حملة لوأد البنات برعاية مشايخ المهرجانات
وائل قنديل
لم نكن نسيء إلى مفهوم رجل الدين في زمن عبد الفتاح السيسي، حين قلنا إن أداء مشايخ السلطة لا يقل إسفافًا وابتذالًا عما يسمّى "فن المهرجان"، ذلك اللون من الغناء المفرط في انحطاطه شكلًا ومضمونًا.
بالنظر إلى ما يصدر عن مشايخ عبد الفتاح السيسي هذه الأيام، قد يكون الملائم الاعتذار لمطربي المهرجانات عن تشبيههم بهذا الصنف من باعة الفتاوى وترزية التفسير وسماسرة اقتياد النصوص الدينية للخدمة في بلاط السلاطين.
هذا الأسبوع، تحوّل كل المشايخ أصحاب الإطلالات التلفزيونية إلى نموذج واحد، يردّد خطابًا واحدًا، يجعل من النص الديني خادمًا مطيعًا وتابعًا لتخاريف الجنرال السيسي وثرثراته الخاصة بالزيادة السكانية.
في لحظةٍ، التقط "شيوخ المهرجان" ما يريده السيسي، فراحوا يلوون عنق النصوص الدينية، ويحرّفون الكلم عن مواضعه، في عملية شديدة الابتذال وصفتها من قبل بأنها "تطويع المقدّس واستعماله في نفاق قداسة الجنرال المرصّع بنياشين القتل والخراب". كلهم اكتشفوا فجأة أن الإسلام ينهى عن الإنجاب، ويكره الكثرة، ويحارب الخصوبة، وأن كل النصوص الواردة في القرآن والسنة عن أن في الكثرة العددية الجيدة قوة وعز للأمة قد أسيئ فهمها وتفسيرها على مدار 15 قرنًا، حتى جاء "الإمام السيسي" بالفهم الصحيح والفقه السليم، وقرّر أن تكاثر النسل هو الخراب والدمار بعينه.
لن يكون مفاجئًا لو وجدت هؤلاء يومًا يشيدون بحكمة أهل العصر الجاهلي وعبقريتهم، حين كانوا يقومون بوأد الإناث فور إنجابهن، ولن تعدم شيخًا من إياهم يقول لك إن الجاهليين سبقوا عصرهم في اكتشاف أهمية قتل البنات، حتى لا يكبرن ويصرن أمهات وينجبن المزيد من البنين والبنات، وبالتالي تتعطّل خطط الحاكم في صناعة نهضة الأمة وتطورها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
شخصيًا، لن يكون صادمًا بالنسبة لي أن يتبنّى عبد الله النجار، العضو في مجمع البحوث الإسلامية، دعوة من هذا النوع، وخصوصًا بعد أن أعلن على الملأ أن زيادة السكان مخطط إخواني شرير للتآمر على الأمة، وكما قال بالنص، في مداخلة مع القناة الأولى بالتلفزيون الرسمي، "إن جماعة الإخوان تعمل على تشجيع الناس على كثرة الانجاب لإرهاق الدولة، خاصة إن كثرة الانجاب يؤدي إلى وجود عدد من السكان بلا تنمية ولا موارد، وبالتالي من السهل السيطرة عليهم من قبل جماعات معينة، وتجنيدهم لتنفيذ أجندتهم الخاصة".
شيوخ المهرجان تسابقوا في تقديم لحنٍ واحد، بكلماتٍ واحدة، من تأليف عبد الفتاح السيسي تقول "مفيش عيل بييجي برزقه"، لتسمعها بالإيقاع ذاته تتردّد في كل الفضائيات والمحطات الإذاعية، فيخيل إليك أنّ حملة إبادة جماعية في طريقها إلى الانطلاق للتخلّص من نصف السكان بالقتل، أو بتعقيم الرجال والنساء، كما يفعل مربو القطط والكلاب في مقتنياتهم منها، كي لا تسبّب لهم إزعاجًا وزحامًا وضغطًا على ميزانية البيت.
هذه الحالة من المجون في الفتوى، والرقاعة في تكييف الرأي الفقهي، وتطويعه لهلوسات الحاكم، لا تجدها إلا في عصور الاستبداد والانحطاط، ربما تتغير الوجوه والأسماء، إلا أنّ اللوثة واحدة، وقد تجد أسماءً تمارس الدور نفسه في كل العصور، كما في حالة عبد الله النجار، صاحب الفتوى شديدة الإسفاف والرداءة التي بلغ به الشطط فيها تكفير جمهورٍ منتخب الجزائر لكرة القدم، كله، في أثناء الموقعة الشهيرة في العام 2009، حين التقى الفريقان، المصري والجزائري، لتحديد صاحب بطاقة الوصول إلى كأس العالم.
في ذلك الوقت، كان "نجار الفتاوى" يكتب زاوية تحت عنوان "قرآن وسنة" بصحيفة الجمهورية، فقرّر الآتي: "فقد الجزائريون دينهم، بعد أن فقدوا عقولهم من أجل مباراة كروية لن يزدادوا بها إلا خسارا. ولن يحصلوا بها إلا ذلا وانكسارا ، اتخذوا دين الله وكتابه سخريا وازدراء قاتلهم الله أنى يؤفكون" ثم "هم المجرمون الملحدون".
هذا النمط من المشايخ لا يفنى ولا يستحدث من عدم، طاقة متجدّدة من توصيل الفتاوى إلى قصور الحكام، بأسرع مما يستطيع عمال ديليفري الوجبات السريعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق