مئوية المقاطعة الفرنسية
د. محمد الصغير
أكملت حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية عدة 100 يوم، واحتل وسم المقاطعة صدارة وسائل التواصل الاجتماعي طوال هذه المدة، وقلما حدث هذا في موضوع أو قضية، ولعل فداحة ما أقدمت عليه فرنسا من تعمّد الإساءة إلى مقام خير البرية (ﷺ)، وما خلّفه ذلك في نفوس المسلمين هو الذي حقّق للحملة هذا النجاح، ومع استمرار مراوغة النظام الفرنسي -بل واستخدام التصعيد- تحققت الاستمرارية كأقل رد فعل تملكه الشعوب في ظل غياب رد الفعل الرسمي “إلا قليلا”.
أثبت استمرار المقاطعة معنى وحدة الأمة، وأنها تستطيع أن تتحد على نصرة قضاياها العادلة، وتحقيق بعض أهدافها من خلال الوسائل المتاحة، حتى الذين حاولوا التهوين من شأن المقاطعة والتخذيل عنها بدعوى أنها مقاطعة إعلامية فقط، نقول لهم “حتى لو كانت كذلك -وهو افتراءٌ محض- فإن مجرد المدافعة الإعلامية هي نوع التربية على ردة الفعل وعدم التسليم وقبول الضيم، وإحياء لقيمة رد العدوان وتغيير المنكر باللسان، وإعلان لمحبة النبي عليه الصلاة والسلام.
والدليل أن فرنسا لا يهمها إلا إيقاف المقاطعة التي ألهبتها سياطها، أنها تجند لذلك قوتها الناعمة
أما عن التأثير الفعلي للمقاطعة فقد بدا واضحا على الاقتصاد الفرنسي، إذ طالب وزير خارجية فرنسا في زيارته لمصر وغيرها بضرورة العمل على إيقاف المقاطعة، وطالبت بذلك أيضًا وزارة التجارة الفرنسية في بيانات رسمية، كما أعلن المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء أن فرنسا سجلت في 2020 ركودًا قياسيًا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، ونشرت وكالة رويترز تقريرًا جاء فيه: إن مصالح فرنسا الاقتصادية باتت “على المحك” بعد تصاعد الدعوات لمقاطعة منتجاتها في العالم الإسلامي.
والدليل أن فرنسا لا يهمها إلا إيقاف المقاطعة التي ألهبتها سياطها، إنها تجنّد لذلك قوتها الناعمة مثلما حدث في زيارة السفير الفرنسي الأخيرة لمفتي مصر معربًا له عن تفهمه لغضب المسلمين من الرسوم المسيئة لمقام النبي الكريم (ﷺ)، وأن الدولة الفرنسية لا تتبنى ذلك، وفي الوقت نفسه يباهى وزير الداخلية الفرنسي بإغلاق المساجد والمراكز الإسلامية قائلا ”تحدث الجميع عن محاربة الإيديولوجيات المتطرفة، لكن حكومتنا الوحيدة التي تمكنت من إغلاق 12 دار عبادة في شهر ونصف فقط، وجمعيات مثل “البركة سيتي” و”التجمع ضد الإسلاموفوبيا” .
وفي سياق التضييق على المسلمين بفرنسا وانتهاك حقوقهم، أكد عبد الله زكري رئيس المرصد الفرنسي للإسلاموفوبيا أن المسلمين في فرنسا تعرضوا لـ235 اعتداءً في عام 2020 مقابل 154 اعتداءً في 2019، وأضاف أن الاعتداءات على المساجد زادت هي الأخرى بنسبة 35% مقارنة بـ2019.
والظاهر أن فرنسا راهنت على عامل الزمن وفتور العزائم، لكن تجدّد عنصريتها وإصرارها على جريمتها، كان كفيلا ببقاء جذوة الغضب مشتعلة في صدور المسلمين ولا سبيل لهم إلى التنفيس إلا بالاستمرار في مقاطعة بضائع الفرنسيس، والتي أغلبها من السلع التكميلية والتجميلية، بمعنى أنك لا تحتاجها في الحياة اليومية، ومع ذلك يكتب لك أجر المقاطعة عن كل يوم!
حتى وإن كنت لست من زبائن المنتجات الفرنسية، فأنت شريك في الأجر، من خلال التذكير وإعادة النشر؛ فجدد النية والعهد… وموعدنا الحوض، قال رسول الله (ﷺ): ”حوْضي مسيرةُ شهر، وزواياهُ سواء، وماؤهُ أبيض من الوَرِقِ، وريحهُ أطيبُ من المِسك، وكيزانهُ كنجوم السماء، فمن شَرِبَِ منه فلا يظمأ بعده أبدا”، رواه مسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق