طالبان على أبواب الإمارة الثانية | (٢) الملاحق السرية
محمود عبد الهادي
عرضنا في المقال السابق تفاصيل الصفقة التي تمت بين الولايات المتحدة وطالبان، والتي سلمت الولايات المتحدة بموجبها أفغانستان للحركة، وحددت الاتفاقية المعلنة لإحلال السلام في أفغانستان -الموقّعة في الدوحة نهاية فبراير/شباط 2020م- التزامات كل طرف تجاه الآخر. بنود الاتفاقية لم تذكر أسبابًا مقنعة لقيام الولايات المتحدة بهذه الخطوة؛ فهل اشتملت الاتفاقية على ملاحق سرية إضافية لم يتم نشرها؟ وما الذي اشتملت عليه هذه الملاحق؟ وهل سيتم الالتزام بها من الطرفين؟ وهل ستسير الأمور على نحو ما يتمناه الطرفان؟
الاتفاقية تمت بين الولايات المتحدة وطالبان، بين طرفين غير متكافئين من كافة الجوانب، إلا من جانب قوة التمثيل في الاتفاقية، التي ما كانت لتتم بعد 18 شهرًا من المفاوضات إلا بعد وصول الطرفين إلى توافق كامل على أنها تحقق مصالح كل منهما لدى الآخر؛ المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، في المديين القريب والمتوسط على أقل تقدير، وهذه المصالح تتجاوز حدود تفاصيل عملية الانسحاب والحرب على الإرهاب.
أسئلة غامضة ومصالح مؤكدة
التطورات المتلاحقة السياسية والعسكرية الدامية التي تدور على أرض أفغانستان هذه الأيام، والتي كانت منظورة لدى كل من الولايات المتحدة وطالبان، ينبغي ألا تشغلنا عن محاولة فهم ما يدور؛ فهذه الأحداث -رغم دمويتها وخسائرها المؤلمة- ليست جديدة على الشارع الأفغاني ولا العربي، مع الأسف الشديد، ومن أجل الاقتراب أكثر من فهم ما يدور، ولماذا يدور، علينا التعمق أكثر في فهم البنود التي اشتملت عليها الاتفاقية المعلنة الموقّعة بين الطرفين، والتي تركت العديد من الأمور في غاية الغموض، وتركت العديد من الأسئلة بلا إجابات شافية، وعلى رأسها:
1. ما الذي دفع الولايات المتحدة للتوقيع على هذا الاتفاق مع طرف يمثل مكونًا واحدًا فقط من المكونات السياسية الأفغانية؟
2. لماذا أقدمت الولايات المتحدة على تغيير نظام الدولة في أفغانستان، من نظام ديمقراطي ينسجم مع القيم الأميركية، إلى إمارة إسلامية بقيادة طالبان تعتمد على البيعة الشرعية الإسلامية لأميرها، التي يرفضها الفكر الغربي بشكل عام؟
3. ما الذي أغرى الولايات المتحدة على توقيع الاتفاقية مع عدو لدود، حاربته بمشاركة الحكومة الأفغانية وقوات التحالف لأكثر من 18 عامًا، فقدت فيها حوالي 3500 من القوات الأميركية والتحالف وعشرات الآلاف من جنود الحكومة الأفغانية، وأنفقت عليها الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار؟
4. لماذا تخلّت الولايات المتحدة عن الحكومة الأفغانية في هذه الاتفاقية واستثنتها من المشاركة في المحادثات، وهي الحكومة الديمقراطية المنتخبة التي تمثل كافة النسيج الأفغاني، باستثناء حركة طالبان وتنظيم "داعش" (الدولة الإسلامية)، وأنفقت عليها الولايات المتحدة مئات المليارات في الإعداد والتدريب والتنمية، فقد بلغت تكلفة إعداد الجيش فقط وتعزيز قدراته حوالي 5 مليارات دولار سنويًّا؟
إن هذه الاتفاقية تمت بين طرفين غير متكافئين من كافة الجوانب، إلا من جانب قوة التمثيل في الاتفاقية، التي ما كانت لتتم بعد 18 شهرًا إلا بعد وصول الطرفين إلى توافق كامل على أنها تحقق مصالح كل منهما لدى الآخر؛ المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، في المديين القريب والمتوسط على أقل تقدير، وهذه المصالح تتجاوز حدود تفاصيل عملية الانسحاب والحرب على الإرهاب.
حقيقة الملاحق السرية
نفت حركة طالبان وجود ملاحق سرية لاتفاقية إحلال السلام في أفغانستان التي وقّعتها مع الولايات المتحدة، والتي حضر مراسم توقيعها وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، من دون أن يصافح أو يلتقي أحدًا من طالبان حسب ما ذكرته وسائل الإعلام، إلا أن الوزير تحدث في صباح اليوم التالي في برنامج "واجه الأمة" في قناة "سي بي إس" (CBS) الأميركية، وذكر فيها أنه التقى رئيس وفد طالبان، وأكد له أن طالبان ستعمل جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة لتدمير القاعدة وقطع الموارد عنها وإخراجها من أفغانستان.
الطرف الأميركي كان له قول مختلف عما ذكرته طالبان بخصوص الملاحق السرية، فعندما سُئل الوزير بومبيو في اللقاء المشار إليه آنفا عما إذا كانت هناك ملاحق سرية لهذه الاتفاقية؛ قال إن هناك اثنين من الملاحق، وهي وثائق تنفيذ عسكرية مصنفة على أنها سرية. ولم يجب الوزير عما إذا كان هناك اتفاق للإبقاء على وجود عسكري أميركي في أفغانستان.
بعد أسبوع من هذه التصريحات، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في الثامن من مارس/آذار 2020م تقريرًا بعنوان "اتفاقية سرية مع طالبان.. متى ستغادر الولايات المتحدة أفغانستان؟ وكيف؟" وذكرت فيه أن أعضاء من الكونغرس راجعوا الملحقين السريين للاتفاقية، اللذين أصرّت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الحفاظ على سرّيتهما، حيث أبدى وزير دفاعه عدم رغبته في الحديث عنهما، في شهادته أمام الكونغرس قبل أيام فقط من توقيع الاتفاقية. ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على الوثيقتين أنهما يحتويان على جدول زمني لما يجب أن يحدث خلال 18 شهرا القادمة، وعلى أنواع الهجمات التي يحظرها الجانبان، والمعلومات التي ستشاركها الولايات المتحدة حول مواقع قواتها مع طالبان، بهدف إعطائها معلومات تسمح لها بمنع الهجمات أثناء الانسحاب.
وحسب التقرير، فإن بيانًا للخارجية الأميركية حينها ذكر أن الوثائق ظلت سرية لأن "تحركات القوات والعمليات ضد الإرهابيين أمور حساسة"، و"لا نريد أن تعرف داعش تلك التفاصيل"، حسب بيان الخارجية، الذي أشار إلى أن الملاحق السرية تتفق مع الاتفاقية العامة، وأن "الترتيبات تشمل التزامات محددة من قبل جميع الأطراف لمواصلة جهود الحد من العنف لحين الاتفاق على وقف دائم وشامل لإطلاق النار في المفاوضات بين الأفغان، مع الحفاظ على حق جميع الأطراف في الدفاع عن النفس". وأضاف أن الولايات المتحدة لديها "آلية مراقبة وتحقق قوية" لتتبع وتقييم سلوك طالبان.
وذكرت الصحيفة أن الوثائق تمنح ترامب، أو خليفته، حرية كبيرة للإعلان ببساطة أن الحرب قد انتهت، وأن عليهم الرحيل من أفغانستان. واقترح العديد من مساعدي ترامب بقاء قوات مكافحة الإرهاب الأميركية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية. كما أشارت الصحيفة إلى أن العديد من الجمهوريين والديمقراطيين الذين انتهزوا الفرصة لمراجعة الوثائق غير راضين عنها، ووصفوها بأنها فشلت في توفير آليات للتحقق من أن طالبان ستفي بوعودها، وأن الوثائق لم توضح كيف ستقيس الولايات المتحدة مدى النجاح، وأن التفاصيل غامضة لدرجة أن البعض شكك في احتفاظ الولايات المتحدة بقدر كبير من النفوذ.
أما الوزير بومبيو فكان كثير الاطمئنان إلى أن طالبان مستعدة للوفاء بالالتزامات التي تعهدوا بها، وأنهم سيفعلون ذلك، وأن الولايات المتحدة ستكون قادرة على المراقبة والتأكد من تنفيذ الاتفاقية وملاحقها على أرض الواقع.
الغريب في الأمر أنه قبل أسبوعين من توقيع اتفاقية السلام مع طالبان نشر موقع صحيفة تايم الأميركية في 13 فبراير/شباط -وفقًا لـ3 أشخاص مطّلعين- أن الصفقة التي تمت مع طالبان تحتوي على 3 ملاحق سرية:
- الأول خاص ببقاء قوات مكافحة الإرهاب الأميركية في أفغانستان.
- الثاني خاص بشجب طالبان للإرهاب والتطرف العنيف.
- الثالث خاص بآلية مراقبة إذا كانت جميع الأطراف تحترم شبه الهدنة أثناء استمرار المحادثات بين الأطراف الأفغانية المتحاربة.
- وذكر الموقع وفقًا لاثنين من الأشخاص المطّلعين أن الملحق الثالث يتناول كذلك كيف ستعمل وكالة المخابرات المركزية في المستقبل في المناطق التي تسيطر عليها طالبان.
ما تجدر الإشارة إليه في نهاية هذا المقال أن هذه الاتفاقية وملاحقها (إن صحّت) لا تسير في فراغ، وتواجهها كثير من التحديات والعقبات، الإقليمية والدولية منها أكثر من المحلية، فهي تسير على أرض بركانية زلزالية تتطلب من اللاعب السياسي الجديد الكثير من الحنكة والحذر وهو يمشي فوق سهولها وهضابها.
(يتبع… الداهية خليل زاد)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق