من نحن ومن الآخر؟! (1-2)
لتمضي في الحياة لا بد أن تعرف من أنت، وتعرف غيرك. إنها الهوية والتعريف بالنفس والتميز عن الآخرين. وعلى هذا تُبنى التنمية والتقدم والقوة الاجتماعية، ومن ثم القوة الاقتصادية والسياسية. نحن مسلمون، وفي تقديم رابطة الوطن مزالق عقدية خطيرة.
مقدمة
فتنة لبْس الحق بالباطل
وجوب فطنة الدعاة
نموذج لتلاعبٍ خطرٍ بالمصطلحات
المقصود بمصطلح “نحن والآخر”الاستعمال الوطني لا العقدي
خاتمةهوامش:
لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، قيما..
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلاهالك. أما بعد:
فإن القيام بالعبودية الحقة لله عز وجل لا يتم إلا بالإخلاص له سبحانه في عبادته، وأن تكون العبادة على بصيرة واتباع لما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإن البصيرة في الدين لا تتحقق ما دام الباطل ملتبسا بالحق.
وبمعنى أخر، فإن البصيرة في الدين لاتحصل إلا بوضوح الحق وتنقيته من الباطل الملتبس به، قال تعالى: ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: 256)، وقال سبحانه: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ (يونس: 32).
فتنة لبْس الحق بالباطل
لذا كان لزاما على العبد أن يعرف الحق بدليله ما أمكن، وأن يزيل عنه الباطل الذي علق به، وذلك حتى يأتي بالعبادة على وجهها المقبول عند الله عز وجل، وإن من أعظم الفتن التي يفتِن الشيطان بها العباد فتنة التزيين، ولبْس الحق بالباطل، واتباع الهوى في ذلك.
ولقد وقع في هذا الشَّرَك العظيم كثير من الناس بعضهم عن علم وبعضهم عن جهل، وقد كثر اللبس والتضليل في عصرنا الحاضر؛ حيث ظهرت وسائل ماكرة ومضللة لبست على الناس دينهم وخلطت الحق بالباطل.
بل وصل الأمر لدرجة قلب الحقائق، وإظهار الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وتعاون شياطين الجن والإنس: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ (الأنعام: 112) في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مزخرفة وألفاظ خادعة، وتسمية للأسماء بغير مسمياتها، فضلَّ بسبب ذلك كثير من الناس.
وجوب فطنة الدعاة
وإننا في زماننا هذا لنرى صوراً كثيرة من لبس الحق بالباطل، وصوراً من ليِّ أعناق النصوص، وصوراً كثيرة من المغالطات والخداع والحيل المحرمة المفتراة على دين الله عز وجل..
فكان لزاما على الدعاة والعلماء أن يحذروا بأنفسهم من الوقوع في هذه المزالق وأن لا يسكتوا عليها بل يجب عليهم أن يكشفوها للناس ويحذّروهم منها، وأن لا يدَعوهم لأهل الأهواء يلبّسون عليهم دينهم، ويحرّفون الكلم عن مواضعه وهذا ما أخذه الله عز وجل على أهل العلم بقوله: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ (آل عمران: 187).
وإن كل من لبس على الناس دينهم أو كتم الحق عنهم ففيه شبَهٌ ممن زجرهم الله عز وجل بقوله: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 42).
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عند هذه الآية:
نهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه.
ولبسه به: خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالأخر، ومنه التلبيس: وهو التدليس والغش الذي يكونه باطنه خلاف ظاهره.
فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق، وتكلم بلفظ له معنيان: معنى صحيح، ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح، ومراده الباطل، فهذا من الإجمال في اللفظ. (1)
ويقول في موطن آخر:
وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم؟
فالغبي ينظر إلي ظاهرها ويقضي بجوازه، وذو البصيرة يتفقد مقصدها وباطنها.
فالأول يروج عليه زغل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زغل الدراهم، والثاني يُخرج زيفها كما يخرج الناقد زيف النقود.
وكم من باطل يُخرجه الرجل يحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق، وكم من حق يخرجه بتهجينه، وسوء تعبيره في صورة باطل؟
ومن له أدنى فطنة وخبره لا يخفى عليه ذلك. (2)
نموذج لتلاعبٍ خطرٍ بالمصطلحات
وإن ما يطرح اليوم في وسائل الأعلام وبعض الحوارات والندوات من تلاعب بالمصطلحات والمسميات لا يقف خطرها على الألفاظ فحسب؛ بل تجاوزه إلى المضامين والأصول والثوابت.
ومع ذلك لم يتصد لخطرها والرد عليها إلا أفراد قلائل لم تبلغ ردودهم حد الكفاية في الإعذار والإنذار، مع أن الأمر من الخطورة بحيث يجب التصدي له من قِبل أهل العلم والدعوة وأن يبلغوه للمسلمين في الوسائل المتاحة ليدركوا خطره وليحذروا من الوقوع في زخرف الملبّسين وتضليل المضلّلين وبخاصة أن الأمر يتعلق بأصول هذا الدين وثوابته وليس بفروعه وجزئياته.
وإن من المصطلحات التي تطرح اليوم طرحاً انهزامياً ًينم عن الشعور بالمهانة والذلة والحرج، من أصول هذا الدين، ما يعمل له اليوم من حوارات ولقاءات صحفية ومؤتمرات تدور حول مصطلح “نحن والآخر “؛ فما هو المقصود بمصطلح “نحن والآخر”..؟
المقصود بمصطلح “نحن والآخر”
إن هذا المصطلح من المصطلحات الغامضة الحمّالة لمعاني مختلفة.
ولعل ذلك مقصود ممن هم وراء طرحه وإثارته، ولذلك لا بد من تحرير هذا المصطلح، وكشف أبعاده ليتعرّى الملبّسون المضلّلون الذين يعنون ما يقولون، وليحذر الذين غُرّر بهم بتبني هذا المصطلح من بعض أهل العلم والدعوة.
ولتحرير هذا المصطلح والهدف من طرحه نستعرض المعاني المستعملة التي لا يخرج عنها تفسير هذا المصطلح.
الاستعمال الأول:
الاستعمال الوطني لا العقدي
وهو ما ذكره المجتمعون في اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري المنعقد في أبها في الفترة من (11 ـ 13 /11/26 هـ) حيث جاء في بيانهم الختامي تعريفهم لهذا المصطلح بقولهم:
وقد اتجه المجتمعون إلى التعبير بأن المقصود بـ “نحن” أي: المواطنين السعوديين الذين يجمعهم دين واحد هو الإسلام، ووطن واحد هو المملكة العربية السعودية، وله أراء وتوجهات متنوعة.
و”الآخر” هو المجتمعات الإنسانية الأخرى بجميع أديانها وحضاراتها وأوطانها.
ولا يخفى ما في هذا الكلام من أبعاد خطيرة تبينها المناقشات التالية.
مزلق عقدي .. ضياع ولاء المؤمنين خارج الوطن
أولاً: قولهم بأن
المقصود بـ “نحن”: المواطنين السعوديين … الخ، و”الآخر”: هو المجتمعات الإنسانية الأخرى…الخ.
إن في هذا القول مزلقاً عظيماً وتجاهلاً واضحاً لعقيدة الولاء والبراء في هذا الدين، فالله عز وجل يقول: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (الأنعام: 14).
ويقول سبحانه عن نبيه نوح عليه السلام مع ابنه ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ (هود:46).
ويقول سبحانه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10).
ويقول عز وجل ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ (التوبة: 71).
وفي ضوء هذه الآيات وأمثالها من القرآن الكريم يتبين المزلق الكبير لتعريف “نحن” و”الآخر”..
إذ كيف تحصر كلمة “نحن” في “المواطنين السعوديين الذين يجمعهم دين واحد ووطن واحد…”الخ..؟
إذن فأين محل إخواننا المسلمين في الأوطان الأخرى، ومن بينهم العلماء والعباد والمجاهدون والدعاة والمصلحون؟ وهل هؤلاء يخرجون من دائرة “نحن”؟
أين الولاء والموالاة بين المؤمنين إذا ساويناهم بالآخر الكافر أو الملحد والمنافق ممن يعيشون خارج الوطن.
مزلق عقدي .. ضياع البراء من الكافرين داخل الوطن
ثانياً: وقالوا في تعريف من (نحن)؛ بأنهم:
الذين ينتسبون إلى الإسلام في الوطن الواحد وإن تنوعوا مذهبياً وفكريا وثقافياً واجتماعيا، فلا يجوز استخدامه لاختراق الوحدة الوطنية
إنه لا يخفى ما في ذلك من خرق لعقيدة الولاء والبراء في هذا الدين، فكم في الوطن الواحد من العقائد الباطلة الكفرية التي يخرج صاحبها من الإسلام؛ كمن يعبد غير الله عز وجل ويستغيث به ويدّعي أن غير الله تعالى يعلم الغيب كغلاة الشيعة والصوفية..
وكم في الوطن الواحد من يكفّر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويعاديهم، ويقذف نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، العفيفات الطاهرات..
وكم في الوطن الواحد من المنافقين الذين يبطنون العداء للإسلام وأهله ويوالون الغرب وأهله، فهل هؤلاء هم منا ونحن منهم لأننا وإياهم نعيش في وطن واحد؟
إننا بهذا الفهم نعود إلى صورة من صور الجاهلية الأولى التي جاء هذا الدين للقضاء عليها، وجعَل رابطة العقيدة والإيمان فوق كل رابطة يعادَى من أجلها ويوالَى من أجلها ويحَب من أجلها ويبغَض من أجلها.
قال صلى الله عليه وسلم: «من تعزى بعزاء أهل الجاهلية فأعضوه هَنَّ أبيه ولا تكنوا»، فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول: يا لفلان! فقال: أعضض أير أبيك، فقال: يا أبا المنذر! ما كنت فاحشاً، فقال بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3)
ويشرح شيخ الإسلام هذا الحديث فيقول:
ومعنى قوله «من تعزى بعزاء الجاهلية» يعني يتعزى بعزائهم، وهي الانتساب إليهم في الدعوة، مثل قوله: يا لقيس! يا ليمن! ويا لهلال! ويا لأسد.
فمن تعصب لأهل بلدته، أو مذهبه، أو طريقته، أو قرابته، أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية، حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله. (4)
[للمزيد اقرأ: الإسـلام هويـة تجمـع الأمـة]
ملة ابراهيم
والآيات في كتاب الله عز وجل كثيرة؛ تلك التي تركّز على عقيدة الولاء والبراء، وأنها هي الأصل في رابطة الحب والبغض والاجتماع والافتراق..
وأكتفي بقوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ (الممتحنة: 4).
هذه هي الملة الإبراهيمية وهذا هوا الدين المحمدي، فهل أصبحت الوحدة الوطنية هي صاحبة السيادة العليا التي يعقد عليها الولاء والبراء.
إن مما تعلمناه من كتاب ربنا عز وجل وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأقوال سلفنا الصالح أن الأصل الذي يقوم عليه الولاء والوحدة والإتلاف هو التوحيد والبراءة من الشرك وأهله؛ وإلا فلا وحدة ولا اجتماع، بل المفاصلة والبراءة.
إذاً فكيف يقول القوم هداهم الله عز وجل بأن التنوع المذهبي أو الفكري أو الثقافي لا يجوز استخدامه لاختراق الوحدة الوطنية؟
هل يعني هذا أن الوحدة الوطنية فوق عقيدة التوحيد، وعلى حساب عقيدة الولاء والبراء؟
[اقرأ: معنى «لا إله إلا الله»]
خبث استعمال مصطلح “التنوع المذهبي”
إن مصطلح التنوع المذهبي أو الفكري أو الثقافي من المصطلحات العائمة الغامضة، لكن اللبيب يعرف ما المقصود منها.
إنها تعني أن أي مذهب عقدي شركي أو بدعي؛ فما دام أنه داخل الوطن الواحد فينبغي الاعتراف به وعدم الافتراق معه ضماناً للوحدة الوطنية.
وهذا مخالف لدين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وللملة الإبراهيمية، حيث لا ولاء ولا محبة لمشرك.
وعليه فإن من يعبد علياً أو الحسين رضي الله عنهما ويسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأخٍ لنا.
وإن الصوفي الخرافي الذي يطوف بالقبور ويستغيث بأهلها ليس بأخٍ لنا.
وإن الليبرالي المنافق الذي يبطن كره الإسلام وأحكامه، ويدعو إلى محاكاة الغرب الكافر وتشريعاته ليس بأخٍ لنا.
إن الوحدة الوطنية يجب أن تخضع لعقيدة التوحيد، وليس العكس الذي تكون فيه الوحدة الوطنية على حساب عقيدة التوحيد، وكما قال الله عز وجل عن نوح عليه السلام مع ابنه ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ (هود: 46).
فنحن نقول كذلك إن أعداء التوحيد ليسوا من أهلنا ولا من قبيلتنا ولا من وطننا، فإما أن يرجعوا إلى توحيد الله ويدخلوا في السلم كافه فيكونوا إخواننا، وتجمعنا بهم وحدة الدين، ويزيدها قوه وحدة الوطن وإلا فلا وحدة ولا وطنية معهم.
إن الولاء والبراء مع أنه مطلب شرعي عقدي إلا أنه أيضاً مطلب فطري وعقلي؛ فلا نجد جنساً من الأجناس يرتبطون برابطة من الروابط إلا وتظهر عليهم هذه الصفة، حيث يوالون بني جنسهم ويعادون من يعاديهم حتى في عالم الحيوان والطير.
والكفار أنفسهم ينطلقون في ولائهم وبرائهم من هذا المنطلق، وقد أعلنها طاغوتهم “بوش” حينما قال:
من لم يكن معنا فهو ضدنا
هذا هو ولاء الكفار وبراؤهم. لكن المسلمين يتميزون عن جميع الأجناس بأن عقيدة الولاء والبراء تنطلق من كلمة التوحيد، فمن كان من أهلها فهو ممن يحبه الله تعالى، فنحب من يحبه الله عز وجل، ومن كفر بها أبغضه الله وأصبح عدواً لله فحينئذ نبغضه لأن الله يبغضه.
أما بقية الأجناس الأخرى كالحيوان والكفار وأصحاب الروابط الجاهلية من بني آدم، فهم يوالون ويعادون على الماء والتراب والمرعى والمصالح الدنيوية، والمسلمون يوالون ويعادون في الله تعالى. وهذا هو ما يزعج الكفرة والمنافقين، حيث يريدونها روابط جاهليه عصبية عُمّية لا دخل للدين فيها.
[للمزيد: خسارة الأمة نتيجة غياب الهوية]
ضياع الحق والسواد الأعظم
ثالثاً: وهنا مسألة أخرى لا تقل خطراً عن سابقتيها ألا وهي النظر لمصطلح (نحن) والذين عبروا عنه بأبناء الوطن الواحد ممن ينتسب إلى الإسلام بنظرة التساوي والندية بين رؤوس الأطياف والمذاهب الفكرية المجتمعة، وأنهم شئ واحد.
أي أنه في مثل هذه الحوارات الوطنية وما يُطرح فيها يتساوي التوجه السني السلفي ـ الذي هو السواد الأعظم في هذا البلد، وهو مرجعية أهله ـ بالتوجه الرافضي الحاقد الذي يقوم فكره على الشرك بالله تعالى وسب الصحابة رضي الله عنهم، والذي يمثل أصحابه القلة القليلة في البلد.
كذلك يتساوى مع التوجه الليبرالي التحرري الذي هم أقل القليل، مع ما يحمل من أفكار تحررية تتحلل من أحكام الله تعالى، سواء في مجال السياسة أو المرأة أو الاقتصاد أو الدين بأسره.
وهنا مكمن الخطر إذ كيف يتساوى رؤوس الضلال الذين هم قِلة ونكرات ونبْتات غريبة في مجتمعنا مع التوجه السلفي الشرعي الذي هو طابع أهل البلد وسواده الأعظم..
إنهم والله لا يستوون، ولكن هذه المؤتمرات الحوارية الوطنية تسوي بينها، وترفع من شأنها كمّاً وكيفاً، سواء علم القائمون بذلك أم جهلوا.
وهذا من المخاطر الجسيمة الكثيرة التي تنجم من جعْل الوطن والوطنية والمواطنة هي التي يعقد عليها الولاء والبراء.
خاتمة
إن مكمن الخطر في هذه المساواة تكون حينما يكون الرافضي والليبرالي ـ اللذان لا يشكلان بُعداً في المجتمع ولا قيما ًولا تأثيراً ـ مساوياً لرأي علماء أهل السنة في سَنّ ما يريد من مفاهيم على التربية والتعليم والحياة الاجتماعية والثقافية بحجة التسامح.
وقبول الأخر والتعددية وغيرها من المفاهيم الضبابية، التي يراد من خلالها إذابة هوية الأمة وفتح لأبواب التغريب داخل المجتمع..
ومن ثم جعْل هذا “الآخر” واقعاً لا مناص منه حتى لو كان في قمة الشطط الفكري، وحتى لو كان داعية إلى الرذيلة أو الإلحاد والكفر.
وهذا يصطدم مع أبجديات المفاهيم الإسلامية التي تأمر بحفظ الدين وسياسة الدنيا به والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل المرجعية الحاكمة لكل شؤون الناس منطلقة من الشريعة الربانية الخالدة. (5)
………………………………………………..
هوامش:
- الصواعق المرسلة 3/ 926.
- أعلام الموفقين 4/ 229.
- رواه أحمد في مسنده (20728) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (269). وتضبط “فأعْضوه”، و”فأعِضّوه”.
- مجموع الفتاوى 28/ 422.
- انظر “تساوي الرؤوس”، موقع المختصر.
لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:
اقرأ أيضا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق