صابر الرهيب: وزير ثقافة مجزرة رابعة
محمد صابر عرب .. وزير ثقافة ثلاثة عصور في ثلاث سنوات
وائل قنديل"وكان صابر عرب يزأر الزأرة في اجتماعات الحكومات الكثيرة التي تناوب عليها، فيسمع المارّة في الشوارع المحيطة صوت اصطكاك مفاصل الوزراء في بعضها البعض، قبل أن يختبئ كل وزير منهم تحت مقعده بحثًا عن ردود تهدئ غضب وزير الثقافة الهصور".
ما سبق، مشروع صياغة مقترحة إلى مؤرّخين قد يدوّنون الوقائع والأحداث التي مرّت بمصر، من واقع حديث تلفزيوني لوزير الثقافة المصرية، في ثلاث حكومات متعاقبة (مع كمال الجنزوري والمجلس العسكري، ثم مع هشام قنديل والرئيس محمد مرسي، وأخيرًا مع حازم الببلاوي والانقلاب العسكري).
أطل الوزير هذا الأسبوع عبر برنامج باسم "رأي عام" على محطة تلفزيونية مصرية، فبدا من كلامه أنه لم يكن وزيرًا للثقافة في مجلس الوزراء، بل كان ذلك القائد السياسي الرهيب الذي يعنف الوزراء ويوبخهم ويسخر من الرؤساء، ويصيح في وجوههم، فيتراجعون عن القرارات الخاطئة، أو ينفذون رؤاه وتوجيهاته وتوصياته، بمن فيهم عبد الفتاح السيسي شخصيًا.
يعلن صابر عرب، وزير ثقافة ما قبل مرسي، وما بعد مرسي، بكل فخر، أنه بلهجته الحاسمة الجازمة، كان وراء التعجيل باتخاذ وتنفيذ مذبحة رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس/آب 2014، ويروي القصة على النحو التالي: "أنا تحديدا قلت لو ما فضيناش رابعة خلال الأسبوع ده أو بالكتير الأسبوع اللي بعده هتتحول مصر كلها إلى رابعة في كل المحافظات .. ووجهت كلامي إلى، وأنا يعني أستميحه العذر، السيد المشير عبد الفتاح السيسي كان وزير الدفاع قلت له يا سيادة المشير لو مصر ما فضيناش رابعة خلال الأيام القادمة هتتحول مصر كلها في المحافظات إلى رابعة، وهتبقى المسألة مستحيل الفض .. في اليوم ده خدنا قرار بتفويض اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بالفض وبعدها بأربعة خمسة أيام كان قرار الفض".
ثم يروي صابر عرب مشاهد تنفيذ قرار الفض، وكأنه كان قائد العمليات الأمنية وليس وزير ثقافة، من المفترض أنه الأكثر بعدًا عن قراراتٍ من هذا النوع، تصنّفها التقارير الدولية ومواثيق حقوق الإنسان جرائم ضد الإنسانية، على أنّ الأكثر إثارة للدهشة أن الرجل يبدو سعيدًا وهو يحكي ذكريات افتتاح المذبحة، كما لو كان يتذكّر مشاهد افتتاح مهرجان للسينما أو حفلًا للموسيقى الكلاسيكية، أو معرضًا للكتاب.
في مواضع أخرى، يتقمّص صابر عرب، أستاذ التاريخ بالأزهر الشريف، شخصية إلهام شاهين، وهو يسترجع بطولاته في مواجهة "الجماعة الإرهابية" ورئيسها وحكومتها، التي كان وزيرًا فيها، فيستدعي مواقف وحكايات مسلية، تشعر معها أن الوزراء كانوا يخرّون إليه سجدًا كلما تحدث في اجتماع.
الرجل يسخر من زملائه الوزراء، ويتصنّع طوال الوقت أنه لا يذكر أسماءهم على وجه الدقة، ويستعرض جولاتٍ ومعارك، أطرافها الأصليون بين سجين وشهيد ومنفي، فيجعلك تشعر بأنه، وهو وزير الثقافة، يفهم في الاقتصاد والمالية أكثر من وزير المالية، ويعرف في القانون والقضاء، أكثر مما يعرفه وزير العدل، ولا يخجل من نفسه، وهو يدلي بمعلومة ثم يكذبها بعد جملة أو جملتين فقط من كلامه.
يحكي صابر الثقافة الرهيب، كيف أسقط مؤامرة النظام الإخواني لإلغاء منصب النائب العام في مصر، والاستعاضة عنه بما تسمى محكمة الشعب، فيقول إنه كان جالسًا في اجتماع لمجلس الوزراء، وجاءهم مشروع قانون لإنهاء وظيفة النائب العام.
"كان قاعد قدّامي المستشار أحمد مكي وكان وزير العدل، قلت له يا سيادة المستشار عندك فكرة عن المشروع ده ؟ قالي لي لا وفتح الورق قلتله ده مرسوم بقانون بإلغاء وظائف النائب العام وإنشاء محكمة للشعب بدل النائب العام، قال لا أنا ما وافقتش على الـ (....) وقبل ما نبدأ الجلسة كلمت هشام قنديل (رئيس الحكومة) بصوت عالي قدام كل الوزرا قلت له انتم قاصدين تلغوا النائب العام ده الناس تضحك علينا دا مش سياسة حكومة ايه ده مين اللي عمل ده".
وبعدها، يضيف صابر "المهم حصل ارتباك شديد جدا في الحوار، وأرجئ النظر في هذا المرسوم".
بصوته العالي، المخيف المرعب، يحكي صابر عرب، أيضًا، كيف أسقط مخطّط "الإخوان" لتمرير قانون الصكوك الإسلامية، لكنه هذه المرة يمتلك من وقاحة الذاكرة وصفاقتها ما يجعله يسخر من عالم اقتصاد إسلامي جليل، شهد له العالم كله بنبوغه، هو الدكتور حامد حسان، الذي رحل قبل أكثر من عام، كما يسخر من وزير شؤون المجالس النيابية في ذلك الوقت الدكتور محمد محسوب، فالأول في ذاكرة صابر عرب وخاطره هو "انت عارف الراجل اللي كان بيقرا مواد الدستور بالليل كدا في الضلمة ااا اللي هو واحد درعمي كان رئيس الجامعة الاسلامية في باكستان اسمه حامد حاجة".
يروي صابر عرب ماذا فعل حين ألقى نظرةً على مشروع قانون الصكوك الإسلامية، فيقول "ممتاز السعيد وزير المالية قلت له إنت ما عندكش فكرة عن الموضوع ده قال لي والله أنا اللي عارضه من الوزارة لكن مش أنا اللي حاطط واللي ماضي عليه هو الراجل ده".
ثم يكمل وزير الثقافة الذي يفتي في كل شيء بمجلس الوزراء إلا الثقافة القصة كما يلي "بصّيت لقيت كان فيه واحد وزير مجلس الشعب برضه من الإخوان اسمه محسب أو حاجة كده (يقصد الدكتور محمد محسوب) قال لي دا دارس اقتصاد في جامعة كمبريدج فأنا من كتر السخرية قلت له دي جامعة كمبريدج المنوفية ماله ده ومال الاقتصاد ووزير المالية ما عندوش فكرة عن الموضوع".
دعك من أن صابر عرب قال في الجملة السابقة، على لسان وزير المالية المذكور ، أنه هو الذي عرض مشروع الصكوك الإسلامية من وزارته، فما يهم هنا، ليست فقط هذه القدرة العجيبة على التصنع والتلفيق والتطاوس الصفيق على من كانوا معه من الوزراء، والجرأة على نسج البطولات الوهمية، استشعارًا منه بأن أحدًا لا يمتلك نافذة للرد أو التفنيد... بل ما يهم أكثر هو أن الرجل يقدم وجهًا مغايرًا لوزير الثقافة، تعلوه ملامح فاشية، تجعل صاحبها متورطًا، بسعادة بالغة، في إراقة الدماء، في أبشع مجازر القرن الحالي.
الرجل وهو من المفترض أستاذ للتاريخ يبتكر منهجًا جديدًا في التأريخ، لم يأت به أحد من الأقدمين والمعاصرين، لكنك من المؤكّد ستجده في مدرسة إلهام شاهين وتوفيق عكاشة وأحمد الزند.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق