حقوق إنسان السيسي: نعم للاعتلاف .. لا للاختلاف
وائل قنديل
مفهوم عبد الفتاح السيسي لما يعتبرها "حقوق الإنسان" في مصر يناسب حيوانات المزرعة أكثر مما يتماشى مع طبيعة الإنسان، وتعريف الوجود البشري، سواء في النصوص الدينية المنزلة من السماء، أو في النظريات الفلسفية التي تكونت على الأرض.
في الدين، كما في الفلسفة، جوهر الوجود الإنساني الذي يميزه عن سائر المخلوقات هو العقل، الذي هو أساس التكليف. وبالتالي، يتمتع بالحق في الحرية، والاختيار والرفض والقبول والاختلاف .. هذه الحرية، كما أنها حق للإنسان، فإنها كذلك هي الأساس في تحمّل الإنسان مسؤولية اختياراته.
تختفي هذه المفاهيم البسيطة عند الجنرال السيسي، وتحل محلها مفاهيم أخرى، تحتقر جوهر وجود الإنسان، بحيث تختزل حقوقه في "حق الاعتلاف"، وليس الحق في الاختلاف والتعبير عن الرأي والمعارضة واختيار الحاكم، وحقه في الحياة، بالطريقة التي يفضلها، تحت مظلة القوانين والدساتير والقيم، وليس كما يريد له الحاكم الباطش أن يحيا.
وهو يستعرض ما يعتبرها إنجازاتٍ صحية وطبية يحسده عليها العالم، تحدث عبد الفتاح السيسي، كالعادة، في موضوعه الأثير، مطاردًا الهواجس ذاتها التي تنغّص عليه حياته: الثورة والحريات، فكرّر تعريفه المهين للإنسان وحقوقه.
"الناس هتقولي أنت بتتكلم عن الثورات تاني، أه، الناس عاوزه تعيش، طب هي هتعيش ازاي؟ أساس الدولة المصرية واستقرارها هو الحفاظ على أمنها وسلامتها، مش حرية الرأي بس ومش حرية التعبير بس".
ثم كان أكثر وضوحًا في نظرته إلى الإنسان، بوصفه كائنًا تحرّكه بطنه، لا عقله أو روحه، وباعتباره حملًا ماديًا ثقيلًا على الدولة، وهو يقول "والله انتم بتحملوا نفسكم وأولادكم والدولة أمر فوق طاقتها، وترجعوا تثوروا وتخرجوا في الشوارع تهدوا بلادكم، ويفضل المسلسل شغال خراب في خراب".
الخراب عند السيسي، باختصار ووضوح، يأتي عندما يفكر الإنسان خارج نطاق معدته وأمعائه، فيتهور ويمارس نشاطًا آخر غير الأكل والشرب والنوم، كأن يهتف ضد الظلم، مثلًا، أو يدافع عن الكرامة الإنسانية، أو يطالب بحريته في التعبير والاختلاف والنقد والمعارضة والتظاهر .. كل ذلك، في نظر السيسي، هو من مسبّبات الخراب، وليس الظلم، كما كان يتوهم ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع الإنساني، أن الظلم مؤذنٌ بخراب العمران.
يحكم السيسي وفق شعار "من حقك أن تعتلف، لكن من دون أن تختلف مع مشيئة الحاكم الفرد"، وهو الشعار التي تحاصرك تطبيقاته وتجلياته في كل مكان، من السجون التي تكتظ بعشرات الآلاف من البشر الذين تهوّروا وقرّروا أن يسلكوا كبشر لهم حق الاختلاف، وليسوا كائنات تنتظر الاعتلاف، فكان أن تم حرمانهم من الحرية، الحق الأول والأقدس من حقوق الإنسان، وباتوا مهدّدين بالحرمان من الحياة، تحت التعذيب والتنكيل والمنع من العلاج في زنازين لا تليق بالبشر.
النظرة غير الإنسانية لحقوق الإنسان في مصر عبّر عنها عبد الفتاح السيسي بوضوح شديد على مدى السنوات الماضية، منذ فرض على الناس الاختيار بين أن يعيشوا بلا حرية و كرامة إنسانية وحلم بالديمقراطية .. أو أن يموتوا كما يموت الناس في سورية والعراق، بحسب معادلته الوحيدة المعلنة منذ العام 2014.
هذه النظرة، أو النظرية، لم يخجل من إعلانها أمام الأوروبيين، مع إضافاتٍ تمثل منتهى الازدراء للمواطن المصري، مثلما قال للرئيس الفرنسي في زيارة الأخير القاهرة، قبل أكثر من عامين، إنه ينبغي على الأوروبيين ألا يطبقوا معاييرهم لحقوق الإنسان على المواطن المصري .. وكان ذلك بمثابة بلاغ إلى العالم بأن المواطن المصري أقل قيمةً من المواطن في أي مكان في العالم المتقدّم.
هذه الصياغة، أو هذا التعاطي من جانب السيسي لحقوق الإنسان المصري، يشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بل إنه يمكن القول إنه لو استخدم هذا التعبيرات بحق شعب آخر، غير المصريين، فإنه يرتكب جريمة تمييز عنصري ضد جماعة بشرية، ذلك أن المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصّ على ما يلي: "يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق". فيما تشدّد المادة الثانية على عدم التمييز، والذي هو، بحسب الأمم المتحدة، مبدأ شامل في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتنصّ عليه جميع المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان.
من المنطقي ألا يعترف عبد الفتاح السيسي بذلك كله، أو يؤمن به، فلكي تؤمن بحقوق الإنسان يجب أن تعترف به كإنسان أولًا، بينما كل ما يدور على الأرض يؤكد أنه يدير الدولة بمنطق الراعي والقطيع والمزرعة .. ومن ثم من الطبيعي ألا يترك مناسبةً إلا ويستغلها في تخويف الناس من ثورةٍ كانت تحلم بالكرامة الإنسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق