لم تنته الحكاية غدا تطير العصافير
في موطن الدّعوة، دعوة الخير والسّلام والنّور والحياة تعلو أصوات تدعو للشرّ والقتل والظّلمة والموت لمن أراد أن يحيي الدّعوة ويعيد لها إشراقها وينفض عنها ما أصابها من شوائب وأدران، سلمان العودة هو مثال وقدوة وهو ليس وحده فمثله العشرات مثل نجوم تضيء في ديجور الظّلمات، الطّريفي، القرني، العمر، الحوالي، العودة وآخرون كلّهم سلمان: سلم للدّارين، وكلّهم العودة، عودة للدّعوة في نسختها المشعّة النّقية الأولى واستعادة لروحها ومقصدها. كتب سلمان ذات مرّة: "إنّ صفاء النّفس، وسلامة القلب من الحقد والجسد، حبّ الخير للنّاس، الفرح بإشراقهم ونجاحهم هي أعظم رصيد لسعادة الدنيا والآخرة"، كتب ذلك في كتابه: "أنا وأخواتها" وسنكتب هذه المرّة عن سلمان العودة وإخوانه، ما الّذي يجعلهم مطاردين، مستهدفين من قوى الظّلم والطّغيان والجهل والظّلمة؟
ولد سلمان بن فهد بن عبد الله العودة الجبري الخالدي في 14 ديسمبر (كانون الأوّل) من سنة 1956 بقرية البصر، غربي مدينة بريدة في منطقة القصيم، له دكتوراه في السنّة وهو أستاذ جامعي، باحث ومفكّر، ذو إنتاج غزير وحضور إعلامي مميزّ وهو جدّ مؤثّر، له أكثر من 25 مليون متابع على صفحته في تويتر وله مؤلّفات عدّة (أكثر من 62 كتابا) ذات مواضيع متنوّعة إذ تطرّق إلى المشاكل الّتي تهمّ حياة المسلم المعاصر، تحدّث عن الحرّية وبناء الإنسان وعن الإصلاح والثّورة والمؤسّسات والوطن وهو ما يعتبر تجاوزا للخطوط الحمراء وتناولا للمحظورات والمحرّمات ممّا جعله في مرمى سهام السّلطات الّتي كان يمثّل تحدّيا لها فحاصرته وطاردته وسجنته وسعت جاهدة لإخراس صوته أو كسر إرادته وإعادته إلى طريقها "السّوي المستقيم"، قطيع المصطفّين المستكينين المسبّحين بحمد السّلطان فكان عصيّا عليها أبيّا، أقصى ما فعله نصح ودعاء بإصلاح الحال وهو ما لا يكفي لإبراز الولاء والطّاعة كبرهان.
كتب الدكتور العودة ذات مرّة في كتابه "لو كنت طائرا": سألني فتى عن أهمّ أحلامي؟ فقلت أن أموت وأحلامي تنبض بالحياة، وتواجه التحدّي، تنفخ ضمائر الأمل في قلوب اليائسين والبائسين والمحبطين |
يقول الدكتور العودة: "أغلى شيء عندي هو حرّيتي، الحرّية لا تريد أن يصادرها لا حاكم ولا تابع"، هو حرّ يدعو إلى تحرّر الإنسان فمن الطّبيعي أن يكون مستهدفا مّن قبل من لا يؤمنون لا بحرّية ولا بإنسان، فقد حرموه منها لسنوات وهو خبر السّجون والجلّادين فقد اعتقل سنة 1994 لتوقيعه مذكّرة النّصيحة ضمن حملة اعتقالات واسعة شملت دعاة وناشطين طالبوا بإجراء إصلاحات قانونية، اجتماعية، إدارية وإعلامية وكان من بين المعتقلين الدكتور سفر الحوالي، الدكتور عوض القرني والدكتور ناصر العمر، ليفرج عنه بعد خمس سنوات ليتمّ اعتقاله مؤخّرا في 10 سبتمبر2017 بعد نشره لتغريدة على حسابه بموقع توتير يقول فيها: "ربّنا لك الحمد لا نحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك، اللّهمّ ألّف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم".
كانت دعوة للتّآلف وجمع الشمل حينما لاح أمل لانفراج الأزمة الخليجية فكانت الإجابة من دعاة الفتنة والفرقة والتّصعيد الاختطاف والسّجن، هو ما كشفه نجله الدكتور عبد الله العودة والّذي كشف أيضا بعضا من ممارسات الجلّادين لكسر أرادته، إذ عانى من الإهمال الطبّي وتعرّض للتعذيب النّفسي والجسدي وهو غير مستغرب في نظام سلطوي قمعي يعيش صراعا محتدما على كرسي الحكم يطمح لأن يعتليه مراهق مغامر تجرّأ على وضع أمّه تحت الإقامة الجبرية وسجن أبناء عمّه وبعضا من أهلة، فكيف ببعض الأصوات الدّاعية للإصلاح والمغرّدين خارج السّرب؟
فالإصلاح ومحاربة الفساد والخوض في الشّأن العام هي مجالات حصريّة لوليّ الأمر ومطالبته بذلك ولو تلميحا هو كفر بوّاح وشرك صريح بصلاحيات السّلطان اللّامتناهية قد يستحقّ من يطلقها السّجن أو القتل "تعزيرا" درءا للفتن وحماية لوطن صار وثنا واختزل في شخص أحد لا يماثله أحد. والإصلاح مثلا لا يجب أن يتجاوز حدود تعويض هاتف نوكيا بايفون، أو في منح الجنسية لروبوت، أو السّماح للمرأة بقيادة السيّارة أو في إجازة الرّقص والغناء وهي حسب مفتيي البلاط من أعمال الشّيطان إلاّ إذا كانت خالصة لوجه السّلطان. أمّا محاربة الفساد فهو عنوان لجمع الأموال ليجد السّلطان ما ينفقه على يخوته وقصوره، ما يدفعه لشراء ذمم منافسيه وخصومه.
يمثّل الدّكتور العودة وأمثاله، أصوات الحكمة والاعتدال، دعاة للخير والإصلاح وهم يمثّلون الأمل في إنقاذ سفينة السّعودية المستهدفة والمعرّضة للغرق وسط عواصف هوجاء تواجهها من كلّ جانب، وسيلتهم في ذلك النّصيحة وممارسة حقيقية للأمر بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وفي تطبيق حرفي لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ أَمِيرٍ جَائِر"، الشّيخ العلّامة سلمان العودة وإخوانه ليسوا بدعاة تقليديين، هم دعوات تمشي على الأرض، لا يحتاجون إلى قلقلة في النّطق ولا إلى تزويق أو تنميق أو تسويق.
فيكفي أن تشاهد العودة وهو يصفّف شعر بنيّته ليعوّض أمّها الفقيدة ثمّ وهو يحمل ابنه على كتفيه وهو يحاوره حول وفاة أمّه ويزيل عنه بعض حيرته، من يتذكّر كيف كان يحاور وكيف لا تغادر الابتسامة ثغره سيكتشف أنّ خطواته وسيرته مستلهمة من خالص صفاء سيرته: سيرة الحبيب المصطفى ومن من سار على دربه من أصحابه وأحبّته.هو رجل من طينة الرّجال الّذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى:"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (23 الأحزاب).
كتب الدكتور العودة ذات مرّة في كتابه "لو كنت طائرا": سألني فتى عن أهمّ أحلامي؟ فقلت أن أموت وأحلامي تنبض بالحياة، وتواجه التحدّي، تنفخ ضمائر الأمل في قلوب اليائسين والبائسين والمحبطين. هكذا اختزل أحلامه في بلد يعتبر فيه الحلم جرما، كلام لا يروق لخفافيش الظّلام وأعداء الحياة لذاك كان هدفا لسهامهم وفخاخهم، قد يكونون نجحوا في وضعه في قفص مظلم لكن يستحيل أن تمنع القضبان من تسلّل الشّعاع. قد يستمرّ ظلمهم لفترة لكن أكيد لن يقدروا على قتل الفكرة. لا تخشوا من اشتداد ظلمة اللّيل فتلك بشائر فجر جديد.. وسنقول ما قاله الدكتور ونعيد: "لم تنته الحكاية غدا تطير العصافير".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق