديلة، لكنها في الحقيقة الغطاء الذي يتحرك منه النايض للتواصل خارجياً.
ويتمتع النايض بظهير شعبي مهم في ليبيا وهي قبيلة الزنتان.
في التسريبات التي نشرتها the guardian عام 2015 للمبعوث الأممي السابق لليبيا برناردينو ليون؛ إيميل يسأل فيه عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتية عن مدى رغبته في ترشيح عارف النايض لرئاسة الوزراء في ليبيا.
وتعتبر هذه الواقعة واحدة من أهم تعقيدات الوضع في ليبيا، خاصة بعدما تبين أن المبعوث الدولي يعمل لمصلحة طرف من الأطراف، حيث إنه أثناء عمليات الوساطة كان يتفاوض على راتبه وبدل السكن في المنصب المعروض عليه برئاسة المعهد الدبلوماسي الذي تم تأسيسه في الإمارات في ذلك الوقت.
عمل النايض خلال فترة عمله في مجموعة استقرار ليبيا التي شكلها رئيس المجلس الوطني الانتقالي محمود جبريل، قبل أن يصبح سفير ليبيا في الإمارات.
عمل مع كل من حسن بوهادي الذي أصبح لاحقاً رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار الممثلة لحكومة طبرق.
وكذلك مع فيصل جرجاب الذي يرأس إدارة الشركة الليبية القابضة للبريد والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
خسائر وفساد وتهريب اموال الليبيين الى الخارج
دور الإمارات فى تمويل الفصائل المرتوقة لمساعدة ميلشيات حفتر
كشف تقرير سري للأمم المتحدة عن انتشار فريق من المرتزقة الغربيين في ليبيا خلال يونيو/حزيران الماضي بهدف مساعدة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وتضمن التقرير أن المرتزقة مرتبطون بشركتين تعملان من دبي.
المرتزقة سافروا من الإمارات إلى ليبيا في يونيو/حزيران الماضي لفترة وجيزة للمساهمة في هجوم حفتر على العاصمة طرابلس.
لكن الخطة لم تسِر على النحو المطلوب، وأصبح تحت أيادي الأمم المتحدة ما يكشف بالأدلة تورط أبوظبي في تأجير مرتزقة من شتى دول العالم للقتال بجانب ميليشيات شرق ليبيا.
لعبت الإمارات دوراً كبيراً في الملف الليبي فلم تكتفِ بالشركات سواء المرتبطة بها بشكل مباشر أو شركات سرية تدير أموال القذافي، لكن أيضاً بتمويل ملف التسليح الخاص بحفتر بالمخالفة لقرار الأمم المتحدة بحظر بيع ونقل الأسلحة لليبيا.
منذ 2016 حتى الآن لا يخلو تقرير واحد للأمم المتحدة عن ليبيا لا يشير لانتهاك الإمارات قرار الأمم المتحدة بحظر السلاح عن ليبيا.
البداية كانت مقالاً مطوّلاً ينقل عن تقرير سري للأمم المتحدة، أن فريقاً من المرتزقة الغربيين قد انتشر في ليبيا في يونيو/حزيران 2020، بهدف مساعدة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وتضمن التقرير مفاجأة.
المرتزقة مرتبطون بشركتين تعملان من دبي.
المرتزقة سافروا من الإمارات إلى ليبيا في يونيو/حزيران الماضي لفترة وجيزة للمساهمة في هجوم حفتر على العاصمة طرابلس.
بعد أيام نشرت صحيفة NEW York Times تقريراً بعنوان: “المرتزقة تدفّقوا على ليبيا بحراً وجواً، لكن الخطة لم تسِر على النحو المطلوب”، ورد فيه أن الأمم المتحدة تحت أيديها الآن تحقيق يكشف بالأدلة تورط أبوظبي في تأجير مرتزقة من شتى دول العالم للقتال بجانب ميليشيات شرق ليبيا.
إما بمخالفة قواعد المستخدم الأخير بنقل أسلحة ومعدات عسكرية بيعت للإمارات ووصلت لقوات حفتر.
أو تأسيس شركات مرتبطة بأبوظبي للقيام بنقل أسلحة لقوات حفتر من خلال فبركة وثائق ليسهل نقل المعدات إلى ليبيا دون تتبعها.
أخيراً استخدام الأردن كواجهة أحياناً لتوصيل السلاح والمعدات لقوات حفتر، مثل السيارات العسكرية التي تعاقد عليها الأردن بدعم من الإمارات مع شركة Paramount Group في جنوب إفريقيا لتذهب إلى الأردن، إلا أن السيارات ذهبت إلى بني غازي، أو كالدبابات الفرنسية LECLERC التي أهدت الإمارات 80 دبابة منها للأردن، ويعتقد الخبراء أن الهدف أن تصل هذه المعدات لقوات حفتر، حيث إن الإمارات استخدمت هذا النوع من الدبابات في اليمن.
كانوا فريقاً من المرتزقة يتكوّن من 20 شخصاً بقيادة ضابط سلاح الجو الجنوب إفريقي السابق ستيف لودج، الذي خدم أيضاً في الجيش البريطاني وعمل مقاولاً عسكرياً خاصاً في نيجيريا، وكان معه 11 جندياً جنوب إفريقي، وخمسة بريطانيين، وأستراليّان، وأمريكيّ.
هبط الفريق ذات ليلة على مدينة بنغازي، في خطوة من مشوار إماراتي طويل لمساعدة حفتر، حليف أبوظبي، ومندوبها في استلام حصة من غنائم وثروات ليبيا.
كانت مهمتهم تنطوي على منع شحنات الأسلحة التركية من الوصول إلى حكومة طرابلس بحراً.
الخطة، حسب محققي الأمم المتحدة، كانت تنُصّ على تشكيل قوةٍ ضاربة من مشاة البحرية، باستخدام الزوارق السريعة والمروحيات الهجومية التي تحُط على السفن التجارية لتفتيشها، ويعتقد المُحقّقون أن قوة مشاة البحرية كانت جزءاً من عمليةٍ أكبر تضمّنت كذلك قوات كوماندوز تُراقب وتُدمّر أهداف العدو.
ووصلت المروحيات الست من جنوب إفريقيا، قبل أن تُنقل بالشاحنات إلى المطار الدولي في غابورون ببوتسوانا، ورغم غلاف السرية خلّفت العملية وراءها سلسلةً طويلة من الأدلة، بدءاً من الصور المنشورة على الإنترنت بواسطة صحيفة The Botswana Gazette البوتسوانية لثلاث مروحيات سوبر بوما مُحمّلة فوق الشاحنات التي تنقلها على الطريق السريع.
تدوينة على موقع فيسبوك تظهر الصور التي نشرتها جريدة The Botswana Gazette للمروحيات الست.
من بتسوانا انتقلت المروحيات في طائرات شحن تعود ملكية إحداها إلى شركة SkyAviaTrans الأوكرانية، ونصّت وثائق الرحلة الجوية على أنّ الأردن هي وجهة الطائرات.
لكنّها حطّت في مطار بنغازي شرقي ليبيا.
ضابط سلاح الجو الجنوب إفريقي السابق ستيف لودج كان منسق العملية، لكنه رد على صحفي “نيويورك تايمز” بكلمة بذيئة وأغلق الهاتف.
لكن الجنرال رفض هدية الإمارات “المتهالكة”.
غضب حفتر لأنّ المرتزقة وصلوا بطائرات قديمة، ووصفها أحد المسؤولين بأنها “مروحيات مُتهالكة”.
انسحب المرتزقة إلى مالطا بعد عجزهم عن الاتفاق مع حفتر، وتكدّس الـ20 رجلاً على متن زورق واحد بسبب عطل فني، وبعد أسابيع، عثر خفر السواحل الليبي على الزورق المهجور، وظهرت صوره في وسائل الإعلام المحلية.
تظهر تقارير الأمم المتحدة أن وراء هذه العملية وعمليات أخرى شركة اسمها Opus Capital Asset، تُديرها سيدة الأعمال البريطانية البارزة في دبي أماندا كيت بيري.
وأثناء عملية المرتزقة في ليبيا دفعت شركة Opus Capital الإماراتية نحو 60 ألف دولار لصالح شركة الضغط الأمريكية Federal Associates من أجل تعريف البيت الأبيض بما وصفته بـ”القضايا الجيوسياسية في إفريقيا”.
وقالت المتحدثة باسم دورانت إنّ شركات Opus Capital وLancaster 6 تعاونت مع مُحقّقي الأمم المتحدة وعرضت اللقاء بهم، وأردفت أنّ دورانت ليس له دورٌ في تلك الشركات: “إنّه ليس من حمَلة الأسهم، وليس مُديراً، ولا يعمل في أيّ منهما”.
أظهر التقرير السري -غير المنشور- الذي صدر عن لجنة التحقيقات بمجلس الأمن في فبراير 2020 والذي اطلعنا على نسخته، أنه تم التعاقد على شراء نوعين من المروحيات:
6 مروحيات؛ 3 من نوع SA341 Gazelle LUH.
3 مروحيات نوع AS332 super Puma MSH من جنوب إفريقيا وتعديلها لتصبح مناسبة لعمليات عسكرية.
https://www.youtube.com/watch?reload=9&v=k3D9wyQ_k-Q&feature=emb_logo
تم استخدام الأردن كغطاء للعملية بفبركة أوراق رسمية تشير إلى أن الطائرات ستستخدم في مشروع لمسح جيولوجي في الأردن، ليتم نقل الطائرات والمعدات الأخرى سواء أنظمة المراقبة أو السيارات ال UAV إلى ليبيا.
هي شركة عسكرية خاصة ممولة بشكل ضخم كلفت بشراء معدات عسكرية ومقاتلات وطائرات مراقبة، بالإضافة لأنظمة مراقبة متطورة لمراقبة الموانئ البحرية تستخدم في دعم الجنرال العسكري خليفة حفتر، في أكبر مشروع للدعم السياسي والعسكري في المنطقة لشخص واحد.
يظهر تقرير لجنة التحقيقات بمجلس الأمن أن كل التمويل لهذا المشروع جاء من خلال شركات مقرها الإمارات العربية المتحدة.
ويظهر في التقرير العديد من الشركات، منها شركتان رئيسيتان قامتا بعمليات التعاقد والتمويل، هما:
شركة Lancaster 6 DMCC
وشركة Opus Capital assets LTD FZE
والأخيرة هي التي تعاقدت مع شركة ضغط في الولايات المتحدة كما يظهر من الأوراق الرسمية ليتم الترويج في ملفات الدفاع والتعدين، كما يظهر في هذه الأوراق أكثر من “عميل” إماراتي لتسهيل عمل هذه الشبكات من الشركات الوهمية.
في أوراق الملكية لهذه الشركات يظهر اسم كريستيان دورانت Christiaan “Serge” Durrant، وهو طيار أسترالي مقيم في الإمارات، أُسندت له المهمة.
وعلى موقعه الإلكتروني، يصف دورانت نفسه بأنه رائد أعمال وعامل في المجال الإنساني، مع صورةٍ تُظهره وهو يحمل طفلاً كينياً، وحمل أحد منشورات مُدوّنته الشعار التالي: “لإنقاذ الأجيال المُقبلة من ويلات الحرب”.
لكنّ مسيرته المهنية مؤخراً ارتبطت بشركة Blackwater المتهمة بقتل مدنيين في العراق عام 2007، وخلال السنوات الأخيرة خطّط برينس أو نظّم مشاريع عسكرية خاصة في الصومال، ومالي، وجنوب السودان، وأفغانستان.
وقالت المتحدثة باسم دورانت إنّ شركات Opus Capital وLancaster 6 تعاونت مع مُحقّقي الأمم المتحدة وعرضت اللقاء بهم، وأردفت أنّ دورانت ليس له دورٌ في تلك الشركات: “إنّه ليس من حمَلة الأسهم، وليس مُديراً، ولا يعمل في أيّ منهما”.
لكن الوثائق التي حصل عليها “عربي بوست” تبين أن مجموعة Lancaster 6 التي مقرها الإمارات العربية المتحدة أسست شركات تابعة لها تم تأسيسها في مالطا 2016، هذه الشركة المؤسسة في مالطا مملوكة لشركتين مؤسستين في جزر العذراء البريطانية، لكي يتم الحفاظ على سرية المالكين.
ويظهر اسم كريستيان دورانت في التحقيق الذي أجراه موقع The Intercept حول عملية تحويل طائرات نقل وتحويلها لطائرات عسكرية دون الموافقات الرسمية لتقوم بمهمات عسكرية وتم بيع هذه الطائرات لدولة أذربيجان.
وقتها كان دورانت يعمل في شركة Frontier Service Group التي أسسها إيريك برنس في هونغ كونغ بالشراكة مع الصينيين.
كذلك يظهر في تقرير الأمم المتحدة اسم أماندا كيت Amanda Kate سيدة أعمال إنجليزية تعيش في دبي وتم اختيارها من النساء المؤثرات في الإمارات في 2019، ولها دور رئيسي في إدارة شبكة الشركات السرية التي قامت بتنسيق وإدارة مشروع OPUS.
وحين تواصلت NEW York Times معها رفضت أماندا التعليق على المعلومات الواردة بتقرير الأمم المتحدة.
تعيد هذه القصة للأذهان قصة تكوين قاعدة عسكرية في بونتلاند لمحاربة القرصنة حول الصومال، كان المشروع في 2012 بتمويل إماراتي وتم إسناد العمليات لإيريك برنس، وتم إيقاف المشروع بعد ارتكابه الكثير من الأخطاء والمخالفات القانونية.
هذه أحد الشبكات التي أسستها الإمارات لدعم ومساندة خليفة حفتر للسيطرة على طرابلس ومن ثم السيطرة على ليبيا، ولكن ليست الشبكة الوحيدة.
والكثير من التقارير أشارت لتورط إيريك برنس في ليبيا، ولا تعتبر هذه الحادثة دليلاً قاطعاً على تورطه، ولكن تزيد الشكوك بشدة حول الشبكة المتورطة في القصة ومدى علاقتهم به خاصة كريستيان دورانت وجيمس فينيش.
أشارت لجنة الخبراء بمجلس الأمن إلى تعاون كلٍّ من كريستيان دورانت وجيمس فينيش مع التحقيق وأسئلة اللجنة، ولكن لم يتم بعد الإعلان عن من يمثل هؤلاء الأشخاص أو من الذي كلفهم بشكل مباشر.
لم يكن هذا المشروع الوحيد لدعم الإمارات لحفتر بالسلاح، ولكن كانت واحدة من سلسلة المرات التي دعمت الإمارات فيها حفتر، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم من خلال شركات عسكرية خاصة ومرتزقة.
ثم ها هي شركات نقل الأسلحة والدعم اللوجستي
من الإشارات المهمة في هذا التقرير الذي صدر عن لجنة الخبراء في الأمم المتحدة. تفاصيل وطرق نقل المعدات العسكرية أو توفير الدعم اللوجستي في نقل المعدات العسكرية والطائرات لقوات حفتر.
في التقرير تم توجيه الإشارة للشركتين اللتين شاركتا في نقل الطائرات الست لبني غازي في ليبيا.
شركة ZetAvia
وشركة SkytransAvia
مقرّ الشركتين في أوكرانيا، ولكن تم التعاقد معهما من خلال شركة Reem travel ومقرها في المنطقة الاقتصادية الحرة في إمارة عجمان بالإمارات العربية المتحدة.
يشير موقع شركة ZetAvia أن شركة Reem هي وكيل المبيعات حول العالم.
إذن، إلى العميلين الأخيرين في شبكة شركات مساعدة حفتر.
يظهر من سجلات الشركات أن أوليغ سيرجيف Oleg Sergeev يملك 49% من أسهم الشركة، كما أنه المدير التنفيذي لشركة Reem travel في الوقت نفسه.
بتتبع اسم هذا الشخص تظهر علاقته المباشرة بمجموعة الشركات التي يلعب فيها فقط دور الواجهة.
منها شركة Sigma Airline المسجلة في كازاخستان وهي أحد الشركات التي وقع الاتحاد الأوروبي عليها عقوبات في سبتمبر الماضي لخرقها قرار الأمم المتحدة بنقل السلاح لليبيا.
كذلك شركة ZetAvia هي التي اعتمدت عليها الإمارات العربية المتحدة لنقل المساعدات الإنسانية للصومال في أبريل الماضي، وبحسب موقع Africa intelligence تم رصد أحد الطائرات التابعة للشركة فوق إريتريا، حيث القاعدة العسكرية الإماراتية في منطقة عصب.
تشير هذه السلسلة من الشركات إلى كيفية توفير عملية النقل والدعم اللوجستي لقوات حفتر، وكما ذكرنا كل هذه الشركات مرتبطة برجل الواجهة أوليغ سيرجيف روسي الجنسية المقيم في الإمارات العربية المتحدة، وهو يمتلك 49% من أسهم الشركات ويبقى السؤال من يملك من الإمارات الـ51% المتبقية؟
تظهر الكثير من التحقيقات أن الإمارات تتولى دعم حفتر بالمعدات العسكرية والأسلحة من خلال الأردن أو من خلال شركة مجموعة الكعبي التي تربطها علاقات قوية مع الشركات العسكرية في فرنسا وصربيا وغيرها من الدول.
أسس فاضل الكعبي مجموعة International Golden Group في 2002؛ ويشير التقرير الصادر عن موقع intelligence online إلى أن هذه الشركة هي التي أجرت التعاقدات لتزويد حفتر بمعدات عسكرية روسية منها دبابات T-72، أنظمة SA-3، بطاريات دفاع جوي S-300.
ويملك صندوق توازن للاستثمار الاستراتيجي، وهو صندوق استثماري تابع لحكومة أبوظبي؛ يملك الصندوق 26% من ملكية شركة international Golden Group، وكذلك ترتبط هذه الشركة بشراكة مع Royal group المملوكة للشيخ طحنون بن زايد، الذي يعتبر من المسؤولين الرئيسيين في الإمارات عن الملف الليبي.
قامت شركة الكعبي بتعاقدات في 2017 و2018 مع Krušik Holding Corporation الشركة المملوكة للحكومة الصربية أيضاً لتزويد حفتر بمعدات عسكرية.
شركة IGG واحدة من الشركات التي تعتمد عليها الإمارات كثيراً في التعاقدات العسكرية، وعائلة الكعبي من العائلات النافذة في أبوظبي، يرأس الشركة محمد هلال الكعبي نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية حتى عام 2009.
لا تعتمد أبوظبي فقط على الدعم العسكري سواء بطريقة غير مباشرة عن طريق مجموعة من الشركات تحاول بها أن تخفي الصلة المباشرة أو من خلال الشركات التي تربطها علاقات مباشرة بأبوظبي، ولكن هناك محور الحماية والترويج من خلال جماعات الضغط واللوبيات الأمريكية التي تستخدمها أبوظبي للضغط على القرار في واشنطن.
ففي التحقيق الذي نشره الموقع البريطاني Middle East Eye عن التعاقد مع شركة Dickens and Madson التي أسسها Ari Ben-Menashe؛ ويشير التحقيق إلى أن الشركة عملت مع كلا الرجلين المدعومين من أبوظبي حميدتي في السودان، وحفتر في ليبيا للترويج لهما في واشنطن.
رغم أن التقديرات الحالية في ليبيا تشير إلى أن قدرات وأسهم حفتر تراجعت كثيراً، وربما يدور الحديث عن البدائل، إلا أن هذا ليس النقطة الفاصلة.
هذا الدعم المتصل والرهان على تحقيق حسم عسكري في ليبيا سوف يتجدد سواء مع حفتر نفسه أو غيره.
فالأهداف الإماراتية لم تتغير، ولم تتراجع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق